تلقَّت التطبيقات الصوتية للتواصل الاجتماعي دفعة كبرى خلال فترة الحجر الصحي بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، من أبرز ملامحها صعود نجم تطبيق Clubhouse حتى في النسخة التجريبية، وساهم في ذلك أن هذا النوع من التطبيقات لا يتطلب من المستخدم التصفُّح عبر الشاشة، بل يمكن استخدامه والتواصل مع الآخرين في أي وضع.
وتعد الغرف المفتوحة ميزة أساسية يتمتع بها تطبيق Clubhouse، والتي تمكن المستخدم من التجوُّل بين الغرف وتتيح له الاستماع لأصوات جميع الموجودين بدلًا من الحاجة إلى الاتصال بشخص معين على غرار ما يحدث في تطبيقات مثل “فيس تايم- FaceTime” أو “زووم-Zoom”.
منافسة محمومة بين منصات التواصل الاجتماعي الصوتي
ووفقًا لموقع “وايرد- wired” الأمريكي المتخصص في الشؤون التقنية، تم إطلاق منصات التواصل الصوتي منذ فترة طويلة، ولكن العزلة الاجتماعية الجماعية وإرهاق الشاشة شكَّلا سببًا في إقبال المستخدمين عليها.
ولا يعد Clubhouse التطبيق الصوتي الوحيد على الساحة، إذ قرر برنامج “ديسكورد- Discord”، الذي تم إطلاقه في عام 2015 ولديه حاليًّا 100 مليون مستخدم، مؤخرًا التحول من منصة صوتية للاعبين إلى منصة صوتية للكل، كما يقوم تويتر بتطوير نسخته الخاصة من الشبكات الاجتماعية القائمة على الصوت، التي تسمى Audio Spaces. وظهرت أيضًا تطبيقات صوتية أخرى مثل “Wavve” و”Riffr” و”Spoon”.
ويشير موقع “وايرد- wired” إلى وجود منافسة شديدة بين تطبيقات التواصل الصوتي لمعرفة أي منصة يمكنها السيطرة على الساحة، ومن ثم تشكيل مستقبل الشبكات الاجتماعية، من منطلق أن وسائل التواصل الاجتماعي لديها القدرة على تعطيل وسائل الإعلام القائمة، فعلى سبيل المثال في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قامت الأدوات عبر الإنترنت بتفكيك عملية نشر الأخبار، حيث تراجعت الصحف والمجلات، بينما لعبت مواقع الإنترنت الاحترافية ومدونات الهواة الدور الأبرز في هذا المجال. ثم جاءت انطلاقة “تويتر” في عام 2006، كخدمة “تدوين صغيرة” تمكِّن أي شخص من مشاركة أفكاره مع العالم من خلال 140 حرفًا آنذاك (أصبح حاليًّا 280 حرفًا).
وتتبع تطبيقات التواصل الصوتي مسارًا مشابهًا، فلعدة سنوات كانت محطات الراديو AM وFM حراس البوابة الأساسيين للبث الصوتي، ثم ظهر البودكاست، وبدأ الجميع في إنشاء ونشر برامجهم الخاصة من مذيعي الإذاعة الأمريكية العامة السابقين إلى الفنانين، مثل الممثل الأمريكي جو روغان.
ومع ظهور الشبكات الاجتماعية الصوتية بات من السهل على أي شخص بثُّ محادثاته إلى العالم الأوسع. وفي حين أن الوباء يعمل على جذب الجمهور لهذه الشبكات الاجتماعية الجديدة، يعتقد بعض المحللين أن التحول قد بدأ بالفعل.
ووفقًا لمركز بيو الأمريكي للأبحاث، ارتفع عدد مستمعي البودكاست بشكل مطرد في العقد الماضي؛ حيث استمع ثلث الأمريكيين إلى بودكاست واحد في الشهر، كما نمت منصات بث الموسيقى، مثل “سبوتيفاي-Spotify” و”أبل ميوزك-Apple Music”، مع خيارات مخصصة بشكل متزايد للعثور على موسيقى جديدة.
طفرة في الأدوات التكنولوجية الداعمة للتطبيقات الصوتية
وتسهم العديد من التقنيات والتجهيزات التكنولوجية في دعم انتشار استخدام التطبيقات الصوتية للتواصل الاجتماعي، حيث أصبح سهلًا للغاية دمجُ كلِّ هذا المحتوى السماعي في الحياة اليومية، بفضل انتشار مكبرات الصوت الذكية وسماعات الرأس وسماعات الأذن وغيرها من أجهزة الصوت، إذ توجد سماعات للمناسبات المختلفة، ومكبرات صوت لمختلف الغرف في جميع أنحاء المنزل.
ويشير بن أرنولد، محلل الصناعة في شركة “NPD” لأبحاث السوق إلى أن المستهلكين استعدوا بالفعل للمنتجات ذات الصلة بالتطبيقات الصوتية، فقد بلغ إجمالي مبيعات سماعات الرأس ومكبرات الصوت العادية، ومكبرات الصوت التي تعمل بتقنية البلوتوث 7.5 مليار دولار في عام 2020، بما يمثل زيادة قدرها 20% عن عام 2019.
كما أدى ظهور “المساعدين الرقميين-Digital Assistants” على العديد من هذه الأجهزة إلى تدريب المستهلكين على النظر إلى سماعات الرأس أو مكبرات الصوت كأجهزة ثنائية الاتجاه، حيث يستمعون إلى مكبرات الصوت الخاصة بهم كما يتحدثون أيضًا، فضلًا عن أن الاعتماد الواسع لسماعات الرأس التي تعمل بتقنية البلوتوث جعل الأمر أقل غرابة في القيام بذلك.
وبطبيعة الحال، وجدت وسائل التواصل الاجتماعي القائمة على الصوت موطنًا في تلك البيئة، فمنصات الصوت القديمة مثل “ديسكورد-Discord” اكتسبت مكانة مبكرة بين اللاعبين، الذين احتاجوا إلى طريقة لوضع استراتيجيات أو التحدث مع نظرائهم مع إبقاء أيديهم على وحدة التحكم الخاصة بهم.
وتجدر الإشارة إلى أن “ديسكورد-Discord ” يعمل حاليًّا على التغلب على الاعتقاد الخاطئ بأنه مخصص فقط للاعبين، وذلك في وقت يسعى فيه تطبيق Clubhouse للسيطرة على الساحة.
محددات نمو استخدام التطبيقات الصوتية للتواصل الاجتماعي
وفي ذات السياق، توجد العديد من العوامل التي يجب أخذها في الاعتبار من أجل نمو هذه التطبيقات الصوتية للتواصل الاجتماعي، وتتمثل فيما يلي:
أولًا: أنْ تقوم التطبيقات بإنشاء مساحات يتطلب فيها الاستماع لعمليات البث، وقد حققت خدمة Discord نجاحًا من خلال رعاية مجتمعات أخرى بخلاف اللاعبين، حيث يشير ستان فيشنفسكي، الشريك المؤسس ورئيس قسم التكنولوجيا لشركة Discord: إن أشخاصًا من خلفيات متنوعة أقبلوا على استخدام التطبيق.
ثانيًا: العمل بشكل أفضل على تنمية المؤثرين، وهو ما تهدف إليه تطبيقات أخرى مثل Clubhouse، إذ يمكن للأصوات الإبداعية أيضًا أن تجعل التطبيقات الصوتية للتواصل الاجتماعي منصات بارزة حتى بعد انتهاء الوباء، وذلك عندما يمكن للأشخاص قضاء بعض الوقت في نفس الغرفة مع أصدقائهم.
ثالثًا: تحتاج المنصات الناشئة إلى معرفة كيفية تعديل المحتوى الذي ينشئه المستخدمون، وذلك كنتيجة منطقية لحاجة الأشخاص إلى الشعور بالأمان عند استخدام هذه التطبيقات، إذ يرى ويل بارتين، الباحث في مختبر “Data and Society’s Disinformation Action Lab” أن الشبكات الاجتماعية الصوتية ستواجه نفس الأسئلة المهمة التي تواجه المنصات القائمة على النص أو الصور، وتتمثل بشكل أساسي في كيف ومتى تفرض الرقابة على ما يقوله المستخدمون، لكن بارتين يرى أن الصوت قد يفرض تحديات جديدة.
ويوضح بارتين أن منصات التواصل الاجتماعي تعتمد عادةً على مزيج من التعلُّم الآلي وشكاوى المستخدمين وفرق الإشراف لتوزيع المهمة الهائلة المتمثلة في الإشراف على محتوى الشبكات الاجتماعية التي تضم ملايين المستخدمين، لافتًا إلى أن أنظمة الرقابة للمحتوى الصوتي لا تتطلب تغيير الهيكل الأساسي لعملية الإشراف هذه، لكنها تطرح تحديات فنية مختلفة مثل إنشاء قاعدة بيانات كبيرة للتدريب على المقتطفات الصوتية.
وفي هذا الإطار، يشير ستان فيشنفسكي رئيس قسم التكنولوجيا لشركة Discord إلى أن الشركة تراقب باستمرار الخدمة بحثًا عن انتهاكات لإرشادات المجتمع.
رابعًا: تحتاج التطبيقات الصوتية للتواصل الاجتماعي أيضًا إلى معرفة كيفية تحقيق الشمول، فعندما قدَّم موقع تويتر “تغريدات صوتية”، كخطوة أولية إلى مساحات الصوت الخاصة به، أشار المدافعون عن حق الوصول “accessibility advocates” إلى عيب في الخدمة تمثَّل في عدم وجود تعليق نصي، مما يجعل الوصول إليها غير متاح للأشخاص الصم أو ضعاف السمع، الأمر الذي دفع “تويتر” لاحقًا إلى إضافة نص التغريدات الصوتية.
كما قدم Discord بعض الميزات فيما يتعلق بجزئية إمكانية الوصول، ومنها تحويل النص إلى صوت، ولكن فقط بعد أن اشتكى المستخدمون.
وأخيرًا.. يمكن القول بأن التطبيقات الصوتية للتواصل الاجتماعي قد تكون المحطة المقبلة في مستقبل منصات التواصل الاجتماعي، ولكن لا يزال هناك طريق طويل لقطعه قبل أنْ تصل إلى حد التبنِّي الشامل، فعلى الرغم من أن هذه الشبكات الصوتية الاجتماعية تحقق نموًّا سريعًا حاليًّا، فإنها ستحتاج إلى الحفاظ على كثافة الاستخدام عقب رفع القيود المتعلقة بجائحة كورونا.
4 دقائق