ترجمات

تَنَامِي ظاهرة التنمُّر الإلكتروني في ظل وباء كورونا

ازدادت مظاهر الرقمنة في مختلف مناحي الحياة منذ مارس الماضي في ظل موجة الإغلاق التي اجتاحت العالم بفعل انتشار وباء كورونا المستجد “كوفيد-19″، واتخذت أشكالًا عديدة، أبرزها العمل والدراسة عبر الإنترنت والتواصل الاجتماعي والتسوُّق والخدمات المصرفية.

ولم تخلُ تلك العملية من ظهور مشكلات ارتبطت بالتحول من الواقع الفعلي إلى الفضاء الرقمي، فمع قضاء الأشخاص المزيد من الوقت على شبكات التواصل الاجتماعي، وفي استخدام تطبيقات الاتصال وغُرَف الدردشة، ظهرت مشكلات مثل نشر خطاب الكراهية والإساءة والتنمر، واستهدف الكثير من تلك الأفعال الصين وشعبها، والأشخاص المنحدرين من أصل آسيوي حول العالم.

ولا شك أن تلك المشكلة تزداد خطورتها في ظل فترات الإغلاق، حيث يفتقد ضحايا تلك الممارسات، لا سيما من الأطفال والمراهقين، إلى شبكات الدعم مثل الأقارب والأصدقاء والزملاء لتجاوز آثار هذه الإساءات.
الفراغ الرقمي محرك رئيسي لتنامي خطاب الكراهية والتحريض

وتشير مؤسسة “Observatory of Educational Innovation” في المكسيك إلى أن الفراغ الرقمي شكَّل قوة دفع للسلوك المسيء، فقبل الحجر الصحي كان بمقدور الشخص أن يذهب إلى الصالات الرياضية أو الحفلات أو أي أنشطة خارج المنزل، ولكن زيادة وقت الفراغ عبر الإنترنت، إلى جانب زيادة التوتر يجعل الشباب عدائيين في تفاعلاتهم عبر الإنترنت، حتى مع الأصدقاء.

كما يوجد سبب آخر لزيادة التنمر عبر الإنترنت ألا وهو شعور الأشخاص بالملل، لذلك قد يتورط العديد من الشباب في التنمر عبر الإنترنت لمجرد أنه ليس لديهم أي شيء آخر يفعلونه، حيث  يغذِّي هذا النوع من النشاط حاجتهم إلى جذب الاهتمام، حتى لو كان بطريقة سلبية.

وفي هذا الإطار، أجرت شركة “L1ght” الأمريكية المتخصصة في مكافحة المحتوى المسيء عبر الإنترنت، دراسة لقياس مدى انتشار خطاب الكراهية والإساءة عبر الإنترنت، بالنظر إلى أنها تمثل قضية خطيرة في ظل الضغط العام الذي يعاني منه الأشخاص مع استمرار الوباء.

وقامت الدراسة بتحليل الملايين من مواقع الإنترنت والشبكات الاجتماعية ومنتديات الدردشة الخاصة بالمراهقين، ومواقع الألعاب خلال الفترة من ديسمبر 2019 وحتى أكتوبر الجاري، حيث تم فحص النصوص والصور ومقاطع الفيديو والتسجيلات الصوتية، لرصد مدى زيادة لغة الكراهية في الحديث والتنمر والإساءة عبر الإنترنت.

وبينما اتخذت شبكات التواصل الاجتماعي عددًا من الخطوات في الأسابيع الأخيرة لرصد ظاهرة الإساءة عبر الإنترنت، حيث قام موقع “تيك توك” على سبيل المثال بتعيين مجلس خبراء خارجيين لتحسين قواعد ضبط السلوك على المنصة، كما استخدم موقع “بنترست” الذكاء الاصطناعي لتعزيز الرفاهية ومكافحة المعلومات المضللة، فلا يزال هناك أنواع عديدة من المحتوى الذي يحضُّ على الكراهية لم يتم إزالتها أو وضع سياسات للتعامل معها.

تغريدات واسعة الانتشار تنطوي على خطاب كراهية معظمها يستهدف الآسيويين

وتشير الدراسة إلى أن الملايين حول العالم يتعرضون لخطاب الكراهية والتحريض في ظل قضائهم المزيد من الوقت على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يستخدم المحرِّضون على الكراهية الشعور العام بعدم اليقين والتوتر لإثارة السلوك التمييزي.

وأظهرت البيانات التي تم رصدها وتحليلها أنه يتم استهداف الأشخاص الآسيويين والأمريكيين ذوي الأصول الآسيوية بعبارات عنصرية، حيث يتم اتهامهم بشكل صريح بأنهم يحملون فيروس كورونا، وأنهم مصدر محتمل لنشر العدوى.

ويتعرض المزيد من الأطفال في هذا الإطار إلى خطاب الكراهية والتحريض أيضًا، فمن خلال استهداف الأطفال يمكن للجهات المروِّجة لذلك الخطاب التحريضي نشر رسائلهم على نطاق أوسع.

ورصدت الدراسة نموًّا لخطاب الكراهية ضد الصين وشعبها على موقع التدوينات القصيرة “تويتر” بنسبة 900%، وارتباطًا بذلك ازدهرت هاشتاقات مثل #كذبت_الصين_مات_الناس (#chinaliedpeopledied)، #الفيروس_الشيوعي (#communistvirus)، و#كونغ_فلو (#Kungflu) وهو تعبير عنصري يجمع بين منبع الفيروس في مدينة ووهان بالصين ورياضة الفنون القتالية الصينية “كونغ فو.

إقبال على زيارة مواقع الإنترنت التي تحض على الكراهية

وسجلت الدراسة حركة مرور كثيفة “ترافيك” بالنسبة للمواقع التي تحض على الكراهية، والمنشورات التي تستهدف الأشخاص المنحدرين من أصل آسيوي، حيث سجلت الزيارات معدل نمو بلغ 200%.

وتضمنت عبارات مثل: أفطس، رجل أصفر، ضيق العينين، أبله.

كما أنتجت بعض المنافذ الإعلامية مواد تحريضية تسهم في زيادة خطاب الكراهية، فعلى سبيل المثال، نشرت قناة “سكاي نيوز أستراليا-Sky news Australia” مقطع فيديو بعنوان “الصين تسببت عمدًا في إصابة العالم بفيروس كورونا”، حظي بأكثر من 5 آلاف تعليق، معظمها يحض على الكراهية، ومنها “التجارة مع مَن يريد قتلك انتحار”، “ثِقْ وصدِّق الحزب الشيوعي الصيني وسوف تموت”.

الكراهية بين الأطفال والمراهقين أثناء المحادثات والألعاب عبر الإنترنت

تشير الدراسة إلى أن المزيد من الأطفال استخدموا المنصات عبر الإنترنت خلال فترة الحجر الصحي للتواصل الاجتماعي، وكان هناك زيادة ملحوظة في مستويات التنمر واللغة المسيئة بين الأطفال، حيث رصدت ارتفاعًا في خطاب الكراهية بين الأطفال والمراهقين على وسائل التواصل الاجتماعي ومنتديات الدردشة بنسبة 70%.

ووفقًا لاستطلاع أجراه  موقع “Securty.org“، تصدَّر موقع يوتيوب الشبكات الاجتماعية التي تم الإبلاغ فيها عن تنمر كبير عبر الإنترنت، بنسبة 79%، يليه تطبيق “سناب شات” بنسبة 69%، ثم “تيك توك” بنسبة 64%.

وفي الوقت ذاته يمضي الأطفال وقتهم في ممارسة ألعاب الفيديو على منصات عبر الإنترنت مثل Discord، وقد شهدت تلك المنصات زيادة في الإساءة والكراهية بنسبة 40%.

ورأت الدراسة أن مسؤولية مكافحة ظاهرة التنمر الإلكتروني ونشر خطاب الكراهية والإساءة عبر الإنترنت تقع على عاتق شركات التكنولوجيا الكبرى، فمزوِّدو الخدمة عبر الإنترنت يجب أن يطوِّروا آليات تحمي المستخدمين من جميع الأعمار، وليس فقط وضع مجموعة من الإرشادات لاستخدام المواقع والتطبيقات.

كما أشارت إلى أن تنامي خطاب الكراهية عبر الإنترنت، والتنمر الإلكتروني وسوء المعاملة، كل ذلك أدى إلى المزيد من التهديدات على مدى العقود الماضية، وأظهرت شركات التكنولوجيا العملاقة صعوبات في تنقية منصاتها من المحتوى الضار، الذي أصبح يتفاقم حاليًّا في ظل أزمة كورونا بشكل أكبر.

ونوَّهت الدراسة بأنه لم يعد كافيًا تجاهل المشكلة أو اتخاذ إجراء تجاه السلوكيات السيئة بعد رؤيتها والإبلاغ عنها من قِبَل عددٍ كافٍ من المستخدمين، فهي مشكلة يتعين على الشركات في جميع أنحاء العالم معالجتها، ممَّا يستلزم معايير أمان جديدة لمكافحة تلك الظاهرة وإلا ستنمو المشكلة وتترتب عليها تداعيات أكثر سوءًا.

وتأسيسًا على ما سبق.. يمكن القول بأن أحد أهم الطرق التي يمكن انتهاجها من أجل المساعدة في مكافحة التنمر عبر الإنترنت، هو تعلُّم مهارات المواطنة الرقمية، التي تتضمن الحفاظ على الأمن السيبراني، واحترام  الآخر على شبكة الإنترنت. ويتطلب ذلك أيضًا الاطلاع على المعلومات المتعلقة بالتنمر في الوسائط الرقمية، ومعرفة المصطلحات الفنية، من أجل صياغة استراتيجيات للوقاية وتجنُّب استخدام تلك المفردات ولو من دون قصد أو إدراك لمدلولها السلبي.

وأيضًا تنمية الاتجاهات الإيجابية في سلوك المستخدمين للمنصات، عبر نشر المحتوى الذي يعزِّز روح التضامن بين مختلف فئات المجتمع.

زر الذهاب إلى الأعلى