جدّد أمير دولة قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني في مقطع فيديو له موقفه العدائي لدول الرباعي العربي وخاصة السعودية ومصر، حيث أظهر دعمه ومساندته للموقف الإثيوبي المتعلق بأزمة سد النهضة على حساب كل من مصر والسودان، مبرراً ذلك بأن دول المقاطعة – الحصار كما سماها – حاولت استمالة الدول الإفريقية لمساندة مقاطعتها للدوحة، إلا أن إثيوبيا كانت أول الرافضين.
وعكست لغة خطاب أمير قطر السابق تشفيًا في القاهرة، بعدما ادعى أنها كانت تقطع شريان الحياة عن قطاع غزة، ولم يُفرق هنا بين عدائه للنظام السياسي المصري وحياة الشعب.
وقد أثار الفيديو المنشور على منصات التواصل الاجتماعي حفيظة طيف واسع من الإعلاميين العرب، الذين شكّكوا في نوايا حمد بن خليفة من نشر هذا الفيديو خاصة من حيث توقيته الذي يأتي قُبيل انعقاد الاجتماع الاستثنائي لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية في الدوحة من أجل بحث تطورات ملف أزمة سد النهضة التي تُمثل قضية وجودية بالنسبة للأشقاء في مصر.
كما أثار الفيديو حالة من الغضب الشعبي عكسته تفاعلات المستخدمين على منصات التواصل الاجتماعي الذين تناقلوا المقطع بشكل كبير، وطالبوا بالحذر في التعامل مع النظام القطري.
ويطرح مضمون فيديو الأمير القطري السابق سيناريوهين:
الأول: أن ما قاله يُعبر عن حقيقة قناعات النظام الحاكم حاليًا، وبالتالي يجب التريث في الحكم على مخرجات قمة العُلا التصالحية التي قادها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، إعلاءً للمصلحة الخليجية والعربية؛ وضرورة وضع السياسات القطرية تحت بؤرة الرصد والمتابعة الدائمة لتقييم مدى التزامها وحرصها على الوحدة العربية والحفاظ على الأمن القومي العربي.
الثاني: أن الإدارة القطرية تشهد صراعًا داخليًّا بين معسكرين لكل منهما رؤيته وسياساته الخاصة؛ يقود المعكسر الأول الأمير الحالي تميم بن حمد آل ثاني، بينما الآخر فيقوده كل من الأمير السابق حمد بن خليفة ووزير خارجيته حمد بن جاسم اللذين يُكنان العداء الشديد للسعودية ومصر تحديدًا لأسباب عديدة، منها رفض ومعارضة الرياض والقاهرة للانقلاب الذي قام بن حمد بن خليفة ضد والده الشيخ خليفة، وأيضًا وقوف الدولتين ضد مشروعها التخريبي في المنطقة.
وبذلك، يتضح أن النظام القطري الحاكم يُواجه تحديين رئيسيين في ملف العودة إلى الحاضنة العربية، يتمثل الأول في ضرورة التأكيد على وجود إرادة سياسية لديه للعودة إلى محيطه العربي، والمبادرة بإظهار حسن النية عبر اتخاذ خطوات وإجراءات سريعة وملموسة تُبرهن على سعيه الحثيث لتحقيق المصالحة بشكل عملي على أرض الواقع.
أما التحدي الآخر فيتعلق بالقدرة على مواجهة معسكر الصقور المتمثل في “تنظيم الحمدين” الذي ما زال يُقدم الدلائل المدعومة بالصوت والصورة على عدائه وخيانته لمحيطه العربي؛ وإذا كان هذا الفيديو متعلقًا بمصالح الدولة المصرية وحياة شعبها الشقيق، فهناك العديد من التسجيلات التي تآمر فيها هذا التنظيم على المملكة بهدف النيل منها وزعزعة أمنها واستقرارها.
وإذا كان هذا الفيديو قد جاء على لسان الأمير السابق لقطر، فوزير خارجيته حمد بن جاسم ما زال يبث سمومه على حسابه الشخصي بتويتر عبر تغريدات ملغومة تعكس موقفه العدائي الحاقد على الرباعي العربي، من خلال توجيه الاتهامات الضمنية سواء للمملكة أو مصر أو الإمارات دون التصريح بأسمائها مستخدمًا أساليب الهمز واللمز.
وتأسيسًا على ما سبق، يُقدم هذا الفيديو دليلاً جديدًا وسببًا آخر يدفع إلى الحرص في التعامل مع الإدارة القطرية، ووضعها طوال الوقت في دائرة الرصد والمتابعة، فتحقيق المصالحة ليس نهاية المطاف.
وإذا كان الرباعي العربي قد أعلى المصالح الخليجية والعربية العليا، وسعى إلى احتضان قطر مرة أخرى بعدما أعطى لها الفرصة تلو الفرصة من أجل تقويم سياساتها وإعادة بوصلتها إلى الطريق الصحيح الذي يضمن الحفاظ على الأمن القومي العربي، فإن على الدوحة أن تُثبت حسن نواياها تجاه جيرانها العرب، وتُظهر إرادة سياسية حقيقية في هذا الاتجاه.