تقارير

“إنستجرام الأطفال” يضع فيسبوك في مرمى الانتقادات

أثارت خطة شركة فيسبوك المالكة لمنصة إنستجرام إطلاق خدمة خاصة من التطبيق للأطفال دون سن 13 عامًا انتقادات واسعة في الأوساط القضائية والتشريعية والحقوقية، حيث تعالت الأصوات المطالبة بالعدول عن تلك الخطة، من منطلق التأثيرات السلبية المرتبطة باستخدام الأطفال في تلك المرحلة العمرية المبكرة لمنصة مثل إنستجرام.

ولا تعتبر هذه هي المرة الأولى التي تبدي فيها شركة فيسبوك، الشركة الأم للتطبيق، اهتمامًا بتطوير نسخة للأطفال من إحدى خدماته، حيث يستهدف تطبيق المراسلة “ماسنجر للأطفال- Messenger Kids” المستخدمين الذين تتراوح أعمارهم بين ستة أعوام و12 عامًا، علماً بأنه يوجد أكثر من 7 ملايين حساب نشط شهريًا على خدمة ماسنجر للأطفال حاليًا.

إصدار المنصة الجديدة بواسطة مطوري يوتيوب للأطفال

في مارس الماضي، حصل موقع “بازفييد” الإخباري الأمريكي على مذكرة داخلية لإنستجرام تفيد بأن الشركة ستمضي قدمًا في خططها لإصدار نسخة مخصصة للأطفال، إذ يشرف على العمل آدم موسيري، الرئيس التنفيذي لتطبيق إنستجرام، ونائبته بافني ديوانجي، التي انضمت إلى الشركة الأم فيسبوك في ديسمبر الماضي، وقد عملت ديوانجي سابقًا في جوجل، حيث أشرفت على منتجات لمحرك البحث العالمي تركز على الأطفال، بما في ذلك “يوتيوب للأطفال -YouTube Kids”.

وجاء ذلك بعد يومين من نشر مدونة الشركة تقرير بعنوان “الاستمرار في جعل إنستجرام أكثر أمانًا لأصغر الأعضاء في مجتمعنا”، قالت فيها إنها بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لمكافحة الإساءة والتنمر وغيرهما من المشكلات التي تحدث على المنصة.

وتعرض مارك زوكربيرغ الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك، المالكة لإنستجرام، لانتقادات لاذعة بشأن هذا المخطط خلال جلسة استماع في الكونجرس في  الشهر ذاته، إذ أعرب عضو الكونجرس الجمهوري، جوس بيليراكيس عن بالغ قلقه من استهداف هذه الفئة العمرية المحددة، متسائلًا في ظل الخدمات المجانية كيف ستجني المنصة الأموال بالضبط؟ أم أنها تحاول تحقيق الدخل من أطفالنا أيضًا، وإدمانهم مبكرًا؟”.

وأمام تلك الانتقادات، قال زوكربيرغ إن المنصة لا تزال في مرحلة الدراسة، منوها إلى أنه من الواضح أن هناك عددًا كبيرًا من الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 13 عامًا يرغبون في استخدام خدمة مثل إنستجرام.

ولا يسمح إنستجرام رسميًا للمستخدمين الذين تقل أعمارهم عن 13 عامًا بالدخول إلى النظام الأساسي، ولكن نظرًا لعدم وجود تحقق صارم من العمر، فإن بعض المستخدمين الأصغر سنًا لديهم حسابات.

وتأتي فكرة تطوير إنستجرام للأطفال على غرار إطلاق “ماسنجر للأطفال- Messenger Kids” عام 2017، والذي يستهدف الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أعوام و12 عامًا، وقد صاحب هذا التطبيق جدل كبير، إذ أرسلت مجموعة تضم أكثر من 95 من المدافعين عن صحة وسلامة الأطفال رسالة إلى الرئيس التنفيذي لفيسبوك، مارك زوكربيرغ، يطالبونه بوقف التطبيق، مستندين إلى بحث مفاده أن الاستخدام المفرط للأجهزة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي يضر بالأطفال والمراهقين، ويقوض نموهم الصحي.

لكن فيسبوك أكد في حينه أنه استشار مجموعة من الخبراء عند تطوير التطبيق المخصص للأطفال، إلا أن موقع “Wired”  الأمريكي المتخصص في الشؤون التقنية كشف لاحقًا أن الشركة تربطها علاقة مالية مع معظم الأشخاص والمنظمات التي قدمت المشورة بشأن هذا التطبيق.

وبعد إطلاق التطبيق وتحديدًا في عام 2019، ذكر موقع “ذا فيرج” الأمريكي أن خطأ في التطبيق سمح للأطفال بالانضمام إلى مجموعات مع غرباء، على الرغم من تأكيد فيسبوك أن التطبيق لديه ضوابط صارمة على الخصوصية، وقد سارع فيسبوك إلى القول إن الخطأ الذي حدث لم يؤثر إلا على عدد صغير من الدردشات الجماعية.

عشرات المدعين العامين الأمريكيين يعارضون الخطوة

وفي مفارقة غريبة يكاد السيناريو يعيد نفسه حاليًا فيما يخص إنستجرام الأطفال، حيث وقع 44 مدعيًا عامًّا أمريكيًا رسالة موجهة إلى مارك زوكربيرغ يحثونه فيها على إلغاء خطط إطلاق هذا التطبيق، متحدثين عن مخاوف تتعلق بالصحة النفسية والخصوصية، وقد جاءت الرسالة بعد أقل من شهر من إبداء الكونجرس ومجموعات حقوقية معنية بسلامة الأطفال مخاوف مماثلة.

وجاء في نص الرسالة أن “استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يضر بصحة ورفاهية الأطفال، الذين ليسوا مؤهلين لمواجهة تحديات امتلاك حساب على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلاوة على ذلك، فقد فشل فيسبوك قبل ذلك في حماية الأطفال على منصاته”.

وعبرت رسالة المدعين العامين عن قلق كبير بشأن الخصوصية، مشيرة إلى أن الأطفال “قد لا يقدرون تمامًا المحتوى المناسب مشاركته مع الآخرين، ومن لديه حق الوصول إلى ما يشاركونه عبر الإنترنت”.

كما أشاروا إلى دراسة توضح كيف أدى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك إنستجرام، إلى زيادة الاضطرابات العقلية، والمخاوف بشأن صورة الجسد وحتى الأفكار الانتحارية، معتبرين أن إصدار “إنستجرام للأطفال” لا يلبي سوى الطموحات التجارية لشركة فيسبوك.

وفي ذات الإطار، اعتبر خبراء الصحة العامة ومنظمات معنية بحقوق الطفل أن إطلاق إنستجرام للأطفال فكرة سيئة، مشيرين إلى أن تركيز إنستجرام على مشاركة الصور وظهورها يجعل المنصة غير مناسبة بشكل خاص للأطفال الذين يمرون بالمراحل الحاسمة لتنمية شعورهم بأنفسهم.

وترتكز حجج هذا التيار إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي المصممة للأطفال يمكن أن تنتهك خصوصيتهم وتزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب.

وترى بريا كومار، وهي طالبة دكتوراه في جامعة ماريلاند، متخصصة في تحليل تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على العائلات، أن إصدار إنستجرام للأطفال هو وسيلة لفيسبوك للتواصل مع الشباب وإضفاء الشرعية على تفاعلات الأطفال التي يتم تحقيق دخل من ورائها بنفس الطريقة التي يتفاعل فيها البالغون مع هذه الأنظمة الأساسية.

وتشير كومار إلى أن الأطفال الذين يستخدمون منصة “يوتيوب للأطفال” غالبًا ما يهاجرون إلى منصة يوتيوب الرئيسية، وهي ميزة للشركة لكنها أمر مقلق للآباء، منوهة أن وجود منصة للأطفال لا يعني أنهم سيبقون بها.

فيسبوك يدافع عن مشروعه ويؤكد غياب الإعلانات

في مقابل تلك الانتقادات، تؤكد شركة فيسبوك أن خدمة إنستجرام للأطفال ستمنح الآباء سيطرة أكبر على نشاط أطفالهم عبر الإنترنت، موضحة أن المنصة المقترحة تمنح الآباء رؤية وتحكمًا فيما يفعله أطفالهم، وأن تطوير هذه المنصة يجري بالتشاور مع خبراء في مجال تنمية الطفل وسلامته وأيضا مع متخصصين في الصحة النفسية، ومدافعين عن الخصوصية.

وأعربت الشركة عن تطلعها أيضًا إلى العمل مع المشرعين والجهات التنظيمية، بما في ذلك المدعون العامون لهذا الخصوص، ونوهت أنها ملتزمة بعدم إظهار الإعلانات في أي تجربة لإنستجرام الذي يطورونه للأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 13 عامًا.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن تفسير خطوة إنستجرام من منطق تجاري بحت، إذ إنه يرى في الأطفال دون سن 13 عامًا شريحة مهمة لنمو التطبيق، لا سيما بسبب شعبيته الطاغية بين المراهقين.

وعلى الأرجح ستواجه شركة فيسبوك معركة قانونية خلال المرحلة المقبلة على خلفية هذا المشروع لا سيما في ظل قانون حماية خصوصية الأطفال عبر الإنترنت لعام 1998، والذي يحدد متطلبات أكثر صرامة للحيلولة دون قيام المنصات عبر الإنترنت بجمع معلومات شخصية عن المستخدمين الأقل من سن 13 عامًا دون موافقة الآباء، فضلاً عن ضغوط المجتمع الحقوقي، إذ يشعر خبراء حقوقيون بالقلق من أن مثل هذه المنصات تشكل تهديدات إضافية للأطفال الصغار.

زر الذهاب إلى الأعلى