على الرغم من كثرة الأبحاث حول التأثير النفسي لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي فإن النتائج غير المتسقة حالت دون استخلاص أي استنتاجات مؤكدة، ففي حين خلصت بعض الدراسات إلى أن استخدام الوسائط الاجتماعية مرتبط بزيادة الترابط الاجتماعي وتقليل الشعور بالوحدة، تشير تقارير أخرى إلى الإضرار بالوحدة والرفاهية مع زيادة استخدام مثل هذه المنصات.
وفي هذا الإطار، كشفت دراسة تجريبية لباحثين من جامعة آستون بالمملكة المتحدة نشرتها مجلة “PLOS ONE” عن تصنيف الأشخاص في ثلاثة أنماط مميزة لاستخدام الوسائط الاجتماعية: سلبي، تفاعلي، أكثر تفاعلية، معتبرة أن هذه الأنماط مرتبطة بالصحة النفسية، حيث أبلغ المستخدمون الأكثر تفاعلًا عن مشاعر الترابط الاجتماعي أكثر من المستخدمين السلبيين أو المتفاعلين، وهو ما نستعرضه على النحو التالي:
- منصة تواصل اجتماعي وهمية
طور الباحثون في تلك الدراسة أداة محوسبة لقياس أنماط الاستخدام على منصة تواصل اجتماعي وهمية، حيث راقبوا سلوك 526 فردًا تفوق أعمارهم 18 سنة ومن مستخدمي فيسبوك، حيث قاموا بملء استبيانات حول مستويات شعورهم بالوحدة، وكذلك الشعور بالانتماء، والترابط الاجتماعي، وحجم رأس المال الاجتماعي عبر الإنترنت، وقام أفراد العينة بالإجابة أيضًا عن أسئلة حول استخدامهم لفيسبوك وعلاقتهم بشبكة الأصدقاء.
قامت الدراسة بتصنيف المستخدمين في ثلاث مجموعات منفصلة اعتمادًا على عدد المرات التي نقروا فيها على عبارات “التالي” أو “أعجبني” أو “مشاركة” على 90 صورة مقدمة لهم على موقع تواصل اجتماعي وهمي.
في المتوسط، قام المستخدمون السلبيون (يشكلون حوالي 39% من المشاركين في الدراسة)، بالنقر فوق “التالي” في أغلب الأحيان، وعلى 85% من الصور. أما المستخدمون التفاعليون (نسبتهم 35.4% من عينة الدراسة)، نقروا في أغلب الأحيان إما على “التالي” بنسبة 59%، أو “أعجبني” بنسبة 36%.
وبالنسبة للمستخدمين الأكثر تفاعلا (يشكلون 25.7% من العينة)، نقروا في الغالب على “أعجبني” بنسبة 51%، أو”مشاركة” بنسبة 20%.
وكشف تحليل البيانات أن المستخدمين الأكثر تفاعلًا كان لديهم في المتوسط أصدقاء أكثر على فيسبوك، وقضوا وقتًا أطول على تلك المنصة، وأبلغوا عن شعور أكبر بالترابط الاجتماعي ورأس المال الاجتماعي أكثر من المستخدمين السلبيين أو التفاعليين. ومع ذلك لم تستطع الدراسة تحديد ما إذا كان هناك أي ارتباط سببي أو اتجاهي بين هذه العوامل، لذا هناك حاجة إلى مزيد من العمل لفهم تأثير تلك العوامل على هذه العلاقات.
- مزايا أداة القياس المستحدثة
استنتج معدو الدراسة أن أداة قياس الاستخدام التي طوروها والمتاحة الآن للجمهور، يمكن أن تساعد الباحثين على التمييز الكمي بين أنماط استخدام منصات التواصل الاجتماعي، والتغلب على قيود البيانات المقدمة ذاتيا، وتعزيز البحث المستقبلي في مجال علم النفس السيبراني.
ورأى الدكتور دانيال شو، المحاضر بكلية علم النفس في جامعة آستون بالمملكة المتحدة أن هذه الدراسة تقدم أداة جديدة يمكن للباحثين بواسطتها قياس أنماط التفاعل المختلفة على منصات التواصل الاجتماعي، وتشير إلى أن أسلوب المشاركة لدينا يمكن أن يكون أكثر أهمية لرفاهيتنا النفسية من مقدار الوقت الذي نقضيه على وسائل التواصل الاجتماعي.
من جهتها، ذكرت الدكتورة شارلوت بنينجتون في كلية علوم الحياة والصحة بجامعة آستون أن الأفراد الذين أظهروا أنماط استخدام أكثر تفاعلية على منصتنا أفادوا بمشاعر أقوى للترابط الاجتماعي ورأس المال الاجتماعي مقارنة بأولئك الذين أظهروا سلوكًا تفاعليا أو سلبيًا.
ونوهت أن فريق الدراسة طور أول موقع وهمي للشبكات الاجتماعية يمكن استخدامه لقياس أنماط الاستخدام الطبيعية، بعيدًا عن المخاوف الأخلاقية التي تنشأ عندما يسجل الأشخاص الدخول إلى هواتفهم الخاصة.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأنه على الرغم من أن المنصة الوهمية التي قامت عليها تلك الدراسة تتضمن بعض خصائص منصات التواصل الاجتماعي الحقيقية (مثل تمرير المحتوى، أو الإعجاب، أو المشاركة)، فإنه لم تعرض المستخدمين لميزات تصميم مهمة أخرى ثبت أنها تشير إلى أنماط استخدام الوسائط الاجتماعية المعتادة، فعلى سبيل المثال، اختلف تصميم المنصة الوهمية عن فيسبوك وإنستجرام، وبالتالي افتقد للإشارات السياقية التي قد تنشط ارتباطات التحفيز والاستجابة التي تدفع أنماط استخدام معينة كأصوات الدردشة داخل النظام الأساسي.
وبالمثل، تختلف الصور غير العاطفية المستخدمة في المنصة الوهمية اختلافًا كبيرًا عن المحتوى غير المتوقع والذي غالبًا ما يكون عاطفيًا ويقوم من خلاله المستخدمون بالتمرير على منصات التواصل الحقيقية، وعلى هذا النحو، فإن أنماط الاستخدام التي حددتها الدراسة لا تعكس تمامًا عادات المستخدمين في العالم الحقيقي على منصات التواصل الاجتماعي.
وأخيرًا، اعتمدت الدراسة على قياس تفاعل المستخدمين مع المحتوى العام المستند إلى الصور فقط، وليس التفاعلات القائمة على النص، نظرًا لأن المنصات القائمة على الصور (على سبيل المثال إنستجرام) يبدو أن لها تأثيرات مختلفة على رفاهية الأفراد مقارنة بالبدائل المستندة إلى النصوص، لذا يجب أن تنظر الدراسات المستقبلية في تكييف الأداة التي تم تطويرها لالتقاط أنماط الاستخدام عبر المنصات البديلة.