الدراسات الإعلامية

“الشات بوت”.. مستقبل حوار الإنسان مع العقل الإلكتروني

تواصل تكنولوجيا الاتصال وتقنيات الذكاء الصناعي، تطوّرها الرهيب في سبيل رفاهية الإنسان وتوفير سبل راحته، ويحمل هذا التطوّر دوماً الجديد الذي سرعان ما ينتشر ويألفه الناس، ويصبح جزءاً من حياتهم.

وها هي تقنية “الشات بوت” التي تقوم على برامج تفاعلية أساسها المحادثة النصية بين روبوت مبرمج و مستخدمٍ بشري، تشقّ طريقها منذ سنوات قليلة، لتحظى بمكانة ليست بالهيّنة في حياة البشر، وتتعدد معها استخداماتها، ويبدو أن هناك آفاقاً أوسع وأرحب للاعتماد عليها مستقبلاً.

فالشات بوت “Chatbots” أو “بوت الدردشة”،  هي برامج كمبيوتر تتفاعل مع المستخدمين عبر تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال برنامج معلوماتي يقوم بالتواصل معهم تلقائياً، بشكل يُحاكي المحادثات البشرية، فهي برامج تفاعلية بدأت باستخدام الدردشة النصية المبنية على كلمات مفتاحية بسيطة، بين بوت مبرمج ومستخدم بشري، إلا أنها تطوّرت بشكل كبير، وأصبحت بعض منصات التواصل الاجتماعي مثل فيس بوك وتيليجرام، تستخدم تقنية الدردشة التفاعلية الصوتية باستخدام أنظمة معالجة اللغة المتطورة “الذكاء الاصطناعي”.

إذن فـ “الشات بوت” هو نظام آلي يتولى مهمة الاستجابة لرسائل المستخدمين بطريقة آلية، بناء على ما يتم برمجته عليه، وقد تدخل تقنيات الذكاء الصناعي في بناء البوت، ليقوم بالاستجابة للمستخدمين بطريقة أفضل.

تاريخ الشات بوت:

بدأت هذه التكنولوجيا في الستينيات من القرن الماضي، وفي عام 1966 تم اختراع برنامج كمبيوتر يسمى “إليزا”، مكوّن من 200 سطر فقط من التعليمات البرمجية، تم استخدامه كمعالج نفسي، وما زال يعمل حتى الآن.

ومن أوائل تجارب استخدام  الشات بوت أيضاً، كانت على يد مهندسة معلومات روسية الأصل تعيش بأمريكا اسمها “أوجينا كويدا”، وكانت كثيرة التنقل، فاعتادت على التواصل مع زوجها عن طريق تقنية “الشات”، وعندما توفي زوجها قررت الاستمرار في التحدث إليه من خلال تطوير تطبيق معلوماتي يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، وزوّدت التطبيق بمقاطع صوتية ورسائل نصية سابقة لها مع زوجها، مما مكّن التطبيق من إخراج نظام متكامل يُحاكي زوجها.

لذلك فإن الشات بوت هو برنامج يُحاكي محادثة شخص حقيقي، ويُوفّر شكلاً من أشكال التفاعل بين المستخدم والبرنامج أو نظام الشركة، والذي يتم إمداده بتعليمات برمجية لفهم اللغة البشرية، وباستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي يتم تجهيز وإدارة الحوار بين الطرفين، وبناءً على المعلومات وقواعد البيانات التي يتم تغذية البوت بها، يستطيع الردّ على أسئلة واستفساراتِ العملاء، كما يستطيع بوت الدردشة القيامَ بالإجراءات المترتبة على المحادثة آلياً وبشكل تلقائي، وفق ما يتلقاه من أوامر، مما يُقلّل الوقتَ والجهد والتكلفة.

مزايا الشات بوت:

ومن المميزات التي يختصّ بها “الشات بوت” لا محدودية المحادثات التي يتعامل معها في نفس اللحظة، وهو ما لا يستطيع العنصر البشري القيامَ به، وبالتالي يُوفّر البوت فرصةً لاستهداف شريحةٍ أوسع من العملاء، والتوسّع في أسواق جديدة.

كما يقوم الشات بوت بالعديد من الوظائف الأخرى، مثل إرسال عدد لا نهائي من الرسائل الجماعية إلى المشتركين (Broadcast)، وإنشاء رسائل تلقائية متسلسلة، والفصل بينها بالدقائق أو الساعات أو الأيام، وبدء الدردشة أو المحادثة التلقائية فور زيارة المستخدم للموقع، وتقسيم المستخدمين إلى مجموعات عبر خاصية (User Attributes)، وتوفر بعض بوتات الدردشة خاصية تسمى (People) والتي تُتيح إمكانية مشاهدة قائمة المشتركين ومعرفة الكثير من التفاصيل المتعلقة بهم، وإرسال رسائل مخصصة إلى أي مجموعة منهم، وتُدعم وتتكامل بعضُ بوتات الدردشة مع خدماتٍ خارجية أخرى تقوم ببعض المهام المحددة عند الحاجة، كما يمكن إنشاء بوت دردشة وإعداده ليستطيع العملَ على أكثرَ من نظام وخدمة، مثل فيسبوك ماسنجر، تليجرام، وسلاك.

من المميزات التي وفرتها الشات بوت مؤخراً ظهور بوتات عربية خاصة على تطبيق فيس بوك ماسنجر، والتي انتشرت بشكل كبير على مستوى العالم العربي.

لذلك تختلف الشات بوت فيما بينها حسب الخدمات التي تُوفرها للمستخدمين، كما توجد فروق جوهرية بين البوتات المجانية التي تُوفّر خصائص محدودة، والبوتات مدفوعة الأجر التي توفّر مميزاتٍ أوسعَ وأفضل.

على الرغم من الخصائص العديدة التي يتميز بها الشات بوت، إلا أن اعتماد المستخدمين عليه ما زال ضعيفاً مقارنةً بالوسائل الأخرى، وذلك وفق ما خلصت إليه دراسةٌ استطلاعية بعنوان “تقرير حالة لـ الشات بوت في 2018″، والتي أظهرت نتائجُها أن 15٪ من المستهلكين قد استخدموا الشات بوت “chatbots” للتواصل مع الشركات في الـ 12 شهراً الماضية، بينما اعتمدت النسبة الأكبر من المستخدمين على الهاتف والبريد الإلكتروني بنسبة متساوية وهي 60% خلال نفس الفترة، متوقعة أن يرتفع عدد المستخدمين لبوت الدردشة بشكل ملحوظ خلال الفترة القادمة.

وأرجعت الدراسة سبب ضعف التفاعل مع الشات بوت إلى أنها ما زالت تقنية ناشئة تحتاج بعضَ الوقت لإثبات نفسها، ومن ثم سوف يزيد عدد المستخدمين لها، وذلك من منطلق أن البرامج التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي مثل بوت الدردشة، تعتمد على فكرة التطوّر المستمرّ عبر التجارب والخبرات المكتسبة من خلال التفاعلات السابقة، وبالتالي تتمكن من تحسين أدائها وإجاباتها على أسئلة المستخدمين مع مرور الوقت.

يرى جانب من العملاء أن الحاجة أصبحت ملحة للاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي ومنها بوت الدردشة، خاصة مع الضغط المتزايد على مراكز الاتصال، وبالتالي ارتفاع نسبة الطلب على الخدمة الذاتية، بهدف سرعة الرد على استفساراتهم، التي قد تأخذ وقتاً طويلاً في حالة اللجوء إلى خدمة العملاء بشكلها التقليدي.

استخدام الشات بوت لخدمة الصالح العام:

لقد ساهم التطوّر التكنولوجي المتلاحق في تطور فكرة بوتات الدردشة، فلم تعد تقتصر على القيام بخدمات العملاء أو المبيعات، بل تعددت مجالاتها واهتماماتها سواء التجارية أو الدينية أو الطبية أو الصحية أو الترفيهية.

وفي هذا الصدد، قال “هولين جاو” الأمين العام للاتحاد الدولي للاتصالات، في مقاله الافتتاحي بمجلة أخبار الاتحاد والتي صدرت بمناسبة انعقاد القمة العالمية الأولى للذكاء الاصطناعي من أجل الصالح العام عام 2017، إن الذكاء الاصطناعي مستمر في التطور على نحو سريع، وسيشغل جزءاً أساسياً من حياتنا اليومية، وإن لديه إمكاناتٍ هائلةً من أجل تحقيق الصالح الاجتماعي، مُضيفاً أن من شأن القدرة المتزايدة للذكاء الاصطناعي في حالة التمكن من الاستفادة منها بشكل صحيح، أن تُسرّع عجلة التقدم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.

من جانبه أوضح “نيل ساهوتا” الحاصل على لقب Inventor Master من شركة IBM ورئيس تنمية الأعمال التجارية العالمية Group Watson IBM، في مقاله بمجلة أخبار الاتحاد، أن بوتات الدردشة لم تعد تقتصر فقط على المجال التجاري والاستثماري كما بدأت، إلا أن الاعتماد المتزايد عليها فتح المجال للتفكير في إمكانية الاستفادة منها في تنفيذ الخطط التنموية، وتقديم الخدمات التوعوية بهدف تحقيق الصالح العام، فعلى سبيل المثال تُقدّم شركة “IBM” مساعدةً مجانية في عدد من المجالات مثل القانون والطب والصحة.

يوجد الآن العديد من الشات بوت التي تهتم بالصالح العام، ومنها:

1- DoNotPay: تهتم بتقديم المساعدات والاستشارات القانونية.

2- U-Report: هي أداة مراسلة اجتماعية مجانية متاحة للجميع من مختلف أنحاء العالم، حيث قامت منظمة اليونيسف بإنشاء روبوتها الخاص “U-Report” على منصتي تويتر وفيس بوك ماسنجر، بهدف استطلاع آراء وتجارب المتابعين الذين تجاوز عددهم (7.5) مليون شخص، ويُطلق عليهم “U-Reporters”، حول قضايا التنمية ودعم حقوق الطفل وتحسين المجتمعات، من أجل استخدامها للمساعدة في التأثير على السياسات العامة، وإحداث تغييرات إيجابية في مجتمعاتنا.

3- Quitxt: بوت دردشة مختص في مساعدة المستخدمين للإقلاع عن التدخين، حيث ابتكرت الدكتورة “إميلي جي. راميريز” من مركز العلوم الصحية بجامعة تكساس بمعهد سان أنطونيو لأبحاث تعزيز الصحة “Quitxt”، والذي يعتمد على إرسال الرسائل النصية القصيرة والمصمّمة لمساعدة المدخنين على مواجهة الرغبة الشديدة لديهم في التدخين، وتشجيعهم على الإقلاع عن هذه العادة.

4- MeditateBot: تم ابتكار هذا البوت كأداةٍ على فيس بوك ماسنجر، بهدف خلق عادة التأمّل اليومية، وذلك من منطلق أن التأمل عادةٌ صحية أثبتتها الدراسات العلمية، وتساعد الممارسين على البقاء متيقظين طوال اليوم، مما يُقلّل من التوتر والصراع.

5- MSSG Voting Bot: اهتم هذا البوت بتسهيل عملية المشاركة السياسية، حيث قامت شركة التسويق الرقمي “Mssg”، بإنشاء البوت على فيس بوك ماسنجر، ويقوم الناخب بإرسال عنوانه، ومن ثم يستقبل موقع التصويت الخاص به مصحوباً بخريطة جوجل الخاصة بالموقع لتسهيل عملية الوصول.

هذه الأمثلة توضح كيف تستطيع بوتات الدردشة تقديمَ خدماتٍ تستهدف الصالح العام، أما عن مدى تأثيرها، فقد أظهرت دراسة أن البوتات يمكن أن تقدم إمكانات هائلة في مجال التفاعل الاجتماعي، حيث تساعد الأطفال المصابين بالتوحّد على تحسين المهارات الاجتماعية، وهدفت الدراسة التي أجراها مجموعة من الباحثين في جامعة “ييل” بالولايات المتحدة الأمريكية عام 2018، إلى التعرّف على تأثير البوت الاجتماعي في المنزل، لتحسين المهارات الاجتماعية لدى الأطفال الذين يعانون من مرض التوحّد، وذلك بإخضاع أطفالٍ مصابين بهذا المرض من 12 عائلة مختلفة، لتجربة التفاعل والعمل مع البوت في المنزل لمدة شهر كامل، حيث قام البوت برواية القصص وتوجيه الأطفال عبر سلسلة من الألعاب التفاعلية وبالتركيز على تطوير المهارات الاجتماعية، وأظهرت نتيجة الدراسة وجودَ تحسّنٍ كبير في المهارات الاجتماعية لهؤلاء الأطفال، بعدما شجّعتهم البوتات على القيام بتصرّفات اجتماعية إيجابية، مثل الحفاظ على اتصال العين، والانتباه أثناء اللعب والمحادثة مع الآخرين، وتم تفسير هذا التحسّن بأن الطفل المصاب بالتوحّد لا يعاني من ضغوطٍ اجتماعية أثناء تعامله مع البوت، مما يقلّص مستوى التوتر لديه، وبالتالي يقود هذا إلى التعوّد على التعامل مع الآخرين بمرور الوقت.

من العرض السابق، يتضح أن الشات بوت التي بدأت كبرنامج تفاعلي بسيط للردّ على استفسارات المستخدمين وفق كلماتٍ مفتاحية بسيطة، قد تطوّرت بشكل كبير سواءً من حيث التقنيات المستخدمة أو الخدمات التي تقدّمها في مختلف المجالات، ومثّلت شكلاً جديداً من أشكال التواصل والتفاعل القائم على تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهو ما وضعها في دائرة الاهتمام العالمي، لتكون أداةً فاعلة في تطوير الخدمات المقدمة للإنسان على اختلافها، سواء كانت علمية أو طبية أو تجارية.

زر الذهاب إلى الأعلى