تقارير

كيف تؤثر الحرب بين إسرائيل وإيران على السوق العالمية للطاقة؟

تسود حالة من الترقب أسواق الطاقة العالمية منذ شنت إسرائيل عشرات الغارات الجوية على مواقع عسكرية ونووية في إيران الجمعة الماضية، أعقبها ضربات إيرانية على إسرائيل ودخول الجانبين في دوامة ضربات متبادلة تهدد بإشعال الوضع في منطقة ذات أهمية استراتيجية تضخ ثلث نفط العالم.

وعلى وقع تلك الأحداث ارتفع خام برنت – المعيار المستخدم في سوق النفط الخفيف في أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط – ليسجل سعر برميل النفط 74 دولارا في مؤشر على ارتفاع المخاوف من احتمال حدوث اضطرابات في إمداد النفط.

ومن اللافت أنه في اليومين التاليين لبدء الضربات العسكرية بين إسرائيل وإيران، اتخذت الأهداف منحى جديدًا حيث ضربت طائرات بدون طيار “درونز” إسرائيلية حقل بارس الجنوبي للغاز بمحافظة بوشهر في جنوب إيران- أحد أكبر حقول الغاز الطبيعي في العالم- وأصابت الضربات منشأتين لمعالجة الغاز الطبيعي، وفقًا لوسائل الإعلام الإيرانية الرسمية. كما ضربت إسرائيل مستودعًا رئيسيًا للنفط بالقرب من طهران، بحسب صحيفة “جيروزالم بوست” الإسرائيلية.

في المقابل، ألحقت الصواريخ الإيرانية أضرارًا بمصفاة نفط رئيسية في حيفا، وفقا لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.

  • إيران في سوق الطاقة العالمية

يُقدر بنك “جولدمان ساكس” للاستثمار أن إيران تُنتج حاليًا حوالي 3.6 مليون برميل من النفط الخام يوميًا و800 ألف برميل من مُكثّفات الغاز يوميًا، بمتوسط ​​إجمالي صادرات بحرية يبلغ 2.1 مليون برميل يوميًا حتى الآن هذا العام، معظمها مُوجّه إلى الصين.

وبحسب مجلة “إيكونوميست” البريطانية، فإنه مع إمكانية استمرار الضربات المتبادلة لأسابيع ستظل هناك خسارة في إمدادات النفط الإيرانية – ربما 600 ألف برميل يوميًا – وبما أن هذه الكمية لا تمثل سوى 0.6% من المعروض العالمي، فمن المرجح أن تتراوح ارتفاعات الأسعار ما بين  5 إلى 10 دولارات للبرميل.

ولكن إذا توقف إنتاج النفط الخام الإيراني نتيجة استهداف إسرائيل لموانئ النفط سيفقد العرض العالمي 1.7 مليون برميل يوميًا وفي مثل هذه الحالة، سترتفع الأسعار بشكل خطي مع تضاؤل ​​صادرات النفط الإيرانية. وقد تصل إلى سقف أقل بقليل من 90 دولارًا للبرميل، مع توفر الإمدادات من دول منظمة “أوبك” ومناطق أخرى.

أما وارن باترسون، رئيس استراتيجية السلع في مجموعة “آي إن جي” المصرفية الهولندية، فيرى من جهته أن أي خلل في تدفقات النفط الإيرانية سيكون كافيًا للقضاء على فائض النفط المُتوقع للربع الرابع من العام الحالي 2025، مما قد يدفع أسعار خام برنت نحو 80 دولارًا للبرميل.

  • أهمية مضيق هرمز لسوق الطاقة العالمية

يقع مضيق هرمز بين سلطنة عُمان وإيران، ويربط الخليج العربي بخليج عُمان وبحر العرب. ويُعدّ أهم ممر نفطي في العالم؛ إذ يتدفق عبره 30% من النفط الخام المنقول بحرًا في العالم و20% من الغاز الطبيعي المُسال.

وبوجه عام تعد المضائق على طول الطرق البحرية العالمية واسعة الاستخدام نقاطا بالغة الأهمية لأمن الطاقة العالمي، لأن عدم قدرة ناقلات النفط على عبور مضيق رئيسي ولو بشكل مؤقت، قد تؤدي إلى تأخيرات كبيرة في الإمدادات وارتفاع تكاليف الشحن، مما ينتج عنه ارتفاع أسعار الطاقة العالمية. وعلى الرغم من إمكانية تجاوز معظم المضائق باستخدام طرق أخرى، والتي غالبًا ما تزيد بشكل كبير من وقت العبور، فإن بعض المضائق تفتقر إلى بدائل عملية.

وفي أعقاب الهجمات الإسرائيلية على إيران، أثار المسؤولون الإيرانيون احتمال إغلاق مضيق هرمز، حيث صرح إسماعيل كوثري عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، بأن طهران تدرس بجدية إغلاق المضيق.

ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية، مرّ حوالي 20 مليون برميل يوميًا من النفط الخام والمنتجات المكررة عبر مضيق هرمز في عام 2023، وهو ما يمثل ما يقرب من 30% من إجمالي تجارة النفط العالمية. وكان معظمها– حوالي 70% – متجهًا إلى آسيا، حيث تعد الصين والهند واليابان من بين أكبر المستوردين.

وحذرت الوكالة في تقرير لها من أن “أي أزمة طويلة في مضيق هرمز لن تؤدي فقط إلى تعطيل الشحنات من المنتجين الرئيسيين في الخليج العربي بل ستجعل أيضًا من غير الممكن الوصول إلى غالبية الطاقة الإنتاجية الفائضة في العالم، والتي تتركز في الخليج.

وبفرض لجوء إيران إلى إغلاق المضيق، يبقي السؤال ما التداعيات على أسعار النفط، وماذا ستكون خيارات الدول المُصدرة؟ بحسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فإن السعودية والإمارات هما الدولتان الوحيدتان اللتان تمتلكان خطوط أنابيب عاملة يمكنها تجاوز مضيق هرمز، حيث تُشغّل شركة أرامكو السعودية خط أنابيب النفط الخام “شرق-غرب” بطاقة استيعابية 5 ملايين برميل يوميًا، وقد زادت طاقته مؤقتًا إلى 7 ملايين برميل يوميًا في عام 2019 عندما حوّلت بعض خطوط أنابيب الغاز الطبيعي المُسال لاستيعاب النفط الخام.

أما الإمارات فتربط حقولها النفطية البرية بمحطة الفجيرة للتصدير على خليج عُمان بخط أنابيب بطاقة استيعابية 1.5 مليون برميل يوميًا. لكن في المقابل 85% من صادرات العراق، وجميع صادرات الكويت وعمان وقطر، ليس لها طريق آخر إلى السوق، مما يعني أن خام برنت قد يتجاوز 100 دولار للبرميل، كما يقول مايكل هايج من بنك سوسيتيه جنرال وهو نفس التقدير الذي رجحه بنك جولدمان ساكس.

ويرى المحلل وارن باترسون أن أي خلل كبير في هذه التدفقات قد يدفع الأسعار إلى الارتفاع إلى 120 دولارًا للبرميل، وخاصة لأن معظم الطاقة الإنتاجية الفائضة لمنظمة أوبك تقع في الخليج، ولن يكون من الممكن الوصول إليها في ظل هذه الظروف.

  • أسواق الغاز الطبيعي المُسال

أسواق الغاز الطبيعي المُسال أكثر عرضة للانقطاعات المحتملة، إذ يجب أن تمر جميع صادرات الغاز الطبيعي المُسال من قطر – ثاني أكبر مُصدّر للغاز الطبيعي المُسال في العالم – والإمارات عبر المضيق.

وتشير وكالة الطاقة الدولية إلى أن 90 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المُسال مر عبر المضيق في الأشهر العشرة الأولى من عام 2023، أي ما يعادل 20% من تجارة الغاز الطبيعي المُسال العالمية. في ظل عدم وجود طرق بديلة مجدية لصادرات الغاز الطبيعي المُسال من قطر أو الإمارات، فإن أي إغلاق بحري سيؤدي إلى تقليص حاد في الإمدادات العالمية.

ويُوجه حوالي 80% من هذه الكميات من الغاز الطبيعي المُسال إلى آسيا، بينما تستقبل أوروبا حوالي 20%، مما يعني أن الانقطاعات ستؤدي إلى تفاقم المنافسة بين المناطق، لا سيما في ظل سوقٍ متوترة.

  • سيناريو إغلاق المضيق

يمكن القول إن أي خطوة إيرانية لإغلاق مضيق هرمز ستجسد خيارًا يائسًا لا سيما وأن المضيق حيوي لإيران نفسها، فضلًا عن أنه من المرجح أن ترسل كل من الولايات المتحدة -التي يريد رئيسها دونالد ترامب إبقاء أسعار النفط منخفضة-، والصين -التي تعتمد على واردات النفط من الخليج- قواتهما البحرية لفتح الممر المائي الحيوي، وفقا لشبكة “يورونيوز”.

وعلى الرغم من تهديد طهران بمثل هذا الإجراء عدة مرات، لم تقدم حتى الآن على تلك المخاطرة.

وبحسب حليمة كروفت رئيسة قطاع استراتيجيات السلع الأولية لدى شركة “آر.بي.سي كابيتال ماركتس”، تشير تقييمات إلى صعوبة إغلاق الإيرانيين لمضيق هرمز، نظرًا لوجود الأسطول الأمريكي الخامس في البحرين، لكن كروفت أوضحت أنه “بإمكان طهران استهداف ناقلات النفط هناك، وزرع ألغام في المضيق” وفقا لشبكة “سي إن بي سي” الأمريكية.

وختامًا، قد يبدو الإغلاق الكامل للمضيق حدثًا غير مرجح، لكن مجرد التهديد به كافٍ لزعزعة الأسواق واستمرار ارتفاع أسعار النفط. ومع استمرار تبادل الضربات بين إسرائيل وإيران، يلوح خطر تحول صراع إقليمي إلى أزمة طاقة عالمية.

زر الذهاب إلى الأعلى