ترجمات

التعرض الإيجابي للمشاهير ومكافحة الإسلاموفوبيا.. محمد صلاح نموذجًا

أصبح التعرض للمشاهير والشخصيات العامة سمة يومية عبر وسائل الإعلام التقليدية أو وسائل الإعلام الجديد وفي مقدمتها منصات التواصل الاجتماعي، ويمكن أن يكون للتعرض الإيجابي لهؤلاء المشاهير دور في تغيير النظرة السائدة إلى المجموعات العرقية والدينية التي ينتمون إليها، ويخفف من السلوكيات الضارة مثل جرائم الكراهية والخطاب المتعصب الذي تتعرض له تلك المجموعات، ما يتجسد علميًّا في “فرضية الاتصال شبه الاجتماعي- The parasocial contact hypothesis”.

ومن هذا المنطلق، سعت دراسة جديدة نشرتها دورية “American Political Science Review”  الأكاديمية المرموقة لاختبار واقعي لتلك الفرضية من خلال “دراسة حالة” لتأثير اللاعب الدولي المصري محمد صلاح، لاعب فريق ليفربول الإنجليزي على مشجعي الفريق، وانعكاساته المتمثلة في تراجع السلوكيات المعادية للمسلمين بين هؤلاء المشجعين، وذلك من خلال 3 مستويات للتحليل وهي: تحليل جرائم الكراهية في إنجلترا، وتحليل التغريدات المعادية للمسلمين بين مشجعي كرة القدم في إنجلترا، ومسح استقصائي لعينة من الجمهور.

تحليل جرائم الكراهية في إنجلترا

انطلقت الدراسة من اختبار صعب لفرضية الاتصال شبه الاجتماعي من خلال افتراض أن انضمام محمد صلاح إلي نادي ليفربول أدى إلى تقليل تسامح الجمهور العام مع جرائم الكراهية، أو أدى لتغيير المعتقدات الأساسية للمتطرفين الذين يرتكبون جرائم كراهية.

واعتمدت الدراسة على بيانات جرائم الكراهية من 25 قسم شرطة في إنجلترا بين عامي 2015 و2018، حيث وجدت أن شرطة ميرسيسايد – الشرطة الإقليمية التي تغطي مدينة ليفربول – سجلت انخفاضًا في معدل جرائم كراهية بنسبة 16% مقارنة بالمعدل المتوقع إذا لم ينضم لليفربول.

ولم تشهد أي فئة أخرى من فئات الجرائم مثل هذا الانخفاض النسبي الكبير، بل إن هناك فئة واحدة فقط، هي جرائم “المخدرات” زاد معدلها بنسبة 19.5%، ما يعني أن الانخفاض في جرائم الكراهية بعد توقيع صلاح  لليفربول، لا يرجع إلى انخفاض عام في معدلات ارتكاب الجرائم.

ويشار إلى أن الشرطة في إنجلترا تصنف الحادث على أنه جريمة كراهية عندما يكون لديها مؤشر واضح على أن الجاني استهدف الضحية على أساس يتعلق بالدين أو العرق أو الهوية الجنسية.

تحليل التغريدات المعادية للمسلمين بين مشجعي كرة القدم في إنجلترا

وهكذا قدم تحليل جرائم الكراهية في إنجلترا دليلاً على أن انضمام صلاح إلى نادي ليفربول ربما يكون قد قلل من جرائم الكراهية في ميرسيسايد بالنسبة لمعدلاتها المتوقعة، لكن ذلك لا يكشف عن كيفية تأثير انضمام صلاح لليفربول على المزيد من الأشكال اليومية للسلوك المعادي للمسلمين بين مشجعي النادي، لذلك قامت الدراسة بتحليل ما يقرب من 15 مليون تغريدة أنتجها مشجعو كرة القدم في إنجلترا في الفترة السابقة والتالية لانضمام محمد صلاح إلى نادي ليفربول.

وقامت الدراسة باستخدام واجهة برمجة تطبيقات “REST API” على منصة تويتر لاستخراج معرّفات حسابات جميع متابعي الفرق الخمسة الأولى الأكثر متابعة في الدوري الإنجليزي وهي: مانشستر يونايتد (19 مليون متابع)، الآرسنال (14 مليونًا)، تشيلسي (12 مليونًا)،  ليفربول (11 مليونًا)، ومانشستر سيتي (6 ملايين).

بالإضافة إلى متابعي نادي إيفرتون (1.7مليون)، الذي يقع أيضًا في مدينة ليفربول، ويتطابق مشجعوه تقريبًا من حيث التركيبة السكانية مع مشجعي ليفربول، إذ لا توجد اختلافات سياسية أو دينية أو اجتماعية بين القاعدتين الجماهيرتين للناديين، فالعديد من العائلات في ليفربول مختلطة في ولاءاتها بينهما، وبالتالي يشكل نادي إيفرتون أقرب مجموعة مقارنة في العينة إلى ليفربول، مع وجود اختلاف رئيسي واحد نتيجة التنافس الشرس بينهما وهو أن التعرض لصلاح قد يؤدي إلى “انحراف سلبي-skew negative” بالنسبة لنادي إيفرتون، وإيجابي لنادي ليفربول.

وبعد الحصول على معرّفات حسابات المتابعين، قام فريق الدراسة بجمع عينة من التغريدات، للتأكد من أن أصحاب تلك الحسابات كانوا من مشجعي كرة القدم قبل انضمام صلاح إلى ليفربول، وقد تم تقسيم معرفاتهم إلى أقدم 500 ألف متابع لكل ناد، ومجموعة فرعية لأولئك الذين يعيشون في إنجلترا  بناءً على بيانات الموقع الجغرافي المذكورة في الحسابات.

وبمجرد تحديد المتابعين القدامى لفرق الدوري الإنجليزي “البريميرليج” الذي من المحتمل أن يكونوا موجودين في إنجلترا، تم أخذ عينات عشوائية من 10 آلاف متابع من كل فريق من الفرق الستة أي بإجمالي 60 ألف متابع، وجرى سحب 15 مليون تغريدة من حساباتهم، ثم استخدام “خوارزمية-word2vec” (نموذج الشبكة العصبية لتعلم ارتباطات الكلمات من مجموعة نصوص كبيرة) للعثور على المفردات ذات الصلة بالإسلام والمسلمين (بلغت نحو 50 كلمة)، ظهرت في حوالي 44 ألف تغريدة، ثم أخذ فريق الدراسة عينة من تلك التغريدات حوالي 1500 تغريدة، وجرى تدريب ثلاثة متحدثين أصليين للغة الإنجليزية على تصنيف إذا ما كانت تلك التغريدات معادية للمسلمين أم لا.

ووجدت الدراسة باستخدام نفس “طريقة التحكم المركبة-  synthetic control method” كما في تحليل جرائم الكراهية، انخفاضًا في تغريدات مشجعي ليفربول المعادية للمسلمين بعد انضمام صلاح إلى النادي بمقدار نصف النسبة المتوقعة تقريبًا لو لم ينضم إلى النادي بواقع 3.8% مقابل 7.3%.

مسح استقصائي لعينة من مشجعي ليفربول

قامت الدراسة بتنفيذ مسح استقصائي على عينة من مشجعي ليفربول تبلغ  8060 مشجعًا لاختبار إلى أي مدى يمكن أن يؤدي التعرض لمحمد صلاح إلى تسامح عام تجاه المسلمين. وأظهرت النتائج أن بروز الهوية الإسلامية لمحمد صلاح قلل من التعصب ضد المسلمين بشكل كبير، فعند تذكير المبحوثين بهوية صلاح الإسلامية، عبروا عن مواقف أكثر تسامحًا تجاه الإسلام، ويتفق ذلك مع فكرة وجوب بروز الهوية حتى تمتد المشاعر الإيجابية تجاه الفرد إلى المجموعة المنتمي إليها.

وقد وفرت النتائج التي توصلت إليها الدراسة أدلة واقعية على أن تعرض الجمهور للمشاهير من المجموعات الموصومة (التي تتعرض للكراهية والاضطهاد) يمكن أن يقلل من التعصب ضد هذه المجموعات، لا سيما بالنظر إلى أن مشجعي ليفربول يقيمون في مدينة أقل تنوعًا عرقيًّا من باقي أنحاء إنجلترا وويلز، وتعاني من معدل انتشار مرتفع نسبيًّا لجرائم الكراهية.

وتثير نتائج الدراسة تساؤلاً مفاده إلى أي مدى يمكن تعميم هذه النتائج؟ وقد خلصت إلى أن التعرض الإيجابي والمستمر للمشاهير يقلل من التحيز عندما تكون هوية مجموعة المشاهير بارزة، وتُظهر تحليلات إضافية لزميل صلاح في ليفربول ساديو ماني إمكانية التعميم.

ومع ذلك، ولفهم قابلية تعميم ذلك التأثير، لا بد من الأخذ في الاعتبار ثلاثة عوامل تميز بها محمد صلاح وهي التغطية الإعلامية الإيجابية لنشاطه، ونجاحه على أرض الملعب، وعدم اتخاذه مواقف سياسية عامة- حتى وقت إعداد تلك الدراسة-.

وتشير بعض الأدلة الواقعية إلى أن الآثار الإيجابية لفرضية التواصل شبه الاجتماعي قد تكون مشروطة بأداء الشخصية المشهورة، فتوجد أمثلة واقعية على أن أداء المشاهير من الرياضيين عندما يكون متراجعًا ينعكس بالسلب على قضية التعصب، فعلى سبيل المثال عندما غادر اللاعب مسعود أوزيل ذو الأصل التركي منتخب ألمانيا بسبب إساءة عنصرية، قال أوزيل: “أنا ألماني عندما نفوز ومهاجر عندما نخسر” ، وبالمثل  قال روميلو لوكاكو إنه عندما يلعب بشكل جيد، تشير الصحف إليه على أنه “مهاجم بلجيكي”، ولكن عندما يكون أداؤه ضعيفًا، يشيرون إليه على أنه “مهاجم بلجيكي من أصل كونغولي”.

من جهة أخرى، قد يثير تبني المشاهير لقضية اجتماعية أو سياسية رد فعل عنيفًا بين بعض الجماهير، وبالتالي إبطال شرط “الإيجابية” اللازم لفرضية التواصل شبه الاجتماعي لتقليل التعصب.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن التعرض الإيجابي والمستمر لمحمد صلاح أسهم في التقليل من جرائم الكراهية والخطاب المعادي للمسلمين على تويتر بين جماهير ليفربول، كما أن تسليط الضوء على الهوية الإسلامية لمحمد صلاح يشجع الجمهور على القيام بقفزة استنتاجية من شخصه كفرد إلى المسلمين ككل، وبالتالي التعبير عن مستويات أقل من الإسلاموفوبيا بشكل عام. ونخلص من ذلك إلى أن التعرض الإيجابي لشخصيات عامة تنتمي لمجموعات تتعرض للكراهية يمكن أن يخفف من السلوكيات الضارة التي تلحق بتلك المجموعات مثل جرائم الكراهية والخطاب المتعصب.

زر الذهاب إلى الأعلى