أثار الإصدار الأخير من روبوت الدردشة “ChatGPT” في نوفمبر الماضي اهتمامًا كبيرًا، وهو في جوهره عبارة عن روبوت محادثة مدعوم بالذكاء الاصطناعي يسمح للمستخدمين بمحاكاة المحادثات الشبيهة بالبشر باستخدام الذكاء الاصطناعي. ويرمز GPT إلى Transformer Generative Pre-trainer وهو نموذج لمعالجة اللغة طورته شركة الذكاء الاصطناعي الأمريكية “OpenAI” يستخدم نموذج لغة GPT التعلم العميق لإنتاج استجابات شبيهة بالإنسان.
ويعد التعلم العميق فرعًا من فروع التعلم الآلي الذي يتضمن تدريب الشبكات العصبية الاصطناعية لتقليد تعقيد الدماغ البشري، وإنتاج استجابات شبيهة بالبشر. ويتميز “ChatGPT” بواجهة سهلة الاستخدام تعتمد على هذه التقنية، مما يسمح للمستخدمين بالتفاعل معها بطريقة محادثة.
وفي ضوء هذه التكنولوجيا الجديدة، أبدت الشركات والمستهلكون على حد سواء اهتمامًا كبيرًا بالكيفية التي يمكن بها لمثل هذا الابتكار إحداث ثورة في استراتيجيات التسويق وتجارب العملاء، وهو ما استعرضه تقرير لموقع “ذا كونفرزيشن” على النحو التالي:
- ما الذي يميز روبوت الدردشة “ChatGPT” ؟
يتميز “ChatGPT” عن روبوتات المحادثة الأخرى بحجم مجموعة البيانات الخاصة به، فعادةً ما يتم تدريب روبوتات المحادثة على مجموعة بيانات أصغر وبطريقة قائمة على القواعد بحيث يكون مصمما للإجابة عن أسئلة محددة وتنفيذ مهام معينة؛ أما “ChatGPT” تم تدريبه على مجموعة بيانات ضخمة- 175 مليار براميتر و570 جيجابايت – وهو قادر على أداء مجموعة من المهام في مختلف المجالات والصناعات. علما بأن 570 جيجابايت تعادل أكثر من 385 مليون صفحة على برنامج Microsoft Word.
ونظرًا لكمية البيانات، يمكن لـ “ChatGPT تنفيذ أنشطة مختلفة متعلقة باللغة، والتي تشمل الإجابة عن الأسئلة في مختلف المجالات والقطاعات، وتقديم إجابات بلغات مختلفة وإنشاء محتوى.
- صديق أم عدو للمسوقين؟
في حين أن “ChatGPT” قد يكون أداة هائلة للمسوقين، فمن المهم فهم الاحتمالات الواقعية والتوقعات للحصول على أقصى استفادة منه. فتقليديًا مع ظهور تقنيات جديدة، يميل المستهلكون إلى المرور بدورة الضجيج الخاصة بشركة Gartner، التي تشرح فيها العملية التي يمر بها الأشخاص عند تبني تقنية جديدة، إذ تبدأ الدورة بمحفز الابتكار، وتبلغ الذروة في مرحلة المحفزات المبالغ فيها عندما يكون المستهلكون متحمسين للتكنولوجيا الجديدة، وتبدأ التوقعات ثم يدرك المستهلكون مخاطر التكنولوجيا مما يخلق فجوة بين التوقعات والواقع وهي ما يسمى بمرحلة “خيبة الأمل”، ويتبع ذلك منحدر التنوير عندما يبدأ المستهلكون في فهم التكنولوجيا واستخدامها بشكل أكثر ملاءمة وعقلانية. وأخيرًا، يتم اعتماد التكنولوجيا على نطاق واسع واستخدامها على النحو المنشود خلال مرحلة استقرار الإنتاجية.
ومع الإثارة العامة الحالية المحيطة بـ “ChatGPT”، يبدو أننا نقترب من ذروة مرحلة المحفزات المبالغ فيها، لذلك من المهم للمسوقين أن يضعوا توقعات واقعية للمستهلكين بشأن “ChatGPT” للتخفيف من آثار مرحلة خيبة الأمل.
- إمكانيات روبوت الدردشة “ChatGPT”
لا يمكن لروبوت المحادثة “ChatGPT” في شكله الحالي، أن يحل محل العامل البشري في التسويق، ولكن يمكنه دعم إنشاء المحتوى، وتحسين خدمة العملاء، وأتمتة المهام المتكررة ودعم تحليل البيانات.
- دعم إنشاء المحتوى: يمكن للمسوقين الاستعانة بـ “ChatGPT” لتحسين المحتوى الحالي من خلال استخدامه لتحرير العمل المكتوب، وتقديم الاقتراحات، وتلخيص الأفكار، وتحسين إمكانية قراءة النص بشكل عام. بالإضافة إلى ذلك، قد يعزز الروبوت استراتيجية تحسين محرك البحث من خلال فحص الكلمات الرئيسية والوسوم.
- تحسين خدمة العملاء: يمكن للشركات تدريب روبوت المحادثة “ChatGPT” على الرد على الأسئلة المتداولة والتفاعل مع العملاء في محادثة تشبه محادثة الإنسان، ما يعني توفير دعم للعملاء على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع مما يؤدي إلى تعزيز العمليات الداخلية من خلال ترك المهام عالية التأثير والحساسة للبشر. كما يمكن أيضًا تدريب روبوت المحادثة بلغات مختلفة، مما يعزز تجربة العملاء ورضاهم.
- أتمتة مهام التسويق المتكررة: وفقًا لتقرير “”HubSpot لعام 2015، قضى المسوقون قدرًا كبيرًا من وقتهم في المهام المتكررة، مثل إرسال رسائل البريد الإلكتروني، وإنشاء منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي. بينما تمت معالجة جزء من هذا التحدي من خلال برنامج إدارة علاقات العملاء.
لذلك قد يعزز “ChatGPT” هذا الاتجاه من خلال إنشاء محتوى إبداعي. كما أنه قد يكون مفيدًا في مهام أخرى مثل وصف المنتجات، فمن خلال الوصول إلى كم هائل من البيانات، سيكون روبوت المحادثة قادرًا على تحديث وتعديل أوصاف المنتج بشكل متكرر، مما يسمح للمسوقين بالتركيز على المهام ذات التأثير الأكبر.
- حدود استخدام روبوت الدردشة “ChatGPT”
بينما توجد مجموعة واسعة من الاحتمالات لتعزيز عمليات التسويق باستخدام “ChatGPT”، إلا أنه من المهم للشركات أن تعرف بعض القيود الرئيسية ومتى يجب الحد من استخدام روبوت المحادثة في العمليات التجارية أو حتى تجنبه تمامًا.
- الذكاء العاطفي: يوفر “ChatGPT“ أحدث استجابة ومحتوى شبيها بالإنسان. ومع ذلك، من المهم أن تدرك أن الأداة تشبه الإنسان فقط. فعلى غرار التحديات التقليدية مع روبوتات المحادثة، ستكون درجة التشابه البشري ضرورية لتعزيز العملية وإنشاء المحتوى.
فيمكن للمسوقين استخدام “ChatGPT“ لتحسين تجربة العملاء، ولكن دون العنصر البشري الذي يتميز بالخبرة ويوفر حالة الاتصال الشخصي، سيكون من الصعب الاستفادة بشكل كامل من روبوت المحادثة. بعبارة أخرى، الاعتماد على “ChatGPT” لبناء اتصالات مع العملاء والمشاركة دون وجود للعنصر البشري قد يقلل من التواصل الهادف مع العملاء بدلاً من تعزيزه.
- الدقة: بينما قد يبدو المحتوى التسويقي منطقيًا، من المهم ملاحظة أن “ChatGPT” ليس خاليًا من الأخطاء وقد يقدم إجابات غير صحيحة وغير منطقية. ولذلك يحتاج المسوقون إلى مراجعة المحتوى الذي تم إنشاؤه بواسطة الروبوت والتحقق من صحته لتجنب الأخطاء المحتملة، وضمان الاتساق مع رسالة وصورة العلامة التجارية.
- الإبداع: الاعتماد على “ChatGPT” للمحتوى الإبداعي قد يسبب تحديات قصيرة وطويلة المدى، فالروبوت يفتقر إلى الخبرة الحية للأفراد وفهم تعقيد الطبيعة البشرية؛ وبالتالي قد يؤدي الاعتماد المفرط عليه إلى الحد من القدرات الإبداعية، لذلك يجب استخدامه لدعم التفكير وتحسين المحتوى الحالي مع إتاحة المجال للإبداع البشري.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأنه لا يمكن الاستغناء عن البشر، ففي حين أن روبوت الدردشة “ChatGPT” لديه القدرة على تعزيز فاعلية التسويق، فيجب على الشركات استخدام التكنولوجيا فقط كأداة لمساعدة البشر وليس استبدالهم. فصحيح يمكن لروبوت الدردشة توفير محتوى إبداعي ودعم المحتوى، إلا أن العامل البشري لا يزال ضروريًا لفحص تلك المخرجات، وإنشاء رسائل تسويقية تتوافق مع استراتيجية عمل الشركة ورؤيتها.