ترجمات

الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي.. نظرة فاحصة

أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي منصة أساسية يَستقي الأشخاص منها الأخبار والمعلومات والمستجدات، بالنظر إلى التنوع الذي تتسم به خلاصات تلك المنصات، حيث تضم مزيجًا من المنشورات الخاصة والعامة.

وقد كشفت دراسات أكاديمية عديدة عن تعاظم دور مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك حرص الصحف على الوجود الفاعل على تلك المنصات وانتهاج استراتيجيات خاصة بالترويج للمحتوى الذي تقدمه، حيث تسهم المنصات الاجتماعية في زيادة كثافة المرور إلى المواقع الإلكترونية للصحف، وتعمل على توسيع قاعدتها الجماهيرية.

كما يلجأ العديد من الصحفيين إلى مواقع التواصل الاجتماعي بوصفها أحد المصادر التي يمكن توظيفها في مكونات القصة الخبرية أو التحقيق الذي يقومون بإعداده.

منصات التواصل الاجتماعي وتنشيط حركة المرور على مواقع الصحف

ووفقًا لاستطلاعٍ أجراه مركز بيو الأمريكي للأبحاث، فإن 50% من مستخدمي الإنترنت تابعوا أحدث الأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن يتلقَّوْها من المحطات الإخبارية. كما يشاهد العديد من مستخدمي الإنترنت الأخبار العاجلة في خلاصتهم، ويذهبون إلى المواقع الإخبارية لمعرفة المزيد من التفاصيل، وقد رصد الاستطلاع زيادة بنسبة 57% في حركة المرور إلى المواقع الإخبارية المحالة من وسائل التواصل الاجتماعي.

ومع ذلك كان هناك انخفاض في كمية المقالات التي يقرؤها الأشخاص، حيث يقوم معظمهم بقراءة موجز الأخبار الخاص بهم ويكتفون بقراءة العناوين الرئيسية أو مشاهدة مقطع فيديو قصير، فيستغرق الزائر العادي وقتًا مدته 15 ثانية فقط أو أقل، ويبلغ متوسط وقت مشاهدة الفيديو عبر الإنترنت 10 ثوانٍ.

كما يستخدم الصحفيون وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع كمصادر أو للتثبت من وقائع، في حين أن تلك المنصات يفترض أن تكون مكملة للمصادر الحالية، ممَّا يجعلها تشكل تحدِّيًا لمهنية الأخبار.

وفي هذا الإطار، تشير منظمة المعايير الصحفية المستقلة (مؤسسة إعلامية شكَّلها البرلمان البريطاني لمراقبة أداء وسائل الإعلام المطبوعة والإلكترونية) إلى أن ثمة مجموعة من الحقائق الأساسية ذات الصلة باستخدام محتوى منصات التواصل الاجتماعي في العمل الصحفي، وهي كالتالي:

عندما يضع الشخص معلومات على وسائل التواصل الاجتماعي، فإنه يضعها في المجال العام ليطَّلع عليها الآخرون، ويمكن لأي شخص، بمن في ذلك الصحفيون، رؤيتها، ما لم تكن المنشورات محمية من خلال إعدادات الخصوصية.

يُسمح للصحفيين عادة بنشر الصور والتعليقات والمعلومات من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي أو المنتديات أو المدونات، إذا لم تكن هناك إعدادات خصوصية تحميهم ولا تُظهر أي شيء خاص.

قد ينشر الصحفيون معلومات في المجال العام عن شخصٍ ما انطلاقًا من إحدى منصات التواصل الاجتماعي، وربما يكون قد تم وضع تلك المعلومات من خلال الشخص نفسه أو مستخدم آخر لمنصات التواصل الاجتماعي.

قد يستخدم الصحفيون وسائل التواصل الاجتماعي للاتصال بالأشخاص أو لجمع المعلومات أو للتحقق من الأحداث.

يجب على الصحفيين دائمًا التفكير فيما إذا كان نشر المعلومات المأخوذة من وسائل التواصل الاجتماعي يشكِّل تطفلًا على الخصوصية.

يجب ألا ينشر الصحفيون معلومات تتعلق بالأطفال دون إذن الآباء، أو معلومات تحدد هوية ضحية جريمة جنسية، دون إذن ذلك الشخص.

استخدامات الصحفيين لمنصات التواصل الاجتماعي

من جهة أخرى، تناولت دراسة لكلية الصحافة بجامعة إنديانا الأمريكية كيفية استخدام الصحفيين في الولايات المتحدة لوسائل التواصل الاجتماعي، حيث استندت إلى مسحٍ عبر الإنترنت شمل أكثر من ألف صحفي أمريكي.

وخلصت نتائج الدراسة إلى أن نحو 40% من الصحفيين قالوا إن وسائل التواصل الاجتماعي “مهمة جدًّا” لعملهم، وأوضح أكثر من الثلث أنهم يقضون ما بين 30 و60 دقيقة يوميًّا على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويعد موقع التدوينات القصيرة “تويتر” أشهر مواقع التواصل الاجتماعي المفضلة لمعظم الصحفيين، ونظرًا لأن الموقع يقيد عدد الحروف المستخدمة في التغريدة، فإنه يجعل من السهل مواكبة مجموعة متنوعة من تحديثات الأخبار التي تشبه العناوين الرئيسية مع روابط مختصرة، ويمكِّن ذلك العاملين في صناعة الأخبار من مواكبة الأحداث الجارية بشكل أوسع.

ورصدت تلك الدراسة التي جاءت تحت عنوان “الصحفي الأمريكي في العصر الرقمي”، خَمْس طُرقٍ لاستخدام الصحفيين لمواقع التواصل الاجتماعي على النحو التالي:

متابعة الأخبار: حيث قال ما يقرب من 80% من الصحفيين المشاركين في الدراسة إنهم يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي لمتابعة الأخبار، كما وجدت الدراسة أن السبب الأكثر شيوعًا لاستخدام الصحفيين لوسائل التواصل الاجتماعي هو التحقق من الأخبار العاجلة.

مواكبة المنافسة: يستخدم ما يقرب من ثلاثة أرباع الصحفيين وسائل التواصل الاجتماعي لمواكبة المنافسة، أي أنهم يتفقدون ما يكتبه الصحفيون العاملون في المنافذ الإخبارية الأخرى.

أفكار للقصص الصحفية: غالبًا ما يلجأ الصحفيون الذين يتعرضون لضغوط شديدة للعثور على فكرة لقصة صحفية إلى وسائل التواصل الاجتماعي لاستلهام الأفكار.

وغالبًا ما يقومون بمتابعة كلٍّ من “الخط الزمني-Timelines” على تويتر و”خلاصات الأخبار-News Feeds” على فيسبوك، التي عادة ما يكون معها روابط للأخبار وتحليل الأخبار والقصص الشيقة التي يمكن أن تزوِّد الصحفي المتعثر بموضوعٍ لمقالٍ أو قصةٍ ما.

البقاء على اتصال مع القراء: يمكن للصحفيين تطوير قاعدة جماهيرية، ففي كثير من الأحيان، ستتابع قاعدة المعجبين هؤلاء الصحفيين على وسائل التواصل الاجتماعي. وغالبًا ما يقدِّم المعجبون تعليقات فيما يتعلق بمقالات الصحفيين على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يمكن للصحفيين أيضًا الرد عليها.

الترويج الذاتي: وسائل التواصل الاجتماعي هي وسيلة رائعة للصحفيين للدعاية الخاصة بهم وتعزيز اسمهم في المجال، حيث يمكنهم نشر رابط لموضوعاتهم على هذه المنصات التي تساعد على انتشارها بسرعة.

نماذج عملية لوجود الصحف الكبرى على مواقع التواصل الاجتماعي

أمَّا عن استخدام المؤسسات الصحفية لمواقع التواصل الاجتماعي، فقد استعرض موقع What’s New in Publishing“، المتخصص في النشر الرقمي، عددًا من النماذج الرائدة لوجود الصحف والمجلات على مواقع التواصل الاجتماعي، جاءت على النحو التالي:

تفاعل مجلة “ذي إيكونوميست” مع “جيل النقر عبر “سناب شات”

قد يبدو الأمر غير معتاد، إذا كنت تفكر في الشريحة العمرية المعتادة لمستخدمي “سناب شات”، لكن مجلة “ذي إيكونوميست” توجد بنجاح على هذه المنصة منذ ثلاث سنوات بمتوسط زوار لحسابها يبلغ 1.7 مليون شخص.

ويمنح “سناب شات” مجلة “ذي إيكونوميست” ميزة يتوق إليها معظم الناشرين في بيئة وسائل الإعلام حاليًّا، وهو جمهور من الشباب ومستهلكي الأخبار والتحليلات عبر الأجهزة المحمولة، كما أن القراء أذكياء ومهتمون، ويريدون دائمًا معرفة المزيد، لذا فهي فرصة رائعة للصحفيين لخدمة هذه المجموعة.

وتقوم الاستراتيجية التي تستخدمها المجلة عبر “سناب شات” على تقسيم القصة بصريًّا في صورة نص صغير يوضع فوق الصور، وبهذه الطريقة يتنقل المستخدمون بين الصور لاستكشاف القصة ومعرفة المزيد حول التفاصيل والسياق.

كما يمكنهم اكتشاف المزيد من خلال التمرير السريع، وهذا الإجراء يعيد توجيه المستخدمين إلى موقع المجلة على الإنترنت، والتي تُمكنهم من قراءة تحليل متعمق. وتجذب المجلة أيضًا انتباه مستخدمي “سناب شات” من خلال موضوعات بعنوان “حقيقة أم خيال؟” وهي مساهمة فريدة في مكافحة الأخبار المزيفة وتدفق المعلومات المضللة.

“مجلة فوغ” توثِّق صلتها بالقراء عبر قصص “إنستغرام”

تمتلك مجلة فوغ المعنية بالموضة 11 حسابًا على إنستغرام، تمثل إصدارات دولية مختلفة، وتحظى هذه الحسابات بمتوسط 6.4 مليون إعجاب وتعليق شهريًّا، حيث ارتأت المجلة أن قصص إنستغرام منصة رائعة لجذب المتابعين.

وعلى النقيض من الصور المنسقة من المصورين المحترفين، فإن قصص “فوغ” على إنستغرام تتميز بأنها أكثر عفوية، إذ تسمح للمستخدم بالشعور بأنه يحصل على صور من وراء الكواليس الخاصة بمركز أزياء عالمي قوي.

وقد تمكنت مجلة فوغ من زيادة عدد الزيارات لموقعها إلى ثلاثة أضعاف بفضل الاستخدام الذكي للقصص كمنصات لتوزيع المحتوى، كما حققت معدل تحويل أعلى بنسبة 40% عبر الإعلانات على قصص إنستغرام مقارنة بالحملات الإعلانية. وساعدت تلك القصص في عام 2018 على جلب 20% من المشتركين الجدد للمجلة.

“واشنطن بوست” ووجود غير متوقع على منصة “ريديت- Reddit”

عند ذكر اسم صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، فإن أول الأشياء التي تتبادر إلى الأذهان هو صورة عن وسائل الإعلام التقليدية التي تتحلى بالمصداقية وتقدِّم صحافة متميزة، تكشف عن الأحداث الكبرى مثل فضيحة “ووتر غيت”، وبالطبع رصيد يبلغ العشرات من جوائز “بوليتزر” الصحفية المرموقة.

كما تعد “واشنطن بوست” واحدة من أكثر المؤسسات إبداعًا في مجال صناعة الصحف، فهي تُظهر مرونةً كبيرة وتلتزم ببذل جهد إضافي للوصول إلى جماهير جديدة وتعزيز اسمها على الإنترنت، وفي بعض الأحيان يتطلب هذا الهدف الوجود على مختلف المنصات بمجرد إطلاقها.

ففي عام 2017، وبعد وقت قصير من بدء منصة ريديت السماح بإنشاء حسابات عامة، وُجدت صحيفة واشنطن بوست على المنصة، وقد كانت خطوة استراتيجية عظيمة، نظرًا لأن مجتمع ريديت يضم أكثر من 330 مليون مستخدم نشط شهريًّا، وهو رابع أكثر مواقع الويب زيارة في العالم، ممَّا يجعله أحد أكثر الأماكن إثارة للاهتمام والأكثر تنوعًا على الإنترنت.

وقد استخدم الصحفيون منصة ريديت بذكاء لرسم خرائط لقصص جديدة يمكن الكتابة عنها، أو تحديد المصادر القيِّمة، أو استطلاع الرأي العام حول الموضوعات المهمة.

ختامًا.. يُوضح العرض السابق أن المؤسسات الإعلامية تدرك القيمة والفرص التي توفرها وسائل التواصل الاجتماعي، فقد أصبحت الكثير من تلك المؤسسات تقدم نماذج رائدة في التكيُّف مع البيئة الرقمية وتوظيف وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل مع القراء.

ويبقى التأكيد على أهمية مراعاة الضوابط المهنية فيما يتعلق بصناعة القصة الصحفية أو التقرير من خلال تلك المنصات، فلا يمكن الاعتماد عليها كمصدر وحيد لرواية الحدث، لا سيما أن مواقع التواصل الاجتماعي تمتلئ بالقصص الزائفة والمعلومات المغلوطة، لذا يجب الاقتصار على استخدامها كمصدر مساعد.

زر الذهاب إلى الأعلى