قراءات

قراءة في خطاب السعودية أمام مؤتمر نيويورك لحل الدولتين

 

كلمة تاريخية موجزة مركزة للمملكة العربية السعودية حملت العديد من الدلالات ورسمت مسارات التحرك خلال المرحلة المقبلة دعمًا وإسنادًا للقضية الفلسطينية، هكذا جاء الخطاب الذي ألقاه وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان نيابة عن سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، أمام المؤتمر رفيع المستوى حول تسوية قضية فلسطين وحل الدولتين المنعقد في نيويورك برئاسة المملكة وفرنسا ومشاركة عدد كبير من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، إلى جانب منظمات دولية وإقليمية، والذي مثل انعقاده تتويجًا لسلسلة من النجاحات التي حققتها السياسة الخارجية والدبلوماسية السعودية من أجل  فلسطين،  إذ استطاعت حشد المجتمع الدولي خلف “إعلان نيويورك بشأن تسوية قضية فلسطين بالوسائل السلمية وتنفيذ حل الدولتين” الذي حظي بتأييد 142 دولة من أصل 193 في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث يضع هذا الإعلان خريطة طريق واضحة لتحقيق حل الدولتين، وتجسيد الدولة الفلسطينية وتحقيق السلام والأمن للجميع في المنطقة.

  • مضامين ودلالات خطاب السعودية

يعكس الخطاب السعودي دور المملكة في قيادة الجهود الدولية لوقف الحرب على غزة وتحقيق سلام عادل وشامل للقضية الفلسطينية عبر حل الدولتين، والذي يأتي امتدادا لمواقف الرياض الثابتة تجاه فلسطين كقضية مركزية للأمتين العربية والإسلامية.

وقد أكد الخطاب على مضامين مهمة، تمثلت فيما يلي:

  • مؤتمر حل الدولتين يعد فرصة تاريخية نحو تحقيق السلام.
  • الموقف التاريخي لفرنسا والتأييد الدولي الواسع لإعلان نيويورك يعكس إرادة المجتمع الدولي في إنصاف الشعب الفلسطيني.
  • عزم السعودية على مواصلة شراكاتها مع فرنسا والدول الداعية للسلام لإنهاء حرب غزة وتجسيد إقامة الدولة الفلسطينية.
  • مسؤولية إسرائيل عن تقويض السلام بإمعانها في ممارساتها العدوانية.
  • التنديد بجرائم إسرائيل الوحشية المستمرة تجاه الفلسطينيين.

كما يمكن استخلاص مجموعة من الدلالات للخطاب السعودي تتمثل في:

  • يؤسس لمرحلة جديدة من الحراك الدبلوماسي والسياسي العالمي الداعم لفلسطين.
  • يعكس نهج المملكة الواضح في دعم تحقيق السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط.
  • يؤكد أن القضية الفلسطينية تشكل أولى أولويات السياسة الخارجية السعودية.
  • يظهر ثبات ورسوخ مواقف المملكة تجاه القضية الفلسطينية.
  • يحمّل الجانب الإسرائيلي مسؤولية تقويض جهود السلام بجرائمها وعدوانها.

 

  • الدبلوماسية السعودية النشطة والفاعلة

يمثل نجاح مؤتمر حل الدولتين ثمرة لجهود الدبلوماسية السعودية النشطة والفاعلة، فهو يعكس النفوذ والتأثير القوي الذي تتمتع به المملكة على الساحة العالمية، كما أنه في الوقت ذاته نتاج لرؤية ثاقبة لسمو ولي العهد، حفظه الله، الذي أدار باقتدار وحكمة تلك الجهود بانفتاح كبير على العالم دون الاقتصار على منطقة بعينها، بجانب نسج علاقات وطيدة مع القادة والزعماء الأجانب عززت من جهود الرياض وتحركاتها الداعمة لفلسطين.

فعلى مدار عام كامل بذلت السعودية جهودا متواصلة سريعة الوتيرة من أجل تحقيق هذا الهدف، بدأت في 27 سبتمبر 2024 مع إعلان وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، باسم الدول العربية والإسلامية وعدد من الشركاء الدوليين، إطلاق “التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين”، ثم استضافت المملكة في 30 أكتوبر الماضي الاجتماع الأول للتحالف بالتعاون مع شركائها. ثم تبلورت الجهود بشكل أكبر عبر ترؤس السعودية بالشراكة مع فرنسا الاجتماعات التحضيرية للمؤتمر الدولي الرفيع المستوى بشأن التسوية السلمية بمقر الأمم المتحدة، حيث أُنشئت مجموعات عمل متخصصة للإعداد للمؤتمر الذي عقد في مايو الماضي، وتحديد المخرجات العملية في مجالات الأمن والحدود والاقتصاد واللاجئين والدعم الإنساني.

وقد شكلت وثيقة إعلان نيويورك الصادرة في 28 يوليو الماضي إطارا متكاملا وقابلا للتنفيذ من أجل تطبيق حل الدولتين وتحقيق السلم والأمن للجميع، بما اشتملت عليه من محاور سياسية واقتصادية وإنسانية وقانونية وأمنية واستراتيجية.

فقد تضمن الإعلان الاتفاق على العمل المشترك لإنهاء الحرب في غزة والتوصل إلى تسوية عادلة وسلمية ودائمة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني بناءً على التطبيق الفعال لحل الدولتين، وبناء مستقبل أفضل للفلسطينيين والإسرائيليين وجميع شعوب المنطقة.

وأكد الإعلان أن الحرب والاحتلال والإرهاب والتهجير القسري لا يمكن أن يؤدوا إلى تحقيق السلام أو الأمن وأن الحل السياسي هو الوحيد الكفيل بتحقيق ذلك، مشددا على أن إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وتطبيق حل الدولتين، هما السبيل الوحيد لتلبية التطلعات المشروعة – وفق القانون الدولي – لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين وأفضل طريقة لإنهاء العنف بكل أشكاله وأي دور مزعزع للاستقرار من الأطراف من غير الدول، ووضع حد للإرهاب والعنف بكل الصور، وضمان أمن الشعبين وسيادة الدولتين والسلام والازدهار والتكامل الإقليمي من أجل مصلحة كل شعوب المنطقة.

ويبقى الجانب الأهم في وثيقة إعلان نيويورك ما تضمنته من تعهدات باتخاذ خطوات ملموسة محددة بإطار زمني ولا يمكن التراجع عنها من أجل التسوية السلمية لقضية فلسطين وتطبيق حل الدولتين، وتجسيد – بأسرع وقت ممكن عبر أعمال ملموسة – دولة فلسطين المستقلة الديمقراطية ذات السيادة القادرة على الاستمرار اقتصاديًا، التي تعيش جنبًا إلى جنب مع إسرائيل بما يمكن من التكامل الإقليمي والاعتراف المتبادل.

  • اعترافات غربية تاريخية بالدولة الفلسطينية

جاء إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اعتراف باريس بالدولة الفلسطينية خلال مؤتمر حل الدولتين في نيويورك غداة إعلان كل من بريطانيا وأستراليا وكندا والبرتغال ليؤكد على تحول كبير في الموقف الدولي تجاه فلسطين واتساع حجم الاعتراف بها، وهو ما يمكن النظر إليه من خلال مواقف أعضاء المنظمات والتكتلات الدولية.

فعلى صعيد الأمم المتحدة، بات هناك 154 دولة من أصل 193 دولة عضوة في الجمعية العامة للمنظمة و4 دول من أصل 5 دول دائمة العضوية في مجلس الأمن، تعترف بدولة فلسطين، التي تحظى بصفة دولة مراقب غير عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ نوفمبر 2012.

وبالنسبة للتكتلات الاقتصادية الكبرى، أصبحت 3 دول (بريطانيا وفرنسا وكندا) من أصل 7 في مجموعة السبع، و14 دولة من أصل 20 في مجموعة العشرين تعترف بفلسطين.

وعلى الصعيد الأوروبي، باتت الدولة الفلسطينية تحظى باعتراف 13 دولة من أصل 27 في الاتحاد الأوروبي (السويد وسلوفينيا وأيرلندا وإسبانيا وفرنسا والبرتغال وبلغاريا وقبرص والتشيك والمجر ورومانيا وبولندا وسلوفاكيا).

بل حتى التحالفات العسكرية، أصبحت 18 دولة من أصل 32 عضوة في حلف شمال الأطلسي “الناتو” تعترف بدولة فلسطين (إسبانيا وفرنسا وبريطانيا وكندا والبرتغال والسويد والنرويج وتركيا وألبانيا وبلغاريا والتشيك والمجر وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا وأيسلندا ومونتنيغرو).

وختامًا، يمكن القول إن كلمة سمو ولي العهد أمام مؤتمر حل الدولتين تمثل خطابا تأسيسيا لمرحلة جديدة من الحراك الدبلوماسي والسياسي الداعم لفلسطين وحق شعبها في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، كما أنه يعكس نهج المملكة الواضح في دعم تحقيق السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط.

 

زر الذهاب إلى الأعلى