ترجمات

خطاب التمييز والكراهية في الصحف التركية

يعد استخدام خطاب الكراهية وإذكاء مشاعر العنصرية في التغطية الصحفية انتهاكًا صارخًا لأخلاقيات العمل الصحفي، حيث تتحول اللغة العنصرية والتمييزية المستخدمة في الأخبار إلى أداة تثير مشاعر العداء، وتعزِّز الصور النمطية السلبية والتحيُّزات ضد الفئات الضعيفة والأقليات.

كما تؤثر عناصر مثل الهويات الثقافية والنزعة القومية والأيديولوجية على تكرار استخدام الخطابات التهميشية والإقصائية. ومن خلال إثارة العنصرية والكراهية، يمكن لوسائل الإعلام تقوية هذه المواقف وحتى إضفاء الشرعية عليها في بعض الحالات.

وبذلك يمكن لوسائل الإعلام أن تكون مؤثرة وموجهة في تطبيع ونشر الصراع، وبمفهوم المخالفة يمكن أن تسهم في قبول وتطبيع التنوع والاختلاف. وللتغلُّب على تسلسل خطاب الكراهية تبرز أهمية إنشاء وحدات تقييم في غُرَف الأخبار، تعمل على متابعة وتحليل التغطية الصحفية من منظور أخلاقي، ولفْت انتباه المؤسسات الإعلامية حال رصد أي مؤشرات ولو بسيطة، عن تلك الظاهرة السلبية ووضع حلول لمعالجتها.

أكثر من 4 آلاف مقال وقصة إخبارية تتضمن عناصر خطاب الكراهية

وتعتبر الصحف في تركيا واحدة من أهم مصادر خطاب الكراهية والتمييز، إذ تشير مؤسسة “هرانت دينك” التركية في تقرير بعنوان “خطاب الكراهية والتمييز في الإعلام لعام 2019″، اعتمد على مسحٍ لأعداد جميع الصحف الوطنية والصحف المحلية البالغ عددها 500 صحيفة، إلى أن الأخيرة تضمنت 4364 مقالًا وقصة إخبارية استهدفت مجموعات قومية وعرقية ودينية في تركيا خلال العام الماضي. واستهدف 108 من المقالات والقصص الخبرية أكثر من مجموعة في ذات الوقت، حيث كانت تحتوي على خطاب كراهية.

وحلل التقرير عناصر الخطاب الذي يحض على الكراهية في أربع فئات جاءت على النحو التالي:

  •  المبالغة والتشويه في المرتبة الأولى بنسبة 71.80%، مثل “طفح الكيل من السوريين”.
  •  خطاب العداء والحرب بنسبة 18.25%، ومن أمثلته عبارة “الوحشية اليونانية”.
  •  استخدام الشتائم والإهانة والإذلال بنسبة 7%، مما تمثَّل في ألفاظ مثل “غادر” و”خائن”.
  •  التعبير باستخدام الرموز بنسبة 2.95%:

ويستند التقرير في تحديد خطاب الكراهية الوارد في المقالات والقصص الإخبارية بالصحف التركية إلى التوصية التي اعتمدتها لجنة وزراء مجلس أوروبا في عام 1997، التي تشير إلى أن مصطلح خطاب الكراهية يشمل جميع أشكال التعبير التي تنشر الكراهية العنصرية أو كره الأجانب أو غير ذلك من أشكال الكراهية المبنية على التعصب، أو تحرض عليها أو تشجعها أو تبرِّرها، وذلك بما يشمل: التعصب المتجسِّد في القومية العدوانية والتعصب الإثني والتمييز والعداوة ضد الأقليات والمهاجرين والأفراد من أصول مهاجرة.

ووفقًا للتقرير تم إنتاج 51% من خطاب الكراهية في الصحف المحلية، مقابل 49% في الصحف الوطنية. وجاء في صدارة الصحف الوطنية: صحيفة “العقد الجديد-YeniAkit ” بواقع 263 مادة، ثم صحيفة “يني تشاج- Yeniçağ” بـ155 مادة، تليها صحيفة “ديريليش بوستاسي- DirilişPostası” بـ131 مادة، ثم صحيفة “ميلي جازيته-  MilliGazete” بـ123 مادة.

أمَّا الصحف المحلية التي احتوت على أكبر عدد من مواد خطاب الكراهية فهي “صحيفة يني قونيا-Yeni Konya” بـ88 مادة، ثم صحيفة “الاستقلال- İstiklal” بـ46 مادة، تليها صحيفة “يني دونيم- YeniDönem” بـ29 مادة، ثم صحيفة “إسكي شهير سكاريا-EskişehirSakarya” بـ24 مادة.

الأرمن والسوريون واليونانيون الفئات الأكثر استهدافًا

ووفقًا لمؤسسة “هرانت دينك” التركية، فإن الأرمن كانوا أكثر الفئات المستهدفة في وسائل الإعلام التركية العام الماضي، من خلال 803 مواد تتضمن خطاب كراهية، فعلى سبيل المثال التقارير الإخبارية المتعلقة بذكرى مذبحة خوجالي الأذريبجانية (على يد أرمينيا) ويوم ذكرى الإبادة الجماعية للأرمن في 24 أبريل 1915 التي لا تعترف بها تركيا، بل إنها تصف الأرمن بالمتمردين وتتهمهم بقتل 500 ألف مسلم، قامت بتصوير الأرمن كأعداء من خلال ارتباطهم بالعنف والمجازر.

كما وصمت الصحف التركية الأرمن بالإرهاب، حيث ذكرتهم في التغطيات الإخبارية جنبًا إلى جنب مع حزب العمال الكردستاني والجيش السري الأرمني لتحرير أرمينيا، اللذين تعتبرهما أنقرة منظمتين إرهابيتين.

وكانت المجموعة الثانية الأكثر استهدافًا في الصحف التركية  هم السوريون بنحو 760 مادة تحتوي على خطاب كراهية، حيث تم تصنيف السوريين بشكل منهجي كمجرمين مع ذكر أسمائهم في سياق حوادث القتل والسرقة والتحرش، والربط بينهم وبين المشكلات الأمنية والإرهاب.

وفي مقالات الرأي تم اتهام السوريين بأنهم سبب في الظروف الاقتصادية السيئة والبطالة في تركيا حاليًّا، وتصويرهم على أنهم يمثلون تهديدًا للبنية الديمغرافية لتركيا ومصادر للقلق والتوتر.

ويعكس ذلك مفارقة كبرى حول ادعاء تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان بأنها توفر الحماية للاجئين السوريين، الذين فرُّوا من ويلات الحرب إلى الأراضي التركية، فقضية اللاجئين لم تكن سوى ورقة يلعب بها لابتزاز الدول الأوروبية وغطاء لمشروعه التوسعي، فأردوغان الذي صرح في يوليو 2017 بأن تركيا بمثابة البلد الثاني للاجئين السوريين، هو نفسه الذي اتخذ خطوات مناقضة تمامًا تجاههم تمثلت في إلغاء العلاج المجاني داخل المستشفيات للاجئ السوري، واتباع سياسة الترحيل القسري، مدعية أنها تقوم بترحيل مجرمين ومخالفين للقانون، لكن شهادات المرحَّلِين تؤكد عكس ذلك.

أمَّا عن المجموعة الثالثة الأكثر استهدافًا في الصحف التركية، فكانت الشعب اليوناني، حيث تم تصويرهم على أنهم “أعداء” وسط تصاعد التوترات مع أثينا، لا سيما في الأخبار المتعلقة بأعمال التنقيب عن الغاز في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط.

وتسعى كل من البلدين إلى الوصول للثروات النفطية الموجودة في شرق المتوسط. وكانت تركيا قد بدأت منذ عدة أشهر عمليات تنقيب الغاز في حوض “لفونتان” المتنازع عليه.

بينما أرسلت في 10 أغسطس الماضي سفينة التنقيب والأبحاث الزلزالية التركية “عروج ريس” مصحوبة بتعزيزات عسكرية أخرى إلى جزيرة “كاستلوريزو” اليونانية، التي قامت بسحبها قبل نحو أسبوع مع تزايد الضغوط الدولية، وفقًا لمحطة “فرانس 24” الإخبارية.

ويحتوي حوض “لوفنتان” الذي يمتد من اليونان وجزيرة “رودس” غربًا حتى السواحل الآسيوية شرقًا على 5765 مليار متر مكعب من الغاز، حسب تقديرات اللجنة الجيولوجية الأمريكية في عام 2010.

لكن تركيا “الأردوغانية” التي لا تتقيد بالقانون الدولي وأحكامه ترى أن المناطق الاقتصادية الخالصة، تسجنها داخل مياهها الإقليمية وتحرمها من الوصول إلى حقول النفط الواقعة بين قبرص وجزيرة كريت.

وفي الإطار ذاته، تصور التقارير الإخبارية والمقالات حول قبرص، اليونان والقبارصة الروميين كمصدر تهديد ضد القبارصة الأتراك.

ويعد ذلك جزءًا من الصراع القائم بين تركيا وقبرص منذ الغزو التركي عام 1974 وتقسيم قبرص، حين أعلن الشطر الشمالي المحتل قيام “جمهورية شمال قبرص التركية” التي لا تعترف بها أي دولة في العالم سوى تركيا.

ويوضح تقرير مؤسسة “هرانت دينك” أيضا أن الصحف التركية تُحمِّل المجتمع اليوناني بأسره مسؤولية محنة اللاجئين على الحدود التركية اليونانية، علمًا بأن حكومة أردوغان هي التي قامت بنقل اللاجئين السوريين من مدينة إسطنبول إلى أدرنة، الواقعة على الحدود التركية اليونانية، في إطار محاولاته للضغط على الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي “الناتو” للحصول على دعم الحلف في المعركة التي يخوضها في إدلب ضد الجيش السوري.

ازدواجية التعامل مع الهوية الكردية وفقًا للتوجُّه الانتخابي

وركز التقرير أيضًا على فترة الانتخابات المحلية التركية في مارس 2019، عبر تناول معظم الأخبار والمقالات التي تضمنتها الصحف المتعلقة بالانتخابات، بالإضافة إلى فحص النصوص الخاصة بالأكراد في سوريا وإيران والعراق.

ويشير إلى أنه تم تأطير الهوية الكردية بشكل إيجابي فقط على أساس المعتقد الديني المشترك أو الحزب الذي يصوِّتون لصالحه في الانتخابات، فعلى سبيل المثال الأكراد الذين يمنحون أصواتهم لمرشحي حزب العدالة والتنمية الحاكم يتم وصفهم بـ”الأكراد المسلمين”، بينما يتم تصوير فئة أخرى من الأكراد الذين يصوتون لصالح حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد، بأنهم “تحت تأثير القوى الأجنبية ومخدوعون، وانفصاليون مناهضون للدولة التركية، وإرهابيون”. وهكذا تقدم الصحف التركية هذه الفئة كمصدر تهديد للمجتمع.

كما يظهر التقرير أنه تم استخدام الانتخابات المحلية في إنتاج ونشر الخطابات التمييزية، فالتصويت خلال السباق الانتخابي تحول إلى عملية تهميش وإقصاء لمجموعات بعينها.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن تبنِّي الصحف التركية خطابًا يتسم بالكراهية والعنصرية والنزعة القومية المفرطة هو انعكاس للمناخ العام في تركيا تحت حكم الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يتبنَّى هذا التوجه ويعمل على تعزيزه.

زر الذهاب إلى الأعلى