تقارير

الإقناع بالإيحاء العكسي

يعرف الإقناع بأنه محاولة لتوجیه التفكير نحو الغرض المراد وقبوله، أي تحويل أو تطويع أفكار وآراء ومفاهيم الآخرين نحو رأي مستهدف، وهو ما يتطلب معرفة شاملة ودقيقة بتلك الفئة المستهدفة، بمعنى تكوين صورة عامة تساعد في القدرة على التأثير والسيطرة على الآخرین، بغیة الإفادة أو تحقيق هدف ما.
وتتألف أي عملية إقناع من أربعة عناصر وهي مرسل، ومادة إقناعية، ووسيلة، ومتلق، كما تعبر عن فعل اجتماعي معقد لصیغة اتصالیة تتضمن اللغة اللفظية وغیر اللفظية بهدف تعديل اتجاهات وسلوكیات المستقبل.
وتوجد أربعة أغراض للاتصال الإقناعي يتم بموجبها إعداد وتصميم الرسائل الإقناعية وهي: غرض مباشر في التغيير أي فوري، وغرض غير مباشر في التغيير أي مؤجل، وغرض موجه نحو الأفكار، وغرض موجه نحو السلوك.
وتجدر الإشارة إلى أنه بجانب أساليب الإقناع التقليدية، يوجد تكتيك آخر هو الإقناع بالإيحاء العكسي، وفيه يتم دفع الفرد بطريقة غير مباشرة لتبني نهج ما دون فرضه عليه، وهو ما نستعرضه في التقرير التالي.
ما هو “علم النفس العكسي- Reverse psychology”؟
علم النفس العكسي هو استراتيجية يستخدمها كثير من الأشخاص للتأثير على الآخر لتحقيق النتيجة المرجوة، فعندما تختلف نيتك الحقيقية عما تطلب من شخص ما القيام به، فأنت تستخدم علم النفس العكسي، وتكون النتيجة أن يتصرف الشخص الآخر على النحو الذي تريده على الرغم من أنك لم تسأله مباشرة.
ويستخدم علماء النفس مصطلح “الاستراتيجية المضادة للخضوع- Strategic Self Anti conformity”، ويشير إلى طريقة إقناع الأشخاص بأمر من خلال دعوتهم لفعل العكس، وتستند هذه الطريقة إلى ظاهرة تسمى “مُفاعلة- Reactance”، والتي تحدث حين يكون لدى شخص ردة فعل قوية ضد محاولات إقناعه من قبل شخص آخر، ما يدفعه لاتخاذ الفعل المعاكس وتنطبق هذه الظاهرة بشدة على المراهقين.
وعلى الرغم من أن علم النفس العكسي هو شكل من أشكال التلاعب، ففي كثير من الحالات، يمكن أن ينتج عن هذه التقنية تأثير إيجابي، خاصة عند استخدامها مع الأطفال الذين لا يرغبون في الاستماع أو الامتثال، أو مع الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة في تغيير سلوكيات معينة.

ما هي المؤشرات على استخدام علم النفس العكسي؟
ربما يمكن للفرد أن يتذكر مرة واحدة على الأقل عندما بدا أن شخصًا آخر كان يحاول إقناعه بفعل شيء ما ولكنه كان يتصرف بطريقة غير مباشرة حيال ذلك. ويعني ذلك أن هذا الفرد تعرض لعملية تلاعب لدرجة أنه يخدم مصالح الشخص الآخر أكثر من مصالحه، ولذلك فمن المفيد أن يكون الفرد على دراية ببعض المؤشرات على استخدام علم النفس العكسي.
وقد استعرض موقع “Psych Central” المتخصص في الصحة النفسية هذه المؤشرات من خلال طرح بعض الأسئلة التي يجب التفكير فيها عند شعور المرء بأنه في موقف يحتمل أن يكون تلاعبًا، وتتمثل الأسئلة فيما يلي:
هل يكون الأشخاص منفتحين أكثر من المعتاد؟ هل من المحتمل أن تكون هذه محاولة لجعلك تثق بهم؟
هل هم مفرطون في السلبية تجاه شيء ما للحصول على رد فعل قوي منك؟
هل يضغطون عليك فجأة لفعل شيء يعارضونه عادة في السابق؟
هل أصبح طلبهم مُلحًا للغاية لدرجة أنك مضطر لفعل عكس ما يُطلب منك فعله بالضبط؟
عند تقييم كيفية الرد، هل تفيد إحدى النتائج الشخص الآخر أكثر منك؟

ماذا عن مجالات استخدام علم النفس العكسي؟
يمكن أن يظهر علم النفس العكسي بعدة طرق وفي العديد من مجالات الحياة ومن أبرز الأمثلة على ذلك:
• “التسويق- Marketing”:
غالبًا ما يستخدم علم النفس العكسي كتكتيك تسويقي. ومن الأمثلة الشائعة على ذلك، هو عروض المبيعات الخارجة عن المألوف كأن يقوم المعلن بإعلان ينصح فيه بعدم شراء المنتج! وهو ما يحرك فضول الجمهور ويدفعهم للشراء، لكن يجب قبل استخدامه معرفة الجمهور المستهدف وكيف يفكر؟
• “تربية الأبناء- Parenting”:
إذا رفض الطفل ارتداء ملابس المدرسة في الصباح، فيمكنك إخباره أنه ليس عليه ذلك. ويمكنك الإشارة إلى أنه سيكون الطفل الوحيد في الفصل الذي يرتدي بيجاما. يمكن أن يساعد هذا النهج في إقناع الطفل بالتغيير من ملابس النوم وارتداء الملابس العادية لأنه قد يدرك أنه لا يريد أن يتم تمييزه في المدرسة. ونتيجة لذلك يتم تمكين الطفل من ارتداء ملابسه للمدرسة، وربما يكون أكثر حرصًا في المستقبل على مواصلة القيام بذلك.
• “العلاقات- Relationships”:
يمكن أن يكون استخدام علم النفس العكسي في العلاقات الاجتماعية منحدرًا زلقًا، ويجب التعامل معه بحذر. فعلى سبيل المثال، قد تصر الزوجة على أنها لا تريد هدية في عيد ميلادها، لكنه في الواقع تريد ذلك، فإذا استمرت في إخبارك أنها لا تريد هدية في كل عيد ميلاد، فقد تتوقف في النهاية عن شراء الهدايا، الأمر الذي قد يخيب آمالها. ومن المحتمل أن يؤدي سوء الفهم الذي قد ينجم عن ذلك إلى الغضب والاستياء، مما يجعل أعياد الميلاد نقطة خلاف وليست سببًا للاحتفال.

كيفية استخدام علم النفس العكسي؟
عندما يكون الشخص مقاومًا بطبيعته، سواء كان طفلًا صغيرًا أو بالغًا كبيرًا ، فقد يكون من المفيد استخدام علم النفس العكسي في التعامل معه، من خلال تجربة استراتيجية تُعرف باسم “تعزيز الاستقلالية- reinforcing autonomy”، والتي تُعد جانبًا أساسيًا من تقنية الاستشارة التي تسمى “المقابلات التحفيزية- motivational interviewing”، والتي غالبًا ما تستخدم للمساعدة في علاج الإدمان.
وتشير الأبحاث إلى أن المقابلات التحفيزية يمكن أن تساعد الأشخاص على العمل دون أي مقاومة أو عدم يقين حول السلوكيات التي قد يكون لها تأثير سلبي على رفاهيتهم، وهي تجسيد لنهج محادثة للإقناع، حيث يطرح القائم بإجراء المقابلة أسئلة استراتيجية لتوجيه الشخص نحو حلول إيجابية. وتعزز هذه التقنية الاستقلالية لأن الشخص الذي تمت مقابلته يشعر أن لديه تحكمًا ذاتيًا على استجابته.
ولمحاولة إجراء مقابلة تحفيزية في سياق علم النفس العكسي، يمكنك تقديم اقتراح أو طرح سؤال يتعارض مع الطريقة التي تريد أن يجيب عليها الشخص أو ما تريده أن يفعله. فعلى سبيل المثال، لو أنك قلق بشأن صحة أحد أفراد أسرتك الذي يقاوم إجراء تغييرات على نظامه الغذائي وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، فبدلاً من قول: “أعتقد أنه يجب عليك البدء في الاعتناء بنفسك”، يمكنك أن تقول عبارات من قبيل: “أنت فقط من يعرف ما هو الأفضل بالنسبة لك، إذا كان بإمكانك إجراء تغييرات على نمط حياتك من شأنها أن تساعدك على الشعور بتحسن والحصول على المزيد من الطاقة، فماذا يمكن أن تكون؟
وتكون النتيجة هنا أنك قمت بتمكين من تحب لاتخاذ خياراتهم الخاصة. لقد جعلتهم يفكرون فيما يعتقدون أنه قد يكون مفيدًا لهم وعززت استقلاليتهم. وفي هذه الحالة يعد نهج المقابلات التحفيزية لعلم النفس العكسي أكثر فائدة.
متى يكون استخدام علم النفس العكسي ضارًا؟
على الرغم من فاعلية علم النفس العكسي، فإنه يمكن أن يسبب ضررًا في بعض الأحيان، خاصة بين أولئك الذين يعانون من تدني احترام الذات والأطفال الصغار الذين قد يكونون أكثر تأثراً، فقد يبدأ بعض الأطفال في التعرف على أساليب التلاعب في علم النفس العكسي التي يستخدمها الكبار واستخدامها لاستغلال الأطفال الآخرين أو الاستفادة منهم. بالإضافة إلى ذلك يتسم العديد من الأشخاص بحساسية تجاه السلوك العدواني السلبي والتواصل غير المباشر، وقد يشعرون أنهم تحت السيطرة، فضلًا عن أنه عندما يصبح علم النفس العكسي مخادعًا، يمكن أن يؤدي التفاعل إلى عدم الثقة.
كما يمكن أن تتضرر العلاقات إذا أصبح من الواضح أن الشخص المؤثر كان يعمل لمصلحته الخاصة فقط.
ومع ذلك هناك بعض الحالات التي قد يشعر فيها الشخص بالضغط لاستخدام علم النفس العكسي، لا سيما عندما يمكن أن يفيد شخصًا آخر. وكنهج بديل قد تكون المقابلات التحفيزية أكثر فاعلية.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إنه غالبًا ما يكتسب علم النفس العكسي سمعة سيئة باعتباره أسلوبًا تلاعبيًا، ولكن هناك العديد من السيناريوهات التي يمكن أن يساعد فيها هذا التكتيك في توجيه شخص آخر في اتجاه إيجابي.
كما يصبح التناقض الاستراتيجي مع الذات في الحقيقة مشكلة فقط عندما يستخدم المؤثر علم النفس العكسي لمصلحته الخاصة، وهذا يحدث إذا بدا أن شخصًا ما يكرهك على اتخاذ قرار لا يخدمك في الواقع، فقد تنحرف محاولته في التأثير على قرارك، وقد تكون أقل ميلًا إلى الوثوق به في المستقبل.
وأخيرًا، إذا كنت تفكر في استخدام علم النفس العكسي، فهناك بعض الأشياء التي يجب مراعاتها، في مقدمتها استخدام هذا التكتيك باعتدال، وعدم استخدام علم النفس العكسي للتلاعب بالأشخاص، بجانب معرفة متى يتم استخدامها بشكل أفضل، حيث عادة تكون ملائمة مع شخص يميل إلى الجدل أو التناقض، بالإضافة إلى الاستعداد لتحمل العواقب إذا اتخذ الشخص الآخر ما تعتقد أنه خيار خاطئ.

زر الذهاب إلى الأعلى