على مدى الأسابيع القليلة الماضية، انتشرت المعلومات الخاطئة حول فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) عبر وسائل التواصل الاجتماعي بمعدّل يُنذر بالخطر، فمثلاً.. ادّعى أحد مقاطع الفيديو التي انتشرت بسرعة، أن استنشاق الهواء الساخن من مُجفِّف الشعر يُمكِن أن يعالج كورونا، وزعمت تغريداتٌ على موقع التدوينات القصيرة تويتر، أن حَقْنَ فيتامين (C) مباشرةً في مجرى الدم يُعالِج الفيروس.
وما يزيد من خطورة الوضع لجوءُ ملايين الأشخاص إلى منصّات وسائل التواصل الاجتماعي، للاطلاع على أحدث التطوّرات، والتواصل مع الأصدقاء.
وأفاد موقع تويتر بارتفاع عدد مستخدمي الموقع بشكل يومي إلى حوالي 12 مليون، في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، كما أفاد فيسبوك بحدوث طفرات غير مسبوقة في نشاط المستخدمين.
مئات آلاف الشائعات والمعلومات المضللة على منصات التواصل الاجتماعي
في البداية كانت هناك همساتٌ ذاتُ طابع تآمري عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي، تفيد بأن فيروس كورونا تمّ تصنيعه في مختبر حكومي سرّي في الصين، ثم كانت هناك أدوية وهمية ضدّ الفيروس، وبعدها ظهرت مزاعم طالت الحكومات والمشاهير، ومنها على سبيل المثال، أن تايوان تتستّر على الوفيات بكورونا، وأن الوضع يخرج عن نطاق السيطرة. وكذلك وقوف بيل جيتس مؤسس شركة “مايكروسوفت” العملاقة وراء انتشار الفيروس.
ويُشير توم فيليبس رئيس تحرير موقع مؤسسة “فول فاكت” “Full Fact” البريطانية، المعنية بتقصّي الحقائق، إلى أنه قد تمّ تداول أكثر من 300 ألف منشور يتضمّن مزاعم خطيرة، وكان من أبرزها نصيحة تفيد بأن سيلان الأنف يَعني أن لديك نزلة برد وليس كورونا.
كما زعم منشور آخر أن الفيروس يَمُوت في درجاتِ حرارةٍ أعلى من 27 درجة مئوية، وادعى كاتب صحفي على حسابه بموقع تويتر، أن الفيروس لا يُصِيب الأطفال، وهي معلومة غير صحيحة.
تحذير من وباء المعلومات المضلّلة.. والذكاء الاصطناعي غير قادر على التصدي
ونظراً لانتشار الفيروس في جميع أنحاء العالم، انتشرت أيضاً معلومات خاطئة حوله، على الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلتها شركاتُ وسائل التواصل الاجتماعي للحدّ من انتشار تلك المعلومات.
ورغم إعلان فيسبوك وجوجل وتويتر، أنها تزيل المعلومات الخاطئة حول الفيروس، وتعمل مع منظمة الصحة العالمية والجهات الحكومية الأخرى، لضمان حصول الناس على معلومات دقيقة، رصد بحثٌ أجرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، عشراتِ مقاطع الفيديو والصور والمنشورات المكتوبة على كلّ منصات وسائل التواصل الاجتماعي، وكأنها تسلّلت عبر الشقوق، ولم تقتصر مشاركات المعلومات الخاطئة على اللغة الإنجليزية، بل تضمنت لغات أخرى مثل الأوردية والعبرية والفارسية.
ووجد باحثو الأمن الإلكتروني أن الهاكرز كانوا يقوموا بإعداد مواقع إنترنت تدّعي امتلاكها معلوماتٍ حول الفيروس، لكنها في الحقيقة مصائدُ رقمية تهدف إلى سرقة البيانات الشخصية من أجهزة المستخدمين الذين ارتادوا تلك المواقع.
وكانت منظمة الصحة العالمية أطلقت على النصائح الوهمية والخاطئة اسم “وباء المعلومات المضلّلة”، ما دفع العديد من الحكومات، لمطالبة شركات التواصل الاجتماعي، باتخاذ إجراءات لمواجهة تلك الأزمة.
ويقول أوستن تشيانغ، أخصائي أمراض الجهاز الهضمي في مستشفى جامعة جيفرسون في فيلادلفيا، إنه “يرى معلومات خاطئة حول كورونا في كل مكان”، مضيفاً أن بعض الناس يشعرون بالذعر ويتطلّعون إلى العلاجات السحرية، والبعض الآخر ينشر نظريات المؤامرة.
ورصد جون باتريك، الأستاذ المساعد بكلية كيك للطب بجامعة جنوب كاليفورنيا، في دراسة لتحليل البيانات على الوسائط الاجتماعية (تويتر – إنستغرام – يوتيوب – ريديت)، بعضَ الاتجاهات المثيرة للقلق مع انتشار وباء كورونا.
إذ تشير الأدلة الأولية إلى أن العديد من الأشخاص يشاركون معلوماتٍ مضللة حول كورونا عن غير قصد، لأنهم فشلوا في التوقف والتفكير في إذا ما كان ذلك المحتوى دقيقاً.
وعلى الرغم من أن هناك العديد من المصادر الموثوقة على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، ومنظمة الصحة العالمية، لكن معظم منصات وسائل التواصل الاجتماعي غير مُصَمَّمة لتحديد الأولويات حول أفضل المعلومات، ولكنها مُصَمَّمة لعرض المحتوى الذي مِن المرجح تشاركه على نطاق واسع، سواء أكان دقيقاً أم لا.
كما أن دوافع الأشخاص لتشارك المحتوى قد تكون أيضاً جزءاً من المشكلة، إذ وجدت الدراسة أن مستخدمي تويتر يَمِيلون إلى إعادة التغريد لإبداء التأييد أو إثارة الجدل أو جذب الانتباه والترفيه، فلم يَكن صِدْقُ المنشور أو دِقَّتُه دافعاً محدداً لإعادة التغريد، وهذا يعني أن الناس قد يَهتمّون أكثرَ بما إذا كانت التغريدات شائعةً أو مثيرةً، أكثر مما إذا كانت رسالتها صحيحة.
وقد تعهّدت شركات وسائل التواصل الاجتماعي بمكافحة المعلومات الخاطئة على منصاتها، ومع ذلك، فإنها تعتمد على الذكاء الاصطناعي أكثر من أيّ وقتٍ مَضَى للإشراف على المحتوى، وفي ظلّ بقاء الموظفين المختصّين بمراجعة المحتوى في المنازل، بسبب المخاوف من فيروس كورونا، لا يتوفّر لدى الشركات الدعم اللازم لمراجعة ذلك المحتوى الحسّاس بشكل آمن.
وأعلنت شركة واتساب المملوكة لفيسبوك، تخفيضَ عدد مرّات إعادة توجيه الرسائل الأكثر انتشاراً إلى جهة اتصال واحدة فقط، فإذا كانت الرسالة قد تمّ تناقلها بين خمسةِ أشخاص أو أكثر، فإنه لا يمكن إرسالُها إلى أكثر من شخص واحد في كلّ مرة، وسيتمّ اعتماد القيود الجديدة في أحدث إصدار من التطبيق لهواتف أندرويد وآيفون.
وأوضحت الشركة في بيان، أن الخطوة جاءت بعدما رَصَدَت تصاعداً كبيراً لحجم إعادة توجيه الرسائل خلال الأيام الماضية، وانطلاقاً من اعتقادها بأهمية إبطاء انتشار المعلومات المغلوطة، وحفاظاً على واتساب باعتباره منصةً للتواصل الشخصي، ولا سيما خلال أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد.
ويُعدّ تطبيق واتساب أداةَ دردشةٍ مشفرة، ما يعني أن الكثير من المحتوى يَتعذّر الوصولُ إليه حتى بالنسبة للشركة نفسها، وبالتالي لا يُمكنها اتباع نفس آليات الرقابة التي تتبعها فيسبوك وتويتر، لحذف المحتوى المضلّل.
الطريقة المثلى للتغلّب على المعلومات المضلّلة
يُمكننا اتخاذ خطوات لإبطاء انتشار المعلومات المضلّلة، من خلال تخصيص بعضِ الوقت للتفكير قبل مشاركة المعلومة، عبر معرفة مصدر المعلومة وكيفية التحقّق من مضمونها، فمن غير المحتمل أن ننقل معلوماتٍ تضع أصدقاءنا وعائلاتنا في خطر أكبر، فنحن نواجه أزمة صحية عالمية في عصر انتشار المعلومات الخاطئة بشكل غير مسبوق، ويمكن للنصيحة الصحية أن تصنع الفرق بين الحياة والموت.
ويُؤكد آندي كارفن، وهو زميل أول في وحدة أبحاث الطب الشرعي الرقمي في المجلس الأطلسي، على أهمية النظر في المصدر، باعتباره خطوة هامة في الحماية من التضليل، سواء أكان متعمداً أو غيرَ متعمّد، وذلك عبر طرح سلسلة من التساؤلات تتضمن: هل يحاول ناقلُ المعلومة استغلالَ خوفي؟ أم مساعدتي؟ أم لديه دوافع أخرى؟
ويشير كارفن إلى أنه حتى إذا كنتَ تطمئنّ إلى سلامة نوايا هذا الشخص (ناقل الرسالة)، فهل أنتَ متأكد من أن المعلومة التي نقلها، تستند إلى مصدر موثوق؟
وأخيراً.. يمكن أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي أداةً قوية لتغيير السلوك عند استخدامها بحِكمة، فعلى سبيل المثال، يَتشارك أطباءُ الخطوط الأمامية بوحدة العناية المركّزة، معلوماتٍ عن كورونا عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل جيد، حيث تُوفِّر معلوماتٍ مفيدةً حول سُبُل حمايةِ أنفسِنا وعائلاتنا من هذا الفيروس الغامض.