تقارير

كيف تؤثر الإعجابات على مواقع التواصل الاجتماعي فى المراهقين؟

شهدت السنوات القليلة الماضية، زيادة على مستوى العالم في استخدام تطبيقات الإنترنت لمشاركة المحتوى مع الآخرين، ومن أبرزها مواقع التواصل الاجتماعي، وقد خلق هذا فرصًا غير مسبوقة للتواصل بين الأشخاص والتعبير عن الذات وتلقِّي ردود أفعال في صورة تعليقات وغيرها من الأنماط التفاعلية الأخرى على تلك المنصات.

وقد برز تنامي الاستخدام بشكل خاص بين المراهقين، الذين هم عادة أول فئة تتبنَّى التقنيات الجديدة، ففي عام 2014 كان أكثر من 80% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و22 عامًا في الولايات المتحدة مستخدمين نشطين يوميًّا لوسائل التواصل الاجتماعي، كما أن ما يقرب من 70% يقولون إنهم يفحصون تطبيقاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي عدة مرات في اليوم.

وبالتزامن مع هذه الزيادة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كان هناك زيادة كبيرة ومثيرة للقلق في مشكلات الصحة النفسية للشباب، ممَّا دفع البعض إلى التساؤل عما إذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي قد تسهم في زيادة حدة تلك المشكلات.

الإعجابات على منصات التواصل الاجتماعي والحالة النفسية للمراهقين

ومن الأهمية بمكان فَهْمُ الظروف المتصلة بالتفاعلات على وسائل التواصل الاجتماعي، التي قد تسبب اضطرابًا نفسيًّا، فترى كانديس أودجرز أستاذة علم النفس والسلوك الاجتماعي بجامعة كاليفورنيا، في مقال نشرته مجلة نيتشر العلمية أن العديد من التفاعلات على وسائل التواصل الاجتماعي غير ضارة، لكنها تشير في الوقت ذاته إلى أن بعضها قد يضخم نقاط الضعف الاجتماعية والنفسية بين مجموعات فرعية من المراهقين الذين يعانون بالفعل من مشكلات تتصل بالصحة النفسية.

وتعد الإعجابات على وسائل التواصل الاجتماعي مؤشرًا قابلًا للقياس الكمي، وبالتالي يثير مشاعر التحقق الاجتماعي لدى المستخدمين ويمنحهم مشاعر إيجابية. والعكس صحيح، إذ يمكن أن يكون الحصول على إعجابات أقل من الآخرين مؤشرًا على أن الشخص لديه مكانة اجتماعية متدنية.

وقد وجدت دراسة استقصائية للشباب في الولايات المتحدة أن 56% من المشاركين فيها يرون أن نشر المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي وعدم تلقِّي الإعجابات الكافية كان تجربة سلبية. كما اقترحت بعض الدراسات أن الإعجابات على وسائل التواصل الاجتماعي جعلت المقارنات الاجتماعية غير الصحية بارزة، خاصة بين الأفراد المعرَّضين لخطر الـتأثر النفسي.

ووجدت دراسة أخرى في الولايات المتحدة أيضًا أن المراهقين الذين يعانون من أعراض الاكتئاب المرتفعة كانوا أكثر عرضة بنسبة 30% للقول إنهم نشروا محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي بالكاد تلقَّى أي تعليقات أو إعجابات، مقارنة بنظرائهم غير المكتئبين.

المراهقون وإشكالية عدم كفاية التحقق الاجتماعي

وفي ذات السياق، افترضت دراسة نشرتها مجلة “تنمية الطفل- Child Developmentأن عدم كفاية التحقق الاجتماعي، الذي يُعرف بأنه عدم الحصول على تعليقات إيجابية كافية من الآخرين حول المحتوى الذي شاركه الشخص، يمكن أن يكون عاملَ خطرٍ بالنسبة للمراهقين.

ورأت الدراسة أن التحقق الاجتماعي غير الكافي يمكن أن يهدد حاجة المراهقين إلى القبول ويشكِّل عاملَ خطرٍ حتى في حالة عدم وجود رفض اجتماعي مثل التنمُّر عبر الإنترنت أو مضايقة من الأقران. وعلاوة على ذلك فإن المراهقين الذين يعانون من إيذاء الأقران المستمر قد يكونون الأكثر تضررًا.

ونوهت الدراسة بأن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت بشكل متزايد مكانًا يُعرض فيه وضع المراهقين للجمهور، وبالتالي يمكن أن يشكل خطرًا على الاضطرابات النفسية بين أولئك الذين يتعرض وضعهم الاجتماعي للتهديد.

كما أوضحت أنه عادة ما يسهم المستخدمون على وسائل التواصل الاجتماعي بنشر المحتوى الذي قد يكون رابطًا أو صورةً أو إفشاءَ معلومةٍ شخصية أو السخرية من شيءٍ ما، ويتوقعون أن يشير الآخرون إلى موافقتهم على المحتوى من خلال النقر على زر “الإعجاب- like” أو شيء مشابه.

ورأت الدراسة أن التحقق غير الكافي على وسائل التواصل الاجتماعي هو شكل حديث من أشكال النبذ ​​الذي قد يثير مشاعر الرفض، وهو مؤشر على أن حاجة المراهقين إلى الشعور بالقبول الاجتماعي قد تعرضت للتهديد.

وقد يؤدي عدم كفاية التحقق الاجتماعي إلى تأثير سلبي مثل الشعور بالضيق أو الحزن أو القلق أو الإحراج أو الإدراك الذاتي السلبي، حيث تضع المراهق على أعتاب الاكتئاب.

وقد يلجأ المراهقون، ضحايا التنمر في العالم الواقعي، إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وينشرون محتوى عن أنفسهم، على أمل الحصول على التحقق الاجتماعي على يد أقرانهم على تلك المنصات لتلبية احتياجاتهم وإرضاء شعورهم بالقبول الذي افتقدوه في الواقع، لكن قد لا يرقى حجم إبداء الإعجابات على منشوراتهم إلى الدرجة التي حصل عليها الآخرون (لا سيما أقرانهم المشهورون والمقبولون اجتماعيًّا بشكل جيد)، ممَّا يؤدي إلى تكوين نظرة للذات أكثر سلبية.

تجارب بحثية حول الاضطراب النفسي والقابلية للاكتئاب وتأثير الأقران

واشتملت الدراسة المنشورة بمجلة “تنمية الطفل- Child Development” على 3 تجارب بحثية، الأولى اختبرت ما إذا كانت التغذية العكسية الإيجابية غير الكافية على وسائل التواصل الاجتماعي تسبب اضطرابًا نفسيًّا بين المراهقين، أمَّا الثانية فقد فحصت ما إذا كانت مشاعر الرفض الناتجة عن التحقق غير الكافي على وسائل التواصل الاجتماعي تنبئ بمخاطر متزايدة للاكتئاب، بينما بحثت التجربة الثالثة ما إذا كانت آثار ردود الفعل الإيجابية غير الكافية على وسائل التواصل الاجتماعي أكثر وضوحًا بين المراهقين الذين تعرضوا بشكل متكرر لإيذاء الأقران في الواقع الفعلي.

وقد ساعد المشاركون في تلك الدراسة في اختبار برنامج جديد سمح لهم بإنشاء ملف تعريف والتفاعل مع أقرانهم من نفس العمر من خلال مشاهدة الملفات الشخصية لبعضهم وبعض و”الإعجاب بها”، وقد سُجلت الإعجابات التي تم تلقِّيها، وعمل ترتيب لمختلف الملفات الشخصية من الأكثر إلى الأقل إعجابًا.

وفي استبيان لاحق، أبلغ المراهقون في المجموعة التي حصلت على الإعجابات الأقل عن مشاعر سلبية أكثر من أولئك الذين حصلوا على المزيد من الإعجابات.

ويقول ديفيد ييغر، المؤلف المشارك في الدراسة وأستاذ علم النفس في جامعة تكساس في أوستن، إن “هذه الدراسة تمثل تقدمًا علميًّا مهمًّا لأنها تُظهر أن عدم الحصول على عدد كافٍ من الإعجابات يجعل المراهقين في الواقع يقللون من شعورهم بالقيمة الذاتية.

ووجدت التجربة الثانية باستخدام نفس المنهج أن المراهقين الذين لديهم رد فعل سلبي أقوى على تلقِّي إعجابات غير كافية كانوا أيضًا أكثر عرضة للإصابة بأعراض الاكتئاب ولديهم حساسية أعلى للضغوط اليومية.

ويوضح كريس بيفيرز، المؤلف المشارك في تلك الدراسة ومدير معهد أبحاث الصحة النفسية في جامعة تكساس أن “المراهقين الأقل شعورًا بقيمة ذاتهم هم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب، حيث تعد التعليقات الواردة من الأقران مصدرًا مهمًّا للمعلومات التي تحدد كيفية رؤية المراهقين لأنفسهم”.

كما أظهرت التجربة الثالثة أن الطلاب الذين وقعوا ضحية لأقرانهم في المدرسة كانت لديهم ردود أفعال سلبية تجاه تلقِّي عدد أقل من الإعجابات، وكان لديهم أيضًا ميل أكبر لإرجاع هذا النقص في الإعجابات إلى عيوب في شخصياتهم.

ويقول المؤلف الرئيسي لتلك الدراسة هاي يون لي، الباحث في جامعة ستانفورد: “تساعدنا هذه الدراسة على فهم قوة موافقة الأقران والوضع الاجتماعي خلال فترة المراهقة”.

ولاحظ الباحثون الآخرون المشاركون في تلك الدراسة أيضًا أن وسائل التواصل الاجتماعي لديها القدرة على تفاقم المشاعر السلبية لدى المراهقين.

ختامًا.. تُظهر هذه الدراسة أهمية الدور الذي تلعبه التفاعلات عبر منصات التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية للمراهقين، لا سيما لجوؤهم إلى القياس الكمي للقبول المجتمعي متجسدًا في صورة الإعجابات على المحتوى الذي يقومون بنشره، وكيف أنه يشكل عنصرَ ضغطٍ على نفسية المراهقين.

وقد تنبَّهت بعض منصات التواصل الاجتماعي، ومنها موقع فيسبوك، لخطورة تلك المسألة، حيث بدأت تجربة مطلع الشهر الماضي لإزالة عدد الإعجابات عن المنشورات مع إبقاء بعض الإعجابات فقط في خطوة لحماية المستخدمين، ومن أجل علاج حالة إدمان البعض الحصولَ على عدد أكبر من الإعجابات بمنشوراتهم، ممَّا يجعلهم لا يكتبون ما يعبِّر عن قناعتهم الشخصية، بل ما يمكن أن يحظى بعدد أكبر من الإعجابات.

زر الذهاب إلى الأعلى