ترجمات

هوس الاختبارات الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي

باتت الاختبارات الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة شائعة تجتذب ملايين الأشخاص من مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي، حيث تتعدد دوافع المستخدمين للمشاركة، لكن أبرزها أنه فُرصة لاكتشاف الذات ومحاولة تصنيفها في فضاء إلكتروني يضم مليارات الأشخاص، فأغلب تلك الاختبارات تلعب على وتر الشغف والفضول كرغبة الفرد في التعرف إلى توقعات ما سيحدث له في المستقبل بشكل افتراضي.

من جهة أخرى، يرتبط بتلك الاختبارات مخاوف تتعلق بالخصوصية وسرية البيانات، حيث يمكن للمحتالين استخدام الاختبارات عبر الإنترنت لزرع برامج ضارة أو سرقة المعلومات الشخصية، وقد تصبح المعلومات التي يتم جمعها من خلال هذه الاختبارات عاملًا مساعدًا في تنفيذ الجرائم مثل حملات التصيُّد الاحتيالي أو انتحال صفة الأشخاص في عمليات الاحتيال عبر الإنترنت.

ونظرًا لشعبية الاختبارات الشخصية القصيرة، فقد أصبحت جزءًا أساسيًّا من استراتيجية محتوى أي شركة أو مؤسسة، حيث تستخدم المعلومات التي يتم جمعها في أغراض التسويق واستهداف المشاركين في تلك الاختبارات بإعلانات موجهة.

دوافع المشاركة في الاختبارات عبر مواقع التواصل الاجتماعي

على الرغم من أن ظاهرة الاختبارات قد تبدو كأنها اتجاه حديث إلى حدٍّ ما، فإنها كانت موجودة بشكل ما لفترة طويلة، فكانت مجلات أمريكية مثل Cosmo  و Seventeenتحتوي على اختبارات قصيرة حول المواعدة والعلاقات العاطفية.

وفي وقت لاحق، انضمَّت مواقع إلكترونية مثل “بازفيد-BuzzFeed

و”زيمبيو- Zimbio” إلى ذلك النمط، فعلى سبيل المثال حقق اختبار بعنوان “ما المدينة التي يجب أن تعيش فيها؟” أكثر من 20 مليون مشاركة، وفقًا لشركة Marketo للتسويق.

وترى شيري توركل، العالمة المتخصصة في علم النفس السلوكي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن الأشخاص يتجهون إلى الاختبارات نتيجة لحاجتهم التي لا تقاوم للتعرف إلى الذات، لافتة إلى أن الاختبارات القصيرة، مثل الكثير من أنشطتنا عبر الإنترنت تمنحنا الراحة وتخلق حالة من التشارك الاجتماعي، بحسب مجلة “وايرد” الأمريكية.

ووفقًا لجونا بيرجر، الأستاذ بكلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، توجد عدة عوامل تؤثر على إمكانية مشاركة الأشخاص تلك الاختبارات على صفحاتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فهم يحبون مشاركة الأشياء التي تجعلهم يبدون في صورة جيدة، وهو جزء ممَّا يسمى بـ”العملة الاجتماعية” المصاحبة للحياة الرقمية اليوم، فالجميع يرغب في الظهور على أنهم أذكياء أو مَرِحُون أو رائعون على صفحاتهم الشخصية.

ويستعرض موقع “discinsights” الأمريكي عددًا من النظريات حول سبب الشعبية التي تحظى بها الاختبارات الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، وتتمثل فيما يلي:

مساعدة المستخدمين في تحديد هويتهم

في الوقت الذي يرى فيه كثيرون أن الفرد ينشغل خلال سنوات المراهقة بالبحث عن ذاته، فإن الحقيقة هي أن تلك المسألة -البحث عن الهوية- تدوم مدى الحياة، فطوال تلك الرحلة يكون لدى الشخص عدة مسارات وظيفية أو أصدقاء أو شركاء مختلفون، وفي مواجهة عالم متغيِّر وظروف متغيرة باستمرار، قد يكون الشعور الثابت بالهوية أمرًا صعبًا.

وعلى الرغم من سخافة بعض موضوعات الاختبارات عبر الإنترنت كأن تطرح سؤالًا مثل (ما الفاكهة التي تعبِّر عن شخصيتك؟)، فإنها توفر لنا طريقة سريعة وسهلة لتحديد جزء صغير من هويتنا، إذ يخبر هذا النوع من اختبارات الشخصية السهلة الأشخاص بأشياء مفاجئة عن أنفسهم، ويؤكد الأشياء المتعلقة بشخصياتهم، ويحدد سمات الشخصية وأنماط السلوك التي ربما يشتبهون في وجودها، ولكن لم يتمكنوا من التعبير عنها مطلقًا، ويحدث كل هذا عبر تعليقات الأصدقاء الموجودين على صفحاتهم.

تسهيل إقامة علاقة مع الآخرين

إحدى مميزات وسائل التواصل الاجتماعي هي الطريقة التي تربط بها الأشخاص من جميع أنحاء العالم، وفي هذا الإطار تساعد الاختبارات القصيرة عبر الإنترنت في إيجاد طريقة للتواصل مع الأشخاص الذين لا يعرفوننا جيدًا. ومشاركة تلك الاختبارات عبر مواقع التواصل تكون أحيانًا وسيلة للتعارف إلى أشخاص آخرين، أي تصبح مشاركة هذه الاختبارات وسيلة لقول “أريد معرفة المزيد عنك.

الشعور بالانخراط في مجتمعٍ ما

فعلى سبيل المثال شارك 41 مليون شخص عبر موقع فيسبوك في اختبار نشره موقع بازفيد الأمريكي بعنوان “أي ولاية يجب أن تعيش فيها؟”، فهؤلاء يمثلون مجموعة كبيرة من الأشخاص الذين يشتركون جميعًا في شيءٍ ما.

وإذا كان تعريف المجتمع أنه مجموعة سكانية متفاعلة تضم أنواعًا مختلفة من الأفراد لديهم خصائص أو اهتمامات مشتركة، يمكن اعتبار الاختبارات القصيرة على وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة لتأسيس اتصال مشترك، وشعور بالانتماء داخل المجموعة. فإذا رأيت شخصًا ما على التسلسل الزمني أو “التايم لاينTimeline-” لليوميات على فيسبوك يشاركك اختبار “أي شخصية أنت من شخصيات مسلسل لعبة العروش؟”، فبدافع إعجابك بالمسلسل، ستشعر على الفور برغبة في التواصل مع الشخص الذي نشر الاختبار. وبصرف النظر عن الشخصية الفنية التي يختارها في الاختبار فكل ما يهم هو أنك وجدت طريقة للتواصل مع أشخاص آخرين في هذا المجتمع من جميع أنحاء العالم.

سهولة الاختبارات عبر مواقع التواصل الاجتماعي

ترى جويندولين سيدمان، أستاذة مساعدة علم النفس في كلية أولبرايت بولاية بنسلفانيا الأمريكية، أن الفارق الأساسي بين اختبارات وسائل التواصل الاجتماعي واختبارات الشخصية الحقيقية هو السهولة، فالأسئلة تكون أسهل من الاختبارات الشخصية الحقيقية، كما أن نمط الاختبارات على فيسبوك يقبل عليه الشخص بدافع المتعة والفضول، دون أن يشعر بأنه يبذل جهدًا شاقًّا في التفكير في تفضيلاته، كما هو الحال لو أن السؤال بشكل مباشر في الحقيقة.

وعلى سبيل المثال: إذا طرح على شخص سؤالًا في اختبار حقيقي كالتالي، هل تحب الذهاب إلى السينما أو إلى حفلة؟ فإن الإجابة تصنفه فورًا إمَّا أنه انطوائي وإمَّا منفتح.

أمَّا الأسئلة في اختبارات الوسائط الاجتماعية فلا تتطلَّب أي نوع من التحليل الذاتي الجاد، وبعد حصولك على نتيجة في اختبار الوسائط الاجتماعية، ينتهي الأمر ولا يتبقى شيء تحتاج إلى فعله بهذه المعلومات بخلاف النقر على خيار المشاركة في التسلسل الزمني أو “التايم لاين-Timeline” ليومياتك على فيسبوك.

في المقابل، فإن الاختبارات الشخصية التي يتم إجراؤها كجزء من ورشة عمل حقيقية، تكون نتائجها جزءًا من خطة لتطوير الذات.

استغلال الاختبارات على مواقع التواصل الاجتماعي في الأغراض التسويقية

تحظى الاختبارات القصيرة على مواقع التواصل الاجتماعي بمشاركة كثيفة، ووفقًا لموقع BuzzSumoلتحليل المحتوى فقد أكمل 82% من المستخدمين الاختبارات التي تعرضوا لها في صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بهم، بينما كان متوسط الوقت المستغرَق في الاختبار قصيرًا نسبيًّا

-يمكن إكماله في دقائق قليلة- ومليئًا بالمرئيات، حيث يقدم للمستخدم نتيجة تتمحَوْر حول ذاته وتفضيلاته الشخصية.

ومن هنا كان استخدام تلك الاختبارات في أغراض جمع المعلومات ووضع الخطط التسويقية، ويعتمد توظيف تلك الاختبارات في أغراض التسويق على اختيار الوقت المناسب الذي يشجع الجمهور على الإقبال على شراء السلعة أو الخدمة، ومن أمثلة ذلك قيام مدونة “Pampadour” للجمال بطرح اختبار بعنوان “ما الذي يجب أن تحضره لأمك في عيد الأم؟” قبل الاحتفال بعيد الأم بأسابيع، ودفع ذلك الاختبار إلى زيادة في عمليات البحث عن اقتراحات هدايا على محرك البحث العالمي، جوجل.

وفي السياق ذاته،  يمكن أن تؤثر الاختبارات القصيرة في قرارات الشراء الخاصة بالمستهلكين، ففي كثير من الحالات يكون تزويدهم بالخيارات بطريقة تعمل على تضييق هامش الاختيار، فعلى سبيل المثال، نشرت مجلة Afar الأمريكية المتخصصة في السياحة والسفر اختبارًا بعنوان “أين يجب أن تذهب في عام 2015؟” ومن خلاله يجيب المستخدم على 7 أسئلة قصيرة، ثم يتم توجيهه إلى صفحة لا تمنحه نتيجة فحسب، بل تتضمن أيضًا معلومات يمكن أن تؤدي إلى مزيد من التفاعل مع تلك النتيجة، فإذا رشحت النتيجة له زيارة فرنسا مثلًا تدرج معلومات عن المزيد حول المواقع الفرنسية السياحية، فضلًا عن وضع العديد من الإعلانات المناسبة لحجز الفنادق بجانب نتائج الاختبار.

اختبارات مواقع التواصل الاجتماعي والمخاطر المرتبطة بأمن المستخدمين

قد تبدو اختبارات الوسائط الاجتماعية الشائعة، مثل تلك التي تظهر في فيسبوك غير ضارة وممتعة، لكن المشاركة فيها قد تجعل المستخدم عرضة للاحتيال، ويتم ذلك بطريقة تدريجية، فالأسئلة التي يتم من خلالها استخلاص المعلومات قد لا تطرح كلها في نفس الاختبار، لكن عبر اختبارات متعددة، مما يمكِّن المجرم الإلكتروني في النهاية من جمع معلومات تساعده في الوصول إلى حساب بنكي أو حساب بطاقة ائتمان للمستخدم.

ويحذر مكتب Better Business (منظمة غير ربحية كندية وأمريكية تركز على الثقة في الإعلان) ومجموعات محو الأمية الإعلامية وإدارات الشرطة من أن المتسللين والمحتالين يكونون وراء العديد من اختبارات الوسائط الاجتماعية، حتى يتمكنوا من جمع المعلومات الشخصية واستخدامها والاستفادة منها في أعمالهم الإجرامية.

وترى زنيكر هيوود، خبيرة الأمن السيبراني والأستاذة في قسم علوم الكمبيوتر في جامعة دالهاوسي الكندية، أن الاختبارات الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي ليست مجانية في الواقع، فالمستخدم يدفع مقابل تقديم بيانات شخصية تجمعها شركات البيانات الضخمة في الإعلانات المستهدفة، أو يجمعها مجرمو الإنترنت بغرض البيع على شبكة الإنترنت المظلمة.

وتوصي هيوود، مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي باتباع عدد من الإجراءات التقنية لحماية أنفسهم من أضرار المشاركة في اختبارات الوسائط الاجتماعية، ومن أبرزها:

 إذا لم تتمكن من مقاومة ملء هذه الاختبارات، فقدِّم معلومات مزيَّفةً، خاصة بالأسئلة المشابهة لأسئلة الأمان التي تستخدمها في معاملاتك المالية.

 بمجرد إجراء هذه الاختبارات، لا يمكنك استعادة المعلومات التي قدمتها، لذا راقب عن كثب معاملاتك عبر الإنترنت لأي نشاط بنكي غير معتاد، لتتمكن من رصد أي معاملة لم تصرح بها أو حساب لم تقم بإنشائه.

وأخيرًا.. تعمل وسائل التواصل الاجتماعي طول الوقت على ابتكار العديد من الأساليب مثل الاختبارات بهدف جذب المتابعين والتفاعل مع محتوى هذه المنصات، وتُركز هذه الاختبارات على مجموعة من الاحتياجات الإنسانية التي من شأنها تحقيق الإشباع والرضا النفسي، ولذلك يقوم الأشخاص (ذكور/ إناث) على اختلاف فئاتهم العمرية والتعليمية والاجتماعية والثقافية بمشاركتها كنوع من التباهي تارةً وتحقيق التفاعل تارةً أخرى.

ويمكن القول أيضًا بأن المشاركة في الاختبارات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تعكس حالة هوس بالتعرف إلى الذات، كما أنها تمنح المشاركين فرصة التعرف إلى ذواتهم من دون اللجوء إلى رأي الآخرين لمعرفة شخصيتهم، وتجنبهم التعرض إلى النقد المباشر الذي قد يزعجهم أو يصدمهم، كما أن تلك الاختبارات ليست لها أي أسس علمية، فهي تتسم بالسطحية وهدفها بالأساس تسويقي لجمع المعلومات عن المستخدمين، وقد تُستخدم هذه المعلومات في عمليات احتيالية يقع ضحيتها المشاركون في هذه الاختبارات.

زر الذهاب إلى الأعلى