تقارير

أردوغان وانتخابات 2023.. تحديات فارقة

تفرض الانتخابات العامة التركية المقررة في عام 2023 العديد من التحديات أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي بدت قبضته على السلطة تضعف بفعل الوضع الاقتصادي الصعب الناجم عن سياساته الاقتصادية، وتدخلاته الكارثية في السياسة النقدية بشكل ألحق ضررًا بالغًا بوضع تركيا الاقتصادي تجلى في عدة مؤشرات، من أبرزها ارتفاع نسبة البطالة ومعدل التضخم والأسعار، وهو ما انعكس في صورة تراجع حاد في شعبية أردوغان وحزبه العدالة والتنمية، وواكب ذلك التراجع تحولات في البيئة السياسية، حيث توالت الانشقاقات في الحزب وظهور أحزاب جديدة  وتحالفات سياسية مناهضة لحكم أردوغان.

التلاعب بالإطار القانوني والدستوري المنظم للحياة السياسية

في ظل إدراك حزب العدالة والتنمية لتهاوي شعبيته وتراجع الثقة في أدائه العام ليس فقط بين عموم الناخبين الأتراك بل حتى في القواعد الانتخابية المحافظة التي تعد الكتلة التصويتية الأهم التي لطالما عول عليها الحزب في الاستحقاقات الانتخابية على مدى 19 عامًا هي مدة بقاء العدالة والتنمية في السلطة حتى الآن، يسعى التحالف الحاكم “تحالف الشعب” الذي يضم حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان وحزب الحركة القومية برئاسة دولت بهتشلي إلى إدخال تغييرات في الإطار القانوني والدستوري المنظم للعملية الانتخابية، بعدما وجدا أن الاحتكام للقواعد الحالية المنظمة للمنافسة السياسية لن تكون في صالح تحالفهما.

وظهرت تلك المساعي بوضوح في مؤشرين رئيسين وهما: اتفاق الحزبين على خفض العتبة الانتخابية لدخول الأحزاب البرلمان من 10% إلى 7%، وجاء ذلك انطلاقًا من قناعة بأن حزب الحركة القومية لا يمكنه ضمان تخطي عتبة الـ 10% في الانتخابات المقبلة. أما عن المؤشر الثاني فيتمثل في الاتجاه نحو تغيير قانون الانتخابات الرئاسية لا سيما إلغاء شرط حصول المرشح على نسبة “50%+1” من أصوات الناخبين للفوز بالانتخابات الرئاسية. فبموجب قانون الانتخابات الحالي، فإن المرشح للانتخابات الرئاسية يجب أن يحصل على “50+1” من أصوات الناخبين من أجل الفوز بالانتخابات، وفي حال عدم حصول أي مرشح على هذه النسبة من الجولة الأولى يتم إجراء جولة ثانية بين أعلى مرشحين حصلا على أصوات في الجولة الأولى.

ويسود اعتقاد تعززه نتائج استطلاعات رأي متعددة بأن جولة ثانية للانتخابات الرئاسية ستكون واقعاً مؤكداً، وهو ما يعزز فرص المعارضة في حشد الأصوات خلف مرشح واحد يمكن أن ينجح في كسب الجولة الثانية من الانتخابات، على غرار ما فعلته المعارضة في الانتخابات المحلية عام 2019 لا سيما في بلدية أسطنبول، حينما فاز أكرم إمام أوغلو مرشح حزب الشعب الجمهوري على منافسه بن علي يلدريم رئيس الوزراء السابق ومرشح حزب العدالة والتنمية في صفعة كبرى لأردوغان ورفاقه.

ولم تتوقف مساعي أردوغان عند تعديل قانون الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، بل إن يده العابثة بالإطار المنظم لقواعد اللعبة السياسية امتدت لتشمل دستور البلاد الذي أعلن عن عزمه طرح دستور جديد على الشعب مطلع العام المقبل 2022.

تراجع حاد في شعبية أردوغان وحزبه تعكسه استطلاعات الرأي

تظهر العديد من استطلاعات الرأي المستقلة والجديرة بالثقة حجم التهاوي الكبير في شعبية أردوغان والثمن السياسي الفادح الذي يدفعه جراء سياساته الفاشلة على الصعيد الاقتصادي واستبداده بالرأي وحملاته القمعية ضد أي صوت معارض، حيث يأتي أردوغان خلف منافسه المحتمل أكرم إمام أوغلو في العديد من الاستطلاعات، إذ أظهر استطلاع حديث أجرته شركة “Turkiye Raporu” للأبحاث أن نوايا التصويت لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات المرتقبة قد انخفضت إلى أقل من 30% للمرة الأولى. ووفقًا لاستطلاع آخر أجرته شركة “أوراسيا” في نوفمبر الجاري، تفوق حزب الشعب الجمهوري على حزب العدالة والتنمية، مما يشير إلى أن الفجوة بين تحالف الأمة المعارض (يضم حزب الشعب الجمهوري وحزب الخير) وتحالف الشعب الحاكم (يضم العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية) آخذة في الاتساع.

وبحسب الاستطلاع كانت معدلات التصويت للأحزاب على النحو التالي: حزب الشعب الجمهوري (25.6%)، وحزب العدالة والتنمية (24.2 %)، وحزب الخير (10.1٪)، وحزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد (8.8%) وحزب الحركة القومية (6.2%) وحزب الديمقراطية والتقدم (5%). وبلغت نسبة التأييد لتحالف الأمة المعارض في الاستطلاع (42%)، فيما لم يتمكن تحالف الشعب الحاكم من أن يصل إلى (36%).

انفتاح الأحزاب المنافسة على القواعد الانتخابية الرئيسية للعدالة والتنمية

تعرض حزب أردوغان على مدى العامين الماضيين إلى انتكاسات تنظيمية متتالية، جسدتها موجات من الانشقاقات في قيادات وقواعد الحزب إذ كانت البداية في صفوف شخصيات مؤثرة من المؤسسين على رأسهم رئيس الوزراء التركي الأسبق أحمد داود أوغلو الذي قام بتأسيس حزب “المستقبل”، ووزير الاقتصاد الأسبق علي باباجان الذي قام هو الآخر بتأسيس حزب “الديمقراطية والتقدم”، وامتدت الانشقاقات أيضا لشخصيات من الصف الثاني، ويرجح أن يتحالف المنشقون ممن أسسوا أحزابًا في تكتل واحد وتشكيل جبهة موحدة لعزل أردوغان سياسيًا.

ومما لا شك فيه أن تلك الانشقاقات ضربت القواعد الانتخابية الرئيسية للعدالة والتنمية، بالإضافة إلى ثمة اتجاه من جانب الأحزاب الأخرى لمغازلة القواعد المحافظة، وهو ما ظهر في الإعلان السياسي الأخير الذي طرحه حزب الخير بعنوان “طريق عمر”، الذي عده مراقبون سياسيون وسيلة لانفتاح حزب ذي خلفية قومية تركية على القاعدة الانتخابية المحافظة والمتدينة، إذ ركز الإعلان المرئي في بدايته، على شعار العدالة لدى الخليفة عمر بن الخطاب، والسلطان محمد الفاتح، في صيانتهما لحقوق غير المسلمين في زمانهما، وشعار العدالة لدى مصطفى كمال أتاتورك وقيادته لحرب الاستقلال وتأسيسه الجمهورية.

وتعكس تلك الخطوات رغبة الحزب في اجتذاب شريحة “المترددين” من الناخبين في استطلاعات الرأي الحالية، فحزب الخير يسعى إلى كسب هذه الشريحة ليتحول من حزب يميني إلى حزب “يمين-الوسط” الأكبر على المديين المتوسط والبعيد، وهي منطقة توجد فيها أحزاب محافظة مثل العدالة والتنمية وحزبي المستقبل والديمقراطية والتقدم.

كما سعى حزب الشعب الجمهوري وهو حزب علماني للتوجه إلى الانفتاح على المحافظين، إذ أكد  زعيم الحزب كمال كليتشدار أوغلو أن الحزب عازم على النقد الذاتي وإقامة جذور تواصل مع الشعب بكل أطيافه بما في ذلك التيار المحافظ.

الوضع الاقتصادي المتهاوي

عانت تركيا خلال الأعوام الثلاثة الماضية من انهيارات اقتصادية كارثية أثرت بالسلب على مستوى معيشة المواطنين، وهي بالأساس نتاج للتخبط في إدارة الشؤون الاقتصادية للبلاد والمغامرات غير المحسوبة التي خاضتها على صعيد العلاقات الخارجية لا سيما مع دول الجوار، ويعتبر سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار الأمريكي مرآة عاكسة للوضع الاقتصادي المتأزم ولنهج أردوغان السلطوي في الحكم وتدخلاته في السياسة النقدية. وقد أرجع محللون التراجع الكبير لليرة التركية إلى قرار البنك المركزي بخفض أسعار الفائدة مجددًا إلى 15% على الرغم من أن التضخم يحوم حول 20 %.

وأضافوا أن جوهر الأزمة يعود إلى أنه لا توجد آلية رقابة مؤسسية يمكن أن تكبح أردوغان بعد الآن، وأن الفرصة الوحيدة لعودة تركيا إلى السياسات الاقتصادية الحكيمة هي أن يوقف الناخبون أردوغان.

ووسط هذا الوضع المتدهور تزايدت الضغوط والمطالبات بالتعجيل بموعد الانتخابات، حيث دعا كل من رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كيليتشدار أوغلو، ورئيسة حزب الخير ميرال أكشنار، الشريكان في تحالف الأمة المعارض، إلى انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة، فيما لا يزال أردوغان متمسكا بعقدها في 2023.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن الانتخابات العامة في تركيا عام 2023 ستكون حاسمة بالنسبة لمستقبل تيار الإسلام السياسي الذي يمثله حزب العدالة والتنمية، في وقت تعرض فيه التيار إلى انتكاسة في منطقة الشرق الأوسط وتحديدًا في العديد من الدول العربية. كما أن تلك الانتخابات ستكون مصيرية بالقدر ذاته لمستقبل أردوغان السياسي الذي أدت إدارته المضطربة لملفات السياسة والاقتصاد لتهاوي شعبيته، وستكون انتخابات فاصلة بالنسبة لمسار السياسة الخارجية التركية، التي أخذت طابعًا أيديولوجيًا حزبيًا لا يراعي المصلحة الوطنية للدولة التركية، مما أدى إلى صناعة حالة من التوترات المستمرة مع دول الجوار والاتحاد الأوروبي، ومع القوى الكبرى نتيجة لرسائله السياسية المتضاربة التي تظهر في العلاقات مع روسيا وأمريكا والتي وضعت حلف شمال الأطلسي “الناتو” في قلب مساومات أردوغان من خلال إبرام أنقرة صفقات تسلح مع موسكو أبرزها منظومة “إس 400” الصاروخية والتي تضر على نحو واضح بالحلف.

زر الذهاب إلى الأعلى