ترجمات

حظر وسائل التواصل الاجتماعي والانتخابات في إيران

منذ ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، اعتمد النظام الإيراني على منهج ثابت في التعامل مع تلك المنصات وهو الحظر، رغبة منه في سد أي منفذ يتمكن من خلاله الإيرانيون من التعبير عن رأيهم، وارتبطت تلك العملية بشكل وثيق بالاستحقاقات الانتخابية التي شهدتها إيران خلال العقد الأخير.

ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقررة في يونيو المقبل، تطرق المرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي في خطاب ألقاه في 21 مارس الماضي إلى دور الإنترنت في الانتخابات الرئاسية، عبر تحذير مما سماه “استغلال العدو” للفضاء السيبراني لتقليل مشاركة الناخبين في الاقتراع عبر أساليب نفسية، داعيًا إلى إدارة هذا الفضاء السيبراني، ومشددًا على أن هذه الوسيلة لا يجب أن تكون متاحة لما سماه العدو للتفكير في مؤامرات ضد الوطن، على حد زعمه.

ويُظهر هذا التصريح أن الشغل الشاغل لخامنئي بشأن الإنترنت ليس تطوير البنية التحتية، بل استهداف المحتوى، ولطالما كان الإنترنت من أكثر القضايا التي تشكل تحديًا للحكومة الإيرانية خاصة أثناء الانتخابات، وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية وحدها، حاولت إيران مواجهة هذا التحدي في مناسبات عديدة من خلال إغلاق الإنترنت أثناء الاحتجاجات التي عمّت أرجاء البلاد أو حظر التطبيقات والمواقع الشهيرة.

ووفقًا لمؤشر حرية الإنترنت  لعام 2020 الصادر عن مؤسسة فريدم هاوس، تم تصنيف إيران ضمن فئة “ليست حرة”.

تطور استخدام وسائل التواصل الاجتماعي منذ الحركة الخضراء عام 2009

ويشير المجلس الأطلسي (مركز بحثي مقره واشنطن) إلى أن الإنترنت منذ الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2009 كان أداة الإعلام الحرة الرئيسية لإبلاغ المجتمع الدولي بما يحدث في الانتخابات الإيرانية، وكان ذلك العام مهمًّا بشكل خاص بسبب الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات والمعروفة باسم الحركة الخضراء، إذ تسببت بدورها في فهم الحكومة الإيرانية لأول مرة للدور الإشكالي للإنترنت خلال فترات الاضطرابات.

ففي مايو 2009، وقبيل أسابيع فقط من الانتخابات قامت إيران بحجب موقع فيسبوك، وعندما أُعلن بشكل سريع في 12 يونيو من العام ذاته عن فوز الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، شجب العديد من الإيرانيين الانتخابات ووصفوها بأنها مزورة، ونزل مئات الآلاف – إن لم يكن الملايين- إلى الشوارع في العاصمة طهران ومدن أخرى، وسرعان ما تدفقت العشرات من مقاطع الفيديو والصور على منصات التواصل الاجتماعي مثل تويتر ويوتيوب وفيسبوك -المحظور الآن-  لمتظاهرين سلميين يتعرضون للمطاردة والضرب المبرح والقتل على أيدي قوات الأمن ليراهم العالم بأسره، بما في ذلك مأساة مقتل الطالبة ندى آغا سلطان.

وبعد مرور أربع سنوات، وخلال الانتخابات الرئاسية عام 2013، استمر الإيرانيون في استخدام فيسبوك وتويتر من خلال الاعتماد على أدوات لتجاوز الحظر، وبات قناة رئيسية للنقاش حول المرشحين ونوايا التصويت، واللافت أنه بمجرد أن أعلن حسن روحاني عن خططه للترشح آنذاك انتقلت النقاشات من وسائل التواصل الاجتماعي إلى تطبيق “فايبر- Viber” للمراسلة، إذ كانت هذه الخطوة بداية فقدان فيسبوك لشعبيته بين الجماهير، وبداية لأن تشغل تطبيقات المراسلة مساحته لدى الجمهور.

ونظرا لكون ذكرى احتجاجات عام 2009 لا تزال حية في أذهان السلطات الإيرانية، قامت الأخيرة بخنق الإنترنت قبل أسابيع من الانتخابات في يونيو 2013، لكنها لم تكن قادرة على التحكم في المحتوى على فايبر؛ لذا لجأت إلى حظر التطبيق في مايو 2014، وعقب ثلاث سنوات فقط وتحديدًا خلال الانتخابات البرلمانية عام 2016، أصبحت الأدوات الرئيسية المستخدمة من قبل الإيرانيين  هي تطبيق “إنستجرام” لمشاركة الصور وتطبيق “تليجرام” للمراسلة.

وفي حين انصب تركيز التيار المحافظ لحشد الأصوات على الوسائل التقليدية مثل الخطب في المساجد والحملات الانتخابية ووسائل الإعلام الحكومية، اعتمد التيار الإصلاحي على تليجرام لتعبئة الناخبين، حيث نجحوا في إنشاء العديد من القنوات على تليجرام للمرشحين الإصلاحيين لإيصال رسائلهم، بل وذهبوا إلى حد تصميم روبوتات للترويج لقائمتهم الانتخابية الإصلاحية، المعروفة باسم “قائمة الأمل”، مما أسفر عن فوز القائمة بـ 121 مقعدًا من أصل 290 مقعدًا في البرلمان، ولذلك تم اعتقال مديري 12 قناة تليجرام قريبة من الإصلاحيين قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية عام 2017.

واستمر استخدام تليجرام كأداة رسائل شعبية لتبادل المعلومات من قبل المواطنين الإيرانيين العاديين ووسائل الإعلام الحكومية والسياسيين وحتى ميليشيا الحرس الثوري والمرشد الأعلى الإيراني، ولم يكن من المستغرب حينما انطلقت الاحتجاجات بين ديسمبر 2017 ويناير 2018 بسبب سوء الإدارة والفساد وخيبة الأمل من الحكومة، أن تصبح قنوات على تليجرام مثل “أمد نيوز-Amad News” مكانًا لتنظيم المظاهرات وتبادل المعلومات.

وكما جرت العادة مع أي وسيلة تواصل، حظرت السلطات الإيرانية تليجرام في أبريل 2018، على الرغم من أنه لا يزال يستخدم من قبل عشرات الملايين من الإيرانيين حتى اليوم. وبحلول الوقت الذي أجريت فيه الانتخابات البرلمانية العام الماضي، أصبحت أجواء وسائل التواصل الاجتماعي بأكملها تحت سيطرة الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي انطلقت في نوفمبر 2019 والتي قتل واعتقل خلالها الآلاف على يد قوات الأمن، وقد انتهت هذه الانتخابات بأدنى نسبة مشاركة ( 42,6%) في تاريخ إيران.

“كلوب هاوس” كمنصة للنقاش بشأن الانتخابات الرئاسية الإيرانية

لفترة من الوقت بدا أن النقاش بشأن الانتخابات الرئاسية الإيرانية هادئة، ولكن هذه الفكرة محل جدل الآن بسبب ظهور منافس جديد على وسائل التواصل الاجتماعي هو تطبيق “كلوب هاوس” الصوتي، حيث تظهر يوميًّا غرف تتناول مواضيع متعلقة بالانتخابات يحضرها الإيرانيون، والشيء اللافت هنا عدد الإيرانيين داخل البلاد الذين يشاركون في هذه المحادثات الصوتية ويعبرون علانية عن آرائهم وغضبهم وإحباطهم من النظام الحاكم.

كما أنه من الواضح أن الإصلاحيين لديهم بالفعل ميزة في كلوب هاوس، فهم يدعون شخصيات سياسية بارزة للانضمام إلى التطبيق والمشاركة في الغرف، بما في ذلك أعضاء في حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني  مثل وزير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات محمد جواد آذري جهرمي، ووزير الخارجية محمد جواد ظريف – وهما اللذان يشاع أنهما سيخوضان السباق الانتخابي-، وأبو الفضل عموئي المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني، ورستم قاسمي وهو مرشح رئاسي محتمل.

وتجدر الإشارة هنا إلى وجود طرفين متعارضين يشتركان في وجهة النظر حول الرقابة على التطبيق الناشئ، مستندين إلى آخر وجود لوزير الخارجية الإيراني عبر التطبيق كمثال، إذ يقول أحد أنصار التيار المحافظ، الذي فوجئ برؤية الغرفة التي يتحدث فيها ظريف في 31 مارس الماضي – جذبت ثمانية آلاف شخص وهو الحد الأقصى لعدد المستخدمين الذين يمكنهم الانضمام إلى الغرفة- إن مديري المناقشة لم يعطوه فرصة للرد على وزير الخارجية خلال المناقشة، وبالمثل شعر صحفيون وناشطون إيرانيون داخل إيران وخارجها أنهم لم يحصلوا على فرصة لفعل الشيء نفسه.

ومن المثير للاهتمام أن ذلك الشخص المنتمي للتيار المحافظ أعرب أيضًا عن إحباطه من عدم استخدام تياره السياسي لكلوب هاوس بنفس الطريقة التي يستخدمها به الإصلاحيون.

إصدار غير رسمي من التطبيق لأنظمة أندرويد

يذكر الاهتمام والمشاركة في غرف تطبيق كلوب هاوس بالجو المثير الذي شهدته شوارع طهران قبل انتخابات عام 2009،  لكن منذ الحركة الخضراء لم تعد تلك الظروف موجودة.

وحتى مع وجود كلوب هاوس، فمن غير الواضح ما إذا كانت هذه النقاشات السياسية يمكن أن تؤثر أو تجذب اهتمام الشعب الإيراني أم لا، ففي حين أن معظم الإيرانيين لديهم هواتف ذكية، فإن كلوب هاوس متاح فقط لمن يمتلكون هواتف آيفون، وهم يشكلون 10 إلى 15 % فقط من مستخدمي الهواتف المحمولة في إيران.

وقد وجد الإيرانيون طريقة للتحايل على المشكلة من خلال تصميم إصدار أندرويد غير رسمي من التطبيق، تم تنزيله بالفعل أكثر من عشرين ألف مرة عبر موقع “CafeBazaar.ir” وهو النسخة الإيرانية من متجر أندرويد.

ولذلك إذا تم إصدار نسخة رسمية من تطبيق كلوب هاوس لأنظمة تشغيل أندرويد قبل موعد الانتخابات في يونيو المقبل، سيؤدي ذلك على الأرجح إلى مناقشات انتخابية واسعة النطاق، وربما يغير المزاج العام لدى بعض الإيرانيين، الذين سئموا بشكل كبير من الوضع الراهن.

وأخيرًا.. على الرغم من مخاوف الخصوصية بشأن التطبيق الصوتي، فإن الإيرانيين ينضمون إليه كل يوم لسماع ومشاركة الآراء المختلفة، ويمكن إرجاع ذلك إلى أن كلوب هاوس يُعد خروجًا عن وسائل التواصل الاجتماعي التقليدية، فاعتماده على ميزة الصوت فقط جعل المستخدمين يشعرون بأنهم أقرب إلى بعضهم البعض.

ويمكن القول إن النهج الثابت المتبع من قبل النظام الإيراني هو حظر المنصات، لكن هذه الإجراءات لا يستسلم إليها الجمهور لا سيما فئة الشباب منهم، حيث يتوق الجميع إلى التخلص من تلك القيود والتغلب على القمع الذي يفرضه نظام الملالي سواء في الواقع الفعلي أو الفضاء الافتراضي.

زر الذهاب إلى الأعلى