ترجمات

المعركة الرقمية القادمة على شبكة الجيل السادس

في الوقت الذي لا تزال فيه شبكة “الجيل الخامس- 5G” في المراحل الأولى من النشر، فإن الدول التي تتوق إلى أن تكون في طليعة التكنولوجيا تتطلع بالفعل نحو “الجيل السادس- G6″، الجيل التالي من أنظمة الاتصالات المصممة لتقريب العالمين الرقمي والمادي أكثر من أي وقت مضى، وبينما لا يزال من غير الواضح كيف ستبدو هذه الشبكة ونوع الاتصال الذي ستمكنه، حيث لا يتوقع الخبراء أن تكون شبكات الجيل السادس المطورة بالكامل متاحة حتى عام 2030، لكن مع استمرار التنافس الجيوسياسي بين الصين والولايات المتحدة، أصبحت تلك الشبكات ساحة معركة أخرى في التنافس على التفوق والنفوذ في المجال التكنولوجي، حيث تعمل الصين على تطوير نظام الابتكار المحلي الخاص بها لتقليل اعتمادها على الموردين الأجانب.
وتحذو الولايات المتحدة حذوها، حيث استثمرت بكثافة في التقنيات الحيوية والبنية التحتية للاتصالات، كما تمضي قُدمًا في جهودها لجعل شبكات الاتصال اللاسلكية المفتوحة “Open RAN” الطريقة العالمية المفضلة لتطوير شبكات الاتصالات، وقد تم تكريس هذا مؤخرًا في اتفاقية تم إبرامها في مؤتمر براغ للأمن، وهنا تجدر الإشارة إلى أن شبكات الاتصال اللاسلكية المفتوحة يرتبط بها عدد كبير من المشاكل المتعلقة بأمان الشبكة وموثوقية سلاسل التوريد.
وعلى الأرجح ستكون المعايير الخاصة بعمل شبكات الجيل السادس، هي المجال الذي تجبر فيه المنافسة الجيوسياسية الاتحاد الأوروبي على الاختيار بين التوافق مع الصين أو الولايات المتحدة، مما يقلل بشكل كبير من قابلية التشغيل البيني.
صناعة الاتصالات العالمية
يتم تنظيم المعايير الدولية المتعلقة بصناعة الاتصالات اليوم، بواسطة مشروع شراكة الجيل الثالث (3GPP) وهي مظلة لعدد من منظمات المعايير التي تضع بروتوكولات للاتصالات المتنقلة عبر مختلف المناطق والأسواق الجغرافية، علما بأن الامتثال للمعايير بما في ذلك معايير شبكة الجيل الخامس “G5″، يعد أمرًا طوعيًا (كما هو الحال مع معظم المعايير الفنية العالمية).
وبينما يأمل قادة الصناعة أن تشرف 3GPP على معايير عالمية لشبكة الجيل السادس، لا يوجد ضمان بأن الدول ستحافظ على النهج المشترك لشبكات ومعدات الاتصالات التي تدعم الاقتصاد العالمي، إذ يمكن للعديد من الشركات الصينية الأعضاء في 3 GPP العمل بشكل جماعي لتحديد الأولويات بما يخدم مصالحهم الخاصة (أو مصالح بكين) بدلًا من اختيار النهج التقني الأكثر فاعلية.
ولذلك لا بد أن يفضل مطورو ومشغلو الاتصالات، التكنولوجيا التي تسمح بأكبر قدر من التشغيل البيني والتنسيق في المستقبل. ولكن نظرًا للاتجاه نحو القومية الرقمية وتأثير المنافسة بين الولايات المتحدة والصين على الاقتصاد الرقمي، فهناك خطر من حدوث شرخ حقيقي في صناعة الاتصالات العالمية.
شبكة الجيل السادس محور التنافس الجيوسياسي بين واشنطن وبكين
نظرًا لأن التنافس الجيوسياسي بين واشنطن وبكين سيمتد إلى شبكة الجيل السادس، فقد تختار كل من الصين والولايات المتحدة اتباع معايير خاصة لكل منهما، مما يترك الاتحاد الأوروبي وبقية العالم عالقين في المنتصف. وبدلاً من اتباع خطى دولة واحدة يمكن أن يحاول الاتحاد الأوروبي الحفاظ على حياده بين البلدين، لكن مثل هذا النهج قد يتسبب في خسائر اقتصادية فادحة، فمع أي تباين في المعايير العالمية، ستفقد الشركات الأوروبية صغيرة ومتوسطة الحجم الوصول إلى الأسواق المهمة في الصين أو الولايات المتحدة أو كليهما. واعتمادًا على كيفية تكيف القوى الأخرى مع هذا التشعب، يمكن أيضًا استبعاد الاتحاد الأوروبي من أسواقها.
وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة والصين ليستا القوتين الوحيدتين اللتين تطوران تقنية الجيل السادس، حيث يمول الاتحاد الأوروبي أبحاثًا حول شبكة الجيل السادس من خلال برنامج “6Genesis Flagship” ومبادرة 3″Hexa-X” وهي مبادرة تندرج ضمن الأداة المالية “Horizon 2020” التابعة للمفوضية الأوروبية، التي تم تصميمها لتعزيز قيادة الاتحاد الأوروبي في مختلف مجالات التكنولوجيا.
كما تعمل دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة أيضًا على منصاتها المحلية الخاصة، ويواجه قادة الصناعة وواضعو السياسات أسئلة صعبة حول الموازنة بين أمان الشبكة والجدارة بالثقة مقابل التكلفة، وهم حريصون على تجنب الاعتماد على بائع واحد أو سلسلة توريد لتلبية احتياجات الاتصالات الخاصة بهم، ونتيجة لذلك فهم حريصون على زيادة مرونة شبكاتهم المحلية من خلال المضي قدمًا في أنظمة الجيل السادس الخاصة بهم.
دعم الجهود الأوروبية في شبكة الجيل السادس “G6”
دخلت ألمانيا أيضًا هذا المجال حيث تمول برلين الأبحاث في مشروع محلي حول شبكة الجيل السادس، إذ تخصص 700 مليون يورو من أموال دافعي الضرائب لتطوير منصة 6G الخاصة بها باسم السيادة التكنولوجية المستقبلية لألمانيا.
وفي حين أن رغبة برلين في أن تكون في طليعة مطوري شبكة الجيل السادس أمر مفهوم، إلا أنها تحتاج أولًا إلى معالجة مشكلات الجيل الخامس العالقة. فبعد سنوات من الجدال تمت تسوية إشكالية الاستعانة بشركة هواوي الصينية جزئيًا في ألمانيا في وقت سابق من هذا العام مع إقرار قانون أمن تكنولوجيا المعلومات 2.0، الذي يحدد عتبات فنية عالية وجدارة بالثقة لضمان الأمن.
في غضون ذلك، بدلاً من الاستثمار في برنامج “6 G” الخاص بها، يمكن لألمانيا أن تخدم مصالحها بشكل أفضل من خلال دعم جهود الاتحاد الأوروبي لتطوير معايير شبكة الجيل السادس. فمن الأفضل لبرلين ترك هذا التحدي التكنولوجي لبروكسل، والتي يمكنها استخدام مبادرة “Hexa-X” لتنسيق تطوير الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي للبنية التحتية المشتركة الخاصة بشبكة الجيل السادس ” G6″ بنفس الطريقة التي فعلتها مع مجموعة أدوات شبكة الجيل الخامس.
وأخيرًا، نظرًا للتوتر بين بكين وواشنطن، فإن الاتحاد الأوروبي وبقية العالم مُحقّون في رؤية شبكة الجيل السادس “G6” من خلال عدسة المنافسة الجيوسياسية المتزايدة وبناء مرونتهم في المنطقة. ومن هذا المنطق يجب على ألمانيا دعم برامج الاتحاد الأوروبي الحالية والسعي إلى تعاون أوثق مع حلفائها وشركائها، بدلًا من إنفاق أموال دافعي الضرائب على تطوير شبكة الجيل السادس “6G” الخاصة بها. وهذا من شأنه أن يساعد البلاد في التغلب على أي تداعيات من الصدع بين الولايات المتحدة والصين، بينما تنتقل ألمانيا إلى حكومة جديدة ما بعد حقبة المستشارة أنجيلا ميركل، وتعيد تقييم علاقتها مع الصين، لذا يجب على صانعي السياسة في برلين توخي الحذر من الآثار الأعمق لشبكة الجيل السادس “6G” على الاتصال العالمي.

زر الذهاب إلى الأعلى