ترجمات

مواقع التواصل الاجتماعي تفشل في التصدِّي لوباء تضليل كورونا

بالتزامن مع انتشار وباء كورونا المستجد “كوفيد – 19″، انتشرت جائحة من المعلومات الخاطئة التى تقوِّض ثقة الجمهور والتزامهم بالإجراءات الاحترازية الواجب اتباعُها للحفاظ على السلامة، كالنار في الهشيم من خلال القنوات الرقمية التي تديرها شركات وسائل الإعلام الاجتماعية، التى نوفِّر لها رؤيةً غير مسبوقةٍ عن معتقداتنا وعواطفنا وتفضيلاتنا، وتقوم خوارزمياتها بتحليل تلك البيانات وتقسيمها إلى نماذج وبيعها إلى شركاتٍ أخرى لأغراض الإعلان.

فعلى  سبيل المثال خلص الدكتور دانييل ألينجتون من “كلية كينجز لندن- King’s College London ” إلى أن أولئك الذين يشتركون في نظريات المؤامرة حول الفيروس أقلُّ عرضة لاتباع الإرشادات المتعلِّقة بغسل اليدين والتباعُد الاجتماعي والبقاء في المنزل. كما وجد الباحثون في جامعة أكسفورد أن أولئك الذين يعتقدون في نظريات المؤامرة أيضًا أقل عرضةً لقبول التطعيم، أو إجراء اختبارٍ تشخيصيٍّ للمرض، أو ارتداء الكمامات.

 756 نموذجًا لمعلوماتٍ مضلِّلةٍ حول الفيروس دون أي تحرُّكٍ لحذفها

ولكن على الرغم من الالتزامات العامة لشركات وسائل التواصل الاجتماعي بمكافحة الأخبار المضللة، فقد وجدت دراسة أجراها “مركز مكافحة الكراهية الرقمية- Center for Countering Digital Hate” أن تلك الشركات فشلت في الوفاء بالتزاماتها.

وقد قام مركز مكافحة الكراهية الرقمية بالتعاون مع منظمة التنمية المستدامة بتدريب العشرات من المتطوعين الشباب من المملكة المتحدة وأيرلندا ورومانيا على التعرُّف على المعلومات الخاطئة عبر البحث في كلٍّ من فيسبوك وإنستغرام وتويتر، وتسجيل المنشورات التى تتضمن معلوماتٍ زائفةً، والإبلاغ عنها لدى تلك المنصات.

وعمل فريق البحث على إعداد قاعدة بياناتٍ تضمُّ المعلومات الزائفة، وتتكوَّن من لقطةٍ للمنشور، ورابط  URL للمنشور، وتاريخ نشر المحتوى، وتاريخ الإبلاغ عن المحتوى والمنصة التي تم نشرُها عليها، واسم حساب تويتر، أو إنستغرام الذي نشر المحتوى، أو مجموعة فيسبوك التي تم فيها النشرُ، وموضوع المعلومات الخاطئة، فضلًا عن أي ملاحظاتٍ مهمةٍ أخرى.

وفحص الفريق مجموعاتٍ متنوِّعةً على موقع فيسبوك التي تضم جميعُها آلافَ الأعضاء، والتى تم إنشاؤها مؤخرًا وكانت معنيَّةً أساسًا بفيروس كورونا ومكتظةً بالمعلومات الطبية المضللة مثل مجموعة “Arnica” و”Coronavirus UK”، التي تم الإبلاغ عنها في وسائل الإعلام لاحتوائها على كميات كبيرة من المعلومات الخاطئة حول كورونا.

وبالنسبة إلى تويتر وإنستغرام، استخدم الفريق عمليات البحث المنظَّمة عبر وظائف البحث الرئيسية، مع المصطلحات التالية: خدعة أبراج 5G، فيتامين سي، بيل جيتس، جورج سوروس، الوباء، إنفلونزا ووهان، أسلحة بيولوجية، كورونا جهاد، جهاز المناعة، اللقاح.

وتم وضع هذه المجموعة من المصطلحات بناءً على رواياتٍ مضلِّلةٍ، رأى مركزُ مكافحة الكراهية الرقمية ومنظماتٌ بحثيةٌ أخرى أنها تكتسب قوةً خلال أزمة فيروس كورونا، ثم تمَّ تعديلُها لتتضمَّن مصطلحاتٍ جديدةً مع تقدُّم المشروع البحثى، وتوصَّل الباحثون لرواياتٍ جديدةٍ ناشئةٍ.

وضمَّت قاعدة البيانات 756 نموذجًا للمعلومات الخاطئة التي تم جمعُها خلال الفترة ما بين 20 أبريل و26  مايو، ممَّا وفَّر عينةً كافيةً لتحديد تنوُّع ونطاق روايات المعلومات الخاطئة التي تتكاثر حاليًّا.

ومن بين 649 منشورًا تم الإبلاغ عنها من قِبل المتطوعين، قوبل 9.4% فقط بعملٍ هادفٍ، واستجابةٍ من المنصات.

واعتبر تويتر الأقلَّ استجابةً، حيث تم التعامُل مع 3 % فقط من 179 مشاركةً. وقام فيسبوك بإزالة 10% من المنشورات الـ334 التي تم الإبلاغ عنها ووضع في 2% علامة على أنها خاطئة، وتعامل إنستغرام، الذي يملكه فيسبوك مع 10 % من 135 شكوى تم إرسالُها.

وتصرُّ كل الشبكات الاجتماعية على أنها بذلت جهودًا للسيطرة على الأخبار المزيَّفة حول الفيروس، حيث بدأ تويتر في تصنيف التغريدات التي تنشر معلوماتٍ مضللة عن كورونا، وقام فيسبوك أيضًا بإزالة بعض المحتوى، بما في ذلك المجموعات التي تدَّعي أن نشر شبكة الجيل الخامس 5G كان سببًا لانتشار الفيروس.

فعلى سبيل المثال، وجد الباحثون منشوراتٍ مضللةٍ تشير إلى أن المصابين يمكن أن يتخلَّصوا من الفيروس عن طريق شرب الأسبرين المذاب في الماء الساخن أو عن طريق تناوُل مكمِّلات الزنك وفيتامين “سي” وفيتامين “د”.

مواقع التواصل الاجتماعي تشكِّك في تمثيل العيِّنة وسط اتهاماتٍ بالتراخي والتقصير

وردًّا على  نتائج الدراسة، قال متحدثٌ باسم موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” إن العينة “ليست تمثيلية”، مؤكدًا “نتخذ خطواتٍ صارمةً لإزالة المعلومات الخاطئة الضارَّة من منصاتنا، وأزلْنا مئات الآلاف من هذه المشاركات، بما في ذلك الادعاءاتُ حول العلاجات الزائفة”.

وتابع بأنه “خلال شهرَي مارس وأبريل، وضعنا ملصقاتٍ تحذيريةً على نحو 90 مليون قطعةٍ تتضمَّن محتوى المرتبط بكوورنا، وأوقفت هذه الملصقات الأشخاص الذين يشاهدون المحتوى الأصلي بنسبة 95٪”. ومضى قائلا: “سنبلغ أي شخص أعجب أو شارك أو علق على منشورات أزلناها متعلقة بـ( كوفيد-19) أزلناها منذ ذلك الحين.”

أمَّا موقع التدوينات القصيرة “تويتر”، فيؤكد أنه يعطي أولوية لإزالة المحتوى المتعلق بكورونا عندما يتلقَّى بلاغًا حول إمكانية تسبُّبه في الضرر “K مشيرًا إلى أن أنظمته الآلية اعترضت أكثر من 4.3 مليون حساب كانت تستهدف مناقشاتٍ حول كورونا بسلوكٍ غيرِ مرغوبٍ فيه أو متلاعب.

وكان تويتر قد وعد بإزالة التغريدات التي تَدْحَضُ فعاليَّةَ الإجراءات، لمنع انتشار كورونا، أو تتضمن تعزيز العلاجات الكاذبة للمرض أو إنكار الحقائق العلمية عنه.

الأمر ذاته تعهَّد به إنستغرام، عبر إزالة “المعلومات الخاطئة الضارة المتعلقة بكورونا والتى تتضمَّن مزاعمَ كاذبةً أو نظرياتِ مؤامَرَةٍ تم الإبلاغ عنها من قِبل مدقِّقي الحقائق ومنظمة الصحة العالمية.

في المقابل، يرى عمران أحمد، الرئيس التنفيذي لمركز مكافحة الكراهية الرقمية، أن الشركات “تتهرَّب من مسؤولياتها”، معتبرًا أن نُظُمَها الخاصةَ للإبلاغ عن المعلومات الخاطئة والتعامل معها ببساطة لا تصلُح للغرض.

وأشار عمران إلى أن “عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي ادَّعَوْا عدة مراتٍ أنهم يأخذون المعلومات الخاطئة المتعلقة بكورونا على مَحْمَل الجد، لكن هذا البحث الجديد يظهر أنه حتى عندما يتم تسليمهم البلاغات التي تروِّج للمعلومات الخاطئة، فإنهم يفشلون في اتخاذ إجراء.”

وترى روزان بالمر وايت، مديرة مجموعة عمل الشباب “ريستليس ديفلوبمنت- Restless Development”، التي شاركت أيضًا في الدراسة، أن الشباب “يقومون بواجبهم لوقف انتشار المعلومات الخاطئة” لكن شركات الإعلام الاجتماعي تركتهم”.

 المعلومات الخاطئة حول كورونا جبهة جديدة للمعارك ضد التضليل في فضاء التواصل الاجتماعي

لقد أجرت شركات وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة على مدار الأشهر القليلة الماضية في ظل انتشار الوباء، عددًا من التغييرات على سياساتها لمحاولة معالجة المعلومات الضارة والمضللة، لكن هذه التغييرات في السياسة لا تبدو سهلة التنفيذ.

ومن الناحية العملية، غالبًا لا يتم الإبلاغ عن المشاركات المضللة أو عندما يتم الإبلاغ عنها لا يتم إزالتها دائمًا، في حين تتم إزالة الرسائل التي تشكِّل تهديدًا فوريًّا للحياة بشكلٍ أسرعَ.

ومع ذلك، يمكن أن تكون الرسائل المضللة التي تشكل تهديدًا أقلَّ إلحاحًا بنفس القدر من الخطورة بما في ذلك الرسائل الواردة من “مجموعات مكافحة التطعيم- Anti-Vaccine Groups”.

ووجد تحقيقٌ أجرتْه هيئة الإذاعة البريطانية “بي.بى.سي” أن التكلفة البشرية للمعلومات الخاطئة وراء احتمال حدوث ضررٍ غيرِ مباشرٍ بسبب نظرية المؤامرة والمعلومات السيئة التي تقوِّض الرسائل المتعلقة بالصحة العامة -أو تعاطي لقاحٍ فعالٍ– قد تكون ضخمةً للغاية.

وفي الوقت الذي تغمر فيه المعلومات الخاطئة حول الاحتجاجات والأحداث الإخبارية الأخرى وسائل التواصل الاجتماعي، يصبح من الواضح أن الوباء مجرَّدُ جبهةٍ جديدةٍ في إطار المعارك الواجب خوضُها ضد المعلومات الخاطئة والمضللة في فضاء التواصل الاجتماعي.

وأخيرًا.. لقد أثارت أزمة كورونا الكثير من الجدل حول التصدِّي للمعلومات الزائفة ودور الخوارزميات والكشف الآلي في هذا الصدد، ولكن حتى عندما يتم تسليم شركات وسائل الإعلام الاجتماعية حالاتٍ واضحةً من التضليل، فقد ظهر أنها تفتقر إلى الإرادة للعمل والتصدي لتلك الظاهرة وتداعياتها الكارثية.

زر الذهاب إلى الأعلى