ارتبطت كثافة استخدام الأفراد للإنترنت بوجه عام ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل خاص والوقت الذي يقضونه أمام شاشات الهواتف بالعديد من التداعيات النفسية السلبية، كالقلق والاكتئاب وتدني احترام الذات، واضطرابات النوم، فضلًا عن التأثير على علاقات الفرد في دوائره الاجتماعية مع الأسرة والأصدقاء، كما تؤثر كذلك بالسلب على المسار التعليمي أو الحياة المهنية.
وقد أدت تلك التطورات إلى ظهور نمط جديد من الإدمان هو “إدمان الإنترنت – (Internet Addiction Disorder (IAD”، الذي يشير إلى المشاركة المفرطة والقهرية مع عالم الإنترنت، بحيث يميل الأشخاص الذين فقدوا السيطرة على الوقت الذي يقضونه على الشبكة العنكبوتية إلى إعطائها أولوية على حساب الالتزامات المهمة، مثل واجبات الأبوة والأمومة أو العمل أو الأنشطة الاجتماعية.
وعلى الرغم من وجود العديد من الدراسات البحثية التي نظرت في تأثيرات إدمان الإنترنت، فإن الإصدار الخامس للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية الذي نشرته الجمعية الأمريكية للطب النفسي لم يصنفه كحالة صحية نفسية.
واللافت أنه خلال جائحة فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، أصبح الكثير من الأفراد أكثر ارتباطًا بالهواتف عن أي وقت مضى، فعلى سبيل المثال وجدت الأبحاث في عام 2021 أن وقت الشاشة غير المخصص للأغراض الأكاديمية بالنسبة للمراهقين في الولايات المتحدة زاد إلى 7.7 ساعة يوميًّا بعد ظهور الوباء.
وهنا يثار تساؤل هل يمكن اعتبار هذا بمثابة إدمان للإنترنت؟ والإجابة أنها ليست بالضرورة كذلك، ولكن إذا كان شخص ما يعاني من عواقب سلبية أو يشعر بأنه غير قادر على إبعاد نفسه عن الإنترنت -حتى بالنسبة لمسؤوليات مثل الذهاب إلى العمل- فقد تكون لديه علاقة استحواذية بالإنترنت.
اضطراب إدمان الإنترنت
وفي حين أنه ليس من المفهوم على نحو يقيني سبب إدمان الأفراد للإنترنت، ولكن يمكن تفسير الأمر جزئيًّا من خلال الفرضية الخاصة بالعلاقة بين التكنولوجيا المتقدمة، والإشباع المتحقق، ويظهر ذلك في منصات التواصل الاجتماعي التي تحفز الدوبامين -هرمون مسؤول عن الشعور بالسعادة -والهواتف الذكية التي أدت إلى زيادة تبعية الفرد بالتكنولوجيا.
وتحتوي شبكات التواصل الاجتماعي على ميزات تعزز الدوبامين، مثل الإعجابات أو ردود الفعل، وتبحث أدمغتنا على جرعات أكثر وأكثر من الدوبامين، كما يستخدم الأفراد أيضًا الإنترنت والألعاب عبر الإنترنت للهروب من المشاعر الصعبة، بحسب موقع “Psych Central” المتخصص في الطب النفسي.
ووفقًا للعديد من الأبحاث توجد مجموعة من الأعراض التي يمكن من خلالها الاشتباه في إدمان الإنترنت وتتمثل فيما يلي:
الاستخدام المفرط: يقول الخبراء إن أكثر من ساعتين يوميًّا للأطفال دون سن 18 عامًا يُعد مشكلة، بينما لا توجد مدة محددة للبالغين؛ نظرًا لأنهم يعملون أو يتعلمون عبر الإنترنت.
الانسحاب: يقصد به الأعراض الشائعة للانسحاب – التوتر والغضب والاكتئاب – من بين اضطرابات الإدمان السلوكي.
الآثار السلبية على الحياة: عندما يبدأ الاستخدام المفرط للإنترنت في إعاقة المهام والمسؤوليات والأنشطة اليومية، فمن المحتمل أن يكون هذا مؤشرًا على إدمان الإنترنت.
وربط باحثون آخرون المرور المفرط على وسائل التواصل الاجتماعي بالشعور بالكآبة وتدني احترام الذات والقلق الاجتماعي. وبالإضافة إلى أعراض الصحة النفسية المرتبطة بالاستخدام المفرط للإنترنت، قد تشمل الأخطار المحتملة الأخرى لإدمانه تأثيره على الصحة البدنية. فعلى سبيل المثال، تشير دراسة لجمعية القلب الأمريكية نشرت العام الماضي إلى أن قضاء الكثير من الوقت أمام الشاشة يزيد من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية. وتشير دراسة أخرى تعود لعام 2017 إلى أن وقت الشاشة المفرط قد يبطئ النمو المعرفي للأطفال.
من جهة أخرى، وعلى الرغم من حقيقة أن إدمان الإنترنت لم يصنف رسميًّا كمرض فإنه تم تحديد 4 أعراض مختلفة له وهي -اضطراب الألعاب عبر الإنترنت، إدمان القمار على الإنترنت، إدمان الإباحية عبر الإنترنت، إدمان البحث عن المعلومات القهري-، وإن كان العديد من الأطباء والباحثين يجادلون بأن هذا إدمان لأشياء موجودة على الإنترنت وليس الإنترنت نفسه.
“النوموفوبيا- Nomophobia”
يشترك إدمان الإنترنت في خصائص مشابهة لإدمان الهواتف المحمولة أو “النوموفوبيا- nomophobia” (خوف الفرد من أن يكون من دون هاتفه المحمول أو غير قادر على استخدامه)، حيث يمكن أن تؤثر النوموفوبيا أيضًا على الحياة اليومية للفرد، نظرًا لأن العديد من الأشخاص الذين يعانون من هذا الأمر يجدون صعوبة في تغيير الطريقة التي يتصرفون بها مع التكنولوجيا.
وعلى الرغم من عدم تصنيف “النوموفوبيا-nomophobia” على أنه اضطراب حقيقي، لكن العديد من الخبراء في مجال الطب النفسي يتفقون على أنه مصدر قلق متزايد شأنه شأن الرهاب واضطرابات القلق الأخرى، حيث يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالقلق والاضطراب إذا اضطررت إلى ترك هاتفك بعيدًا لفترة من الوقت، والقلق العميق أو الخوف أو الذعر من مجرد التفكير في عدم امتلاك هاتفك أو القدرة على استخدامه، ويمكن أن يكون للذعر الشديد مظاهر جسدية؛ مثل الارتعاش أو الاهتزاز، وزيادة التعرق، والشعور بالإغماء، والدوار، والارتباك، وسرعة ضربات القلب.
ونظرًا لأن “النوموفوبيا- nomophobia”، ليس رهابًا معترفًا به علميًّا، لا توجد علاجات محدد له، ولكن يمكن للطبيب أو الاختصاصي النفسي أن يوصي بعلاج للسيطرة على أعراض الرهاب، وقد يشمل “العلاج السلوكي المعرفي- Cognitive Behavioural Therapy” من أجل مساعدة الفرد على تعلم إدارة ومواجهة الأفكار التي تدفعه للخوف من أن يكون من دون الهاتف أو غير قادر على استخدامه. وأيضًا “العلاج بالتعرض- Exposure Therapy” فبهذه الطريقة يتعلم الفرد مواجهة خوفه عبر التعرض التدريجي لهذا الموقف أي البقاء دون الهاتف، ففي هذه الحالة، ستتعلم كيفية إدارة الخوف واستخدام هاتفك بطرق صحية. وفي بعض الحالات، قد يصف اختصاصيو الرعاية الصحية دواءً للتعامل مع القلق، ويقترحون أيضًا الانضمام إلى مجموعات الدعم.
وتأسيسًا على ما سبق يمكن القول بأن مشكلة الإفراط في استخدام التكنولوجيا والإنترنت وتطبيقات التواصل الاجتماعي تتطلب تضافر الجهود لمواجهتها، والحد من تأثيراتها السلبية، وذلك من خلال نشر الوعي وتثقيف الأفراد بالطرق المُثلى لاستخدام المنصات، كما تضطلع الأسر بدور مهم يتمثل في إيجاد مساحات مشتركة للتفاعل تبعد أفرادها عن العزلة، بالإضافة إلى الدور الذي يقع على عاتق الباحثين والخبراء المتخصصين في الطب النفسي والمتعلق بتطوير دليل إرشادات يساعد الأشخاص على الاستخدام الصحي الآمن للتكنولوجيا.
3 دقائق