تقارير

ماذا تحمل ولاية ترامب الرئاسية الثانية للعالم؟

 

شهد الملايين من مختلف أنحاء العالم مراسم تاريخية لتنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لولاية ثانية حيث أدى اليمين الدستورية داخل القاعة المستديرة بمبنى الكابيتول (الكونجرس)، بعد أن دفع الطقس البارد المنظمين إلى نقل حفل التنصيب إلى الداخل لأول مرة منذ 40 عاما.

وشارك حوالي 25 ألف فرد من جهات إنفاذ القانون في مهمة تأمين الحفل الذي بختامه أصبح الملياردير الجمهوري صاحب الـ78عامًا الرئيس الأكبر سنا في تاريخ الولايات المتحدة الذي يدخل البيت الأبيض.

وجاء تنصيب ترامب وسط حالة ترقب عالمية لما ستحمله الولاية الرئاسية الممتدة لأربع سنوات من تداعيات على السياسة الاقتصادية والخارجية للولايات المتحدة وارتدادات ذلك على النظام الدولي وبؤر الصراع المختلفة في العالم، وكذلك في ظل نزعة توسعية عبر عنها بعدم استبعاده  التحرّك عسكريا لضم قناة بنما وجزيرة غرينلاند وتغيير اسم خليج المكسيك، واستخدام “القوة الاقتصادية” ضد أوتاوا لضم كندا إلى الولايات المتحدة.

  • رؤية الأمريكيين لترامب

وعد الرئيس الأمريكي بالتصرف بسرعة وبقوة غير مسبوقتين لإنهاء ما وصفه بـ”غزو” المهاجرين غير الشرعيين وإصدار نحو 100 مرسوم رئاسي خلال اليوم الأول من ولايته، حيث قدم لمحة في خطاب ما بعد التنصيب عن تلك القرارات ومن أبرزها:

  • إعلان الطوارئ على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة
  • تصنيف العصابات كمنظمات إرهابية أجنبية
  • فرض حالة الطوارئ في مجال الطاقة
  • فرض تعريفات جمركية وضرائب على منتجات الدول الأجنبية
  • تغيير اسم خليج المكسيك ليصبح خليج أمريكا
  • السيطرة على قناة بنما
  • استئناف عمليات التنقيب عن الوقود الأحفوري
  • إرسال مهمات لاستكشاف المريخ والفضاء
  • الانسحاب من اتفاق باريس للمناخ لعام 2015

وقبل تنصيب ترامب، وجد استطلاع رأي جديد أجرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية بالتعاون مع مؤسسة إبسوس لاستطلاعات الرأي، أن الولايات المتحدة منقسمة بشدة، حيث تنقسم الآراء العامة حول مشاعر الأمريكيين إزاء ولاية ترامب الثانية فنصفهم إما قلقون (37 %) أو متشائمون ولكنهم غير قلقين (14%)، بينما يقول حوالي نصف الأمريكيين أيضًا إنهم متحمسون (21%) أو متفائلون ولكنهم غير متحمسين (26%).

أما عن مرشحي ترامب للحقائب الوزارية، وافق 30% على الأشخاص الذين رشحهم ترامب ليكونوا جزءًا من حكومته، بينما 39% لا يوافقون و30% ليس لديهم معلومات كافية لتكوين رأي في المسألة.

وينقسم الأمريكيون بشأن دعمهم لزيادة التعريفات الجمركية على دول مثل الصين والمكسيك، حيث يؤيد 46% التعريفات الجمركية ويعارضها 50%. كما يعارض 73% من الأمريكيين استخدام ترامب لسلطته لمقاضاة خصومه السياسيين، حتى مع اعتقاد معظم الأمريكيين أنه من المرجح أن يفعل ذلك.

وكان من اللافت إقدام الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل دقائق من انتهاء ولايته باستخدام استثنائي للسلطة الرئاسية في إصدار عفو استباقي عن أشخاص متوقع أن يستهدفهم ترامب بالانتقام، من بينهم عدد من أفراد عائلته كأشقائه جيمس وفرانسيس وفاليري بايدن ونجله هانتر بايدن، بجانب  الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي، وكبير المستشارين الطبيين السابق للبيت الأبيض أنتوني فاوتشي، وأعضاء لجنة مجلس النواب التي قامت بالتحقيق في هجوم السادس من يناير على مبنى الكابيتول، في خطوة سارع ترامب للتنديد بها واعتبرها أمرا مخزيا.

  • أوروبا وحرب أوكرانيا

من المرجح أن تزيد عودة ترامب للبيت الأبيض من حالة عدم اليقين القائمة على الجبهتين الداخلية والخارجية، حيث ستعود شعارات “أمريكا أولاً” و”جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” إلى الواجهة، ويبدأ ترامب ولايته الثانية على وقع الحرب المستمرة في أوكرانيا.

ومن المرجح أن يدفع ترامب وفريقه من أجل إنهاء الحرب في أوكرانيا، لكن وعده بأنه يستطيع إنهاء الصراع خلال 24 ساعة بات أقل إلزاما، إذ يقول الجنرال كيث كيلوج، مبعوثه إلى أوكرانيا وروسيا، إنه يأمل في تأمين صفقة في غضون المائة يوم الأولى من رئاسة ترامب.

وفي الوقت ذاته أبدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل ساعات من تنصيب ترامب انفتاحا على الحوار مع الإدارة الأمريكية الجديدة بشأن أوكرانيا لتحقيق “سلام دائم” يقوم على احترام المصالح المشروعة للجميع.

ويحمل تنصيب دونالد ترامب إعادة صياغة للعلاقات مع أوروبا في مجالات السياسة والتجارة والأمن، فقد سمع الأوروبيون ترامب يتحدث عن خفض الدعم لأوكرانيا، وفرض التعريفات الجمركية، وإجبار أعضاء حلف شمال الأطلسي “الناتو” على زيادة الإنفاق الدفاعي بشكل كبير. والسؤال، كما هو الحال دائما، هو ما إذا كانت أفعاله ستتوافق مع خطابه.

ومن المتوقع أن يكون هناك الكثيرون في جميع أنحاء أوروبا الذين يدفعون دولهم إلى إنفاق المزيد على الدفاع والاعتماد بشكل أقل على واشنطن. وستواصل الدنمارك الدفع بقوة ضد نية ترامب لشراء أو الاستيلاء على غرينلاند. وسيتوقع الدنماركيون، وسيحصلون بالتأكيد، على دعم كامل من الاتحاد الأوروبي وحلف “الناتو”.

وبينما من المرجح أن يفرض ترامب المزيد من التعريفات الجمركية على بعض البلدان، وأبرزها الصين، يبقى السؤال هل سيفعل الشيء نفسه مع أوروبا، أم سيقرر أنه من الأفضل تجنيب الحلفاء ذلك، من المؤكد أن أوروبا – التي تكافح مع ضعف النمو في أكبر اقتصاداتها – سترغب بشدة في تجنب التعريفات الجمركية المتبادلة، بحسب شبكة “سكاي نيوز” البريطانية.

  • الوضع في الشرق الأوسط: غزة وإيران

أما عن الشرق الأوسط، فافتراض أن رئاسة ترامب ستجلب السلام إلى المنطقة يعد مقامرة عالية المخاطر، خاصة مع العلاقة الوثيقة بين ترامب وإسرائيل، فمن غير المرجح أن يؤدي هذا إلى تحسين الظروف للفلسطينيين أو خلق مسار ذي مغزى نحو دولة فلسطينية، وهو ما بدت ملامحه في تقرير لشبكة “إن بي سي” الأمريكية يشير إلى أن إدارة ترامب تدرس نقل جزء من سكان غزة لخارج القطاع خلال عملية إعادة الإعمار، مشيرة إلى أن الإدارة تقترح إندونيسيا من بين الدول المستضيفة مؤقتا لسكان غزة.

ومن المرجح أن يركز ترامب على توسيع اتفاقيات إبراهيم للسلام التي تم توقيعها في ولايته الأولى بين إسرائيل وعدد من الدول العربية.

وفيما يتعلق بإيران، فإن التطورات التي شهدتها طهران في الأشهر الأخيرة قد تدفع ترامب إلى التفاوض معها بشأن مصير برنامجها النووي ودورها في الشرق الأوسط أو إلى أول صراع عسكري في ولايته الجديدة، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.

فلم تكن إيران أضعف مما هي عليه الآن، بعدما فقدت أذرعا مهمة لنفوذها الإقليمي، حيث حزب الله اللبناني، وسقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، كما أدت الضربة الصاروخية الإسرائيلية في 26 أكتوبر الماضي إلى تدمير الدفاعات الجوية لطهران، والدفاعات حول مواقعها النووية، إلى جانب المرافق المستخدمة في صنع وقود الصواريخ. لذا فليس من المستغرب أن يتحدث الرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان عن إبرام صفقة جديدة مع الولايات المتحدة والغرب.

وفي الفترة التي سبقت التنصيب، تحدث ترامب عن إحياء حملته “للضغط الأقصى”، وعندما سئل عن الضربات العسكرية المحتملة، أجاب بـ “أي شيء يمكن أن يحدث”. ويبدو الأمر أشبه كثيرا بالدليل الذي استخدمه في التعامل مع كوريا الشمالية في عام 2017، حيث وصف الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون بـ “رجل الصواريخ الصغير” قبل أن يجتمع به ثلاث مرات وتبادلا رسائل ودية. ومن ثم يتعين على ترامب أن يختار إما منع حليفه الوثيق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من توجيه ضربة عسكرية للبرنامج النووي الإيراني، أو المخاطرة بجر الولايات المتحدة إلى صراع جديد، في وقت مبكر من رئاسته، بحسب مجلس الشرق الأوسط للشؤون العالمية.

  • تهديد كندا

يأتي عدم الاستقرار السياسي في أوتاوا في الوقت الذي تواجه فيه كندا عددًا من التحديات – ليس أقلها تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على السلع الكندية. حتى وقت قريب، بدا جاستن ترودو عازمًا على التمسك بمنصب رئيس الوزراء، مشيرًا إلى رغبته في مواجهة بيير بواليفير – نقيضه الأيديولوجي – في استطلاعات الرأي. لكن الاستقالة المفاجئة لنائبة ترودو الرئيسية، وزيرة المالية السابقة كريستيا فريلاند، في منتصف الشهر الماضي – عندما استشهدت بفشله الملحوظ في عدم أخذ تهديدات ترامب بضم كندا للولايات المتحدة على محمل الجد – أثبتت أنها القشة الأخيرة. بدأ أعضاء حزب ترودو نفسه في التوضيح علنًا أنهم لم يعودوا يدعمون زعامته. وبهذا، سقطت آخر قطعة دومينو، بإعلان ترودو استقالته من منصبه في وقت سابق من هذا الشهر.

  • حرب تجارية مرتقبة على الصين

أعلنت الصين انتعاش اقتصادها في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي، مما سمح للحكومة بتحقيق هدف النمو البالغ 5% في عام 2024 لكن هذا أحد أبطأ معدلات النمو منذ عقود حيث يكافح ثاني أكبر اقتصاد في العالم للتخلص من أزمة العقارات والديون الحكومية المحلية المرتفعة والبطالة بين الشباب، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.

وقال البنك الدولي إن انخفاض تكاليف الاقتراض وارتفاع الصادرات يعني أن الصين يمكن أن تحقق نموًا سنويًا بنسبة 4.9% ولكن المستثمرين في حالة ترقب إذ يلوح في الأفق تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية على سلع صينية بقيمة 500 مليار دولار. كما سيخوض ترامب مفاوضات من أجل حل أزمة حظر تيك توك في الولايات المتحدة، عبر صفقة تجعل الولايات المتحدة تمتلك 50 % من التطبيق.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن ولاية ترامب الثانية ستختلف بكل تأكيد عن الأولى، ففي تلك المرة يتولى مهام منصبه مع خبرة تراكمت على مدى 4 سنوات قضاها في البيت الأبيض، لكن تبقى مسألة صعوبة -إن لم تكن استحالة- توقع قرارات وسياسات الرئيس الأمريكي السابع والأربعين هي القاسم المشترك بين الولايتين.

زر الذهاب إلى الأعلى