تقارير

القيادة العسكرية الموحدة دفعة جديدة لتعزيز الأمن الخليجي

يُشكّل التعاون الدفاعي والشراكات الأمنية والتنسيق العسكري أحد أبرز المكتسبات في مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، التي شهدت العديد من التطورات الإيجابية على مدى العقود الأربعة الماضية، بشكل أسهم في تعزيز منظومة الأمن القومي الخليجي على نحو خاص والأمن القومي العربي على نحو عامّ، وقد لعبت المملكة العربية السعودية دورًا رائدًا في دعم تلك الجهود فلم يكن من قبيل الصدفة أن تستضيف العاصمة السعودية الرياض الاجتماع الأول لرؤساء أركان القوات المسلحة بدول المجلس في عام 1981، الذي كان بداية لانطلاقة نحو خطوات كبرى من التعاون والتنسيق المشترك اتخذت أبعادًا مؤسسية واستندت لرؤية استراتيجية تحدد بدقة مصادر التهديدات والآليات المناسبة للتصدي لأي أخطار تجابه أمن دول الخليج العربي، فضلًا عن التكيف مع التحولات التي تطرأ على مستوى تغير نمط التهديدات، وذلك كله من أجل حماية أمن ومكتسبات دول مجلس التعاون.

الرياض تحتضن مقر القيادة العسكرية الخليجية الموحدة

وفي أحدث الخطوات التي تتخذها المملكة على هذا الطريق، تم افتتاح المقر الجديد للقيادة العسكرية الموحدة بمدينة الرياض، برعاية صاحب السمو الملكي ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، وبحضور الأمير خالد بن سلمان بن عبد العزيز، نائب وزير الدفاع السعودي، وبمشاركة وزراء الدفاع بدول مجلس التعاون، ونايف فلاح مبارك الحجرف، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية.

وتحل القيادة العسكرية الموحدة محل “قيادة قوات درع الجزيرة” التي أصبحت جزءاً من القيادة المستحدثة. وتعنى بتخطيط وإدارة العمليات العسكرية المشتركة، ومساندة وتعزيز القدرات الدفاعية لدول المجلس، للدفاع عن أراضيها وأجوائها ومياهها، ولمواجهة التهديدات المحتملة على دول المجلس ومصالحها.

وكان مجلس التعاون الخليجي، قد اتخذ خطوة غير مسبوقة خلال قمته الرابعة والثلاثين التي عقدت بالكويت في ديسمبر 2013، بإقامة هيكل قيادة عسكري موحد للدول الأعضاء فيه، حيث أظهرت هذه الخطوة التزام دول مجلس التعاون الخليجي بإنشاء قوة دفاع مشتركة ذات مصداقية قادرة على دفع هدف الأمن الجماعي في المنطقة. وسيكون لهذه القيادة العسكرية قوة قوامها حوالي 100 ألف جندي، تساهم السعودية بنصفها، فهي الداعم الرئيسي لهذه المبادرة، وفقًا لمعهد أبحاث السياسة الخارجية (مركز بحثي أمريكي مقره بنسلفانيا).

ومن المتوقع أن يكون لهذه القيادة نظام استخبارات مشترك ودفاع صاروخي متكامل من أجل تنفيذ المهام التشغيلية الأساسية، وتجدر الإشارة إلى أن إنشاء هيكل قيادة عسكرية متكامل يعد تطورًا مهمًا نحو تكامل عسكري إقليمي أعمق، يمكن من الاستفادة من أنظمة الأسلحة المختلفة في الخليج العربي، وخلق جيل جديد من الضباط الخليجيين. كما يمكن من الاستفادة من التشابه الواسع للأنظمة والخبرات العسكرية لدول مجلس التعاون الخليجي، ولذلك سيكون من السهل نسبيًا تحديد الخطوات التي من شأنها مواءمة البرامج من حيث قابلية التشغيل البيني، بما يعزز من جهود التعاون العسكري بين الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.

توافق حول مصادر التهديد للأمن القومي الخليجي

وارتباطًا بتلك التحركات نحو مأسسة التعاون العسكري والدفاعي بين القوات المسلحة الخليجية، فإن وجود ثمة توافق بشأن التصورات المتعلقة بمصادر التهديد يبشر بنتائج مثمرة لخطوات التعاون الدفاعي، ويعزز من ذلك التوافق أن هناك قدرًا كبيرًا من الاستمرارية من حيث التهديدات التي تواجه أمن مجلس التعاون الخليجي على مدى السنوات المقبلة مقارنة بتهديدات واجهتها المنظومة الخليجية على مدى الأربعين عامًا الماضية أي منذ تأسيس المجلس في 25 مايو 1981.

وتشمل هذه التهديدات كُلّا من التهديد الإيراني الناجم عن برامجها النووية والصاروخية، والهجمات من المجموعات الإرهابية والذئاب المنفردة التي تحركها تلك التنظيمات، كما توجد جبهتان في المحيط المباشر لمجلس التعاون الخليجي تمثلان مصدرًا لعدم الاستقرار وهما اليمن بالجنوب والعراق في الشمال، إذ لا يزالان في نقطة عالية من الغليان الذي تحركه طهران عبر أذرعها من الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية كالحوثيين في اليمن وميليشيا عصائب أهل الحق وحزب الله العراقي، ضمن تكتيك الحرب بالوكالة الذي تنتهجه إيران في المنطقة. وعلى إثر تلك التطورات نشط خلال السنوات القليلة الماضية التعاون داخل مجلس التعاون الخليجي، وبالأخص في مجال تبادل المعلومات الاستخبارية والتنسيق على الصعيد الأمني والعسكري بما يحافظ على استقرار المنطقة وحماية أمن المواطن الخليجي.

إنجازات العمل العسكري الخليجي المشترك

لقد حققت منظومة مجلس التعاون الخليجي منذ نشأتها وما زالت حتى الآن سلسلة من المكتسبات والإنجازات على صعيد العمل العسكري الخليجي المشترك من أبرزها:

اتفاقية الدفاع المشترك لمجلس التعاون عام 2000 التي جسدت بداية لمرحلة جديدة من العمل العسكري المشترك، تم فيها التحول من مرحلة التعاون العسكري التي دامت عقدين من الزمن إلى مرحلة الدفاع المشترك بين دول مجلس التعاون، إذ نصت الاتفاقية على عزم الدول الأعضاء على تعزيز العمل العسكري المشترك فيما بينها، ورفع قدراتها الذاتية الجماعية لتحقيق أعلى مستوى من التنسيق لمفهوم الدفاع المشترك، والاستمرار في تطوير قوات درع الجزيرة المشتركة، بجانب متابعة تنفيذ التمارين المشتركة، وإعطاء أهمية لتأسيس وتطوير قاعدة للصناعة العسكرية، وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال.

الاستراتيجية الدفاعية لدول مجلس التعاون عام 2009 التي حددت رؤية واضحة لتنسيق وتعزيز تكامل وترابط وتطوير إمكانيات دول المجلس للدفـاع عن سيادتها واستقرارها ومصالحها، وردع العدوان والتعاون لمواجهة التحديات والأزمات والكوارث، بالإضافة إلى إجراء التقييم الاستراتيجي الشامل للبيئة الأمنية الاستراتيجية، والتهديدات الاستراتيجية والتحديات والمخاطر بصفة دورية.

قوات درع الجزيرة، يعتبر وجود قوات عسكرية مشتركة لدول مجلس التعاون أحد الأسس المهمة لإنشاء منظومة دفاعية مشتركة تهدف إلى توفير الأمن لحماية دول المجلس، والـدفاع عن اسـتقلالهـا وحماية مقدراتها ومكتسـباتها. وكانت أولى الخطوات المهمة لتشكيل القوات العسكرية المشتركة لدول مجلس التعاون في عام 1982، حيث صدر قرار بإنشاء قوة درع الجزيرة، وأعقبه العديد من القرارات لتطوير هذه القوة لتصبح بحجم فرقة مشاة آلية بكامل إسنادها القتالي والإداري، وجاء هذا التطوير ليتناسب مع المتغيرات في البيئة الأمنية ومصادر وأنواع التحديات والمخاطر والتهديدات التي قد تواجه دول مجلس التعاون على الصعيدين الإقليمي والدولي. وفي عام 2006 تم تطويرها إلى قوات درع الجزيرة المشتركة، وعززت بجهد بحري وجوي لرفع كفاءتها القتالية، بما يكفل تنفيذ مهام التعزيز والإسناد للقوات المسلحة الوطنية لدول مجلس التعاون بصورة كاملة، كما تم تعزيز قوات درع الجزيرة المشتركة بقوة تدخل سريع في عام 2009.

ووافق المجلس الأعلى لقادة دول الخليج العربية في 5 يناير الماضي في ختام قمة العلا على تعديل المادة السادسة في اتفاقية الدفاع المشترك، وذلك بتغيير تسمية قيادة “قوات درع الجزيرة المشتركة” إلى “القيادة العسكرية الموحدة لدول مجلس التعاون”.

هذا ولم تقتصر مسيرة التعاون على الصعيد الميداني العسكري بل أيضًا على الصعيد الفكري الاستراتيجي وهو ما تجسد في إنشاء الأكاديمية الخليجية للدراسات الاستراتيجية والأمنية لدول مجلس التعاون الخليجي (مقرها في أبوظبي)، وأيضًا موافقة مجلس الدفاع المشترك في ديسمبر 2013 على محاور التكامل الدفاعي لدول المجلس

التدريبات المشتركة، تمثل إحدى أهم ركائز ومظاهر التعاون بين القوات المسلحة في دول مجلس التعاون الخليجي، فمن خلال تلك التدريبات والمناورات المشتركة يتم تعزيز تجانس أداء القوات خلال تنفيذ العمليات المشـتركة، وتتسم تلك التمارين بالشمول فهي تتضمن تنفيذ وتخطيط العديد من التمارين المشتركة بين القوات البرية والجوية والبحرية والدفاع الجوي، ووحدات الخدمات الطبية.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن إنشاء هيكل قيادة عسكرية عملياتية مشترك لدول الخليج العربي خطوة تسمح بدفع جهود التقدم نحو نظام دفاعي متكامل تمامًا، وإيجاد تحالف عسكري حقيقي على غرار حلف شمال الأطلسي “الناتو”، فهو بمثابة رسالة ردع  وتحذير لأي طرف يفكر في الإضرار بأمن واستقرار دول مجلس التعاون الخليجي، فضلًا عن أنه يأتي في وقت تشهد فيه البيئة الأمنية في المنطقة تغيرات نتيجة لتحول في النظرة الاستراتيجية من جانب بعض القوى الكبرى في النظام الدولي لمقاربتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، عبر التموضع العسكري في منطقة شرق آسيا، الأمر الذي شكّل حافزًا للتنظيمات والتكتلات الإقليمية إلى التفكير في تطوير التعاون العسكري والدفاعي المشترك، وهو توجه ليست أوروبا على سبيل المثال ببعيدة عنه، إذ تقود فرنسا حاليًا جهودًا داخل الاتحاد الأوروبي من أجل تأسيس قوة عسكرية أوروبية مشتركة.

زر الذهاب إلى الأعلى