تقارير

تأثير الإعلام على السلوك الشرائي للمرأة السعودية

تحظى وسائل الإعلام بأهمية كبيرة في المجتمعات باعتبارها مصدرًا أساسيًّا لتثقيف الإنسان وترفيهه، بالإضافة لدورها في نقل وتبادل المعلومات، وتعتبر درجة اعتماد الأفراد على معلومات وسائل الإعلام هي الأساس لفهم المتغيرات الخاصة بزمان ومكان تأثير الرسائل الإعلامية على المعتقدات والسلوك، فاعتماد الجمهور على وسائل الإعلام يظهر بتأثير دوافع النمو والبقاء التي تجعل الفرد يسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية تتمثل في فهم الذات، والعالم المحيط به، ثم توجيه الفرد إلى الأنماط السلوكية والقرارات الخاصة والاجتماعية.
وتعتبر العلاقة بين وسائل الإعلام من جهة والنظام الاجتماعي والجمهور من جهة أخرى علاقات اعتماد، فالأفراد يعتمدون على المعلومات التي توفرها وسائل الإعلام رغبةً منهم في إشباع حاجاتهم وتحقيق رغباتهم وأهدافهم، في المقابل فإن الهدف الأساسي لأي وسيلة إعلام هو التأثير على سلوك المستهلك ودفعه لاتخاذ قرار الشراء. ويعد الإعلام من المؤثرات البيئية التي لها أكبر الأثر في نقل معلومات إلى المستهلك تساعده على تحديد سلوكه الاستهلاكي واتخاذ قرار الشراء، ومن أهم ما تقوم به هو المساهمة في تشكيل الوعي، فهي المصدر الوحيد القادر على الوصول بشكل مباشر إلى أعماق المجتمع.
دور المرأة السعودية المحوري في اتخاذ قرارات الشراء والادخار
تلعب المرأة السعودية بالنظر إلى مكانتها المحورية داخل الأسرة الدور الرئيسي فيما يتعلق باتخاذ قرارات الشراء والادخار، وهنا تبرز أهمية التخطيط الشرائي أي اتخاذ القرار الشرائي الرشيد المبني على الاحتياجات الفعلية وليس وليد الدوافع العاطفية الشخصية، أو تلك التي تثيرها وسائل الإعلام من خلال الإعلانات والوسائل الأخرى، التي تعتمد على الترويج العاطفي بالدرجة الأولى، فالتخطيط الشرائي جزء مهم من أعمال الأسرة، فلا يخلو يوم دون أن تقوم الأسرة بشراء سلعة ما، فهو يُمكّن الأسرة من الحصول على السلعة بالجودة والكمية والأسعار المناسبة.
وتشير بيانات مسح الإنفاق الأسري الصادرة في تقرير الهيئة العامة للإحصاء الأخير لعام 2013 إلى أن متوسط الدخل الشهري للأسرة السعودية يصل إلى 13610 ريالات، مقارنة مع متوسط إنفاق الأسرة السعودية على مجموعة السلع والخدمات الاستهلاكية وغير الاستهلاكية الذي بلغ 13282 ريالًا، وذلك بفائض 328 ريالًا شهريًّا فقط، مما يعني عدم وجود فائض ادخاري للأسرة السعودية.
وسجل أعلى معدل للإنفاق الشهري في منطقة الرياض بنسبة أعلى من 18 ألف ريال شهريًّا تلتها المنطقة الشرقية بمعدل 17 ألف ريال ثم المدينة المنورة والباحة 16 ألفًا، فيما كانت منطقة نجران هي الأقل في معدل الإنفاق الشهري بما يعادل 10 آلاف ريال، وكانت أعلى معدلات الإنفاق على السلع والخدمات الشخصية، والأغذية والمشروبات، والسكن والكهرباء والمياه والوقود، بالتساوي تلاها النقل ثم تأثيث المنازل والاتصالات والمطاعم.
ولما كانت المرأة السعودية تعتبر المحرك الأول لنمط حياة الأسرة من خلال مسؤوليتها الأسرية، وجب العمل على رفع مستوى الوعي لديها تجاه أسرتها وتجاه المجتمع للعمل على الحد من الإنفاق ورفع نسب المدخرات الأسرية بما يحقق الموازنة بين الاستهلاك والادخار لصالح الادخار.
المستوى التعليمي للمرأة أكثر العوامل المؤثرة على التخطيط الشرائي.

وفي هذا الإطار، ركزت دراسة نشرتها المجلة الدولية للعلوم الإنسانية والاجتماعية في أبريل الماضي تحت عنوان دور وسائل الإعلام المختلفة في تنمية وعي المرأة السعودية تجاه التخطيط الشرائي، من إعداد الدكتورة سميرة سالم عياد الجهني عميدة كلية الاقتصاد المنزلي  جامعة بيشه، على تحليل دور وسائل الإعلام المختلفة في تنمية وعي المرأة السعودية تجاه التخطيط الشرائي، من خلال عينة تكونت من 260 زوجة، جاء توزيعهن من ناحية المستوى التعليمي كالتالي 15% حاصلات على الشهادة الابتدائية، و23,1% الشهادة المتوسطة، و27,7% الشهادة الثانوية أو الدبلوم، و34,2% يحملن الشهادة الجامعية أو الماجستير والدكتوراه.
ومن الناحية العمرية، تضم العينة 116 امرأة تراوحت أعمارهن من 35 سنة إلى أقل من 45 سنة بنسبة 44,6% من إجمالي العينة، يليهن 83 امرأة أعمارهن أقل من 35 سنة بنسبة 31,9، وأخيرًا 61 امرأة كانت أعمارهن من 45 سنة فأكثر بنسبة 23,5.
وبالنسبة لمتغير العمل، فإن 151 من أفراد العينة يعملن مقابل 109 لا يعملن، أما عن متغير مدة الزواج فإن 34,6% مدة زواجهن أقل من 10 سنوات، و40,8% تتراوح مدة زواجهن من 10 سنوات إلى أقل من 15 سنة، و24,6% مدة زواجهن من 15 سنة فأكثر.
وفيما يتعلق بعدد أفراد الأسرة، فإن 110 أُسر في العينة يتراوح أفرادها من 5 إلى أقل من 7 أفراد بنسبة 42,3%، يليهم الأسر التي كان عدد أفرادها أقل من 5 أفراد وبلغ عددها 92 أسرة بنسبة 35,4%، وأخيرًا كان عدد الأسر التي عدد أفرادها من 7 أفراد فأكثر 58 أسرة بنسبة 22,3%.
وبالنسبة للدخل الشهري للأسرة، كان أكبر فئات الدخل الشهري لأسر عينة الدراسة في الفئة من 10 آلاف ريال إلى أقل من 15 ألف ريال، تليها الفئة من 15 ألف ريال فأكثر وقد بلغت نسبتها على التوالي 32,3%، و29,6%، ويأتي بعد ذلك الأسر ذات الدخل من 5 آلاف ريال إلى أقل من 10 آلاف ريال وبلغت نسبتها 21,5، وأخيرًا الأسر ذات الدخل أقل من 5 آلاف ريال وبلغت نسبتها 16.5%.
وخلصت الدراسة إلى أن المستوى التعليمي كان من أكثر العوامل المؤثرة على التخطيط الشرائي بنسبة 80%، يليه العمر بنسبة 71,2%، وتأتي في المرتبة الثالثة مدة الزواج بنسبة 65,4%، وأخيرًا في المرتبة الرابعة الدخل الشهري للأسرة بنسبة 60,4%.
كما أظهرت نتائج الدراسة أن أفراد العينة في المستوى التعليمي العالي أكثر قدرة على تحديد الأهداف الشرائية، ثم في المرتبة الثانية أصحاب المستوى التعليمي المتوسط، ثم أصحاب المستوى التعليمي المنخفض في المرتبة الأخيرة.
وكشفت النتائج أيضًا إلى أن أفراد العينة في الشريحة العمرية من 45 سنة فأكثر هم الأكثر قدرة على تحديد الأهداف، ثم من بعُمر 35 سنة إلى أقل من 45 سنة في المرتبة الثانية، ثم أفراد العينة أقل من 35 سنة في المرتبة الثالثة.
كما اتضح أن المرأة العاملة أكثر قدرة على تحديد الأهداف من غير العاملات (ربات المنزل)، بالإضافة إلى أن الأسر التي مدة زواجها من 15 سنة فأكثر كانت أكثر قدرة على تحديد الأهداف الشرائية، ثم الأسر التي تراوحت مدة زواجها من 10 سنوات إلى أقل من 15 سنة في المرتبة الثانية، وأخيرًا الأسر التي كانت مدة زواجها أقل من 10 سنوات.
وخلصت الدراسة إلى أن الأسر الأقل من 5 أفراد كانت أكثر قدرة على تحديد الأهداف الشرائية، ثم الأسر من 5 أفراد إلى أقل من 7 أفراد في المرتبة الثانية، وأخيرًا الأسر من 7 أفراد فأكثر.
ومن حيث مستوى الدخل، فإن الأسر ذات الدخل المرتفع كانت أكثر قدرة على تحديد الأهداف الشرائية، ثم في المرتبة الثانية الأسر ذات الدخل المتوسط، وأخيرًا الأسر ذات الدخل المنخفض.
الحملات التوعوية لترشيد النفقات وتحقيق مستهدف الادخار في رؤية المملكة 2030
في ذات السياق، هدفت دراسة أخرى نشرتها المجلة العربية للتربية النوعية في أبريل الماضي لتحديد مدى تأثير الحملات التوعوية الإعلامية ودورها في ترشيد النفقات الاستهلاكية وتنمية الفكر الادخاري لدى المرأة السعودية بالتطبيق على “الحملة التوعوية الإعلامية لرفع وعي المرأة السعودية في ترشيد الإنفاق وتطوير أساليب الادخار في مجتمع المنطقة الشرقية”، من خلال عينة عشوائية قوامها 113 سيدة سعودية يقمن في المنطقة الشرقية خلال فترة زمنية مدتها شهران، إذ تم تقسيمها إلى مجموعتين وتحليل سلوكيات المجموعة الأولى التي لم تتعرض للحملة (المجموعة الضابطة)، وسلوكيات المجموعة الثانية التي تعرضت لتأثير الحملة (المجموعة التجريبية) وذلك من خلال الوصول لهن في البيت ومكان العمل من خلال الوسائل الإعلامية، في محاولة لتعديل سلوك الإنفاق والتوعية بأهمية ترشيد الاستهلاك وإعطاء بدائل لأساليب ادخارية متاحة داخل المجتمع.
وأظهرت نتائج الدراسة بشأن استراتيجية الاستهلاك أن أفراد العينة في المجموعتين لديهم ميل قوي نحو ترشيد النفقات، وربما يرجع ذلك لوجود الوازع الديني في نفوس المبحوثات وخبراتهن السابقة، كما يتضح من نتائج استراتيجية الادخار بوجه عام وجود نسبة تأثير واضحة ذات دلالة إحصائية على المجموعة التي تعرضت للحملة التوعوية وإن كانت ليست ذات فروق شاسعة، وإنما تؤكد نجاح فرضيات الحملة والعمل على التوصية باستمرارها.
كما أوضحت النتائج وجود فروق معنوية في درجة مستوى الوعي الادخاري وترشيد الاستهلاك بين مجموعتي البحث (التجريبية والضابطة) لصالح العينة التجريبية.
وأظهرت النتائج كذلك عدم وعي العينة الضابطة بوجود علاقة بين الادخار الأسري وتنمية الاقتصاد الوطني بنسبة كبيرة، فيما أشارت النتائج إلى إمكانية تحقيق هدف رؤية 2030 لزيادة الادخار من 6 إلى 10% من خلال الحملة التوعوية بترشيد النفقات وتنمية الحس الادخاري.
ويتضح من استراتيجيات الحملات التوعوية نجاح الحملة في تحقيق أهدافها، لما أظهرته النتائج على العينة التي تعرضت للحملة من وجود تأثير واضح على تغيير سلوكياتهن نحو ترشيد الإنفاق والميل نحو الادخار، ورغبتهن في استمرار الحملة لسنوات تعني وجود قناعة لديهن برغبتهن نحو التوعية بأساليب وأفكار ادخارية.
ولذلك أوصت الدراسة بالاستمرار في إطلاق الحملة بشكل سنوي لزيادة مدى التأثير، فضلاً عن إعطاء أولوية لوجود دراسات لقياس مدى تأثير الحملات التوعوية المجتمعية. كما رأت أيضًا وجوب توسيع نشاط الحملة ليشمل وسائل الإعلام التقليدية إلى جانب وسائل الإعلام الجديد، والعمل على وجود رعاة للحملة يعطيها ثقلاً وإمكانية الاستمرار بشكل أقوى.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن المرأة السعودية بما تتمتع به من مكانة محورية في المجتمع بوجه عام وفي داخل الأسرة بشكل خاص، تمثل عنصرًا أساسيًّا في تحقيق هدف رؤية المملكة 2030 المتعلق برفع نسبة الادخار، لذلك من الأهمية بمكان التوسع في البرامج التي تتناول الوعي الشرائي للمرأة في وسائل الإعلام التقليدي والإعلام الجديد، مع مراعاة استخدام لغة مبسطة يفهمها جميع المستويات، فضلاً عن الاهتمام بتوعية المرأة شرائيًّا في جميع المراحل الحياتية لرفع مستوى الوعي الشرائي لديها، وكذلك دراسة احتياجات المرأة السعودية والمعرفة بما يجب أن تلمّ به من معلومات عند اتخاذ القرارات الشرائية.

زر الذهاب إلى الأعلى