أصبحت المؤشرات الدولية في العقود الأخيرة تمثل أداة أساسية لقياس معدلات التنمية في المجتمعات وتطورها على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والتشريعية والاجتماعية، وهو ما يؤثر في قرارات حيوية يتخذها الشركاء الدوليون من حكومات ومنظمات وشركات بشأن المضي قدمًا في مشاريع أو ضخ استثمارات في أي دولة، كما أنها محدد رئيسي في صناعة الصورة الذهنية وإدارة السمعة الدولية.
وتعكس تلك المؤشرات مدى التطور وحجم الإنجاز، إذ ترصد التقارير الدورية حالة كل دولة، وتصدر تصنيفًا على مستوى العالم ليكون بمثابة دليل لصانع القرار الاستثماري، ووسيلة لتتبع نجاعة السياسات الحكومية من خلال مقارنة هذا الترتيب بالتصنيف السنوي السابق، مما يوفر فرصة لتعزيز الاتجاهات الإيجابية ومعالجة أي جوانب سلبية.
كما يعتبر التصنيف ضمن هذه المؤشرات أيضًا أحد روافد تعزيز القوة الناعمة كعنصر دعم ومساندة في تسهيل إبرام اتفاقات ومعاهدات اقتصادية أحيانًا وإنشاء تحالفات وتكتلات في أحيان أخرى، فضلا عن أنها أداة أساسية لزيادة النفوذ والحضور الفاعل القائم على استراتيجية تعزيز سمعة الدولة وصورتها الذهنية ومكانتها على المستويين الإقليمي والعالمي.
- المملكة في تقرير إيدلمان للثقة لعام 2025
وفي هذا الإطار، كشف تقرير إيدلمان للثقة لعام 2025، أن الحكومة السعودية تحظى بمعدل ثقة 87% مما يجعلها أكثر الحكومات موثوقية في العالم، وجاء في المرتبة الثانية الصين (83%) ثم الإمارات (82%) وفي المرتبة الرابعة الهند (79%) يليها سنغافورة (%77).
وجاءت هذه الصدارة للمملكة نتاج تعزيز القطاعات غير النفطية وإيجاد فرص وظيفية جديدة، وصولًا إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وتنويع مصادر الدخل.
كما أظهر تقرير هذه الشركة العالمية الرائدة في مجال الاستشارات والعلاقات العامة أن السعودية تعتبر أعلى دول العالم تفاؤلاً في المستقبل بنسبة 69% مقارنة مع دول العالم، حيث تفوقت على العديد من الدول الكبرى في هذا المؤشر ومن بينها الولايات المتحدة الأمريكية (47%)، وبريطانيا (43%)، وألمانيا (41%).
واستندت نتائج التقرير، الذي يُعد من أبرز الدراسات العالمية حول الثقة إلى استطلاع للرأي تم إجراؤه عبر الإنترنت شمل 28 دولة وشارك فيه أكثر من 33ألف شخص خلال الفترة من 25 أكتوبر إلى 16 نوفمبر 2024.
- رؤية 2030 انطلاقة متجددة
وتظهر تلك الصدارة السعودية في مؤشرات الثقة والتفاؤل في المستقبل ثمار النهضة المتجددة في المملكة، مع تواصل تنفيذ مستهدفات رؤية 2030، التي أطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، عام 2016، لتشكل خريطة طريق استراتيجية لتحقيق طموحات المملكة وتطلعاتها بالاستفادة من مكامن القوة البشرية والاقتصادية الفريدة للمملكة.
وقد مثلت الرؤية ركيزة انطلاقة لنهضة تنموية عملاقة، وتستمر مبادراتها في تحفيز اقتصاد المملكة وتنويعه، لا سيما عبر برامجها الرائدة ومستهدفاتها الطموحة ومشروعاتها العملاقة التي غطت كافة المجالات، حيث أدت إلى تنويع هيكل الاقتصاد السعودي، وتهيئة المناخ لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، والتوجه نحو الطاقة الخضراء والحفاظ على الاستدامة البيئية، وتطوير الصناعات عالية التقنية والصناعات العسكرية والدفاعية، وتحقيق نقلة نوعية في قطاعي السياحة والترفيه، بجانب تمكين المرأة والشباب.
كما تمكنت المملكة من أن تسطر بدعم قيادتها الرشيدة، حفظها الله، إنجازات على كافة مسارات الرؤية، وهو ما يؤكده التصاعد المستمر لها في المؤشرات الدولية، فعلى سبيل المثال رفعت وكالة موديز تصنيف السعودية الائتماني من “A1” إلى “Aa3″، وذلك على خلفية تواصل جهود تنويع الاقتصاد، وترجيح استمرار الزخم الذي سيؤدي مع مرور الوقت لتقليل تعرض السعودية لمخاطر تقلبات سوق النفط والتحول إلى الطاقة منخفضة الكربون.
وبذلت المملكة أيضًا جهدًا كبيرًا لتعزيز بيئة الاستثمار من خلال التشريعات والأنظمة واللوائح التي تسهل على المستثمرين، والمشروعات العملاقة التي تفتح آفاقًا واسعة للعمل مثل مشروع نيوم، و”ذا لاين”.
وتصدرت السعودية كذلك قائمة دول مجموعة العشرين في مؤشرات نسبة نمو عدد السياح الدوليين ونسبة نمو إيرادات السياحة الدولية، وهو ما يمثل ثمرة خطوات مهمة اتخذتها الحكومة الرشيدة لجذب السائحين إلى المملكة من بينها التأشيرة السياحة التي تم الإعلان عنها عام 2018، وفتح المجال أمام أنماط سياحية جديدة تجمع بين الثقافة والمغامرات والسياحة البحرية بالإضافة إلى استضافة الأحداث الرياضية المهمة التي تحظى بجمهور غفير حول العالم، فضلًا عن الدور الذي لعبته مواسم السعودية وفي مقدمتها موسم الرياض، كواحدة من أبرز الخطوات الهادفة لجعل السعودية واحدة من أهم الوجهات السياحية والترفيهية في العالم، عبر ما اشتملت عليه من فعاليات فنية ورياضية وثقافية، وأحدث التقنيات التكنولوجية في مجال الترفيه والألعاب.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن تربع المملكة العربية السعودية على عرش الثقة الدولية يعد بمثابة تتويج لجهود الحكومة الرشيدة وما أحرزته من تقدم ملموس في مسيرة النهضة الشاملة منذ عام2016، وهي مسيرة زاخرة بالإنجازات التي انطلقت من قناعة راسخة بأن المواطن السعودي أهم عوامل النجاح للمملكة، وهو هدف التنمية وصانعها، كما تظهر تلك الثقة الترابط الوثيق بين الشعب السعودي وقيادته الرشيدة، حفظها الله.