تقارير

مخاطر الاتصال بالإنترنت عبر الأقمار الصناعية.. رؤية استشرافية

اتجهت القوى الكبرى في العالم خلال السنوات القليلة الماضية إلى تبني خطط لاستخدام الأقمار الصناعية ذات المدار الأرضي المنخفض في إرسال واستقبال البيانات، وقد بدأ السباق بينهم بشأن مدارات الأقمار الصناعية بهدوء، وسرعان ما انضمت البلدان في جميع أنحاء العالم إليه، مما يعني أنه سيتم تغطية سطح الأرض بعدد كبير من تلك الأقمار في المستقبل القريب، إذ تشير التقديرات الدولية إلى أن عدد تلك الأقمار سيبلغ حوالي 57 ألف قمر صناعي بحلول عام 2029.
ووفقًا لبيانات الاتحاد الدولي للاتصالات، تمتلك شركات الأقمار الصناعية في فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا أهم التقنيات والموارد في هذا المجال؛ مثل نطاقات التردد الرئيسية والارتفاعات المدارية.
ورغم ما سيوفره الاتصال بالإنترنت عبر الأقمار الصناعية من مزايا، فإن تلك الأقمار التي توفر الوصول إلى شبكة الإنترنت ذات النطاق العريض لمساحات واسعة من الأرض ستشكل تحديًا وشيكًا للأمن القومي للدول حول العالم، حيث تتمثل التهديدات الأمنية الرئيسية في العبث أو التنصت على البيانات المرسلة، وإعادة توجيه حركة المرور غير المصرح بها (أي اختطاف حركة المرور)، فضلًا عن التهديدات الأمنية المتعلقة بشبكات توصيل المحتوى (CDN) مثل هجمات حجب الخدمة الموزعة (DDoS)، وتسريب المحتوى.
أبرز مشاريع الاتصال بالإنترنت عبر الأقمار الصناعية
يعتبر الاتصال بالإنترنت عبر الأقمار الصناعية نوعًا من خدمات الإنترنت التي ترسل البيانات مباشرة من مزود الخدمة إلى قمر صناعي في الفضاء، وفي النهاية إلى طبق استقبال لدى مستخدم الإنترنت. بمعنى آخر، أنه اتصال لاسلكي يتضمن ثلاثة أطباق استقبال، أحدهما في مركز مزود خدمة الإنترنت، والثاني في الفضاء، والأخير متصل بموقع متلقي الخدمة. وتساعد هذه التكنولوجيا بشكل كبير المستخدمين الذين يعيشون في المناطق الريفية التي تفتقر إلى خدمات الإنترنت السلكية.
وفي هذا الإطار، تم تدشين عدد من المشاريع الجديدة التي تهدف إلى استخدام مجموعات من الأقمار الصناعية لتوفير الإنترنت إلى كل إنسان على ظهر كوكب الأرض، مثل مشروع “وان ويب- OneWeb”، الذي تنفذه الحكومة البريطانية، ومشروع “ستارلينك- Starlink” لشركة “سبيس إكس” الأمريكية ومشروع “كويبر- Kuiper” لشركة أمازون، كما أطلقت مجموعة شبكة الأقمار الصناعية الصينية، وهي شركة مملوكة للدولة، أقمارًا صناعية لمشروع إنترنت الأشياء.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن اتصال الأقمار الصناعية الحالية لا يزال بطيئًا ومكلفًا، فلا تستخدمه سفن الرحلات البحرية إلا عندما تكون بعيدة جدًا عن أي خط ساحلي، بحيث يتعذر عليها الاتصال بالأبراج الخلوية لاتصال شبكة “الجيل الرابع- G4″، لذلك تتطلع المشاريع السالف ذكرها إلى نشر مجموعاتها من الأقمار الصناعية في مدار أقل ارتفاعا بكثير من الأقمار الحالية، الأمر الذي يمكن أن يغير طريقة اتصال العالم بالإنترنت.
استشراف التهديدات المرتبطة بإنترنت الفضاء
سيؤدي الإنترنت عبر الأقمار الصناعية إلى تغيير كبير في بنية الشبكة ونموذج الاتصال، الأمر الذي سيكون له تأثير مهم على أمن شبكة المعلومات الوطنية، وقد قدمت دراسة صينية بعنوان “تحليل بشأن أمن الإنترنت عبر الأقمار الصناعية” بشكل مستفيض رؤية استشرافية للمخاطر الأمنية للإنترنت الفضائي عبر 3 محاور نستعرضها على النحو التالي:
• المحور الأول يتمثل في التهديدات الأمنية على الصعيدين الوطني والعسكري، حيث يمكن للتنظيمات غير المشروعة سرقة المعلومات الاستراتيجية للبلدان المستهدفة عن طريق مراقبة ورصد الأرض من خلال الأقمار الصناعية ذات المدار الأرضي المنخفض، وقد توفر تلك الأقمار منصة اتصالات لأسلحة حرب المعلومات المستقبلية.
• المحور الثاني يتعلق بإشكاليات حول أمن الشبكة، وينطوي على 8 أشكال للمخاطر وهي:
– انتحال الهوية: سواء عبر التخفي في هيئة محطة قمر صناعي للوصول إلى معلومات القمر وتدمير الشبكة، أو التخفي في شكل قمر صناعي لخداع محطات قمر صناعي شرعية للحصول على موقع المحطة أو معلومات تحديد هويتها.
– التنصت على البيانات: بحيث تتلقى التنظيمات غير المشروعة، وتحلل بيانات حركة المرور المرسلة، أو إشارات البيانات بشكل غير قانوني من خلال الروابط اللاسلكية.
– قضايا سلامة البيانات: عبر تعديل بيانات المستخدم أو إدخالها أو إعادة تشغيلها أو حذفها لتدمير سلامة البيانات.
– اعتراض المعلومات: ويقصد به اعتراض غير قانوني لموقع المستخدم أو معلومات تعريفه المرسلة بواسطة محطة القمر الصناعي عبر الروابط اللاسلكية.
– تداخل الإشارات: يتدخل المهاجمون في الروابط اللاسلكية للأقمار الصناعية عن طريق إرسال موجات كهرومغناطيسية عالية الطاقة.
– الحرمان من الخدمة: التدخل في القمر الصناعي، والتدخل في البيانات أو إرسال الإشارات ماديًا أو عن طريق البروتوكول، بحيث يجعل الإنترنت عبر الأقمار الصناعية غير قادر على توفير الخدمات العادية لمحطة القمر الصناعي الشرعية.
– الهجوم المجهول: حيث يتم مهاجمة نقطة القمر الصناعي في الفضاء، لكن القمر لا يستطيع تحديد المهاجمين أو مصدر الهجوم.
– احتلال عرض النطاق الترددي للقمر الصناعي: من خلال إرسال إشارات غير شرعية إلى القمر الصناعي عبر الارتباط اللاسلكي، ولأن القمر الصناعي لن يتحقق من شرعية الإشارات ستشغل الإشارات غير القانونية موارد النطاق الترددي للقمر الصناعي.
أما عن المحور الثالث فيتعلق بمخاطر تمس أمن المعدات وتتمثل التهديدات هنا في التحكم الضار في الأقمار الصناعية بإصدار تعليمات خبيثة أو حقن فيروسات في المحطات الفضائية من منشآت أرضية أو فضائية لتحقيق هدف السيطرة على الأقمار الصناعية، وكذلك الاستهلاك الضار لموارد الأقمار الصناعية لتحقيق هدف تقليل عمر القمر الصناعي.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن التطور السريع للإنترنت عبر الأقمار الصناعية جلب بعض المخاطر الأمنية غير التقليدية التي تهدد سيادة الدول، لكن هذا لا يجب ألا يشكل عائقًا أمام تطوير تلك التقنية وإفساح المجال للمزايا الفريدة لهذا النمط من الإنترنت الذي لا يتأثر بالعقبات الجغرافية والكوارث الطبيعية، ولتحقيق ذلك وفي ضوء المستويات المختلفة للتهديدات الأمنية المرتبطة بالإنترنت، فمن الضروري وضع إطار قانوني دولي ينظم تلك المسألة ويتضمن أحكامًا وعقوبات رادعة.

زر الذهاب إلى الأعلى