ترجمات

المحور التركي القطري.. شراكة الإرهاب والفوضى في الشرق الأوسط

باتت قطر خلال السنوات القليلة الماضية صديقةً مقرَّبةً لتركيا، فأول شخصٍ يتصل به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كلَّما تعرضت أنقرة لأزمة ماليةٍ هو أمير قطر، تميم بن حمد آل ثان. وقد سارعت الدوحة قبلَ نحو أسبوعٍ إلى تقديم يد العَوْن إلى أنقرة عندما انحدرت احتياطيات البنك المركزي التركي بفعل أزمة فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، إذ فقدت تركيا قرابة 15% من الاحتياطي النقدي الأجنبي بقيمة 15.5 مليار دولار في شهرٍ واحدٍ.

ويعد ذلك الدعم القطري مَلْمَحًا أساسيًّا لطبيعة العلاقة التي تشكَّلت بين تركيا وقطر بعدما اجتمعا على هدفٍ واحدٍ ألا وهو نشر الفوضى ودعم الإرهاب واستهداف أمن واستقرار دول المنطقة، سعيًا إلى حلم خلافةٍ مزعومةٍ في حالة تركيا، أو تطلُّعًا للعب دورٍ أكبرَ، بل طموحٌ نحو زعامة تتناقض مع الحقائق الجغرافية والطبيعة الديموغرافية كما هو الحال بالنسبة لقطر.

زيارات متبادَلة مكثَّفة.. ورابط أيديولوجي وثيق.. ومصالح اقتصادية متنامية

وعلى مدى السنوات الماضية، شهدت تركيا وقطر حركةً مستمرَّةً وزياراتٍ متبادَلَةً بين قادة البلدين، فبحسب تغريدةٍ نشرها الصحفي التركي توفان تورنش في مارس 2015، سافر أردوغان وعائلته إلى قطر 56 مرةً، مقابلَ 45 زيارةً أجراها أمير قطر وحاشيتُه إلى تركيا، مما دفع تورنش للتساؤل: ماذا وراء هذه المودة؟

كان هناك الكثير من التكهنات حول سبب الحاجة إلى العديد من الاجتماعات المباشرة بين أردوغان والمسؤولين القطريين، وفي حين أن محتوى اللقاءات غير معروف، فمن الواضح أن جماعة الإخوان المسلمين هي أحد أهم الروابط التي تجمع بينهما، إذ اتخذت العلاقات بين الحليفين بعدًا جديدًا بعد وصول الإخوان للسلطة في مصر عام 2012، حيث شرعت الدوحة وأنقرة في وضع خطط لتغيير الأنظمة في الشرق الأوسط، بالتعامل مع عناصرَ إخوانيةٍ في الدول العربية الأخرى، لكن اندلاع ثورة 30 يونيو 2013 في مصر والإطاحة بحكم الجماعة دمَّر خطط تركيا وقطر.

والسبب الثاني للمحور التركي القطري هو الثروة المعدنية القطرية وحاجة تركيا للدعم القطري، فمنذ عام 2013 أصبح اقتصاد تركيا يتأثر بشكلٍ متزايدٍ بخطوات أردوغان في مجال السياسة الخارجية، هذا بجانب تراجع سيادة القانون وحقوق الإنسان في الداخل، ونهج التجارة الذي مهَّد الطريق للفساد.

ثمة عاملٌ ثالثٌ يبرُز هنا، وهو أن “قطر” تعد أكبرَ مُشْترٍ لمنتجات صناعة الدفاع التي تنتجها شركات تركية ورجال أعمال تجمعُهم علاقاتٌ وثيقةٌ مع أردوغان، ومن بين الأسلحة التركية التي بدأت قطر في إدراجها ضمن تسليحها، طائراتٌ بدون طيار من طراز “Baykar TB-2″، والمركبة القتالية المدرعة “”Nurol 4X4 Ejder ، والمركبات المدرعة من طرازي “Kirpi” و”” Amazon، وسفن التدريب العسكرية ” “Anadolu، وفقًا لصحيفة أحوال التركية.

 استحواذ قطري على مصانع وعقارات وشراكة في مجموعات إعلامية بتركيا

في ظل معاناة تركيا من أزمةٍ اقتصاديةٍ على وقع التداعيات السلبية لانتشار فيروس كورونا، عرضت قطر دعم البنك المركزي التركي من خلال زيادة ثلاثة أضعاف اتفاقية مبادلة العملات بين البلدين إلى 15 مليار دولار.

ومن غير المعروف ما إذا كانت الدوحة تفعل ذلك بدافع الامتنان، لأن أنقرة سارعت إلى مساعدتها خلال الأزمة القطرية عام 2017 مع دول الرباعي العربي لمكافحة الإرهاب (السعودية ومصر والإمارات والبحرين)، ولكن الواضح أنه لا يوجد حد لعدد الشركات والممتلكات التي يتم بيعها لقطر مقابل لا شيء تقريبًا.

فقد استحوذ القطريون على مصنع دبابات قيمته مليار دولار مقابل 50 مليون دولار فقط، بعد شرائهم نصف شركة “بي إم سي”، وهي واحدة من أكبر الشركات المصنِّعة للسيارات التجارية والعسكرية في تركيا، أمَّا النصف الآخر للشركة فيمتلكه رجل الأعمال التركي إيثيم سانجاك المقرب من أردوغان.

كما استحوذ القطريون على شركة البث “ديجي ترك- Digiturk”، وأصبحوا شركاء في مجموعة “صباح إي تي في الإعلامية – ATV-Sabah media group”، واستحوذوا على حصة أغلبية من أسهم شركة “بانفيت- “Banvit للدواجن ومتجر “بيمين- “Beymen المتطور.

هذا فضلًا عن القصور المنتشرة في مضيق البوسفور الشهير في إسطنبول، والفنادق في منتجع مارماريس الساحلي، وهضبة سورمين في منطقة شمال البحر الأسود، لكن أكبر استثمار للقطريين كان طائرة بقيمة 400 مليون دولار، قدَّمها أمير قطر إلى أردوغان في 2018، بالإضافة إلى إطلاق اسم أردوغان على حصان سباقٍ قيمتُه ملايين الدولارات.

وأينما توجد قطعة أرض قيِّمة في تركيا، ستجد هناك قطريين، حيث يتم تحويل بعض منازل السليمانية الخشبية التاريخية في إسطنبول -جزء من موقع تراث عالمي لليونسكو- إلى وحداتٍ سكنيةٍ حديثةٍ، ويتولى تنفيذ عملية التحول العمراني الذي يمتد على مساحة 102 ألف متر مربع، ويضم أكثر من 700 منزل، كلٌّ من شركة “كوزو للإنشاءات- Kuzu Construction” المقربة من أردوغان وشركة الديار القطرية. كما وقعت الشركتان اسمَيْهما على استثماراتٍ مثيرةٍ للجدل على طول حي “أتاكوي – Ataköy” الراقي في إسطنبول.

وعلى سبيل المثال، اشترت والدة أمير قطر، الشيخة موزة بنت ناصر، قطعة أرض مساحتها 44 فدانًا من خلال مشروع قناة إسطنبول المائية، حتى قبل الإعلان عن مسار المشروع، مما أثار دهشة الرأي العام التركي، لكن تم الكشف لاحقًا عن أن المديرية العامة لتسجيل الأراضي والسجل العقاري التابعة لوزارة البيئة والتخطيط العمراني التركية، نشرت إشعارًا لمنع الوصول إلى معلومات سندات الملكية.

من جهةٍ أخرى، كانت هناك زيادات غير طبيعية في محافظ الشركات القطرية في سوق الأسهم التركية. حيث قفزت المحفظة التي تبلغ قيمتها 6 شركات قطرية من 16 مليار ليرة تركية في نهاية يونيو 2019 إلى ما يقرب من 59 مليار ليرة بحلول نهاية العام ذاته. كما يعد القطريون أكبرَ المستثمرين الأجانب في بورصة إسطنبول.

وإزاء كل تلك الوقائع، تساءل الكاتب التركي مراد مراد أوغلو في مقاله بصحيفة سوزجو التركية الشهيرة: ما الذي تَعِدُ به تركيا قطر مقابلَ كل هذه الخدمات، بما في ذلك اتفاق تبادل العملة الأخير؟ قائلًا : “هل هي قناة إسطنبول كلها؟، هل هو صندوق الثروة التركية، الذي تحاط تحركاته بالغموض؟ أم “بنك فاكيف- Vakıfbank” المملوك للدولة التركية، وهو خامس أكبر بنك في تركيا؟ أم شركة خط أنابيب البترول “بوتاش- Botaş”؟ أم الخطوط الجوية التركية؟.”

 22 مليار دولار حجم الاستثمارات القطرية في تركيا

وفقًا للسفير التركي لدى قطر، فكرت أوزر -صديق أردوغان منذ مرحلة الدراسة الثانوية– فإن حجم الاستثمارات القطرية المباشرة وغير المباشرة في تركيا بلغ 22 مليار دولار حتى النصف الأول من عام 2019، لكن لا يوجد أي بيان رسمي تفصيلي لذلك الرقم.

وبعد محاولة الانقلاب العسكري المزعومة في يوليو 2016 للإطاحة بحكومة أردوغان، نشرت وسائل الإعلام الموالية للرئيس التركي تقارير دعائية تقول إن “قطر” ودولًا خليجية أخرى ستوجِّه استثمارات كبيرة إلى تركيا تقدَّر قيمتُها بـ250 مليار دولار، بالإضافة إلى إرسال أموالٍ ساخنةٍ (تدفُّقات مالية من خارج الدولة بغرض الاستثمار ) لتركيا في الأشهر الستة التالية للانقلاب الفاشل لزيادة الفائدة أو مكاسب رأس المال، لكن هذه الأموال لم تصل أبدًا.

ولا توجد حتى الآن أي أنباء عن الاستثمار الذي تبلغ قيمته 20 مليار دولار، الذي أعلنت قطر أنها ستقوم به في تركيا، بعد الأزمة بين أنقرة وواشنطن في عام 2018 بشأن القس الأمريكي المحتجز في تركيا أندرو برونسون، ربما وصلت هذه الأموال، ولكنها دخلت جيوب أو خزائن بعض الشخصيات، وفقًا للكاتب الصحفي التركى بوراك تويجان.

وكانت هناك تقارير في وسائل الإعلام التركية حول دعم القطريين لمشاريع في تركيا، بما في ذلك تقرير عن استثمارات لشركة نبراس للطاقة الممولة من قطر بقيمة 14 مليار دولار في محطة “أفشين إلبيشتان – Afşin Elbistan ” للطاقة الحرارية في محافظة كهرمان مرعش في جنوب تركيا.

ومن المتوقع أن يكتمل المشروع المكوَّن من ثلاث مراحل، والذي سينتج عنه مصنع بقدرة 4500 ميجاوات، خلال العقد المقبل. ولكن لا توجد أي تطورات في هذا المشروع حتى هذه اللحظة.

زر الذهاب إلى الأعلى