قراءات

الصحافة اللبنانية تكشف الدور الكارثي لحزب الله على مستقبل لبنان

أثار انفجار مرفأ بيروت المروِّع الذي وقع في الرابع من أغسطس الجاري في العاصمة اللبنانية من جديد قضية الدور الذي يقوم به حزب الله في الدولة، ومشروعه المرتهن بأجندة إقليمية تتبع ولاية الفقيه في إيران.

فقد خلَّف انفجار المرفأ الكثير من التداعيات السياسية، أهمها استقالة الحكومة المُلقبة في بيروت بـ”حكومة حزب الله” نسبة إلى سيطرة الحزب على قراراتها.

وترى الأوساط السياسية اللبنانية أن “لبنان” ما قبل الرابع من أغسطس لن يكون بحال من الأحوال هو لبنان ما بعد هذا التاريخ، خاصة أن هذا الانفجار قد سبقه حالة من الركود الاقتصادي اللبناني، تزامنت مع احتجاجات شعبية معترضة على الأداء الحكومي، ممَّا شكَّل تهديدًا مباشرًا على استقرار الدولة، وجاء الانفجار ليُضاعف من الآثار الاقتصادية والمعيشية في البلاد.

وسلَّطت الصحف اللبنانية الضوء على أهمية تحجيم دور الحزب في الحياة السياسية، كاشفةً عمَّا تسببت فيه سلوكياته وتوجُّهاته من مآلات كارثية بالدولة اللبنانية.

وبحسب جريدة “النهار” اللبنانية، فإنه رغم عدم استعداد حزب الله للتنازل عن المشاركة في الحكومة الجديدة، فإن حالة الغضب الشعبي التي نتجت عن انفجار المرفأ أوجدت سيناريوهات كان يُنظر إليها سابقًا على أنها من المستحيلات، أهمها أن فكرة تأليف حكومة لا يتمثل فيها الحزب لم تعد ضربًا من الخيال، خاصة مع وجود مطالب محلية وإقليمية ودولية تدفع بهذا الاتجاه، وقد تضع الدول المانحة شروطًا لتقديم المساعدات للبنان تتعلق بمكانة ودور حزب الله في مقدرات الدولة اللبنانية، التي يتحكم فيها بشكل فعلي، ويُدير اللعبة السياسية حسب أجندته الخاصة، متخذًا من سلاحه ورقة ضغط على الأطراف اللبنانية.

من جانبها نقلت صحيفة “اللواء” اللبنانية عن مصادر دبلوماسية أن الفرنسيين طرحوا مؤخرًا حلًّا وسطًا بين أنصار عدم تمثيل حزب الله في الحكومة اللبنانية الجديدة، ورفض الثنائي الشيعي أية حكومة من هذا النوع، وتمثل المقترح الفرنسي في تمثيل الحزب بوزراء مقربين منه ولكن غير محسوبين عليه بشكل مباشر.

أمام هذه التطورات السياسية، حاول حسن نصر الله تقديم السلطة السياسية بوصفها بريئة، والتقليل من حجم الفاجعة عبر تصويرها على أنها قضاء وقدر سببه الإهمال لا أكثر، وذلك للتحايل على الفشل الحكومي من جانب، وإبعاد الفساد والجرم الملتصق به فيما يتعلق بتخزين هذه الكمية من نترات الأمونيوم في منطقة حيوية ومحيط سكاني مزدحم من جانب آخر.

وقام نصر الله بتبنِّي نظرية المؤامرة واستباق الأحداث ليوجِّه اتهاماته بوجود أطراف تسعى إلى إسقاط الدولة اللبنانية، وأن هذه الأطراف مدفوعة من قوى خارجية، وذلك على خلفية انتقاد البعض لسياسات الحكومة اللبنانية المُسيطَر عليها من جانب حزب الله.

إن كل المؤشرات تقول إن “لبنان” لن يكون بخير في ظل وجود حزب الله بوضعه الحالي، فالسلاح دائمًا هو آلة خراب، وأيًّا كانت الحلول السياسية، سواء تلك المتعلقة بتشكيل حكومة جديدة أو انتخابات نيابية مبكرة، فإن الأمر سيكون محكومًا في النهاية بـ”قوة السلاح” الذي يستخدمه نصر الله كعنصر ردع في وجه الخصوم وكل من يقف أمام تحقيق مصالح حزبه المرتهنة بإيران، وقد يتحول إلى وسيلة حسم باستخدامه فعليًّا، وهو ما تكرر في مناسبات عديدة.

وفي هذا الصدد تقول صحيفة “الجمهورية” إن “سلاح حزب الله” ودوره طُرح مجددًا على طاولة البحث، ونقلت عن جهات سياسية أن المجتمع الدولي بات لديه قناعة بأن تعايش الدولة اللبنانية وحزب الله غير ممكن، مشيرة إلى صعوبة نزع سلاح الحزب إلا بالتغيير الجذري في قواعد اللعبة دوليًّا وإقليميًّا وداخليًّا، ولذلك فقد يتم الاكتفاء بتحجيم دور هذا السلاح في صناعة السياسة اللبنانية.

وإزاء ما سبق، يمكن القول إن انفجار مرفأ بيروت قد فرض واقعًا جديدًا في لبنان، أتاح المجال للحديث عن إمكانية تهميش دور حزب الله في الحياة السياسية اللبنانية، كخطوة أساسية في تجنيب البلد كوارث أخرى نتيجة مغامرات الحزب.

إن الوضع الميداني يقول إن حزب الله الذي يعمل على تعزيز ترسانته المسلحة بزعم مواجهة الخطر الإسرائيلي، وهي في حقيقة الأمر لتنفيذ المشروع الإيراني، يواجه الآن العديد من التحديات الداخلية والخارجية، فعلى الصعيد الداخلي يواجه نصر الله رفضًا شعبيًّا متزايدًا نتيجة الفشل والفساد، وتُشير صحيفة “الجمهورية” إلى أن حزب الله يرفض إجراء انتخابات نيابية مبكرة، لأنها ستعني خسارته الغالبية في مجلس النواب بسبب التراجع الكبير في شعبية حلفائه، وعلى رأسهم “التيار الوطني الحر”، فضلًا عن اتهامات صريحة برهن لبنان ومصالح الشعب اللبناني وأمنه واستقراره بمغامرات وأهداف نظام ولاية الفقيه، أمَّا على المستوى الخارجي فإن الحزب ورَّط نفسه ولبنان في الحرب الدائرة في سوريا، إضافة إلى الصعوبات الاقتصادية والعزلة التي تُعاني منها إيران.

وفي سياق استغلال حزب الله لسلاحه سياسيًّا، نقلت صحيفة “الجمهورية” عن وكيل وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد هيل قوله “لن نسمح بعودة الفوضى إلى حدود لبنان البرية والبحرية”، ويعكس هذا التصريح إمكانية قيام حزب الله بالتصعيد على الحدود اللبنانية الإسرائيلية للتغطية على انعكاسات تفجير مرفأ بيروت، فضلًا عن اقتراب موعد صدور حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

إن خيارات حزب الله لتجاوُز هذه الأزمة محدودة، وقد يلجأ نصر الله إلى تنظيم الحمدين في دولة قطر، كملجأ أخير للمساهمة في إعادة إعمار ما خلَّفه انفجار مرفأ بيروت، وتُعد هذه الورقة إحدى أدوات إعادة فرض سيطرة الحزب على مفاصل الدولة اللبنانية كما حدث سابقًا في أعقاب حرب يوليو/ تموز 2006، وأحداث 7 مايو/ أيار التي استخدم فيها حزب الله السلاح لفرض السيطرة على لبنان، وانتهت بإبرام اتفاق الدوحة الذي منح الحزب الثلث المعطل.

وقد تكون الدوحة الآن أكثر جاهزية، بل وبحاجة إلى التدخل لمساعدة الحزب مرة أخرى وإعادة إعمار مرفأ بيروت، وتقديم المساعدات المالية للبنان، مقابل الحفاظ على حزب الله مسيطرًا وقويًّا ومتحكمًا.

وممَّا يُعزِّز الاستعداد القطري الحالي علاقةُ تنظيم الحمدين بنظام الملالي في طهران، التي تزايدت عقب مقاطعة الدول العربية الأربع السعودية ومصر والإمارات والبحرين للدوحة، وقد تأتي المساعدة القطرية لحزب الله في إطار دفع الفواتير المتبادَلة.

زر الذهاب إلى الأعلى