تقارير

“ديب نوستالجيا”.. أداة تقنية تثير إشكالية أخلاقية

في أحدث مؤشر على التطور المتسارع لطرق التلاعب بالصور المستند إلى الذكاء الاصطناعي، أطلق موقع علم الأنساب “MyHeritage” في أواخر فبراير الماضي أداة تسمى “ديب نوستالجيا-Deep Nostalgia ” أي الحنين العميق، حيث تقوم بتوظيف “التعلم العميق- deep learning” لتحريك الصور الثابتة للأشخاص الراحلين إلى نسخ متحركة.
ونظرًا لسهولة استخدام تلك التقنية وتجربتها مجانًا، سرعان ما انتشرت على موقع التدوينات القصيرة تويتر، حيث قام المغردون بتحميل نسخ متحركة من صور عائلية قديمة وصور لمشاهير راحلين وحتى الرسومات، الأمر الذي أثار حالة من الجدل حول استخدام تلك التكنولوجيا مع صور الموتى، وما يعتري ذلك من إشكاليات قانونية وأخلاقية.
شعبية واسعة ومعالجة أكثر من 10 ملايين صورة في أسبوع
ووفقًا لمدونة “My Heritage”، قامت شركة “D-ID” للتكنولوجيا باستخدام “التعلم العميق- deep learning”، في تطوير أداة “الحنين العميق-Deep Nostalgia ” التي تسمح للمستخدمين بتحويل صور الأشخاص الثابتة إلى مقاطع فيديو قصيرة، تُظهر الشخص في الصورة وهو يبتسم ويغمز ويومئ برأسه.
وحققت تلك الأداة الخاصة شعبية كاسحة وضجة على الإنترنت في غضون أسبوع فقط من إطلاقها، إذ تم تحريك أكثر من 10 ملايين وجه حتى الآن، ويتم تحريك بضعة آلاف من الصور كل دقيقة، وقد أدى الطلب الهائل على تفعيل الأداة إلى بعض المشكلات التقنية في تثبيتها لكن شركة “My Heritage” قامت بتحديث البنية التحتية للخدمات لديها للاستمرار في تلبية الطلب وتحسّن الوضع الآن بشكل كبير.
ويشير موقع “ذا فيرج- The verg” الأمريكي المتخصص في الشؤون التقنية إلى أن أداة “الحنين العميق- Deep Nostalgia” تشبه نوعًا ما أداة iOS Live Photos ، والتي تضيف بضع ثوانٍ من الفيديو لمساعدة المصورين عبر الهواتف الذكية في العثور على أفضل لقطة، لكن ما يميز”Deep Nostalgia” إمكانية التقاط الصور من أي كاميرا وإضفاء “الحياة” عليها، حيث تستخدم الأداة مقاطع فيديو مسجلة مسبقًا لحركات الوجه، وتقوم بتطبيق المقطع الذي يعمل بشكل أفضل للصورة الثابتة المعنية.
ويُطلب من مستخدمي أندرويد الذين لا يمكنهم استخدام تلك الأداة من خلال تطبيق “My Heritage” أن يقوموا باستخدامها عبر الإنترنت، أما مستخدمو هواتف “آيفون” فيمكنهم استخدام الأداة عبر التطبيق بكل سلاسة، ولذلك أصبح تطبيق “My Heritage” التطبيق المجاني الأكثر تنزيلاً في الولايات المتحدة.
ويجب على المستخدمين التسجيل للحصول على حساب مجاني على موقع My Heritage ثم تحميل الصورة، لتتم عملية الأتمتة، حيث يقوم الموقع بتحسين الصورة قبل تحريكها وإنشاء “صورة متحركة-gif”.
ولا يمكن لأداة “الحنين العميق” سوى التعامل مع الصور الفردية التي تظهر رأس الإنسان، حيث يمكن فقط تحريك الوجوه، ويمكن للمستخدم معالجة خمس صور مجانًا على موقع My Heritage، وبعد ذلك يتعين عليه التسجيل للحصول على حساب مدفوع.
وأدى انتشار استخدام الأداة إلى أنها أصبحت من الميمات على موقع التدوينات القصيرة “تويتر”، حيث قام المستخدمون بمشاركة الصور المتحركة لأقاربهم المتوفين، بالإضافة إلى الصور المتحركة لشخصيات تاريخية، بما في ذلك ألبرت أينشتاين والملكة الفرعونية نفرتيتي.
وقام العديد من المشاهير باستخدام الأداة من بينهم الممثل البريطاني، السير إيان ماكيلين الذي قام بتحريك صور لملوك بريطانيا، وصورة للشاعر والكاتب المسرحي الآيرلندي أوسكار وايلد، كما استخدم الصحفي الأمريكي جيك تابر الأداة في تحريك صورة لأحد أفراد عائلته المولود عام 1773.
أداة “Deep Nostalgia” وجدل تحريك صور الموتى
وقد أثارت أداة “Deep Nostalgia” حالة من الجدل والمشاعر المتباينة بين الجمهور، فبينما أحبها البعض واعتبروها أداة سحرية، لم تنل إعجاب آخرين قالوا إنها مخيفة وتثير أسئلة أخلاقية وقانونية، لا سيما بشأن مدى توافر تصريح باستخدام صور الموتى، وأيضًا فرص تمييع الحقائق من خلال إنشاء قرين افتراضي.
وترى إيلين كاسكيت، أستاذة علم النفس بجامعة ولفرهامبتون البريطانية، ومؤلفة كتاب حول “الحياة الأخرى الرقمية”، أنه بينما لم يكن الحنين العميق بالضرورة إشكاليًّا، إلا أنه على قمة منحدر زلق، متسائلة عندما يبدأ الأشخاص في إعادة كتابة التاريخ أو تحريك الماضي أين سينتهي هذا الأمر؟
وأقرت شركة “My Heritage” على موقعها على الإنترنت بأن تلك التكنولوجيا يمكن أن تكون غريبة بعض الشيء واستخدامها يثير الجدل، لكنها قالت إنه تم اتخاذ خطوات لمنع الانتهاكات، حيث لا تتضمن مقاطع الفيديو المخصصة لتحريك الصورة الأصلية أي كلام من أجل منع إساءة استخدام هذه التقنية على غرار ما يحدث من إنشاء مقاطع فيديو بتقنية “التزييف العميق” لأشخاص أحياء.
ويرى رافي مندلسون، مدير العلاقات العامة في شركة “My Heritage” أن عدم تضمن أداة “Deep Nostalgia” أي كلام، يجعل من المستحيل استخدامها لتزييف أي محتوى أو إيصال أي رسالة، كما ينوه بأن استخدام صور شخص على قيد الحياة دون موافقته يُعد انتهاكًا لشروط وأحكام الشركة.
ويشير مندلسون إلى أن مقاطع الفيديو يتم تمييزها عن التسجيلات الأصلية بوضوح برموز الذكاء الاصطناعي، مؤكدًا أن الشركة تتحمل مسؤولية أخلاقية لتحديد مثل هذه الفيديوهات الاصطناعية بوضوح وتمييزها عن مقاطع الفيديو الحقيقية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن شركة “My Heritage” أصدرت إعلان فيديو لموقعها على الإنترنت في 11 فبراير الماضي تضمن صورة متحركة للرئيس الأمريكي الراحل أبراهام لينكولن وهو يتحدث.
في ذات الإطار، يؤكد فهيم حسين، الأستاذ المساعد في مدرسة جامعة ولاية أريزونا لمستقبل الابتكار في المجتمع، أن الصور وحدها يمكن أن تنقل معنى يثير إشكاليات، فعلى سبيل المثال يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لجعل شخص ما يبدو كما لو كان يفعل أشياء لم يفعلها في الصورة الفعلية، مثل دحرجة عينيه تعبيرًا عن التذمر أو الابتسام في حضور جنازة، بحسب مؤسسة طومسون رويترز.
توصيات للمحافظة على خصوصية البيانات
من جهة أخرى، تشير مدونة “Lifehacker” المتخصصة في شؤون التطبيقات الإلكترونية إلى أن الأفراد يجب أن يساورهم الشك قليلاً عندما يكون هناك أمر جديد منتشر، مسلطة الضوء على الخصوصية الرقمية المتعلقة بالمحتوى الذي يقدمه الأفراد بشكل أعمى إلى موقع “My Heritage”، الذي يطلب عنوان البريد الإلكتروني للمستخدم واسمه أو تاريخ ميلاده.
وتلفت المدونة إلى أن الشروط والأحكام الخاصة بموقع “My Heritage” تمنحها ترخيصًا عالميًّا خاليًا من حقوق الملكية وغير حصري لإعادة إنتاج المحتوى وتعديله وتكييفه ونشره، بينما يؤكد الموقع أنه لا يوفر الصور إلى أي جهات خارجية، وفي صفحته الرئيسية تظهر رسالة تقول: الصور التي تم تحميلها دون إكمال التسجيل يتم حذفها تلقائيًّا لحماية خصوصية المستخدم.
وتوضح المدونة أنه بمجرد تحميل المستخدم للصورة وقيام أداة “Deep Nostalgia” بجعلها متحركة، ستظل الصورة الأصلية في أرشيف صوره، لذلك على المستخدم التأكد من زيارة هذا الجزء من موقع My Heritage وحذف الصورة فلا يوجد أدنى سبب للاحتفاظ بها.
وتوصي مدونة “Lifehacker” المستخدمين بمجرد الاستمتاع بإنشاء بعض الرسوم المتحركة عبر تلك الأداة، أن يقوموا بحذف صورهم وحساباتهم، مشيرة إلى أن تقليل حجم البصمة الرقمية للمستخدم فكرة جيدة للغاية، خاصة إذا كان يقوم بإنشاء حسابات لتجربة بعض الأشياء الجديدة المنتشرة على الإنترنت، فمثل هذه الحسابات التي ينشئها المستخدمون كل عام لغرض أو آخر قد تُشكل مشكلة أمنية أو مشكلة للخصوصية أو أداة للتصيد في وقت ما في المستقبل، وبالتالي لا يوجد مبرر للاحتفاظ بمثل تلك الحسابات إذا لم يتم استخدامها مرة أخرى.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن أداة “Deep Nostalgia” كغيرها من أدوات التزييف العميق تثير العديد من المخاطر المرتبطة باستخدامها في التضليل والتدليس وتشويه أحداث تاريخية، كما أنها قد تكون حيلة لجمع المزيد من البيانات لتغذية نماذج الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي الخاصة لتعزيز تقنية التعرف على الوجه، لذلك لا بد من التعامل بحرص مع مثل هذه التطبيقات.
وختامًا، إن استخدام تلك الأداة بشكل حصري مع صور الموتى يُثير مشكلة أخلاقية حول ضوابط توظيف الأداة، لا سيما في حالة استخدامها بشكل ساخر.

زر الذهاب إلى الأعلى