تقارير

محتوى «تويتر» بين الروبوتات وتحكُّم أقلية من المستخدمين

باتت مواقع التواصل الاجتماعي في ظل التطور التكنولوجي الراهن، ساحة عامة للنقاش وتبادل وجهات النظر فيما يخص الشأن العام، وكذلك للحصول على المعلومات فور حدوثها ومتابعة ردود الفعل الجماهيرية على قضايا الساعة والأحداث الجارية، إلا أن ذلك لا يعني أن المحتوى الذي يتم تداوله على مواقع التواصل يعكس حجم تفاعل كبير من جانب المستخدمين أو أنهم يسهمون بشكل متساوٍ في التعبير عن آرائهم الذاتية، إذ تشير دراسات أكاديمية إلى هيمنة قلة على عملية صناعة المحتوى الذي يتداوله أغلبية المستخدمين، فضلًا عن الدور الذي تلعبه الروبوتات في تضخيم رسائل معينة ونشرها في أوساط المستخدمين.

80% من محتوى «تويتر» في الولايات المتحدة من صُنْع 10% من المستخدمين

وتشير دراسة لـ”مركز بيو للأبحاث- Pew Research Center إلى أن نحو 22% من البالغين في الولايات المتحدة يستخدمون “تويتر”، لكن النقاشات حول السياسة الوطنية بين المستخدمين البالغين في الولايات المتحدة مدفوعة بعدد صغير من المغرِّدين السياسيين غزيري الإنتاج للمحتوى.

وهدفت تلك الدراسة إلى الإجابة عن تساؤل رئيسي مفاده: ما الأصوات التي يتم تمثيلها على تويتر؟ ولهذا الغرض أجرى المركز استطلاعًا شمل 2791 مستخدمًا بالغًا لموقع التدوينات القصيرة “تويتر” على مستوى الولايات المتحدة، من أجل قياس خصائص وأنماط مستخدمي تويتر في أمريكا، ومن بين ذلك على سبيل المثال عدد المرات التي يغرد فيها المستخدمون أو عدد الحسابات التي يتابعونها.

وتشير نتائج الاستطلاع إلى عدد من السمات التي اتصف بها المستخدمون الأمريكيون لـ”تويتر” وهي صِغَر السن، كما أنهم أكثر تعليمًا ودخولًا من باقي البالغين في الولايات المتحدة بشكل عام، كما وجدت الدراسة أن 63% من مستخدمي “تويتر” الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و49 عامًا يعتبرون ديمقراطيين أو يميلون إلى الحزب الديمقراطي.

ووفقًا للدراسة يغرد المستخدم في المتوسط مرتين فقط كل شهر، ولكن مجموعة صغيرة من مستخدمي المنصة النَّشِطين للغاية ينشرون بانتظام تغريدات أكثر بكثير، ونتيجة لذلك يعكس الكثير من المحتوى الذي ينشره الأمريكيون على تويتر عددًا صغيرًا من الأشخاص.

ويشير مركز بيو إلى أن 10% من المستخدمين الأكثر نشاطًا من حيث التغريد مسؤولون عن 80% من جميع التغريدات التي أنشأها المستخدمون الأمريكيون، لافتًا إلى أن هؤلاء المستخدمين الأكثر تغريدًا أغلبهم من النساء ويغرِّدْن بانتظام عن الأمور السياسية مقارنة بغيرها من القضايا وذلك بنسبة 69%.

ويوضح مركز الأبحاث الأمريكي أن الـ10% الأكثر نشاطًا من المستخدمين تبلغ متوسط تغريداتهم 138 تغريدة شهريًّا ويحْظَوْن بمتابعة من 387 حسابًا في المتوسط للمستخدم الواحد، أمَّا الـ90% الآخرون من المستخدمين فينشرون في المتوسط تغريدتين فقط شهريًّا، ويحظون بمتوسط متابعة من قِبَل19 حسابًا لكل منهم.

دور الروبوتات في نشر المحتوى وتضخيمه عبر المنصة

بالإضافة إلى هيمنة قلة على المحتوى المتداول عبر موقع تويتر، تبرز أيضًا إشكالية تتعلق بدور الروبوتات في نشر محتوى معين وتضخيمه، إذ توصلت دراسة أخرى أجراها مركز بيو أيضًا إلى أن ثلثي الروابط التي تمت مشاركتها على تويتر تتم عن طريق التغريدات الآلية المدعومة من الروبوتات، وجاءت تلك النتيجة استنادًا إلى تحليل لـ1.2 مليون رابط على المنصة تم إنشاؤها من خلال 140 ألفًا و545 حسابًا على تويتر، حيث خلصت الدراسة إلى أن 66% من هذه التغريدات تمت بواسطة الروبوتات.

ووجد فريق الدراسة أن عددًا قليلًا من الروبوتات النشطة للغاية يمكن أن تغذِّي كميات هائلة من مشاركة الروابط، لكن الملاحَظ أن تلك الروابط غلب عليها المحتوى الرياضي والإباحي، بينما كانت الروابط ذات المحتوى السياسي الصريح من بين أقل الروابط التي تشاركها الروبوتات.

ويشير موقع “فوكس” الإخباري الأمريكي إلى أنه نظرًا لأن الروبوتات فعَّالة للغاية، وغالبًا لا يتم اكتشافها، فمن الأهمية بمكان أن يدرك المستخدمون ليس فقط حجم الروبوتات التي تغذِّي شبكة مشاركة الروابط على منصات التواصل الاجتماعي، ولكن أيضًا ما هو تركيزها وأجنداتها.

ضوابط جديدة لـ«تويتر» حول المحتوى في ظل أجواء الانتخابات الأمريكية

وفي إطار إدراك خطورة تأثيرات قلة من المستخدمين والروبوتات في صياغة المحتوى في ظل أجواء الانتخابات الأمريكية، أعلن موقع تويتر قبل أيام عن مجموعة من الإجراءات الجديدة المصممة لوقف انتشار المعلومات المضللة، وتضمنت تغييرات مهمة في التصميم ذي الصلة بعملية التغريد، من أجل دفع المستخدمين إلى التفكير قبل تضخيم رسائل معينة.

ويشير موقع “Social Media Today” المتخصص في شؤون مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن التغيير الرئيسي  يتمثل  في أنه  بدءًا من 20 أكتوبر حتى نهاية أسبوع الانتخابات على الأقل، كلما نقر مستخدم في الولايات المتحدة على خيار إعادة التغريد في أي تغريدة، سيتاح له “اقتباس تغريدة” (إضافة تعليقاتهم الخاصة على تغريدات الآخرين) بدلًا من مَنْحِه خيار الاختيار بين “إعادة تغريد” أو “اقتباس تغريدة”. وفي حال لم يُضِفِ المستخدمون أي شيء، فستظهر التغريدة الجديدة كإعادة تغريد عادية.

وذكرت الشركة في بيان على مدوَّنتها الرسمية أنه على الرغم من أن ذلك يضيف بعض الاحتكاك الإضافي لأولئك الذين يريدون ببساطة إعادة التغريد، فإننا نأمل أن يُشجع الجميع، ليس فقط على التفكير في سبب إعادة نشر التغريدة، ولكن أيضًا بزيادة احتمال أن يضيف الأشخاص أفكارهم وردود أفعالهم ووجهات نظرهم إلى الحدث الجاري.

كما تتضمن الإجراءات الجديدة بعض القواعد المستجدة حول المحتوى المرتبط بالانتخابات مثل حظر التغريدات التي تتضمن دعوات إلى أعمال عنف خلال الاقتراع الرئاسي.

وسيكون المعيار الذي يمكن لمستخدمي تويتر عن طريقه إعلان نتيجة الانتخابات، إمَّا أن يكون هذا الإعلان قد جاء من مسؤولي الانتخابات بولاية معينة أو إعلان ذلك عبر وسيلتين إخباريتين موثوقتين ومستقلتين على المستوى الوطني.

وسيزيل موقع تويتر أيضًا التغريدات التي تشجع على العنف أو تدعو الناس للتدخل في نتائج الانتخابات أو في عملية التصويت في أماكن الاقتراع وهذا يشمل انتخابات الكونجرس والانتخابات الرئاسية.

وتقطع هذه الإجراءات المهمة من تويتر، شوطًا طويلًا نحو معالجة المخاوف الانتخابية الرئيسية وإساءة الاستخدام المحتملة لمنصتها، فقد كان تويتر محورًا للعديد من التحقيقات في الانتشار السريع للمعلومات المضللة خلال الأشهر الأخيرة، وهو لا يزال منصة التواصل الاجتماعي المفضلة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأداة أساسية في حملته الانتخابية في ظل ظروف جائحة فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19”.

وقد أبرزت معظم هذه التحقيقات السابقة جيوش الروبوتات على تويتر كأداة رئيسية لتعزيز المعلومات المضللة عبر التغريدات، لذلك تبقى الروبوتات مصدر قلق كبير لتضخيم بعض الرسائل رغم الإجراءات الاستباقية التي اتخذتها المنصة.

ختامًا.. فقد أثبتت دراسات علمية أن محتوى مواقع التواصل الاجتماعي لا يتشكَّل بموجب إسهام شرائح واسعة من المستخدمين، بل إن مجموعة صغيرة للغاية هي التي تقوم بصياغة المحتوى وتتحكم في الأجندة التي تستحوذ على اهتمامات باقي المستخدمين، ممَّا يتطلب المزيد من الدراسات الأكاديمية التي تُعْنَى بتحديد السمات التي تتصف بها تلك القلة، سواء من ناحية الفكر السياسي أو الثقافي والأبعاد الاجتماعية، وأيضًا المحددات التي تؤثر في صياغتهم للمحتوى، وكذلك تحليل شكل الرسائل التي تلقى انتشارًا ورواجًا أكبر من غيرها خلال مدة زمنية قصيرة للغاية.

كما تبرز أيضًا أهمية دراسة العوامل التي تدفع المستخدمين على المنصات المختلفة إلى إعادة نشر المحتوى دونما أي إسهام وإلى أي مدى يكون ذلك نتيجة للتماهي مع المحتوى، ورصد القضايا التي يحدث من خلالها تغيُّر في ذلك النمط السلوكي وميل المستخدمين إلى المشاركة الفاعلة بآرائهم، فضلًا عن أهمية إجراء تلك الدراسات من منظور مقارن، سواءً من حيث المجتمعات أو من خلال اعتبارات النوع والعمر وغيرهما. 

زر الذهاب إلى الأعلى