تقارير

هل تسعى روسيا إلى لعب دور في الملف اليمني؟

سعت روسيا خلال العقد الأخير إلى ممارسة دور فاعل في العديد من القضايا في منطقة الشرق الأوسط سواء من الناحية السياسية والدبلوماسية أو حتى الوجود العسكري على الأرض، وهو ما ظهر بشكل واضح في التدخل الروسي الذي أدى لتغيير مسار الحرب السورية، وأنقذ نظام الأسد من انهيار محقق.

وقد استخدمت موسكو نجاحها في سوريا كنقطة انطلاق، لانخراط أكبر في أزمات المنطقة، وهنا تبرز الأزمة اليمنية كواحدة من أكبر الأزمات وأخطرها على استقرار الشرق الأوسط؛ نظرًا لما تمثله من تهديد لدول الجوار وتأثيراتها على أمن الطاقة والملاحة العالمية التي تمر عبر مضيق باب المندب.

ويرى مراقبون أن روسيا تهدف من وجودها في الشرق الأوسط، إلى أن يكون لها صوت مسموع في مختلف ملفات تلك المنطقة الأهم في العالم، حيث تتقاطع مصالح العديد من القوى العالمية؛ الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي والصين، لذا تحاول موسكو إعادة بناء علاقات طويلة الأمد مع عدد من دول الشرق الأوسط بعد سنوات من التراجع منذ أن تقلصت تلك العلاقات في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات إثر سقوط الاتحاد السوفيتي.

دوافع موسكو للانخراط بقوة في الملف اليمني

شكلت المحادثات بين وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ونظيره اليمني أحمد عوض بن مبارك التي استضافتها مدينة سوتشي الروسية في 26 مايو الماضي، ملمحًا هامًا على رغبة روسيا في الانخراط بشكل أكبر في الملف اليمني الذي كان دائمًا في ظلال السياسة الروسية في الشرق الأوسط، على عكس موقفها من الأزمتين السورية والليبية.

وقد أوضحت تلك المحادثات الخطوط العامة للرؤية الروسية للأزمة، بتأكيدها على أن استقرار اليمن على المدى الطويل يتطلب وقفًا كاملًا للأعمال العدائية وحلًا تفاوضيًا للمشاكل القائمة، لذلك شددت على الحاجة إلى إطلاق حوار وطني واسع يتم بموجبه مراعاة مخاوف جميع القوى اليمنية، مبدية استعدادها للمشاركة بشكل أكثر فاعلية في عملية تحقيق السلام باليمن.

ويبرز تساؤل هنا حول الأسباب التي تدفع روسيا نحو السعي للعب دور في الأزمة اليمنية، ويرجع ذلك ببساطة إلى ظهور عوامل جديدة أدت إلى زيادة اهتمام الكرملين بالشأن اليمني في مقدمتها أن الأزمة السورية قد وصلت إلى طريق مسدود، فعلى الرغم من أن الجانب الروسي قد أنجز معظم المهام التي سعى إلى تحقيقها في سوريا، فإنه أصبح من الصعب بشكل كبير جني المكاسب الدولية من المشاركة في هذا الصراع، ولعل هذا الوضع ينطبق أيضًا على ليبيا، فبعد وقف إطلاق النار وتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة، ضعف موقف موسكو إلى حد ما، فأطراف الصراع الليبي -خارجيًا وداخليًا- أقل اهتمامًا الآن باجتذاب روسيا كقوة حليفة في هذا الملف، وفقًا لموقع “المونيتور” الأمريكي.

ويعني ذلك أنه في ظل التطورات الإقليمية الراهنة باتت روسيا بحاجة إلى الاستمرار في التأكيد على أهمية دورها في شؤون الشرق الأوسط، وإظهار استعدادها ليس فقط للعب دور الوسيط، ولكن أيضًا المشاركة في صياغة أسس تسوية لإحدى أكثر الأزمات حدة في المنطقة، ويسهل من ذلك كون روسيا ظلت حريصة طوال الصراع في اليمن بأن تبقى على مسافة متساوية من مختلف الأطراف، فهي مهتمة بتطوير العلاقات مع المملكة العربية السعودية والإمارات، ونأت بنفسها عن دعم إيران التي تقدم المساعدة لميليشيات الحوثي الانقلابية، وعلى الرغم من التوافق بين طهران وموسكو على المسار السوري، لكن هذا لم يقابله تنسيق وتوافق مماثل فيما يخص الصراع اليمني.

ومن أبرز مظاهر الحياد الروسي، المحافظة على الاتصالات مع كافة أطراف الصراع، فبعد مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح على يد الحوثيين في ديسمبر 2017، قامت روسيا بتعليق وجودها الدبلوماسي في صنعاء وقامت بنقل السفير الروسي لدى اليمن وقسم من الطاقم الدبلوماسي ليمارس مهامه من الرياض، وفي حين أن روسيا وصفت الحوثيين بـ”المتطرفين” بعد مقتل صالح، فإنها لا تزال تحتفظ بعلاقات معهم ومستعدة لاستضافة اجتماعات مع الحوثيين في روسيا إذا اقتضت الحاجة.

الأهمية الاستراتيجية والمكاسب الجيوسياسية لروسيا في اليمن

ويذهب مراقبون إلى تفسير الاهتمام الروسي باليمن من زاوية جيوسياسية واستراتيجية، مرجحين وجود  رغبة روسية في إنشاء قواعد عسكرية في اليمن، بالنظر إلى المصير الغامض لإقامة القاعدة الروسية في بورتسودان، إذ لم يفصح الجانب السوداني عن قرار نهائي في هذا الشأن، لذا قد تفكر موسكو في اليمن كموقع بديل لقاعدتها البحرية في البحر الأحمر.

وتوجد جذور تاريخية لذلك التوجه، إذ سبق وبحثت موسكو خلال الحقبة السوفيتية إمكانية إنشاء قاعدة بحرية في جزيرة سقطرى اليمنية، حيث أجرت البحرية السوفيتية تدريبات عسكرية بمشاركة مشاة البحرية، ومع ذلك لم يتم إنشاء القاعدة أبدًا نظرًا لوجود قاعدة دائمة مجهزة بالكامل من الأسطول السوفيتي آنذاك في أرخبيل دهلك (تجمع جزر في البحر الأحمر قبالة الشواطئ الإريترية قرب مدينة مصوع).

وفي عام 2009، أعلنت روسيا عزمها إنشاء قاعدة بحرية في سقطرى، لكن التطورات اللاحقة التي شهدتها المنطقة فيما عرف إعلاميًا بـ”الربيع العربي” أدت إلى توقف هذه الخطط، إلا أن الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح أبدى لموسكو في عام 2016 دعمه لوجود عسكري روسي في اليمن.

وفي ذات الإطار الاستراتيجي والعسكري، ترغب روسيا في استعادة التعاون العسكري التقني مع اليمن الذي أوقفته الحرب اليمنية، ففي عام 2010 أعلن اليمن استعداده لشراء معدات عسكرية من روسيا بقيمة إجمالية تزيد على مليار دولار، تتضمن 30 مقاتلة من طراز “MiG-29 SMT”، وطائرات هليكوبتر هجومية من طراز “Mi-35” و”Ka-52″، وطائرات هليكوبتر نقل عسكرية من طراز”Mi -17″، فضلًا عن دبابات وأنظمة صواريخ كورنيت المضادة للدبابات وغيرها من الأسلحة.

وفي عام 2014، أكدت القيادة اليمنية الجديدة خطط هذه المشتريات، وتوقعت مؤسسة “روسبورن إكسبورت” الحكومية الروسية المصدرة للسلاح، إتمام الصفقة بحلول عام 2021، لكن حظر تصدير السلاح المفروض على اليمن منذ عام 2015 أدى إلى تجميد هذه العقود.

السياسة الأمريكية تجاه اليمن تترك مساحة تحرك واسعة لروسيا

أما عن طبيعة الطرح الروسي الخاص بالأزمة اليمنية وكيفية العمل على حلحلتها وصولًا إلى تسوية نهائية، فبخلاف اقتراح إجراء حوار يمني داخلي، لا يبدو أن لدى موسكو أي خطة ملموسة لإنهاء الحرب اليمنية، فمعاملة روسيا للحوثيين كطرف سياسي يمني وانتقادها للحركة ودعمها لحظر الأسلحة ضدها يهدف إلى إبقاء جميع الجهات الفاعلة الداخلية والخارجية في حالة ترقب لسياسة الكرملين، بحيث يكون لدى كل منها دافع للتقرب من موسكو وكسب تأييدها.

بعبارة أخرى، يمكن القول إن روسيا تريد البقاء على علاقة جيدة مع جميع الأطراف الداخلية والخارجية ما دام استمر الصراع في اليمن، وأن تكون في وضع يمكنها من التأثير على مسار التسوية، وفقًا للمجلس الأطلسي.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه لا يمكن النظر إلى الدور الروسي بمعزل عن الموقف الأمريكي من الأزمة اليمنية، فمنذ فبراير الماضي، أوضحت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بوضوح مقاربتها إزاء الحرب في اليمن، والتي يمكن تلخيصها في ثلاث أولويات وهي القيام بمهام محدودة لمكافحة الإرهاب، وإيصال المساعدات الإنسانية، ومتابعة جهود الدبلوماسية متعددة الأطراف بقيادة الأمم المتحدة لتحقيق وقف إطلاق النار والتسوية السياسية، بحسب معهد السياسات الاستراتيجية الأسترالي.

ويشير ذلك إلى أن النتيجة الحتمية لسياسة إدارة الرئيس بايدن بشأن اليمن تمنح روسيا فرصة للعب دور أكبر كما فعلت في العديد من النزاعات والأزمات في جميع أنحاء المنطقة.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن المقاربة الروسية تجاه الأزمة اليمنية اتسمت بخصوصية تختلف عن النهج الذي مارسته في سوريا، حيث التدخل العلني باستخدام القوة العسكرية أو التدخل المموه في ليبيا عبر شركات عسكرية خاصة، حيث حافظت موسكو من خلال عدم الانحياز في الحرب اليمنية، على علاقات وثيقة مع جميع الأطراف الرئيسية، ما يؤهلها لامتلاك النفوذ –يحظى بتقدير كافة القوى الإقليمية- كوسيط في الأزمة بما يسهم في دعم الحراك السياسي الإقليمي والدولي بحثًا عن تسوية سياسية للأزمة اليمنية.

زر الذهاب إلى الأعلى