دخل وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان حيز التنفيذ لينهي حربًا امتدت على مدى أكثر من عام وتحديدًا مع بدء حزب الله اللبناني شن هجمات صاروخية على إسرائيل بعد إطلاقها عدوانًا واسعًا على قطاع غزة عقب عملية طوفان الأقصى التي نفذتها فصائل الفلسطينية ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر عام 2023.
وكانت ضربات “حزب الله” في إطار ما يسمى بـ”جبهة إسناد” لفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة وضمن استراتيجيات عرفت إعلاميًا بـ”وحدة الساحات” في إشارة إلى الضربات التي تنطلق من العراق واليمن ولبنان على أهداف حيوية في إسرائيل.
وأسفرت الحرب بين إسرائيل ولبنان عن مقتل ما يقرب من 4 آلاف من قيادات ومقاتلي “حزب الله” والمدنيين اللبنانيين وأكثر من 100 جندي ومستوطن إسرائيلي، ونزوح 1.2 مليون لبناني من قرى وبلدات جنوب لبنان، وحوالي 60 ألف مستوطن من شمال إسرائيل.
وفي هذا الإطار، نشر المجلس الأطلسي (مركز بحثي مقره واشنطن) تقريرًا تحت عنوان “هل انتهت الحرب بين إسرائيل وحزب الله فعليًا؟” يستطلع فيه آراء خبراء حول وقف إطلاق النار في لبنان، نستعرض أبرز ما جاء فيه على النحو التالي:
- خيارات صعبة أمام “حزب الله”
يشير التقرير إلى أنه رغم دخول وقف إطلاق النار الذي طال انتظاره حيز التنفيذ لكنه يظل هشًا بطبيعته، حيث يوجد قدر كبير من التشكك داخل لبنان في قدرة الاتفاق على الصمود، فبعد ساعات من سريان وقف إطلاق النار، أطلق جنود إسرائيليون طلقات تحذيرية على مركبة بدعوى أنها كانت تحمل “مشتبهًا بهم” في منطقة محظورة، علمًا بأنه لا يفترض أن تكون هناك “مناطق محظورة” بموجب الاتفاق.
كما أن عودة عشرات الآلاف من النازحين اللبنانيين الذين فروا من قراهم وبلداتهم في جنوب لبنان إلى ديارهم في ظل استمرار وجود قوات إسرائيلية منتشرة في بعض المناطق الجنوبية، يجعل من المحتمل وقوع صدام في الأيام المقبلة.
وتجدر الإشارة إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار ينص على وقف الأعمال العدائية لمدة 60 يومًا، وخلال هذه الفترة من المفترض أن يسحب “حزب الله” قواته إلى شمال نهر الليطاني، وهذا يعني أن الحزب سيتخلى عما تبقى من بنيته التحتية العسكرية ومواقعه. وتخطط القوات المسلحة اللبنانية لنشر خمسة آلاف جندي في البداية في منطقة الحدود الجنوبية مع انسحاب الجيش الإسرائيلي.
ونظرًا لحجم الأضرار التي لحقت بالقرى والبلدات الحدودية فضلاً عن الضاحية الجنوبية لبيروت، فمن المرجح أن تركز أولوية “حزب الله” على احتياجات الرعاية الاجتماعية لقاعدته الشعبية بدلًا من إعادة بناء قدراته العسكرية على الفور. وكان الحزب قد فقد على مدار عام من الحرب الكثير من الردع الذي ساعد في الحفاظ على الهدوء على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية منذ حرب تموز عام 2006 وحتى اندلاع المواجهات مع إسرائيل عبر الحدود في أكتوبر 2023.
وفي المستقبل، ربما لن تتردد إسرائيل في مهاجمة “حزب الله” إذا اعتقدت أنه يعمل ضد اتفاق وقف إطلاق النار، لذلك سيكون الحزب أمام خيارين إما الرد على مثل هذه الإجراءات أو امتصاص أي ضربات توجهها تل أبيب حتى لا يحيي حربًا أثبتت أنها كبدته خسائر جسيمة.
- خسارة لإيران و”حزب الله” وحركة حماس
إن قيام الجيش اللبناني بتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار وعدم السماح لحزب الله بالوجود في الجنوب -وبالتالي الهيمنة على المشهد الأمني هناك- من شأنه أن يضعف الحزب أكثر ويعزز موقف معارضيه في الحكومة اللبنانية. وبنفس القدر من الأهمية، يكسر الاتفاق الرابط الحركي بين حزب الله وحركة حماس الفلسطينية- حيث التزم الحزب في السابق بمواصلة مهاجمة إسرائيل حتى يتم التوصل إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة -، فضلًا عن أنه يقوض نفوذ إيران في المنطقة.
وبالإمكان النظر إلى ترحيب إيران بوقف إطلاق النار، في إطار مخاوفها من أن يؤدي دفع “حزب الله” والحكومة اللبنانية لمعارضته إلى المخاطرة باستمرار الضربات الإسرائيلية التي قد تؤدي إلى تدمير الحزب، الذي يعد أهم أوراق طهران لممارسة النفوذ في المنطقة، ولكن في الوقت ذاته فإن إيران برضوخها للاتفاق تخاطر بعدم القدرة على إعادة بناء قدرات “حزب الله” بنفس السهولة التي فعلتها بعد حرب عام 2006، وبالتالي سيؤدي ذلك لتقويض هيكل الردع الإقليمي الخاص بها.
ومن جهة أخرى، تعزز الضمانات الجديدة في اتفاق وقف إطلاق النار من فاعلية قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الصادر في عام 2006، فرغم تنفيذه في السابق بشكل غير كامل فإنه جلب أكثر من 16 عامًا من السلام والاستقرار النسبي بين لبنان وإسرائيل.
- تداعيات على الداخل اللبناني
لقد تعرض حزب الله لضربات قوية خلال عام من الحرب أدت للقضاء على أغلب قيادات الصف الأول وفي مقدمتهم الأمين العام للحزب حسن نصر الله، لكن الحزب لم يُفكك، ولا يزال من أكثر الجهات الفاعلة في لبنان عسكريًا وسياسيًا. ويمكن القول بأن كلا من إسرائيل و”حزب الله” أرادا هذا الاتفاق في ضوء إدراكهما بأن الفشل في التوصل إليه خلال الفترة المتبقية من ولاية الرئيس الأمريكي جو بايدن قد يطيل أمد الحرب بشكل كبير، وهو ما لا يصب في مصلحة أي منهما، لكن مستقبل الاتفاق سوف يتحدد بناءً على إلى أي مدى إسرائيل مستعدة لمنع إيران من إعادة بناء قدرات” حزب الله” لا سيما وأنها خطوة تبدو ضرورية لطهران في ضوء الضرر الدراماتيكي الذي لحق بقدرتها على الردع بسبب ضعف الحزب.
وبالنسبة للبنان، فإن ضعف “حزب الله” يفتح المجال أمام تعزيز دور القوى المعتدلة في السياسة اللبنانية، وسيكون الاختبار الأول لهذا الاحتمال هو انتخاب رئيس جديد للبلاد التي تعاني من شغور المنصب منذ أكثر من 3 أعوام.
ومما لا شك فيه فإن الضعف العسكري والسياسي لحزب الله يفتح الباب أمام تغييرات كبيرة أيضًا أبرزها تعزيز دور الجيش اللبناني.
وختامًا، يمكن القول بأن نجاح اتفاق وقف إطلاق النار الحالي يعتمد على متغيرين يتعلقان بأطراف غير لبنانية، فالأول ذو صلة بإيران التي قد تجد فيه فرصة لتقليل عزلتها وفتح قنوات حوار مع إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، وبالتالي فلديها دافع للمساعدة في ضمان التزام حزب الله بالاتفاق، أما عن المتغير الثاني فيتعلق بإسرائيل ومدى التزامها بتطبيق بنود الاتفاق والانسحاب من الأراضي اللبنانية.