تقارير

السرورية.. التنظيم الأكثر تطرفًا في الشرق الأوسط

تعتبر جماعة الإخوان المسلمين الجماعة الأم لكل تنظيمات الإسلام السياسي، والحاضنة التي خرج من رحمها كافة الحركات الإرهابية التي عاثت فسادًا – ولا تزال – في العديد من دول المنطقة، فقد عملت على تشويه صورة الدين الإسلامي الحنيف، ودفعت الغرب بساسته ومفكريه إلى إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام، ما أوجد ظواهر عالمية مثل “التخوف من الإسلام” أو ما يسمى بـ”الإسلاموفوبيا” نتيجة لممارسات تلك الجماعات الضالة المضلة، التي تشكل خطرًا داهمًا على الأوطان واستقرار المجتمعات.
واتخذت تلك الجماعات من باب الدعوة نافذة لنشر أفكارها الهدامة والتخريبية، وغطاء تستتر تحته أهدافها ومراميها الخبيثة، واتسمت جماعة الإخوان الإرهابية وفروعها وكافة التنظيمات والتيارات المنضوية تحت لوائها التنظيمي أو حتى الفكري بقدرة زئبقية على التلون والخداع والتكيف مع الأطر السائدة من أجل التغلغل داخل المجتمعات والانتشار في جسد الأوطان كالسرطان، فعقيدة تلك الجماعات هي نشر الفوضى وبث الفرقة وتفتيت وحدة المجتمع وتقسيمه إلى جبهات متصارعة عبر إثارة النعرات العصبية والقبلية، وغسل عقول الشباب والنشء للسيطرة عليهم وجعلهم وقودًا لمشروعهم الهدّام.
ومِن طرح شجرة الإخوان الخبيثة، جاء التيار السروري الذي حذّر منه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، ووصفه بأنه “التنظيم الأكثر تطرفًا في الشرق الأوسط”، فهذا التيار يُعبّر عن تيار هجين؛ إذ اتخذ من السلفية عباءة للتخفي والوجود داخل المجتمع السعودي، بجانب اعتناق أفكار المنظر الإخواني التكفيري سيد قطب، مما جعل السرورية بمثابة تدشين لحركة جديدة تُصنَّف ضمن تيارات “الإسلام الحركي”. وإن كانت السرورية قد سعت لإظهار اختلافات عن جماعة الإخوان إلا أن السلوك التخريبي والدور الهدّام يبقى واحدًا لا يتغير مهما اختلفت المسميات.
نشأة التيار السروري وجذوره الإخوانية
يُنسب التيار السروري إلى مؤسسه محمد سرور زين العابدين وهو سوري الجنسية من مواليد حوران عام 1938، عمل ضابطًا في الجيش السوري ثم في الاستخبارات، وانضم بعد تقاعده إلى صفوف جماعة الإخوان المسلمين في حقبة الخمسينيات من القرن الماضي، وعندما حدث الانشقاق في جماعة الإخوان بسوريا بين “جماعة حلب” التي تمسكت بأفكار مؤسس الجماعة الأم حسن البنا، و”جماعة دمشق” التي استلهمت فكر سيد قطب، مال محمد سـرور بحكم تأثره بالتيار القطبي إلى جناح عصام رضا العطار المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا آنذاك.
ومع اشتداد الملاحقات الأمنية للإخوان المسلمين من قبل الحكومة السورية، انتقل محمد سـرور إلى المملكة العربية السعودية عام 1965م، حيث أقام في البداية في “حائل” لمدة عام واحد، ومنها انتقل إلى مدينة بريدة في منطقة القصيم، حيث عمل مدرسًا للرياضيات في “المعهد العلمي” فيها، وتنقل لاحقًا بين المنطقة الشرقية والرياض لنشر فكره وزيادة أتباعه، وبعد اختلافه مع الإخواني مناع خليل القطان، لأسباب من بينها التوجس من سعي سرور لتأسيس تنظيم حركي مستقل، خرج سرور من المملكة عام 1973 إلى الكويت، التي أقام فيها خلال الفترة من 1973 وحتى عام 1990، وعمل خلال تلك الفترة في مجلة “المجتمع” الإخوانية.
ثم سافر محمد سـرور بعد ذلك إلى برمنجهام في بريطانيا، حيث أسس فيها مركز دراسات، وأصدر مجلة السنَّة التي كان لها دور أساسـي في نشـر فكره وإظهار مواقفه السياسية، وفي عام 2004 انتقل إلى الأردن، ومنها إلى قطر حتى وفاته في نوفمبر 2016.
ويتضح من العرض السابق لمسيرة محمد سرور ومسارات تحركه أن خلافه مع الإخوان المسلمين في حقيقته خلاف ظاهري في جوانب تكتيكية، حيث إن غاية ما قام به هو أنه جمع بين مدرسة الإخوان الحركية الطامحة للوصول إلى السلطة والعباءة السلفية، ليقدم نمطًا جديدًا من أنماط حركات الإسلام السياسي، كما كانت النافذة التي سعى إلى اختراق المجتمع من خلالها هي بوابة التعليم والوعظ والعمل الخيري التطوعي، وهو ذات النهج الإخواني الأصيل في التغلغل داخل المجتمعات من أجل السيطرة على عملية بناء الوعي وتغذية مدارك الشباب والنشء بأفكارهم الهدّامة، ومن ثم انسياقهم الأعمى وراء التعليمات والأوامر كالقطيع دون إبداء أي رأي أو رفض لما يكلفون به.
المرتكزات التي يقوم عليها التيار السروري
سعى التيار السروري إلى الترويج لنفسه بالزعم أنه تيار سلفي نقي حتى يتمكن من استغلال التدين في المجتمع، كمجال طبيعي يجعله يتحرك بأريحية ومن ثم ينتشر ويتوغل، وبموازاة ذلك أخذ رموز هذا التيار الضال يطعنون في العلماء بسلاح الافتراءات والكذب.
وقد استند التيار السروري إلى عدد من المرتكزات في عمله، تمثلت في التخطيط السري والتكتم، وهي سمة أساسية تربط كل جماعة خارجة عن القانون، وأيضًا تبني نظرة تقوم على تكفير المجتمع، فالمجتمعات في نظر هذا التيار كلها جاهلية، ولعل هذا الجانب يعكس التأثر الواضح والشديد بتراث وأدبيات الإخوان، لا سيما كتابات منظر الجماعة التكفيري سيد قطب.
كما دأب هذا التيار على التحريض ضد ولاة الأمر والدعوة للخروج عن طاعتهم، وتفريق جماعة المسلمين وتشتيت الصف بما يضعف من تماسك الأمة، فضلًا عن حصر الولاء للتيار ومن ينتسب إليه والبراءة من كل من يتعرض له وإن كان من العلماء، فلم يتورعوا في الطعن في علماء أهل السنة المُعتبَرين.
المملكة والتصدي لخطر التيار السروري
يمكن النظر إلى جهود المملكة في التصدي لخطورة التيار السروري ضمن سياق أشمل يتعلق بمكافحة الإرهاب وتنظيماته وجماعاته المختلفة، من خلال مقاربة شاملة متعددة المحاور أمنيًا وقانونيًا وفكريًا، تلك المقاربة التي وضعت أسسها القيادة الرشيدة للمملكة، وتجلت مظاهرها في العديد من القرارات والتحركات من بينها على سبيل المثال إعلان الحكومة السعودية رسميًّا في مارس 2014 تصنيف جماعة الإخوان المسلمين تنظيمًا إرهابيًّا، في أول قائمة من نوعها تضم عددًا من المنظمات داخل وخارج المملكة، من أبرزها تنظيم القاعدة وفروعه في جزيرة العرب واليمن والعراق، وتنظيم داعش، وجبهة النصرة في سوريا، وحزب الله في لبنان، وجماعة الحوثي في اليمن، وكذلك إصدار هيئة كبار العلماء السعودية بيانًا في 10 نوفمبر 2020، يؤكد أن جماعة الإخوان المسلمين لا تمثل منهج الإسلام، مشيرًا إلى خروج جماعات إرهابية متطرفة من رحم الإخوان.
وعلى الصعيد الفكري أيضًا عبر تأسيس المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال)، بجانب تنظيم وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد العديد من المحاضرات والخطب والندوات التي تُنظَّم في مختلف المناطق ضمن رؤية شاملة، تستهدف توجيه ضربة قاضية لفلول تلك التنظيمات المتطرفة.
كما أكدت المملكة على الدور الحاسم في التعامل بالقانون مع خطر التيار السروري، وأنها تحت مجهر السلطات المختصة، إذ بدا هذا بجلاء في تصريحات لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، خلال مقابلة شهيرة أجرتها معه مجلة “التايم” الأمريكية عام 2018، نبه فيها إلى خطورة هذا التيار حين وصف أتباع السرورية بـأنهم الأكثر تطرفًا في الشرق الأوسط، وأنهم أعلى درجةً من جماعة الإخوان المسلمين، مع تأكيده أن السروريين مجرمون بموجب القانون في المملكة، وأنه ستتم محاكمتهم متى توفرت الأدلة الكافية ضدهم.
كما حرصت الدولة من خلال سلسلة قرارات تتعلق بإصلاح المنظومة التعليمية بتنقية المقررات الدراسية، ومنع المؤلفات والكتب المحسوبة على جماعات وتنظيمات متطرفة من المدارس والجامعات، فضلاً عن التوعية بخطورة تلك الأفكار الهدّامة، واستبعاد وزارة التعليم عددًا من منسوبيها من معلمين وأيضًا أعضاء هيئة تدريس بالجامعات لتأثرهم بأفكار جماعات مصنفة إرهابية.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن تيار السرورية يعد أحد تيارات “الإسلام الحركي” التي ولدت من رحم جماعة الإخوان الإرهابية، وتبنى نفس خطابها التكفيري وأدواتها للتغلغل في صلب المجتمعات عبر التعليم والدعوة والعمل الخيري، باعتبار أن هذه الجوانب الأكثر تأثيرًا في وجدان الأفراد، والتي تترك بصمة واضحة في نفوسهم وعقولهم، لكن ما يجعل تيار السرورية أكثر خطورة من جماعة الإخوان على المجتمع، هو مزجه بين السلفية التقليدية والحركية القطبية.

زر الذهاب إلى الأعلى