تقارير

لغة الأرقام في خطاب سمو ولي العهد

منذ إطلاق صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد – حفظه الله – رؤية المملكة 2030 في 25 أبريل 2016، التي رسمت خارطة طريق واضحة ومحددة للتحديث والتنمية في مختلف القطاعات والمجالات، أضحى الخطاب الرسمي من جانب المسؤولين والمؤسسات يعتمد بشكل شبه كامل على استخدام لغة الأرقام في مخاطبة الرأي العام، وهي تلك السمة التي أرسى دعائمها سمو ولي العهد، وسار على نهجه المسؤولون في المملكة.

يقول معالي رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه المستشار تركي آل الشيخ إنه تعلم من سمو ولي العهد أن لغة الأرقام هي الأهم، ويُعد هذا التصريح كاشفًا للكيفية التي تُفكر بها قيادتنا الرشيدة، والتي تُؤكد أنها تسير وفق منهج علمي قائم على المنطق وتُخاطب العقل بحيث يكون أساس عملية الإقناع هو التدليل والبرهنة الواقعية بعيدًا عن الكلام المُرسل.

وقد ظهر هذا النهج في اللقاءات المتعددة لسمو الأمير محمد بن سلمان والتي كانت بمثابة مرجع معلوماتي يتضمن الكثير من الإحصاءات والبيانات ومؤشرات الأداء، وفي إحداها قال سموه: “أطلب من الجميع ألا يُصدقوني”، قبل أن يُضيف مخاطبًا المذيع، “انظر للأرقام، الأرقام هي التي تتحدث”، واستكمل سموه الحديث بلغة الأرقام والمقارنات لإظهار حجم التغييرات التي تشهدها المملكة في مختلف القطاعات.

ولم يكن هذا اللقاء استثناءً، بل أظهرت جميع المناسبات التي ظهر فيها سمو ولي العهد أن الأرقام هي اللغة التي يتحدث بها سموه، ويُجيدها بشكل أبهر الجميع خاصة وأنه يُصاحبها حضور واسترسال مدهش شهد له كل المتابعين داخل المملكة وخارجها.

الاستمالات العقلية في مواجهة الخطابات الشعبوية

تُعتبر عملية الإقناع عملًا متكاملًا لا يقف عند حد تقديم وجهات النظر والأفكار والقناعات للطرف الآخر، ولكنها تتطلب من الطرف الثاني أن يتفهم ويرحب ويميل نحو أفكار الطرف الأول، ومن ثم يكون مستعدًا للاستماع أو بالأحرى للإنصات للقائم بعملية الإقناع من أجل التأثر برسالته الاتصالية.

وتُعد الاستمالات تكنيكًا إقناعيًّا يُستخدم وفقًا لخصوصية الموقف الاتصالي، ويتميز بالتنوع والمرونة، ومخاطبة العقل أو الشعور أو كلاهما معًا، ويتمثل الهدف الأساسي من وراء استخدامها في حث أو تحفيز الجمهور من خلال المضمون الإقناعي.

ويحدد المتخصصون ثلاثة أنواع رئيسـة من الاستمالات التي يمكن أن تستخدم في التأثير على الجمهور، تتمثل فيما يلي:

الاسـتمالات العقلانيةً:

هي الاستمالات التي تقوم على مخاطبة عقل الجمهور، وتقدم الحجـج والأدلة والبراهين والشــواهد المنطقية وتفند الآراء المضادة بعد مناقشــتها وإظهـار جوانبها المختلفة، باسـتخدام مجموعـة مـــن الأسـاليب، منها الاستشــهاد بالمعلومات والحوادث الواقعية، وبناء النتائج على أساس المقدمات، والاستشهاد بالمصادر، واستخدام الوقائع التاريخية.

الاستمالات العاطفية:

تتمثل في استخدام المثيرات الانفعالية والرموز التي تستهدف التأثير في وجدان الجمهور، وإثارة حاجاته النفسية والاجتماعية ومخاطبة حواسه بما يحقق هدف القائم بالعملية الإقناعية.

ويتسم هذا النوع من الاستمالات بعرض الرأي على أنه حقيقة، واستخدام أسلوب الخيال تارة والمبالغة والتضخيم تارة أخرى، كذلك هناك العديد من التقنيات التي تعد أسلوبًا غير مرغوب وغير أخلاقي يتمثل في تشويه الحقائق، والاعتماد على الشائعات واستغلال وتوظيف الدين.

استمالات التخويف:

وهي الاستمالات التي تعمل على استثارة خوف ورهبة الناس في حالات معينة مثل الحروب لتبرير الإنفاق على التسلح أو تخويف الناس من الأمراض والأوبئة أو إثارة التوقعات السلبية والإيحاء بأخطار قادمة.

وتعتبر طبيعة الأنظمة السياسية وأيديولوجيتها محددًا أساسيًّا لنمط الاستمالة التي تعتمد عليها، لذلك يغلب على الساسة الشعبويين استخدام الاستمالات العاطفية من خلال شعارات وعبارات براقة رنانة عاطفية مثيرة تهدف فقط لاستقطاب الجماهير.

وعلى النقيض من تلك الممارسة، فإن القادة والزعماء أصحاب الرؤى الواثقة والمشاريع النهضوية والذين يتمتعون بروابط قوية مع الجماهير لا يلجؤون إلى الاستمالات العاطفية، ويكون جل تركيزهم على الاستمالات العقلية التي تستشهد بالمعلومات والأحداث الواقعية، وتقوم بتقديم الأرقام والإحصاءات، وتفند وجهة النظر الأخرى.

ويظهر هذا النهج بشكل واضح وجليّ في المملكة العربية السعودية متجسدًا في خطابات سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، حيث يعتمد خطابه دائمًا على لغة الأرقام وهي لغة عالمية واضحة لا تقبل الجدال وتعتمد على التوجّه إلى المُتلقّي، وتقديم البراهين والأدلة المنطقية، مدعومة بالإحصاءات والبيانات مما يشير إلى الشفافية التامة في التعامل مع مختلف القضايا، وتمثل حافزًا للجمهور نحو المزيد من البذل والعطاء.

مؤشرات استخدام لغة الأرقام في الخطاب الرسمي السعودي

يعكس استخدام لغة الأرقام في خطاب سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تحديدًا، والذي أصبح السمة العامة في الخطاب الرسمي السعودي بشكل عام، مجموعة من الدلائل التي تُبرز استراتيجيات التأثير في هذا الخطاب والعوامل التي يُضيفها على قوة الدولة وهيبتها، وكذلك قوة القائد السياسي أمام شعبه، ومن أهم هذه الدلائل:

ثقافة القائد: والتي تظهر في استشهاداته ومقارناته، فمهما امتلك المتحدث من مواصفات فنية تتعلق بمستوى أدائه وقوة شخصيته ومدى أهمية النص الخطابي إلا أن العامل الحاسم في نجاح أي خطاب سياسي يكمن في تلك المقومات الثقافية التي تميزه عن الآخرين، وهي مجموعة المعلومات والمعارف العميقة والدقيقة والشاملة حول الموضوع الذي يرتكز عليه الخطاب.

الوعي السياسي للقائد: ويتعلق بالرؤية الشاملة الناتجة عن معارف وقيم واتجاهات سياسية تتيح للقائد إدراك أوضاع المجتمع ومشكلاته مع القدرة على تحليلها والحكم عليها والانحياز إلى موقف منها مما يدفعه للتحرك من أجل التغيير والتطوير.

الثقة: إذ إن لغة الأرقام لا تجامل ولا تتجمل، فهي لغة عالمية يفهمها القاصي والداني على حد سواء، وتحمل توصيفًا دقيقًا للوضع الراهن ودلائل ملموسة عن مدى التطور.

المصداقية: وذلك لأن لغة الأرقام لا تكذب، وتُعتبر انعكاسًا لما هو حاصل على أرض الواقع، فهي لغة تُخطاب عقل الرأي العام، وتبتعد عن الكلام المرسل أو المصادر المجهولة التي لا يُمكن الاستدلال على صحتها.

قوة شخصية القائد: ويتعلق الأمر هنا في القدرة على الإقناع وطرح القضايا بجرأة ومواجهة المشكلات بكل ثقة، فليس لدى الجميع القدرة على استخدام لغة الأرقام، بل على العكس تمامًا، يلجأ الغالبية إلى الكلام الإنشائي، بينما قِلة منهم فقط هي التي تعتمد على الأرقام التي تعكس تحمل المسؤولية من جانب، وأيضًا قوة الطرح والحُجة من جانب آخر.

الشفافية: وذلك لأن هذه اللغة تنتفي معها التوصيفات الفضفاضة التي يلجأ إليها البعض من أجل الهروب من الواقع أو تضليل الجماهير، وبالتالي تُعزز من قيمة الصدق التي تُعد قيمة أخلاقية ضرورية لا يمكن تحقيق التنمية دونها.

المنهج العلمي: حيث إن الاعتماد على الأرقام والإحصاءات ومؤشرات الأداء وما إلى ذلك يُساهم في توصيف الواقع الحالي بشكل دقيق، وبالتالي يمكن مقارنته بما سبقه، واستكشاف حجم التغير سواء كان بالسلب أو الإيجاب، للوقوف على التحديات والفرص والمنجزات، ويمنح هذا الأسلوب الخطاب الرسمي قوة وفاعلية من الحُجج والاستدلال المنطقي.

الإلهام: فلغة الأرقام لم يُرس دعائمها سمو ولي العهد – حفظه الله – وحسب، بل ألهم الآخرين بها، سواء كان منبع ذلك إعجابهم بهذا الأسلوب العلمي والمنطقي، أو كان من منطلق أن سموه لن يعترف بغير الأدلة المنطقية والأرقام الواقعية والاستدلالات العقلية.

انعكاسات الخطاب الرسمي السعودي المعتمد على لغة الأرقام

تبعث لغة الأرقام في خطابات ولقاءات سمو ولي العهد برسائل عديدة، فعلى الصعيد الداخلي تشكل نموذجًا عمليًا لما يجب أن يكون عليه المسؤولون في شتى المواقع التنفيذية عند مخاطبة الجماهير، فحديث الإحصاءات والأرقام هو الأوقع والأجدى نفعًا وليس الحديث الإنشائي المنمق، كما أن تلك اللغة تعزز من قواعد الشفافية وجسور الثقة بين المواطن والمسؤول، إذ إنها تضع المواطن في دائرة صناعة السياسات وتحديد الأولويات، وتجعله يقف بدقة على حجم الإنجاز المتحقق وتحفزه للإسهام بفاعلية في تلك المسيرة العامرة.

أما على الصعيد الخارجي، فإن الأرقام والإحصاءات تكون دومًا محور تركيز الحكومات والمنظمات الدولية، ومرآة عاكسة لجهود التحديث في المملكة، وهو ما يتم توثيقه في صورة تقارير ومؤشرات وتصنيفات دولية، ومنها تحقيق السعودية العديد من الإنجازات على مدار العام الحالي، فعلى سبيل المثال احتلت المرتبة الأولى عالميًا في الاستجابة الحكومية لجائحة كورونا؛ وفقًا للمرصد العالمي لريادة الأعمال، الذي صنف المملكة أيضًا في المركز السابع عالميًا في مجال ريادة الأعمال بعدما حققت قفزة كبيرة بمقدار 10 مراكز عن عام 2020. وبجانب ذلك فإن السعودية هي الأولى عربيًا وفي المركز 21 عالميًا في مؤشر السعادة العالمي الصادر عن الأمم المتحدة لعام 2021م.

وتأسيسًا على ما سبق، يتضح أن النهج الذي أرساه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد في مخاطبة عقل الجماهير باستخدام لغة الأرقام والحُجج والاستدلالات المنطقية، يعكس القوة والثقة والمصداقية التي يتسم بها الخطاب الرسمي السعودي، ويُترجم الإنجازات التي تُحققها مسيرة البناء والتنمية الشاملة والمستدامة وفق رؤية 2030 بكل شفافية.

أما على المستوى الشخصي، فإن اعتماد سمو الأمير محمد بن سلمان على لغة الأرقام في خطاباته المختلفة، إن دلّ على شيء فإنما يدل على وضوح رؤيته وثقته في قدرات ومقدرات وطنه وشعبه واحترامه لعقلية المواطن السعودي؛ كما تُبرهن على القدرات الشخصية لسمو الأمير خاصة في سرده للأرقام والإحصاءات باسترسال وحضور قوي يُؤكد على أن هذه الأرقام ليست أعدادًا مجردة، بل هي فكر وطموح ومجهود ومتابعة ومعايشة وإنجاز، وبالتالي تحولت من سمة الجمود إلى حالة حسية كلها روح وهمة ونشاط.

زر الذهاب إلى الأعلى