دراسات الصورة الذهنية

تغريدات بن جاسم.. كيف جسدت ورطة قطر؟

يعتبر الكثير من المراقبين أن حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري السابق، هو الحاكم الحقيقي للإمارة الخليجية المعزولة والمتورطة في دعم الإرهاب والتدخّل في شؤون جيرانها وأشقائها.

ما زال حمد بن جاسم محل اتهام حتى بعد إعفائه من منصبه في يونيو 2013، وقد نشط مؤخراً على موقع “تويتر”، وبدأ تغريداته في 7 مارس 2018

ويعد بن جاسم مهندس سياسة دولة قطر، في عهد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وعرّاب وصوله إلى الحُكم بعدما أخرج سيناريو الإطاحة “المشين” بوالده الشيخ خليفة.

فرئيس الوزراء القطري السابق، أحد أكثر السياسيين العرب غموضاً وإثارة للجدل خلال العقدين السابقين، بسبب علاقاته المتشعبة والمتناقضة في نفس الوقت، وصاحب الدور الفاعل خلال الفترة التي أُطلق عليها إعلامياً “الربيع العربي”، والتي تُعدّ من أخطر فترات التاريخ العربي الحديث وأكثرها تعقيداً.

وما زال حمد بن جاسم محلّ اتهام حتى بعد إعفائه من منصبه رسمياً في يونيو 2013، واستمرّت الشكوك والتكهنات حول استمرار دوره – من وراء الكواليس – في صناعة السياسة القطرية في عهد الأمير “الابن” تميم.

نشط حمد بن جاسم مؤخراً على موقع التواصل الإجتماعي “تويتر”، وتحديداً في 7 مارس 2018، حيث بدأ في نشر “التغريدات” على حسابه.

وقد قام مركز القرار للدراسات الإعلامية بإجراء مسح شامل لكلّ التغريدات التي نشرها بن جاسم على حسابه حتى تاريخ إجراء الدراسة في 27 مايو 2019، والتي بلغت (111) تغريدة، ومن خلال إخضاعها لمنهجيات التحليل الكمية والكيفية، اتضح أن أولويات القضايا التي تناولها حمد بن جاسم جاءت كما يلي:

54.1% من إجمالي التغريدات التي نشرها الوزير القطري السابق على حسابه انتقدت الرباعي العربي

  • استحوذ ملف مقاطعة الدول العربية الأربع السعودية ومصر والإمارات والبحرين لقطر على المرتبة الأولى في اهتمامات بن جاسم، حيث نشر (60) تغريدة تتناول هذا الملف بنسبة 54.1% من إجمالي التغريدات التي نشرها على حسابه حتى وقت إجراء الدراسة، وكان الطرح الغالب فيها تحميل الدول العربية الأربع المقاطِعة لقطر، مسئولية هدم الكيان الخليجي، محاولاً تأطير قرار المقاطعة في هذا الاتجاه.

حصول هذا الملف على المرتبة الأولى في اهتماماتِ شخصيةٍ كانت من ركائز السياسة القطرية حتى فترة قريبة، وما زالت تحوم حول دور هذه الشخصية الشكوك، مؤشرٌ على أن المقاطعة العربية لقطر أحدثت تأثيراً “مؤلماً” على الدوحة والنظام الحاكم فيها، وذلك عكس ما يُصرّح به المسئولون القطريون.

  • وجاءت العلاقة مع إيران في المرتبة الثانية من اهتمامات الوزير القطري السابق، بـ (13) تغريدة، وبنسبة 11.7% من إجمالي تغريداته.
  • فيما جاءت القضية الفلسطينية في المرتبة الثالثة من اهتمامات حمد بن جاسم، حيث نشر (12) تغريدة على حسابه تتناول هذا الملف، بنسبة 10.8% من إجمالي تغريداته، ومثّلت صفقة القرن التي تقترحها الإدارة الأمريكية الحالية لحلّ القضية الفلسطينية الركيزةَ الأساسية في تناوله لهذا الملف.
  • المرتبة الرابعة كانت من نصيب العلاقة القطرية التركية، وبالرغم من حديثه عنها في ثلاث تغريدات فقط، إلا أنها كانت كاشفة لنظرة المسئول القطري للدولة التركية.
  • أما باقي تغريدات الشيخ حمد بن جاسم فكانت متنوّعة وتحدّث فيها عن قضايا ثانوية مختلفة.

أولاً: قرار المقاطعة العربية لدولة قطر.

اعتمد حمد بن جاسم على عدد من الأساليب لتضليل الرأي العام بشأن المقاطعة، منها:

التكرار:

لم يتطرق بن جاسم إلى المطالب الـ (13) التي قدمتها الدول العربية إلى قطر وشكّلت أساس قرار المقاطعة

اعتمد حمد بن جاسم في تغريداته التي تناولت هذا الملف على أسلوب “تكرار الفكرة الخاطئة بهدف ترسيخها”، وكان من اللافت أنه كرّر وصف الأزمة بـ “المُختلقة – المُفتعلة” في أكثر من تغريدة، في محاولة منه لإظهار أن قرار المقاطعة جائر ولا يوجد ما يستدعي اتخاذه.

وباتباع حمد بن جاسم أسلوب المسكوت عنه في تحليل الخطاب أو اللجوء إلى الانتقائية المتحيّزة، والتي تعني التركيز على جزء من الحقيقة واستبعاد جزء آخر مرتبط بها.. لم يتطرق بن جاسم إلى المطالب الـ (13) التي قدمتها الدول العربية إلى قطر، وشكّلت أساس قرار المقاطعة بعد المماطلة القطرية وعدم التنفيذ، وحاولت الدول العربية إقناع الدوحة بالكفّ عن سياساتها وممارساتها المضرة بالمصالح العربية، سواء عبر المشاورات أو الاتفاقيات الرسمية مثل اتفاق الرياض 2013، والذي وقع عليه أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني ولكنه لم يلتزم به، فجاء التوقيع على اتفاق الرياض التكميلي عام 2014 ووقع عليه الأمير القطري وحنث به أيضاً، والاتفاقان يتناولان المطالب العربية من دولة قطر وحكومتها، ومعنى أن يُوقع عليهما رأس النظام القطري، أن لدى الدول العربية الأربع أسبابَها الواقعية والقوية لمقاطعة قطر، وليس الأمر أزمةً مفتعلة كما يدّعي الشيخ حمد بن جاسم.

حاول بن جاسم تضليل الرأي العام باستخدام الاستمالات العاطفية ودغدغة المشاعر وخطاب المظلومية

الاعتماد على الاستمالات العاطفية: اعتمد بن جاسم على مخاطبة العاطفة بدلاً من العقل، بهدف تجاوز المنطق العقلاني وإثارة الانفعالات، من أجل تضليل الرأي العام، عبر “دغدغة” المشاعر والكلمات الرنانة، مثل “خليجنا” و”الشعب الخليجي”، لإثارة الشعور القومي والعروبي عند المتلقّين، كما استخدام هذه المصطلحات، لتثبيت فكرة أن كل دول الخليج واحدة، والشعوب الخليجية واحدة، فلا يجوز التفرقة بينهم، وبالتالي عدم جواز قرار المقاطعة.

في السياق ذاته.. انتهج المسئول القطري سياسة “المظلومية” بهدف استعطاف الرأي العام، فنشر بن جاسم تغريدةً يُعبر فيها ضمنياً عن تخوّفه من دول الجوار، ويقصد بشكل خاص الخليجية وتحديداً المملكة العربية السعودية، مُتهماً المملكة بأنها تُشكل تهديداً لبلاده.

كما لجأ حمد بن جاسم إلى استخدام الدين في تغريداته، من خلال الاستشهاد بآيات من القرآن الكريم، حتى يُكسِب ما يقوله نوعاً من المصداقية المستمدّة من قدسية كلام الله.

ردد بن جاسم سلسلة من الأكاذيب والافتراءات في تغريداته، ولجأ إلى سرد بعض التفاصيل غير الصحيحة بصورة الرواية الصادقة!

الكذب:

اعتمد الوزير القطري السابق، على ترديد سلسلة من الأكاذيب والافتراءات في تغريداته، وخاصة تلك التي تتناول دول الرباعي العربي، ولجأ إلى سرد بعض التفاصيل غير الصحيحة بصورة الرواية الصادقة، لكي يقتنع بها المتلقي دون محاولة التفكير فيها، مثل قوله “كل الحدود الأخلاقية والأخوية والسياسية تجاوزناها في هذه الأزمة”، ومن ثمّ يُمرّر أيضاً الرسالة اللاحقة المعطوفة على تلك التفاصيل المغلوطة، فالجزء الأول معطيات كاذبة وغير صحيحة يتناولها بشكل مباشر كأنها مسلّمات، فتقود إلى الجزء الثاني والذي يُصبح النتيجة الطبيعية لهذه المعطيات.

ولجأ بن جاسم أيضاً إلى المزج ما بين سرد الوقائع والتساؤل الذي يعقبها بشكل سريع، وهي حيلة تجعل المتلقي يستقبل الجزء الأول (السردي) من التغريدة على أنه معلومة طبيعية لا تحتاج للمراجعة، بينما يتهيأ عقله لمعرفة الإجابة عن التساؤل إذا كان لا يعرفه، أو يُثار فضوله لمعرفة ما سبب هذا السؤال البديهي، وبالتالي تُمرّر الرسالة “غير الصحيحة” المشمولة في الجزء الأول بنجاح ودون عناءٍ من المرسِل أو تَشَكّكٍ من المستقبل أو المتلقي.

حاول بن جاسم في تغريداته تبرئة قطر من مسئولية المقاطعة وإلقاءها على الرباعي العربي

التمييز بين الخصوم:

لم يضع حمد بن جاسم الدول العربية الأربع المقاطعة لقطر في بوتقة واحدة، ولم يتعامل معهم بنفس الطريقة، فكان من الملاحظ اختلاف تعامل بن جاسم مع كلّ من الرياض والمنامة وأبو ظبي والقاهرة.

فبينما كان تعامل بن جاسم مع المملكة هو الأكثر تقرّباً وتودّداً، ذكر مملكة البحرين على استحياء، بينما تجاهل بشكل تام الحديث عن دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية، وذلك على الرغم من تمسك الدول الأربع بمواقفها الثابتة والموحّدة تجاه طبيعة التعامل مع دولة قطر.

وهذا يُظهر مدى الحاجة القطرية لكلّ دولةٍ من الدول الأربع من منظور وزير خارجيتها السابق.

التناقض:

انتهج حمد بن جاسم خطاباً متودداً تجاه المملكة، وهو الشخص المتهم دائماً بأنه يحمل الحقد والكراهية لها، فعمد إلى وصف المملكة في بعض تغريداته على تويتر بـ “الشقيقة الكبرى”، ثم هاجم السعودية في تغريدات أخرى حملت رؤية متناقضة تماماً لسابقتها تجاه المملكة.

ادعاء البراءة:

احتوى حساب الشيخ حمد بن جاسم بموقع تويتر، على الكثير من الإسقاطات النفسية التي تضمنتها تغريداته، وحملت اتهاماتٍ باطلةً لدول الرباعي العربي.

وتغاضى بن جاسم عن علاقة بلاده بإيران، هذه العلاقة المشبوهة والتي تُعدّ من أهم أسباب مقاطعة الدول العربية لها، لما تُمثله من تهديد للأمن القومي العربي.

كما تناسى حمد أن أمير قطر حنث بوعده في اتفاقي (الرياض، والرياض التكميلي)، الأمر الذي كان له أكبر الأثر في اتخاذ قرار المقاطعة العربية لقطر.

التلاعب بالألفاظ:

حرص حمد بن جاسم على وصف القرار الذي اتخذته الدول العربية الأربع ضد بلاده بأنه “حصار”، متجاهلاً الصيغة الرسمية للقرار، والتي وصفت الإجراء بأنه “مقاطعة”، كما تجاهل الخطوات المتبعة من قبل الدول الأربع تجاه قطر، والتي تنبع من كون هذا الإجراء مجرد مقاطعة، وهدف بن جاسم من وراء ذلك إلى كسب التعاطف والتأييد الداخلي والخارجي للموقف القطري، وبالتالي مساعدة الدوحة على إنهاء المقاطعة المفروضة عليها.

وهناك فرق كبير بين مصطلحي الحصار والمقاطعة وفق القانون الدولي، سواء من الناحية القانونية أو الإجرائية. إلا أن حمد بن جاسم اتبع سياسة التلاعب بالألفاظ، من خلال الاعتماد على أسلوب الربط، والذي يعني “استخدام مفردات تؤدّي إلى إصدار أحكام بالإدانة“، فيصف الإجراء الحاصل ضد بلاده بأنه حصار، وبالتالي فكل ما يحدث من قبل الدول الأربع سيكون مُداناً بشكل تلقائي عند المتلقي.

ثانياً: العلاقة مع إيران.

ركز حمد بن جاسم في تغريداته التي تناولت الملف الإيراني، على الاتفاق النووي، وسعى إلى تصوير علاقة الدول الخليجية بإيران على أنها مرتبطة – لدرجة التبعية – بطبيعة علاقة واشنطن مع طهران، وهو ما ظهر من خلال عدد من التغريدات التي تناولت هذه الجزئية، فقال في إحداها: “بالأمس كنا نراهن على أن الغرب وأمريكا لن يتفقوا مع إيران، ثم وجدنا أنفسنا أمام الاتفاق النووي الذي أيدته كل دول المجلس. واليوم هناك تصعيد من قبل أمريكا ضد إيران، وبعض الدول التي أيدت الاتفاق السابق تؤيد الآن كسر هذا الاتفاق ويتم استخدامها من قبل الغير”، كما قال: “للأسف فإن بعض دول مجلس التعاون الخليجي تراودها أحلام إلحاق هزيمة عسكرية بإيران، كما كانت تحلم قبل توقيع الاتفاق الذي انسحبت منه الولايات المتحدة، ووجدت هذه الدول نفسها مضطرة للإشادة بالاتفاق عند توقيعه آنذاك. إننا للأسف مجرد طرف ثانوي نعمل بردات الفعل دونما رؤية تحدّدها مصالحنا”.

تناول بن جاسم لملف العلاقة مع إيران لم يَخْلُ من تناقض، فقد عبّر عن تضامنه مع المملكة نتيجة صواريخ الحوثي، لكنه لم يُشر من قريب أو بعيد إلى إدانة إيران

وفيما يخص الاعتداء الحوثي على المملكة، غرّد بن جاسم قائلاً: “حَمَى الله المملكة العربية السعودية من كل شر، إن هذه الصواريخ التي تسقط على الشقيقة، إنما هي اعتداء على كل مجلس التعاون في نظري. أسأل الله عز وجل أن تتوقف هذه الحرب التي لن تزيد العالم العربي والإسلامي إلا خسارة فوق خسائرنا الكثيرة”.

ومن الملاحظ أن تناول بن جاسم لملف العلاقة مع إيران لم يَخْلُ من تناقضٍ في الموقف، ففي الوقت الذي عبّر فيه عن تضامنه مع المملكة العربية السعودية نتيجة الصواريخ التي تُطلق عليها من ميليشيا الحوثي المدعومة إيرانياً، نجده في الوقت ذاته، لم يُشِرْ من قريب أو بعيد إلى إدانة إيران، حتى فيما يخصّ الهجوم الذي تعرّضت له السفن والمنشآت النفطية السعودية، ولكنه قال: “لابد أن نقرّ بأن إيران جارة نختلف معها في بعض السياسات، ولكن يجب أن لا نصل معها للعداء المطلق، بل هي فرصتنا كمجلس تعاون أن نتفاوض في ظل هذه الضغوط لنصل إلى أرضيّة مشتركة للتعايش مع هذا الجار”.

تتضح من تناول حمد بن جاسم للملف الإيراني، محاولته تأكيد أن علاقات دول مجلس التعاون مع إيران تابعة لتطوّر الموقف الأمريكي من طهران، داعياً إلى ضرورة إنهاء هذه التبعية وتحسين العلاقات الخليجية الإيرانية.

من المفيد النظر إلى هذا الطرح من منطلقين أساسيين، الأول العلاقات القطرية الإيرانية المتميزة في الفترة الحالية، أما الثاني فهو علاقة الدوحة بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث أن الأخير لا يشعر بالارتياح تجاه الإدارة القطرية بسبب سياساتها الداعمة للإرهاب وجماعات الإسلام السياسي التي يُعاديها ترامب، كما أنه لا ينسى دعمَ قطر المعلن لمنافسته هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الماضية.

تغاضى بن جاسم – مُتعمداً – عن التهديدات الإيرانية المستمرة لدول الخليج، وتمدّدها الطائفي في عدد من البلدان العربية، وسياساتها التخريبية في المنطقة

من هذا المنظور تتضح نوايا حمد بن جاسم في طرحه المُضلّل والمبني على أساس الموقف القطري من إيران والولايات المتحدة، حيث تغاضى بن جاسم – مُتعمداً – عن التهديدات الإيرانية المستمرة لدول الخليج، خاصة المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين والإمارات العربية المتحدة، فضلاً عن تمدّدها الطائفي في عدد من البلدان العربية، وسياساتها التخريبية في المنطقة.

وفي نفس السياق تناول بن جاسم القمم الثلاث الخليجية والعربية والإسلامية التي دعا إليها الملك سلمان بن عبدالعزيز أواخر مايو 2019، حيث عبّر عن أمنيته بأن تنتج عن هذه القمم نقلات نوعية في العلاقات مع إيران، وحلّ للخلافات – وهو ما يخدم نفس الطرح السابق للشيخ حمد الراغب في تحسين العلاقات الخليجية مع إيران -، ولكنه توقع أن تنتهي إلى مجرّد إصدار “بيان إنشائي تجميلي دعائي يقول للغرب ها نحن قد دعونا ثلاثة تجمعات”، مضيفاً أن “هذا البيان الإنشائي سيُنسى في اليوم التالي للقمة أو في الأسبوع الذي بعده على أكثر تقدير” – بحسب قوله -.

ثالثاً: القضية الفلسطينية.

ركز حمد بن جاسم على “صفقة القرن” أثناء تناوله للقضية الفلسطينية، ولجأ إلى أسلوب “تكرار الأفكار الخاطئة بهدف ترسيخها”، من أجل تضليل المتلقي، فاتهم بعضَ الدول العربية في أكثرَ من تغريدة، بأنها تعقد اجتماعات ومشاورات سرية مع الولايات المتحدة وإسرائيل، بهدف تمرير “صفقة القرن”، وذلك إرضاءً لتل أبيب وتقرّباً للغرب على حساب الحقوق الفلسطينية المشروعة، وسعى إلى تثبيت فكرة تخلي الدول العربية عن القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني التي حافظت عليها قطر – حسب زعمه -.

واعتمد بن جاسم في اتهاماته على أسلوب “التلميح”، مستخدماً أسلوب الكلام المُرسَل، الذي يفتقد للحجج والبراهين القوية، مع عدم تحديد جهاتٍ بعينها، وذلك تفادياً للمواجهة التي ستُثبت كذب ادعاءاته وتضليله.

رابعاً: العلاقة القطرية – التركية.

إعجاب حمد بن جاسم بسلوك المعارضة التركية يُثبت أن الإيديولوجيا هي التي تتحكم بالنظام الحاكم في قطر

يتضح من تناول حمد بن جاسم للملف التركي تعاطفه الكبير مع أنقرة، وهو تعاطف نابع من منطلق إيديولوجي، كما عبر عن إعجابه بالمعارضة التركية التي انضمّت تحت لواء الحكومة المنتخبة للمساعدة في تجاوز الوضع الحالي.

إعجاب حمد بن جاسم بسلوك المعارضة التركية يُثبت أن الإيديولوجيا هي التي تتحكم بالنظام الحاكم في قطر، وهذا ما يُفسّر تناقض مواقفهم الواضح للعيان، فالوزير القطري السابق ثمّن انضواء المعارضة تحت لواء الحكومة “الأردوغانية” – ذات المرجعية الإسلامية الإخوانية – لتجاوز الأزمة التي تشهدها تركيا، مُعتبراً هذا الأمر سلوكاً محموداً، وذلك بالرغم من أن الدوحة كانت من أكثر الدول تشجيعاً وتحريضاً للمعارضة، على الخروج على الأنظمة الحاكمة في ما أُطلق عليه إعلامياً “الربيع العربي”، ولم تُطالب قطر تلك المعارضة أن تنضوي تحت لواء حكوماتها، بل شجعتها ودعمتها لوجستياً وإعلامياً لإسقاط الأنظمة، وكان حمد بن جاسم يشغل منصبه الرسمي وله دور نشط وفعّال في ذلك الوقت.

تكشف تغريدات بن جاسم تخبّط وتناقض السياسة القطرية فيما يخصّ معظم الملفات والأزمات الإقليمية

ختاماً ..

من العرض السابق يتضح ما يلي:

  • أن قرار الدول العربية الأربع السعودية ومصر والإمارات والبحرين قطع علاقاتهم الدبلوماسية مع قطر، كان له ثأثير كبير على الدوحة في مختلف المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية وحتى الرياضية، وذلك على العكس تماماً مما يتعمّد المسئولون القطريون إظهاره في كل مناسبة، بأن وضع بلادهم لم يتأثر بالمقاطعة.
  • ما زال حمد بن جاسم عضواً فاعلاً ومؤثراً في صناعة القرار القطري، وخصوصاً فيما يتعلق بالسياسة الخارجية.
  • تكشف التغريدات تخبط وتناقض السياسة القطرية فيما يخصّ معظم الملفات والأزمات الإقليمية.
  • توضح رغبة قطر في مواصلة دورها في اللعب على الأطراف المتناقضة، فترغب في التواصل مع الرياض وطهران وأنقرة في ذات الوقت.
  • عكست تغريدات الشيخ حمد بن جاسم شعور قطر بالعزلة عن محيطها الخليجي والعربي، خاصة بعدما تفاجأت بالموقف الثابت والقوي من قِبل الدول العربية الأربع، المتمسكة بمبدأ “اللاعودة بدون تنفيذ قطر للمطالب الـ (13) المقدمة لها”.
  • لم تجد قطر في كلّ من إيران وتركيا البديلَ المناسب للدول الخليجية والعربية، خاصة وأنها تشعر طوال الوقت بأنها مجرد أداةٍ يتم استخدامُها لتحقيق مصالح طهران وأنقرة.
  • أصبحت قطر في موقف صعب للغاية مع وجود توتّر بين المملكة وكلّ من إيران وتركيا، خاصة بعد تصرّفات إيران الأخيرة المتهورة وغير المسئولة بحق المنشآت النفطية السعودية، كلّ ذلك يأتي في الوقت الذي تسعى فيه قطر لإعادة علاقاتها مع المملكة، إلا أنها تجد نفسَها بين مطرقة المطالب السعودية، وسندان سياسات إيران وتركيا في المنطقة.
زر الذهاب إلى الأعلى