ترجمات

الرأي العام العالمي بعد عام على الحرب في أوكرانيا

بعد مرور عام على الحرب الروسية الأوكرانية، لا يوجد أدنى شك في أنها تمثل نقطة تحول في التاريخ العالمي، حيث تحدى هذا الصراع أبسط افتراضات الأوروبيين حول أمنهم، وأعاد شبح المواجهة النووية إلى القارة العجوز، وعطل الاقتصاد العالمي، محدثًا أزمات على صعيدي الطاقة والغذاء.

وعلى وقع هذا المشهد، تفاعل الأشخاص في أجزاء مختلفة من العالم مع الحرب وفسروها بطرق متنوعة، فعلى عكس الرأي السائد في الغرب، يبدو أن مواطني العديد من البلدان غير الغربية يعتقدون أن حقبة ما بعد الحرب الباردة قد انتهت، فهم لا يتوقعون أن يتسم النظام الدولي المقبل بالاستقطاب بين كتلتين بقيادة الولايات المتحدة والصين، وبدلاً من ذلك يرجحون أن يكون هناك عالم متعدد الأقطاب.

وفي هذا الإطار، كشفت نتائج لاستطلاع رأي عالمي نشر بمناسبة الذكرى الأولى للحرب عن استعادة الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين وحدتهم، فيما أظهر فجوة واسعة بين الغرب وبقية العالم عندما يتعلق الأمر بالنتائج المرجوة عقب الحرب، ومدى تفهم أسباب دعم الولايات المتحدة وأوروبا لأوكرانيا.

وقد أُجري الاستطلاع بالتعاون بين المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية وجامعة أكسفورد، وذلك في الفترة ما بين ديسمبر 2022 ويناير 2023، على عينة من البالغين (18 عامًا فأكثر) تتألف من 19765 شخصا في 10 دول أوروبية (الدنمارك، إستونيا، فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، إيطاليا، بولندا، البرتغال، رومانيا، وإسبانيا)، و5 دول خارج أوروبا (الصين والهند وتركيا وروسيا والولايات المتحدة).

  • تباين الرؤى حول استمرارية الحرب والتنازلات الممكنة

ثمة إجماع بين الحكومات الأوروبية على أن انتصار أوكرانيا وحده هو الذي سيوقف الحرب التي يشنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وعلى الرغم من أن أعدادًا كبيرة من المواطنين الأوروبيين ما زالوا يرغبون في وقف الحرب في أقرب وقت ممكن، يبدو أن الاستطلاع يظهر اتجاهًا واضحًا نحو تفضيل انتصار أوكرانيا حتى لو تطلب استمرار الصراع لفترة أطول، كما يعتقد الأمريكيون أيضًا أن أوكرانيا يجب أن تستعيد أراضيها إذا أريد تحقيق سلام دائم.

في المقابل، يفضل الأشخاص في الدول غير الغربية انتهاء الحرب الآن حتى لو كان ذلك يعني أن على أوكرانيا التخلي عن الأراضي، وهو ما أيده (42%) من المشاركين في الاستطلاع في الصين و(48%) في تركيا و(54%) الهند.

وينعكس العداء المتزايد للأوروبيين تجاه روسيا في تفضيلهم عدم شراء الوقود الأحفوري الروسي حتى لو أدى ذلك إلى مشاكل في إمدادات الطاقة، فهذا هو الرأي السائد في الدول التسع الأعضاء في الاتحاد الأوروبي المشاركة في الاستطلاع، حيث يدعمه في المتوسط ​​55 % من مواطني الاتحاد الأوروبي. وعلى النقيض من ذلك، يؤيد 24 % فقط تأمين إمدادات الطاقة دون عوائق من خلال الاستمرار في الشراء من روسيا، فيما أجاب 12% بـ”لا أعرف”، و9% بـ “لا شيء من هذا”.

ووفقا للاستطلاع، فإن الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وتعثر موسكو عسكريا، لم يدفع ذلك المشاركين في الدول غير الغربية إلى التشكيك في قوة روسيا، فهي إما “حليف” أو “شريك” لـ 79 % من المشاركين في الاستطلاع بالصين و69% في تركيا، كما يعتقد حوالي ثلاثة أرباع المشاركين من هذين البلدين والهند أن روسيا إما أقوى أو على الأقل قوية بنفس القدر، مقارنة بالطريقة التي كانوا ينظرون بها إلى موسكو قبل الحرب.

في المقابل، يرى الأمريكيون والأوروبيون أن روسيا “خصم”، وجاءت النتائج موزعة كالتالي: (71%) من المشاركين في الولايات المتحدة، و(77%) في بريطانيا، و(65%) في دول الاتحاد الأوروبي.

  • مستقبل النظام العالمي

تتعلق إحدى النتائج الأكثر إثارة للانتباه في الاستطلاع بالأفكار المختلفة حول النظام العالمي المستقبلي، حيث يعتقد معظم المشاركين سواء داخل الغرب أو خارجه أن النظام الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة آخذ في الزوال.

وبطريقة متناقضة، فإن الوحدة الغربية الجديدة رداً على العدوان الروسي لا تشير إلى إحياء نظام دولي تقوده أمريكا، حيث إن 9% من الأمريكيين المشاركين في الاستطلاع، و11% من الأوروبيين يرون أن التفوق الأمريكي العالمي هو الحالة الأكثر احتمالا فقط خلال عقد من الآن.

وبدلاً من ذلك، يسود أوروبا وأمريكا الرأي القائل بعودة القطبية الثنائية، فيتوقع عدد كبير من المشاركين بالاستطلاع عالمًا تهيمن عليه كتلتان بقيادة الولايات المتحدة والصين، مما يعني أن ذكريات الحرب الباردة تشكل الطريقة التي ينظر بها الأمريكيون والأوروبيون إلى المستقبل.

في المقابل، يعتقد معظم المشاركين في الدول غير الغربية الرئيسية (الصين والهند وتركيا وروسيا) أن يكون الغرب قريبًا مجرد قطب عالمي واحد من بين عدة أقطاب، وربما يظل الغرب أقوى قطب لكنه لن يكون مهيمنًا.

ويرى 61% من الروس المشاركين في استطلاع الرأي و61% من الصينيين، و51% من الأتراك، و48% من الهنود، أن النظام العالمي المستقبلي إما سيكون نظاما متعدد الأقطاب أو نظاما عالميا تهيمن عليه الصين.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن الحرب الروسية الأوكرانية كشفت عن مفارقة الوحدة الغربية والانقسام العالمي، وأكدت على تجدد مركزية القوة الأمريكية في أوروبا، حيث تم إنفاق مليارات الدولارات على المجهود الحربي والحفاظ على الوحدة عبر المحيط الأطلسي بشأن العقوبات والمواقف الدبلوماسية تجاه روسيا.

بالإضافة إلى ذلك قد يكون الغرب أكثر تماسكًا الآن، لكنه ليس بالضرورة أكثر تأثيرًا في السياسة العالمية، وعلى عكس زمن الحرب الباردة، فإن الشركاء التجاريين الرئيسيين ليسوا عادة شركاء في الرؤية للتحديات والتهديدات الأمنية العالمية.

وأخيرًا، تظهر الحرب الأوكرانية الحاجة الماسة في مختلف أنحاء العالم للاستعداد للمشاركة الطوعية في بناء نظام عالمي جديد، أو التكيف مع التحولات الجذرية التي تطرأ على قواعد النظام الحالي.

زر الذهاب إلى الأعلى