ترجمات

استخدام الذكاء الاصطناعي لتتبع شعور العملاء في الوقت الفعلي

تحتاج الشركات إلى فهم ما يفكر فيه عملاؤها ويشعرون به من أجل تحقيق النجاح، وفي سبيل ذلك تنفق الكثير من الوقت والجهد والمال للتعرف على عملائها بشكل أفضل، ولكن على الرغم من هذا الاستثمار الضخم، فإن معظم الشركات لا تجيد الاستماع إلى العملاء، ويكمن السبب في أن الأدوات التي يستخدمونها والهدف الذي يسعون إلى قياسه قد لا يكون على مستوى المهمة.
ويخفق المقياسان الأكثر استخدامًا في هذا الإطار، وهما رضا العملاء (CSAT) وصافي نقاط الترويج (NPS) في إخبار الشركات بما يفكر فيه العملاء ويشعرون به حقًّا، ويسهمان أيضًا في إخفاء المشكلات الخطيرة.
وقد ظلت المسوحات الكمية لسنوات هي المعيار الأساسي لفهم العملاء، حيث يتم توجيه سؤال على مقياس من صفر إلى 10 درجات، مثل ما مدى رضاك عن منتج أو خدمة الشركة؟ أو ما مدى احتمالية أن توصي بهذا المنتج أو الخدمة لصديق أو زميل؟ وفي حين أن هذه الاستطلاعات كثيفة الموارد ويجد العملاء أنها تطفلية بشكل متزايد وأصبحوا أقل ميلًا للمشاركة فيها، إلا أنها ظلت جزءًا أساسيًا من استراتيجية الشركات لفهم عملائها.
وتكمن المشكلة في أن هذه الاستطلاعات لا يمكنها التقاط ردود عاطفية مهمة وتؤدي إلى فقدان تعليقات مهمة للغاية، فالعملاء غالبًا ما يمنحون الشركات درجات عالية في استطلاعات الرأي حتى عندما يواجهون مشاكل كبيرة مع منتجاتها أو خدماتها، ويمكن أن يتسبب إخفاء عدم رضا العملاء عبر هذه الاستطلاعات في خسارة الشركات للعملاء دون معرفة السبب.

وفي هذا الإطار، تشير مجلة هارفارد بيزنس ريفيو الأمريكية إلى وجود منجم ذهب من البيانات الجيدة يتمثل في مربعات التعليق المفتوحة التي يتم تقديمها عادةً في نهاية الاستطلاعات، حيث يكشف العملاء عن أفكارهم ومشاعرهم الحقيقية من خلالها، لذا يقدم محتوى هذه التعليقات مؤشرًا موثوقًا بدرجة أكبر لسلوك العميل، لكن غالبًا ما يتم تجاهلها، بل إنه حتى في حالة استخدامها يتم ذلك عادةً بعد حساب الدرجات.
وبات أمام معظم الشركات القدرة على تصحيح هذا الخطأ بشكل سريع نسبيًّا، فبحسب دراسة نشرتها دورية “Journal of Service Research”، طور فريق بحثي أمريكي نهجًا قائمًا على الذكاء الاصطناعي يمكن استخدامه كنموذج للاستفادة من ملاحظات العملاء.
الذكاء الاصطناعي واستخراج الكلمات الرئيسية من تعليقات العملاء
يعود انتشار الاستطلاعات الكمية نظرًا لكونها وسيلة لسؤال عدد كبير من العملاء عن شعورهم، في ظل أن الأساليب النوعية مثل “مجموعات التركيز- focus groups ” أو قراءة وتحليل ملاحظات العملاء، تحتاج الكثير من العمالة حتى يمكن توسيعها.
لكن التكنولوجيا حاليًا غيّرت الوضع، إذ بات لدى الشركات الأدوات المناسبة لتحليل البيانات النوعية، على سبيل المثال أنظمة إدارة علاقات العملاء، ووسائل التواصل الاجتماعي، ومراجعات العملاء، ورسائل البريد الإلكتروني، وملاحظات مركز الاتصال، وروبوتات الدردشة، وهو ما يمكنها من التفكير في التخلص من الاستطلاعات الكمية تمامًا، فهذه الأدوات تتيح للشركات إمكانية سماع ما يفكر فيه العملاء ويشعرون به عبر نقاط اتصال متعددة في الوقت الفعلي، وهذا هو المكان الذي يمكن أن تساعد فيه نماذج وأدوات الذكاء الاصطناعي.
واللافت أنه حتى الآن لم يتم اعتماد أدوات الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع من قبل المسوقين ومديري تجربة العملاء، بل إن الأدوات المتوفرة تميل إلى الإشارة فقط إلى المشاعر الإيجابية أو السلبية.
ومن هذا المنطلق، استخدمت الدراسة إطارًا يركز على العميل لاستخراج وتحديد الكلمات الرئيسية التي تمثل “تجربة العميل- customer experience” وتندرج تحت الأبعاد التالية: الموارد (مثل المعرفة والنظام والمنتج والمهارات وما إلى ذلك)، والأنشطة (مثل الطلب وتقديم الخدمة وغيرها)، وأيضا السياق أو المواقف التي تؤثر على التجربة (على سبيل المثال عطلة نهاية الأسبوع)، والتفاعلات (مثل الاتصال والدردشة)، ودور العميل (تقديمه اقتراحات على سبيل المثال).
وفي مرحلة تالية يتم تحديد مشاعر العملاء (الفرح والحب والحزن والغضب والمفاجأة) والاستجابات المعرفية (المجاملات والشكاوى والاقتراحات) عند نقاط الاتصال.
ورصدت الدراسة حالة أعطى فيها عميل 10 درجات في مقياس رضا العملاء (CSAT) أجرته شركة ما، لكنه كتب التعليق التالي: “الشيء الوحيد الذي شعرنا بخيبة أمل بعض الشيء منه هو الإصلاحات، إذ يبدو أنه في كل مرة يزيد سعر الخدمة عن ألف دولار، ويبدو أن الفنيين يكافحون من أجل تشخيص المشكلة، وأنها دائمًا ما تكون أكثر تكلفة”.
وبتطبيق نهج “معالجة اللغة الطبيعية- Natural Language Processing” لاستخراج الكلمات الرئيسية وتحديدها في هذا التعليق، يظهر أن كلمة “إصلاحات” ترتبط بـ “نقاط الاتصال”، وكلمة “الفنيين” تتعلق بالموارد، أما “تشخيص المشكلة” مصنف ضمن الأنشطة، و”خيبة الأمل” تعتبر عاطفة حزن، بينما مصطلحات مثل “أكثر من ألف دولار”، “تكافح”، “أكثر تكلفة”، يتم تصنيفها تحت بند الشكاوى.
وهنا يقوم الذكاء الاصطناعي بإنشاء وتحويل الميزات الرئيسية إلى متغيرات تنبؤية يمكنها تدريب النموذج على التنبؤ بما إذا كان العملاء راضين أو محايدين أو لديهم شكوى، وذلك دون استخدام نتائج المسح الكمي. كما يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي التقاط المفردات المتخصصة التي يستخدمها العملاء والجمع بين وجهات نظرهم التي يعبرون عنها بكلماتهم الخاصة مع مقاييس التصنيف التقليدية للحصول على رؤى عميقة.

وقد اختبرت الدراسة أداة الذكاء الاصطناعي على بيانات تجربة العملاء التي تم جمعها من قبل أربعة من مزودي خدمة متعددي الجنسيات، وضمت البيانات ما يقرب من 30 ألف تعليق.
6 فوائد رئيسية لاستخدام الذكاء الاصطناعي
ووجدت الدراسة أن الذكاء الاصطناعي يمكنه تغيير طريقة تفكير الشركات في تجربة العملاء وقياسها، وخلصت إلى وجود ست مزايا على النحو التالي:

يُظهر الذكاء الاصطناعي للشركة ما تفتقده
غالبًا ما تخطئ الشركات في تقدير ما يريده عملاؤها حقًّا، فنقاط الاتصال التي يهتم بها العملاء قد لا تكون تلك التي تتوقعها الشركات، وهنا تظهر أهمية النهج النوعي المدفوع بالذكاء الاصطناعي الذي يمكن أن يوضح للشركة ما تفتقده، وبالتالي كيفية إصلاح وضعها، فعلى سبيل المثال كانت إحدى الشركات محل الدراسة تركز فقط على المبيعات، وقطع الغيار، والخدمة الميدانية، لكن العملاء اعتبروا عمومًا أن التمويل الائتماني أكثر أهمية في تفاعلهم مع الشركة، ونتيجة لهذه الرؤية يمكن للشركة إعادة توجيه مواردها.
تدريب الموظفين على أساس ما هو مهم بالفعل للعملاء
يتيح فهم كيفية تفاعل العملاء مع الشركة إنشاء برنامج تدريبي مخصص لتثقيف الموظفين حول كيفية التعاطف أكثر مع العملاء والاهتمام بقضاياهم والتفاعل معهم بسلاسة، فعلى سبيل المثال، أبرزت الدراسة أن موظفي إحدى الشركات غالبًا ما كانوا غير مرنين وأظهروا القليل من الاهتمام عند مواجهة شكاوى العملاء.
وبناءً على هذه الرؤية، قامت الشركة بتدريب الموظفين في ورش عمل حول تجربة العملاء لتقديم رسائل أساسية حول خدمة العملاء والتعاطف معهم واستراتيجيات استعادة الخدمة (أي ما يجب القيام به عندما تسوء الأمور) واتخاذ الإجراءات التصحيحية.
وقد شهدت الشركة زيادة في رضا العملاء وتحسنًا في الاحتفاظ بهم بعد اتباع إجراءات تجربة العملاء.
تحديد الأسباب الجذرية للمشكلات
يمكن للشركات استخدام الرؤى التي تم إنتاجها بواسطة الذكاء الاصطناعي، ليس فقط لاستخلاص المواضع التي توجد بها المشاكل، ولكن أيضًا لمعرفة أسبابها.
وفي إحدى الحالات التي رصدتها الدراسة، كان التواصل نقطة إشكال رئيسية، وهنا تم استخدام الرؤى المكتسبة لإصلاح العلاقات مع العملاء الذين تم تحديدهم على أنهم من المحتمل أن يغادروا الشركة، لذا بدأ مسؤولو الشركة في التواصل مع هؤلاء العملاء للتعرف حقًّا على مخاوفهم، ثم دعت الشركة العملاء إلى حدث خاص بها لمناقشة أسباب فشل الخدمة.
الحصول على ردود العملاء العاطفية والمعرفية في الوقت الفعلي
يجب أن تلتقط الشركات مشاعر العملاء تجاه الخدمة – سواء كانت الفرح والحب أو المفاجأة أو الغضب والحزن والخوف- واستخراج الردود المعرفية المصممة من خلال تقييمات العملاء (على سبيل المثال، الشكاوى والإطراء والاقتراحات) في الوقت الفعلي، حيث يمكن أن تتبدد الاستجابات العاطفية والمعرفية بمرور الوقت.
اكتشاف ومنع انخفاض المبيعات
يمكن للشركات تقسيم العملاء بناءً على القيمة المالية باستخدام صافي نقاط الترويج (NPS)، وقد حددت الدراسة العملاء الذين كانوا معرضين على الرغم من إعطائهم الشركة درجات عالية في مقياسي رضا العملاء (CSAT) وصافي نقاط الترويج (NPS)، وكانت مغادرة هؤلاء العملاء ستكبد الشركة ما يقرب من 6 ملايين دولار كفاقد في المبيعات، لذلك يساعد استخدام الذكاء الاصطناعي الشركات في التنبه إلى أي انخفاض في المبيعات، ويساعدها على تقليل التكاليف المرتبطة بفقدان العملاء، واكتساب عملاء جدد.
إعطاء الأولوية للإجراءات الخاصة بتحسين تجربة العميل
يمكن للشركات استخدام نموذج الذكاء الاصطناعي الوارد في الدراسة لتشخيص العوامل الأساسية التي تسبب معاناة العملاء ومن ثم تحديد أولويات التحرك، ويمكّن هذا المديرين من التوقف عن القيام ببعض الإجراءات مثل الشكاوى، والبدء في القيام بإجراءات جديدة تتمثل في اقتراحات.
ويسهم تقنين هذه العملية وأتمتتها في تمكين الشركات أن ترى في الوقت الفعلي أداء مناطق معينة، والبحث والتدخل في أي مشكلات ناشئة.
كما يعطي التحليل أيضًا للموظفين نظرة على رحلة العميل بأكملها، مما يمكّنهم في جميع أنحاء المؤسسة من الحصول على نفس وجهة نظر العميل، بحيث إذا ظهرت مشاكل يكون جميع موظفي الخطوط الأمامية قادرين على رؤية ما حدث والتصرف وفقًا لمتطلبات الموقف.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن تجربة العملاء هي الآن نقطة التمايز الرئيسية بين المنافسين، فنظرًا لأن العديد من العملاء يستخدمون اليوم خدمات ذكية في الوقت الفعلي وتطبيقات ودية، يمكن للشركات جمع المزيد من البيانات في الوقت الفعلي حول رحلات العملاء بدلاً من الاعتماد على طرق مبسطة أحادية لقياس تجربة العملاء.
إن الجمع بين هذه الأفكار من تعليقات العملاء المباشرة، وتحليل تصرفات العملاء، ومصادر أخرى يمكن أن يوفر للشركات عرضًا مفصلًا لتجربة العميل. كما أنه من خلال تنفيذ نموذج يحركه الذكاء الاصطناعي يمكن للشركات مراقبة تجربة العملاء في الوقت الفعلي وإنشاء رؤى من شأنها أن تسمح لمقدمي الخدمة بتوفير تجربة سلسة للعملاء، والتدخل في الوقت المناسب لاسترداد الخدمة بشكل فعّال. ومن ثم تستطيع المؤسسات استخدام البيانات الناشئة ليس فقط من نقاط الاتصال الخاصة بها ولكن أيضًا من نقاط الاتصال الخارجية في القنوات الرقمية والمادية والاجتماعية مع الأهداف الأساسية المتمثلة في تبني تجربة العملاء بشكل مستمر واستباقي للاحتفاظ بالعملاء والحفاظ على ولائهم والنمو طويل الأجل.

زر الذهاب إلى الأعلى