شكلت نتيجة الانتخابات التشريعية المغربية، صفعة شعبية جديدة لجماعة الإخوان المسلمين، إذ تكبد حزب العدالة والتنمية خسارة فادحة بحصوله على 13 مقعدًا فقط وفقدانه السيطرة على البرلمان بعدما كان ممثلًا فيه بـ125 مقعدًا من أصل 395 هي إجمالي المقاعد، كما أخفق الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة المنتهية ولايتها، سعد الدين العثماني في الاحتفاظ بمقعده النيابي، ليطوي المغرب صفحة 10 أعوام تولى فيها الحزب رئاسة حكومة ائتلافية، ونال فيها الأكثرية في البرلمان، وهو ما يمثل أحدث انتكاسة لتيار الإسلام السياسي في واحدة من آخر البلدان التي صعد فيها الإسلاميون إلى السلطة بعد موجة الاحتجاجات التي شهدتها العديد من الدول العربية والتي عرفت إعلاميًا بـ”الربيع العربي”.
ووفقًا للنتائج النهائية للانتخابات، جاء حزب التجمع الوطني للأحرار (الليبرالي) برئاسة رجل الأعمال عزيز أخنوش في المقدمة بحصوله على 102 مقعد، فيما حافظ حزب الأصالة والمعاصرة على المرتبة الثانية بحصوله على 87 مقعدًا، وحل حزب الاستقلال في المرتبة الثالثة بعد حصوله على 81 مقعدًا، بينما حصل حزب الاتحاد الاشتراكي على 34 مقعدًا.
وحل في المرتبة الخامسة حزب الحركة الشعبية بـ 22 مقعدًا، ثم التقدم والاشتراكية بـ 18 مقعدًا، وفي المركز السابع جاء الاتحاد الدستوري بـ 18 مقعدًا، بينما حل حزب العدالة والتنمية في المركز الثامن بـ 13 مقعدًا، ليعود العدالة والتنمية إلى حجم التمثيل الذي كان عليه تقريبًا في أول انتخابات خاضها عام 1997 حينما حصل على 12 مقعدًا، بواقع 9 مقاعد في الجولة الأولى و3 في جولة الإعادة.
ويرى محللون ومراقبون للشأن المغربي أن جملة من العوامل السياسية والاقتصادية والظروف الإقليمية والأبعاد الداخلية المتصلة ببنية الحزب وقياداته تقف وراء ذلك السقوط المدوي لحزب الإخوان.
رحلة صعود وسقوط حزب العدالة والتنمية خلال عقد
جاء صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في المغرب على وقع موجة احتجاجات اجتاحت العديد من الأقطار العربية خلال عام 2011، والتي كان من بينها المغرب الذي قام بإقرار عدد من التعديلات الدستورية كانت جماعة الإخوان الرابح الأكبر منها، إذ تمكنت للمرة الأولى من الفوز بالانتخابات التشريعية بحصول العدالة والتنمية على الأكثرية في البرلمان بواقع 107 مقاعد، ومن ثم تشكيل حكومة ائتلافية ترأسها الأمين العام السابق للحزب، عبد الإله بن كيران، واستطاع الحزب زيادة حصته من المقاعد في البرلمان بعد انتخابات 2016 بنسبة 4% عن برلمان 2012 باستحواذه على 125 مقعدًا.
كانت هزيمة حزب العدالة والتنمية في استطلاعات الرأي متوقعة لكن المفاجئ هو عدم وجوده بين الأحزاب الأربعة الأوائل، حيث تعرض الحزب لتصويت عقابي الشهر الماضي في انتخابات المجالس المهنية في جميع أنحاء البلاد، والتي مُني فيها بهزيمة قاسية. كما غرق الحزب في صراع داخلي أدى إلى تراجع شعبيته، وتآكل قاعدته الانتخابية.
ويمكن استعراض الأسباب التي تقف خلف السقوط الانتخابي المدوي لحزب العدالة والتنمية فيما يلي:
أسباب اقتصادية واجتماعية
طيلة العشر سنوات التي حكم فيها حزب العدالة والتنمية لم يتمكن من تحقيق أي منجزات تصنع له رصيدًا لدى الشارع المغربي، ففشل في معالجة عدم المساواة وإنعاش الاقتصاد الذي انكمش بنسبة 6% العام الماضي، وارتفعت نسبة البطالة إلى 12.5 % خلال الربع الأول من العام الجاري، وتبنى الحزب عددًا من القوانين والقرارات القاسية ضد الطبقة المتوسطة من أبرزها القرار المتعلق برفع سن التقاعد من 60 عامًا إلى 63 عامًا، مما أدى إلى تهاوي شعبية حزب العدالة والتنمية، ولعل هذا ما دفع الناخبين إلى “التصويت العقابي” ردًا على سياسات الحزب الإخواني.
عوامل داخلية هيكلية في الحزب
يرجع البعض السقوط المدوي للعدالة والتنمية إلى صراعات داخلية تعود إلى مارس 2017 بعد فشل الأمين العام السابق للحزب عبد الإله بن كيران في تشكيل الحكومة بعد مضي أكثر من 5 أشهر على تكليفه بتلك المهمة؛ وعقب إعفاء بن كيران وتكليف سعد الدين العثماني بدلًا منه نجح في تشكيل ائتلاف حكومي بعد تقديم تنازلات لعدد من الأحزاب لإقناعها بالموافقة على الدخول في الائتلاف، كان بن كيران قد رفضها، ومنذ ذلك الحين بدا وأن هناك جبهتين متصارعتين داخل الحزب وانعكست الخلافات بينهما على أداء الحزب، وتجلت في المؤتمر الوطني الثامن للحرية والعدالة في ديسمبر 2017 والذي انتخب فيه العثماني أمينًا عامًّا للحزب خلفًا لبن كيران، وقد ألقى ذلك الصراع الداخلي بظلاله على اختيار المرشحين للانتخابات البرلمانية الحالية، فضلًا عن أن الحزب تقدم للمنافسة في الانتخابات (التشريعية والبلدية والجهوية) بنحو 9 آلاف مرشح مقابل حزب التجمع الذي خاض الانتخابات من خلال 26 ألف مرشح، وهو ما يعكس عجز الإخوان المسلمين عن الدفع بكوادر مؤهلة لخوض السباق الانتخابي.
مسلسل إخفاقات تجارب حكم الإخوان في الإقليم
يرى تيار آخر أن الإخفاقات المتواصلة لتيار الإسلام السياسي في الحكم بالمنطقة منذ عام 2011، لعبت دورًا بشكل أو آخر في تلك الهزيمة الفادحة التي مُني بها حزب العدالة والتنمية في المغرب، فكانت بداية نهاية ذلك التيار في مصر حينما أطاحت ثورة 30 يونيو2013 بحكم جماعة الإخوان المسلمين، فسقوط الجماعة التي تعد “المشروع الأم” لتجارب تنظيمات الإسلام السياسي، كان له بالغ الأثر في فروعها الإقليمية.
بالإضافة إلى ذلك، جاءت الانتخابات المغربية بعد نحو شهر من زلزال تعرضت له جماعة الإخوان في تونس حينما قرار الرئيس التونسي قيس سعيد تجميد البرلمان الذي يترأسه زعيم حركة النهضة الإخوانية، راشد الغنوشي، معلنًا رفع الحصانة عن جميع النواب، مدعومًا بهبة شعبية ضد الإخوان منددة بفشلهم في إدارة شؤون الحكم على مدى 10 سنوات عانى فيها التونسيون أوضاعًا اقتصادية واجتماعية صعبة أفرزتها سياسات حركة النهضة، ولعل التجربة الإخوانية في المغرب أكثر تشابهًا مع مثيلتها التونسية من حيث الفترة الزمنية التي أمضاها الإخوان في السلطة، وقيادتهم للائتلافات الحكومية، ومخرجات حكمهم الفاشل.
وفي المقابل، يتذرع الإخوان المسلمون بحجج واهية مثل تغيير النظام الانتخابي ويتخذونها شماعة لتعليق إخفاقاتهم عليها، فقد أجريت الانتخابات وفقًا لنظام انتخابي جديد لاحتساب الأصوات قياسًا على مجموع المسجلين في القوائم الانتخابية، سواء شاركوا في الاقتراع أم لا، بينما ظل هذا الحساب يستند فقط على عدد المقترعين منذ أول انتخابات أجريت في المغرب عام 1960.
إضافة إلى نظام الدوائر المفتوحة في المناطق التي يزيد فيها الناخبون المسجلون عن خمسين ألفًا، والنظام الفردي في المناطق التي يقل ناخبوها عن ذلك. كما ألغيت فكرة العتبة الانتخابية، التي توجب على الفائزين الحصول على 3 % في الأقل من أصوات الناخبين في مناطقهم.
سيناريوهات المشهد السياسي المغربي بعد الانتخابات
أما عن السيناريوهات المتوقعة لما بعد الانتخابات فيمكن التمييز بين مسارين: الأول يتعلق بمستقبل حزب العدالة والتنمية والإخوان المسلمين في المغرب بوجه عام، والثاني يتصل بشكل الحكومة المغربية المقبلة.
مستقبل حزب العدالة والتنمية
إعادة هيكلة شاملة للحزب بهدف التكيف مع الوضع الجديد والحفاظ على الوجود في الساحة السياسية أملًا في عودة جديدة عبر الانتخابات القادمة، وقد بدت مؤشرات واضحة على سلوك هذا المسار، بإعلان الأمين العام سعد الدين العثماني، وأعضاء الأمانة العامة للحزب استقالتهم، والدعوة إلى اجتماع استثنائي للمجلس الوطني للحزب في 18 سبتمبر الجاري، إضافة إلى الدعوة لمؤتمر عاجل للجمعية العامة للحزب “في أقرب وقت ممكن، مع تأكيد الحزب أنه سيواصل نشاطه من موقع المعارضة.
تفكك الحزب: ربما يقود الصراع بين جبهة بن كيران وجبهة العثماني داخل العدالة والتنمية إلى انشقاق مؤسسي ينعكس في تشكيل شباب العدالة والتنمية كيانًا أو حزبًا سياسيًّا جديدًا، واللافت هنا أن جماعة الإخوان عادة ما تلجأ لتلك التكتيكات في أوقات الأزمات، والمثال الأقرب والأحدث ما جرى مؤخرًا في تونس حينما أعلن فصيل من حركة النهضة الانشقاق عن قيادة الغنوشي وتدشين مجموعة تسمى “الوحدة والتجديد”.
تشكيل الحكومة المغربية المقبلة
بالنسبة للسيناريوهات المحتملة لتشكيل الحكومة المقبلة، فإنه وفقًا للدستور المغربي من المقرر أن يسمي العاهل المغربي الملك محمد السادس شخصية من الحزب المتصدر لنتائج الاقتراع (حزب التجمع الوطني للأحرار) رئيسًا للحكومة ليتولى عملية تشكيل الحكومة الجديدة والتي ستكون حكومة ائتلافية نظرًا لعدم تمكن أي من الأحزاب من تحقيق أغلبية مطلقة في مقاعد البرلمان المؤلف من 395 مقعدًا.
ويبرز هنا سيناريوهان الأول تتحالف فيه الثلاثة أحزاب المتصدرة لنتائج الانتخابات وهي حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال، والذي سيكفي لتكوين أغلبية مريحة بنحو 270 مقعدًا، وهو سيناريو لن يتحقق على الأرجح؛ نظرًا لتوجيه حزب الأصالة والمعاصرة اتهامات لحزب التجمع الوطني للأحرار بشراء الأصوات، وهو ما نفاه حزب التجمع.
وربما سيكون السيناريو الأقرب هو تشكيل ائتلاف حاكم يضم حزب التجمع الوطني للأحرار والاستقلال والاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي ويحظى بأغلبية مريحة تتجاوز 244 مقعدًا.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن انحدار حزب العدالة والتنمية إلى الهاوية قد عجل به الناخبون المحبطون، فخلال عشر سنوات أثارت الائتلافات الحاكمة برئاسة الحزب غضب فئات كبيرة من الطبقة الوسطى والشعبية، فموظفو الخدمة المدنية وصغار التجار أصيبوا بالإحباط بسبب القرارات الحكومية التي لا تحظى بتأييد وأجهدت قوتهم الشرائية، وجعلت حياتهم اليومية أكثر صعوبة مما كانت عليه في الماضي.
كما أسهم في ذلك أيضًا الجبهات المتصارعة داخل جماعة الإخوان في المغرب، وظروف إقليمية غير مواتية أدت إلى حدوث فشل ذريع لتجارب حكم الإخوان في المنطقة، وأظهرت التناقض بين خطاب الجماعة قبل وبعد الوصول للسلطة، فالجلوس على مقاعد الحكم أظهر حجم الكذب والزيف بشأن الإيمان بالديمقراطية وحرية التعبير، وبالقدر ذاته الإفلاس الفكري وافتقاد الرؤية القادرة على تحسين الحياة الاقتصادية والاجتماعية، إذ ألقت جماعة الإخوان بالشعوب في دائرة الفوضى وعمقت من أزماتهم الاقتصادية والمعيشية، فكان العقاب الشعبي في انتظارهم.