تعتبر العلاقات العامة والتسويق مجالين متمايزين، تحرص الجهات الأكاديمية على تدريس الاختلافات بينهما من خلال التفريق بين الجهود الإعلامية المدفوعة والجهود الإعلامية المكتسبة، كما يسعى الناشرون للتأكد من وجود حواجز داخل مؤسساتهم لمنع الأموال المتدفقة في صورة إعلانات (الإعلام المدفوع- paid media) من التأثير على المحتوى التحريري (الإعلام المكتسب- earned media).
وبين هذين التخصصين، ظهرت وكالات الإعلان ووكالات العلاقات العامة ككيانين منفصلين، ففي حين ركزت الوكالات الإعلانية على استراتيجيات وسائل الإعلام الإبداعية والمدفوعة، يعمل محترفو العلاقات العامة على تأمين علاقات قوية مع الصحفيين، بالإضافة إلى توفير قنوات اتصال في أوقات الأزمات، واستراتيجية للعلاقات العامة.
ومع التطور التكنولوجي، ظهر مكون ثالث وهو “الإعلام المملوك- owned media”، لتمثيل المحتوى الذي يتم إنتاجه ونشره بواسطة العلامة التجارية نفسها. ونظرًا لأن الإنترنت أتاح للعلامات التجارية خيار النشر بشكل أكثر فاعلية وتكلفة أقل، فقد اكتسب هذا النمط من الإعلام مكانة متميزة كقناة للتسويق.
جذور نشأة نموذج “بيسو- PESO” المتكامل
وقد أدى تسارع وتيرة التسويق الرقمي والاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي إلى انهيار نموذج الإعلام (المدفوع- المكتسب- المملوك- Paid-Earned-Owned model”)، وهو ما أحدث تغييرات في مشهد النشر والإعلان من أبرزها:
قدمت وسائل التواصل الاجتماعي شكلاً آخر من أشكال النشر حيث أصبح للعملاء علاماتهم التجارية الإعلامية الخاصة، إذ قاموا بمشاركة ونشر المحتوى على الشبكات الاجتماعية.
لم تعد الجدران الفاصلة بين الإعلانات والتحرير ثابتة كما كانت من قبل، حيث بحث الناشرون عن وسائل أخرى لتحقيق الدخل من وسائل الإعلام الخاصة بهم، وتحولت الإعلانات الدعائية إلى محتوى، وتم تضمين فرق المحتوى المرتبط بالعلامات التجارية داخل مؤسسات النشر.
فقد الناشرون بعض المصداقية لأن أي شخص أصبح قادرًا على النشر على الإنترنت، ولا يهتم المستهلكون الآن بمصدر المحتوى.
مرت العلاقات العامة بأزمة هوية في محاولتها دمج وسائل التواصل الاجتماعي في ممارساتها.
وفي هذا الإطار، بدأ عدد من قادة الفكر في صناعة العلاقات العامة إلى إعادة النظر في نموذج الإعلام “المدفوع- المكتسب- المملوك- Paid-Earned-Owned model”، الذي استخدموه لسنوات، وهو ما دفع البعض لاعتبار منصات التواصل الاجتماعي قناة منفصلة، بينما حاول آخرون وضعه ضمن (الإعلام المكتسب- earned media)، وتوسيع مفهوم الاتصال الجماهيري ليشمل المحتوى الذي أنشأه الأشخاص العاديون.
وفي عام 2014، اقترح خبير التسويق الرقمي جيني ديتريش نموذجًا جديدًا هو نموذج “بيسو- PESO” وهو اختصار لـ “paid, earned, shared, owned”، وقد لقي النموذج استحسانًا واعتمده متخصصو العلاقات العامة، لكن المتخصصين في التسويق تجاهلوا هذا النموذج.
مكونات نموذج “بيسو- PESO” المتكامل
يتبنى نموذج “بيسو- PESO” أنواع الإعلام الأربعة – المدفوع والمكتسب والمُشارك والمملوك – ويدمجها معًا، وذلك على النحو التالي:
“الإعلام المدفوع- Media Paid”: كما يوحي الاسم يتعلق بأي أنشطة تسويقية يتعين دفع مقابل لها، وفي بيئة غير رقمية قد يشمل الإعلانات في الشوارع وعبر الراديو والتلفزيون وأي قنوات مدفوعة أخرى. أما في الفضاء الرقمي فيستخدم المصطلح لوصف الإعلانات عبر الإنترنت، مثل Google Adwords، أو إعلانات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، مثل إعلانات فيسبوك أو تويتر أو المنشورات الدعائية.
“الإعلام المكتسب- earned Media”: يصف المحتوى المتعلق بعلامتك التجارية أو منتجاتك أو خدمتك التي أنشأها شخص آخر أو التغطية التي تحصل عليها على موقع آخر. ويمكن أن يشمل ذلك التغطية الإعلامية والإشارات على وسائل التواصل الاجتماعي والمراجعات والتعليقات ومشاركات المدونات التي تشير إليك.
“الإعلام المُشارك-shared Media”: يستخدم للإشارة إلى أي شيء وكل ما يتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي.
وقد بدأت المنظمات في استخدامه كمصدر رئيسي للاتصالات داخليًا وخارجيًا، وهو لا يشمل فقط الشبكات الاجتماعية، ولكن أيضا المجتمع والشراكات والنشر والترويج.
“الإعلام المملوك-owned Media”: يشير إلى قناة تتحكم فيها وتبث من خلالها رسائل وتحكي القصص بالطريقة التي تريدها. ومن أمثلته موقع الإنترنت الخاص بك، والمدونة، وقنوات الوسائط الاجتماعية، والمحتويات الأخرى التي تنشئها (الكتب الإلكترونية، والمستندات التقنية، والعروض التقديمية).
ويثار هنا تساؤل مفاده لماذا يجب استخدام أكثر من نمط من الإعلام؟، والسبب ببساطة يكمن في أن الاعتماد على مصدر واحد فقط لحركة المرور “a single traffic source” يجعلك عرضة لأية تغييرات وتطورات جديدة تؤثر على تلك القناة. فعلى سبيل المثال، قبل عامين، شهدت الشركات التي ركزت غالبية تسويقها على تحسين محركات البحث والإعلام المملوك لها انخفاضًا كبيرًا في حركة المرور والعديد منها لم يتعاف بالكامل بعد. كما تضررت الشركات التي استحدثت أنشطة جديدة بسبب التكلفة المتزايدة للإعلان عبر الإنترنت. ولتجنب حدوث سيناريو مشابه، يجب استخدام نموذج “بيسو- PESO” المتكامل.
كما ثمة تساؤل آخر يتبادر للأذهان قبل استخدام النموذج ألا وهو كيف تعرف الاستفادة التي ستتحقق من استخدامه؟ وللإجابة عن هذا التساؤل المهم يتم اتباع المقاييس التالية بشأن كل نمط:
“قياس الإعلام المملوك- Measure Owned Media”
يعتبر أبسط نمط من الإعلام يمكن قياسه، نظرًا للتحكم بشكل كامل فيه، إذ يمكن الوصول إلى معظم البيانات التي تحتاجها في نظام “Analytics” الأساسي الخاص بك، بالإضافة إلى استخراج باقي البيانات من ملفات تعريف الوسائط الاجتماعية.
ولتحديد ما إذا كانت جهود الإعلام المملوك تحقق نتائج، ألق نظرة على المقاييس التالية: نمو حركة المرور بشكل عام، ونمو حركة المرور حسب أنواع المحتوى، والمشاركات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ويمكن تتبع معظم حركة مرور الإعلام المملوك باستخدام “Google Analytics”، ولتتبع تفاعل الوسائط الاجتماعية، يمكنك استخدام “الإشارة- Mention” لمراقبة الإشارات الاجتماعية لعلامتك التجارية.
“قياس الإعلام المدفوع – Measure Paid Media”
لما كانت وسائل الإعلام المدفوعة تعتمد على إنفاق الأموال لكسب حركة المرور، فإن المقاييس التي يجب الانتباه إليها تشمل: تكلفة اكتساب الزوار، وإجمالي الإنفاق مقابل نمو حركة المرور.
وتقدم معظم منصات الوسائط المدفوعة مثل “Google Adwords” أو “Facebook Ads” بيانات متعمقة حول أداء الحملات. ومع ذلك، يمكن أيضًا استخدام أدوات إضافية مثل “AdEspresso”
لمراقبة وإدارة إعلاناتك عبر الإنترنت.
“قياس الإعلام المكتسب – Measure Earned Media”
على عكس نمطي الإعلام الآخرين ، يشكل الإعلام المكتسب تحديًا عندما يتعلق الأمر بالتتبع والقياس، لأنه يتضمن المحتوى المرتبط بعلامتك التجارية أو المنتج الذي لم تقم بإنشائه. ولقياسه تبرز الحاجة إلى استخدام أدوات مراقبة العلامة التجارية التي تراقب الإنترنت بحثًا عن إشارات لعلامتك التجارية أو منتجاتك أو أي كلمات رئيسية أخرى ترغب في تتبعها والإبلاغ عن النتائج التي توصلت إليها، بل أنها تسمح لك بالرد أو التعامل مع أصحاب تلك التعليقات.
“قياس الإعلام المُشارك- Measure Shared Media”
يجب تتبع مقاييس مثل مشاركات الوسائط الاجتماعية (خاصة الإعجابات والتعليقات وإعادة النشر)، وأيضًا مراقبة العملاء الذين يحيلون علامتك التجارية عبر الإنترنت.
وتتضمن معظم الشبكات الاجتماعية أدوات تسمح بمراقبة مثل هذه المشاركة، حيث توفر أدوات مثل “Mention” و”Buzzsumo” وظائف لمراقبة هذه المقاييس وتتبع مشاركة الوسائط المشتركة الخاصة بك.
كما أن هناك طريقة أخرى لمراقبة الإعلام المُشارك وخاصة الإحالات، وهي إضافة أكواد تتبع إلى أي روابط تنشرها عبر الإنترنت لمراقبة حركة المرور التي ترسلها الروابط إلى موقعك.
مزايا وعيوب أنماط نموذج “بيسو- PESO”الإعلامي
وتتمثل مزايا الإعلام المدفوع في كونه قابلًا للتوسع فالمزيد من المال يعني المزيد من النشر، بجانب أنه يضمن عرض رسالتك، ويتسم بالسرعة حيث يمكن وضع المحتوى أمام جمهورك في ذات اليوم، لكن في المقابل تتركز سلبياته في الثقة المنخفضة، وكونه باهظ الثمن فمع زيادة الوصول تزداد التكلفة، فضلًا عن أن أثره سريع الزوال فبمجرد أن تتوقف عن الاستثمار، ستنخفض العوائد بسرعة.
وبالنسبة للإعلام المكتسب فيتسم بأن فوائده طويلة المدى ما يتجسد في الصحافة أو تحسين الوضع على محركات البحث، لكنه لا يتناسب مع الجهود العالمية أو الأحجام الكبيرة من الرسائل، وهو أيضًا باهظ الثمن فبرنامج العلاقات العامة المؤثر يستغرق وقتًا ومالًا لبنائه.
أما الإعلام المُشارك فمن فوائده الثقة العالية حيث يثق الناس في أقرانهم أكثر من الثقة في وسائل الإعلام أو الإعلان، وتكلفته منخفضة لأن تضخيم المحتوى الخاص بك مرتبط بجودته وليس بحجم الإنفاق عليه. بينما تتمثل سلبياته في صعوبة التنبؤ بما سيتم مشاركته مسبقًا، كما أن مجرد إنتاج المزيد من المحتوى لا يعني دائمًا المزيد من المشاركات.
وفيما يتعلق بالإعلام المملوك، فهو يعتبر أصلاً طويل المدى، فالمحتوى المتجدد يستمر في جذب الجماهير ما دام كان ذا صلة باهتماماتهم، والجمهور سوف يخدمك ما دمت كنت ترعاه، لكن في المقابل من عيوبه أنه بطيء إذ يستغرق تكوين قاعدة جماهيرية بعض الوقت، فضلاً عن أنه غير مستقل بحيث يتطلب أن يتم جمعه أيضًا بالإعلام المدفوع أو المكتسب أو المشارك لبناء تلك القاعدة الجماهيرية.
تحديات نموذج بيسو الإعلامي
رصد عدد من المتخصصين انتقادات تتعلق بنموذج “بيسو- PESO” الإعلامي، تتمثل في ما يلي:
مصطلح “بيسو- PESO” إما يعطي الأولوية للقنوات المدفوعة أو يعامل جميع القنوات على قدم المساواة، وإذا كانت الاستراتيجية تضع القنوات المدفوعة في المقام الأول، فمن المحتمل ألا يكون مصير العلاقات العامة هو لعب دور رائد.
وفي الواقع فإن الإعلام المدفوع يكون له أولوية فقط في تركيب المصطلح؛ لأنه يسمح باختصار يسهل تذكره، أما إذا كان سيتم عمل الاختصار وفقا لترتيب الأفضلية فسيكون “OESP” (Owned- Earned- Shared-Paid)، ولن يتذكره أحد.
عدم اقتصار نموذج “بيسو- PESO” على العلاقات العامة، إذ يمكن للمعلنين والوكالات الرقمية الاستفادة من النموذج نفسه بالضبط، فهو لا يوفر ميزة تنافسية من شأنها أن تجبر مديري العلامات التجارية على استثمار المزيد من ميزانياتهم المحدودة في العلاقات العامة.
نموذج “بيسو- PESO” نموذج اتصالات متكامل: لقد فشل النموذج في تسليط الضوء على نقاط القوة الفريدة للعلاقات العامة، بما في ذلك الرواية العميقة للقصص و”سلطة الطرف الثالث-third-party authority “، لذا قد يجعل نموذج بيسو دور العلاقات العامة أكثر هشاشة على المدى الطويل.
وتأسيسًا علي ما سبق، يمكن القول إن نموذج بيسو الإعلامي، يوفر لمستخدميه حزمة متكاملة من الأنماط الاتصالية التي تستطيع تحقيق أهداف العملية الاتصالية، واستخدام مختلف القنوات والأدوات الإعلامية لتمرير الرسائل المراد توجيهها إلى الجمهور، وقياس تفاعله مع تلك الرسائل.