أصبحت الشبكات الاجتماعية عبر الإنترنت بمثابة أماكن اجتماعات افتراضية تسهل عمليات التواصل والاتصال، حيث اختصرت الوقت والمسافات، واستحوذت على مئات الملايين من الأنشطة اليومية والمستخدمين الذين اعتبروها فرصة للعرض الذاتي والتفاعل مع المشاركين الآخرين في جميع أنحاء العالم، واكتسبت صفتي التحكم والسيطرة في الحياة اليومية لهؤلاء المستخدمين، بسبب العديد من الخصائص والميزات التفاعلية والجاذبة التي اشتملت عليها تلك الشبكات.
ويعد الهاشتاق واحدًا من أبرز المميزات التفاعلية للشبكات الاجتماعية التي يتم استخدامها على نطاق واسع، إذ يلعب دورًا فعَّالًا في تنظيم المعلومات وفلترة البيانات وتجميعها في المنصات الاجتماعية، بحيث يُسهل عمليات النشر والإبراز والوصول -بشكل سريع- إلى فكرة موضوعية معينة يعبر عنها عنوان الهاشتاق، لتوسيع دائرة المتابعة والنقاش، مع زيادة التفاعلات وردود الأفعال حول الأفكار والاتجاهات المختلفة التي يتم صياغتها في مشاركات الهاشتاق.
ولأن “تويتر” هو المنصة الاجتماعية التي بدأ من خلالها استخدام ميزة الهاشتاق قبل أكثر من عشر سنوات، فلم يكن من الصعب استنتاج مدى أهمية وانتشار استخدامه عبر تلك المنصة الاجتماعية ذات الحضور البارز والأقوى في المنطقة العربية، وبشكل خاص المملكة العربية السعودية، وتوسعت استخداماته إلى الحد الذي أكسب تلك الظاهرة الكثير من الشعبية، حتى أصبحت علامة “#” تعبِّر في كلمات قصيرة عن معانٍ كثيرة، يمكن من خلالها تحقيق عمليات انتشار الأفكار وشيوعها والترويج للمحتوى والعلامات التجارية.
وبالنظر إلى الفوائد والمزايا التي يعبِّر عنها استخدام الهاشتاق، تعددت الدوافع الكامنة وراء ذلك الاستخدام ما بين دوافع ذاتية وموضوعية واجتماعية….إلخ، ولم تكن الدوافع الاقتصادية والسياسية بمعزل عن ذلك السلوك التفاعلي المهم، فاتجهت العديد من المؤسسات والهيئات والمنظمات، بل حتى الدول إلى استغلال تلك الظاهر الإلكترونية التي تعد مجالًا خصبًا لتنفيذ عمليات التوجيه والتأثير على الجمهور ونشر العديد من الأفكار وترويج الأخبار التي تحمل في طياتها معاني ورسائل وأهدافًا خاصة بسياسة الجهة المشرفة على المشاركة في تلك العمليات.
وبطبيعة الحال فإن ذلك الاستخدام المبني على دوافع سياسية أو اقتصادية أو حتى اجتماعية، لا يقتصر فقط على السلوك الإيجابي أو الحميد، بل إن العديد من تلك الاستخدامات، وخاصة التي تشرف عليها هيئات أو منظمات أو دول، قد تكون ذات توجهات سياسية سلبية أو معادية تستهدف التأثير على جمهور معين أو مستخدمي الوسيلة الاجتماعية في دول أخرى، لتنفيذ عمليات التوجيه ونشر الأفكار المتطرفة وترويج الأخبار التي قد تحمل في طياتها مساسًا بأمن فرد أو مجموعة أو دولة والإساءة إليها، والتي تستغل لأهداف اقتصادية أو سياسية أو عسكرية أو إرهابية أو غيرها من الأهداف التنافسية.
ومن هذا المنظور العام أضحى الهاشتاق إحدى أبرز أدوات العصر الرقمي الخاضعة للتوظيف السياسي، إذ تستخدمه جيوش إلكترونية تحركها دول أو جماعات من أجل خدمة توجهات وسياسات معينة لمحاولة التأثير في الرأي العام، أو لتشويش الحوار القائم فعليًّا وصرف الناس عن هاشتاق حقق تفاعلًا، من خلال إطلاق هاشتاق مضاد، وهنا يبرز الدور الذي تلعبه الحسابات الوهمية في ظاهرة “إغراق الهاشتاقات”، التي تهدف إلى بث الشائعات والفتن ونشر معلومات مضللة وتزييف الحقائق، وشن حملات ممنهجة للإساءة إلى دولة أو جهة ما أو التشهير بالأشخاص.
وبالنظر إلى الواقع الافتراضي السياسي الحالي على شبكة تويتر، يظهر بوضوح موضوع هاشتاق (#الحملة الشعبية لدعم تركيا) الذي انطلق على منصة تويتر كرد فعل على هاشتاق (#مقاطعة المنتجات التركية)، الذي أطلقه السعوديون ولاقى تفاعلًا ضخمًا امتد صداه إلى خارج حدود المملكة، وأحدث أثرًا كبيرًا وموجعًا للاقتصاد التركي، وأثبت قوة تأثير القرار الشعبي ويقظة ووعي المواطن، وعلى الرغم من أن هاشتاق المقاطعة انطلق كأداة اقتصادية عقابية ضد التوجهات السياسية العدائية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فإن الهاشتاق الداعم لتركيا تم تأطيره وَفْقَ منظور ديني وأحيانًا أخلاقي للدفاع عن أردوغان ونظامه، وقد قام مركز القرار للدراسات الإعلامية برصد مجموعة التغريدات التي تفاعلت عبر الهاشتاق للتعرف إلى خصائص الحسابات المتفاعلة من خلاله، وصولًا إلى التعرف على ماهيتها وطبيعة توجهاتها، خاصة مع ملاحظة كثافة كم التغريد في الهاشتاق –بطريقة غير اعتيادية- ممَّا يعطي انطباعًا بسلوك تفاعلي غير بشري أو وجود توظيف لحسابات وهمية ومجيشة للتأثير على المجتمع العربي والترويج للفكر التركي.
ومن خلال متابعة نشاط الهاشتاق، حاول المركز رصد التغريدات التي تم نشرها خلال يوم 16 أكتوبر 2020 اعتمادًا على أسلوب المسح الشامل لجميع التغريدات التي نشرت خلال ذلك اليوم، ولكن نظرًا للسلوك غير الاعتيادي المثير للشك، والذي نجم عنه كثافة تغريد فائقة، اقتصرت عينة التحليل على المسح الشامل للتغريدات التي تم نشرها خلال ثلاث ساعات فقط من اليوم ذاته، حيث بلغ إجمالي حجم التغريد خلال تلك المدة الزمنية -رغم قصرها- (7732) تغريدة تم نشرها من (4385) حسابًا، وهو ما يؤكد الملاحظة السابقة التي تستلزم التحقق والكشف الدقيق عن طبيعة تلك التفاعلات، وهل تعبر عن سلوك اجتماعي طبيعي، أو أنها تعبر عن سلوك غير تقليدي يعتمد على أدوات وجيوش إلكترونية تستخدم حسابات وهمية للتأثير على المجتمعات المعنية، وتنفيذ توجهات السياسة التركية في المنطقة.
للاطلاع على الدراسة ونتائجها يمكنكم النقر على الصورة أدناه..