تقارير

الدبلوماسية السعودية.. صوت الحكمة وسط ضجيج الحرب

في تصعيد خطير للأوضاع في الشرق الأوسط بعد 9 أيام من الهجوم الإسرائيلي على إيران والذي أعقبته ضربات متبادلة بين الجانبين، قصفت الولايات المتحدة الأمريكية 3 منشآت نووية إيرانية نطنز وأصفهان وفوردو، حيث أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تدمير تلك المنشآت بالكامل، محذرًا من هجمات “أقسى وأسهل” إذا قررت طهران الرد أو رفضت صنع السلام.

وبينما شكّلت تلك الضربات الأمريكية انخراطًا رسميًا في الحرب الإسرائيلية على إيران، تعهد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بأن طهران لن توقف برنامجها النووي تحت أي ظرف، كما أكدت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية أنه “لا تغيير في الأنشطة”، معلنة “عدم تسجيل أي تلوث إشعاعي” في المناطق المحيطة بمنشأة فوردو النووية قرب مدينة قم، إذ أفاد التلفزيون الإيراني الرسمي بأنه تم نقل اليورانيوم عالي التخصيب من منشأة فوردو إلى موقع سري وهو ما أكده أيضا مصدر إيراني لوكالة رويترز للأنباء.

وإزاء تلك التطورات التي تنذر بمآلات خطيرة، أظهرت المملكة العربية السعودية – عبر اتصالات رسمية وبيانات وزارة الخارجية- كعادتها سياسة معتدلة ودبلوماسية حكيمة تسعى إلى الحفاظ على الأمن والسلم الإقليمي والدولي، وتؤكد وجوب احترام استقلالية وسيادة الدول، بالإضافة إلى تجنب اللجوء إلى القوة في حل النزاعات وترسيخ احترام الجميع لقواعد وأحكام القانون الدولي.

  • نشاط مكثف للدبلوماسية السعودية

مع بداية التصعيد العسكري الراهن في الإقليم، أعربت السعودية في بيان لوزارة الخارجية عن “إدانتها واستنكارها الشديد للاعتداءات الإسرائيلية السافرة تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشقيقة التي تمس سيادتها وأمنها، وتمثل انتهاكًا ومخالفة صريحة للقوانين والأعراف الدولية.

كما حرصت الدبلوماسية السعودية على وضع الأمور في نصابها، بتأكيدها المسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتق المجتمع الدولي ومجلس الأمن تجاه وقف هذا العدوان بشكل فوري.

وانخرطت المملكة في اتصالات ثنائية مع مختلف الدول، شملت مباحثات هاتفية لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، مع 7 قادة دوليين؛ وهم رؤساء الولايات المتحدة وإيران وفرنسا وتركيا، ورؤساء وزراء بريطانيا وإيطاليا واليونان، وكان محور تركيزها- بحسب بيانات رسمية- التأكيد على أهمية ضبط النفس وبذل الجهود لخفض التصعيد، وحل الخلافات كافة بالوسائل الدبلوماسية، وأهمية استمرار العمل المشترك لتحقيق الأمن والسلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

كما جمعت اتصالات هاتفية- بحسب إحصاء مستند لبيانات رسمية- وزير الخارجية سمو الأمير فيصل بن فرحان مع 18 مسؤولا هم وزراء خارجية إيران ومصر والأردن والعراق والكويت وقطر وفلسطين، وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا واليونان وقبرص وسلوفينيا وإيرلندا والنرويج وكندا، بالإضافة إلى الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ومبعوث الولايات المتحدة إلى سوريا، بجانب عقد مباحثات في المملكة مع كل من نظيريه البريطاني ديفيد لامي والألماني يوهان فاديفول.

وعملت المملكة على مسار آخر متعلق بتشكيل موقف جماعي موحد انعكس في صورة بيانات رسمية بمشاركة موسعة، حيث البيان المشترك الصادر عن وزراء خارجية 20 دولة عربية وإسلامية في 16 يونيو الجاري، الذي أدان الهجمات الإسرائيلية ضد إيران وجميع الممارسات التي تمثل خرقًا للقانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.

وأكد أهمية إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، مع حث جميع دول المنطقة على الانضمام لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية دون انتقائية. وشدد البيان كذلك على رفض استهداف المنشآت النووية الخاضعة لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لما يشكله ذلك من انتهاك صارخ للقانون الدولي والإنساني وفق ميثاق جنيف لعام 1949.

وعلى نفس النهج، جاء بيان صادر عن الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية، حيث دعا إلى العودة للمفاوضات للتوصل لاتفاق حول الملف النووي الإيراني، ودعم كل الجهود المستهدفة تحقيق التهدئة.

وطالب المجتمع الدولي ومجلس الأمن تحديدا للقيام بمسؤولياته لوقف العدوان الإسرائيلي وما يشكله من خرق واضح للقانون الدولي وتهديد لأمن المنطقة.

وشدد – كما هي الحال في بيان الدول العربية والإسلامية في 16 يونيو- على ضرورة الامتناع عن استهداف المنشآت النووية الخاضعة لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مع تأكيد أهمية إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل، وضرورة انضمام كافة دول المنطقة إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

كما أسفر اجتماع وزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي في إسطنبول، عن تشكيل فريق اتصال على مستوى الوزراء لإجراء اتصالات منتظمة مع الأطراف الدولية والإقليمية لدعم جهود خفض التصعيد ووقف العدوان على إيران.

وأدانت المنظمة المكونة من 57 دولة، عدوان إسرائيل على إيران، مشددة على الحاجة الملحة لوقف الهجمات الإسرائيلية ومعربة عن قلقها الكبير إزاء هذا التصعيد الخطير، داعية المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات رادعة لوقف هذا العدوان ومحاسبة إسرائيل على الجرائم التي ارتكبتها.

  • دبلوماسية ما بعد الضربات الأمريكية

أظهر الموقف الرسمي السعودي عقب الضربات الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية تمسك المملكة بأهمية تغليب صوت الحكمة وتضافر الجهود من أجل حل سياسي يجنب المنطقة مخاطر التصعيد الراهن، وهو ما أكدته مضامين البيان على النحو التالي:

  • التعبير عن القلق البالغ إزاء استهداف المنشآت النووية الإيرانية من قبل الولايات المتحدة
  • التأكيد على إدانة واستنكار انتهاك السيادة الإيرانية
  • التشديد على ضرورة بذل كافة الجهود لضبط النفس والتهدئة وتجنب التصعيد
  • دعوة المجتمع الدولي إلى مضاعفة الجهود للوصول إلى حل سياسي لإنهاء الأزمة
  • التطلع لحل يؤدي إلى فتح صفحة جديدة لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة

كما أجرى سمو ولي العهد، حفظه الله، سلسلة اتصالات هاتفية مع قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وسلطان عُمان هيثم بن طارق وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وأمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح. وتلقى الأمير محمد بن سلمان، اتصالًا هاتفيًا، من الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد.

وخلال الاتصالات الهاتفية، بحسب وكالة الأنباء الرسمية “واس”، تم التأكيد على تضامن دول مجلس التعاون الخليجي في هذه الظروف الحساسة التي تمر بها المنطقة لبذل الجهود اللازمة لضبط النفس وتجنب التصعيد وحل جميع الخلافات بالوسائل الدبلوماسية.

كما تلقى سمو ولي العهد اتصالين هاتفيين من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني أكد خلالهما موقف المملكة الداعي لبذل الجهود كافة لضبط النفس وتجنب التصعيد وحل جميع الخلافات بالوسائل الدبلوماسية.

وختامًا، يمكن القول بأن الدبلوماسية السعودية تمثل صوت الحكمة والعقل والاعتدال في محيط إقليمي تشتعل بؤر الصراعات والحروب في شتى أنحائه، وهي تحمل على عاتقها جهد إخماد نيران تلك الحروب وإسكات البنادق والتصدي للمخططات الخبيثة التي تحاك للمنطقة، عبر رفض الحلول العسكرية، والدعوة إلى الحوار والمفاوضات، واتخاذ زمام المبادرة في هذا الشأن عبر جهود الوساطة والمساعي الحميدة، بالإضافة إلى توظيف الثقل السياسي والاقتصادي للمملكة وعلاقاتها الوثيقة بالقوى العالمية لتعزيز أهداف السياسة الخارجية والحفاظ على أمن واستقرار العالمين العربي والإسلامي.

زر الذهاب إلى الأعلى