في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر من العام الماضي، واتساع نطاق العدوان إلى لبنان والضربات العسكرية المتبادلة بين إسرائيل وإيران التي تضع الإقليم على شفا حرب إقليمية، استضافت العاصمة السعودية الرياض أعمال القمة العربية والإسلامية غير العادية بمشاركة 50 دولة عربية وإسلامية، والتي شكلت فرصة مهمة لحشد جهود الدول العربية والإسلامية من أجل زيادة الضغط الدولي على الاحتلال لوقف العدوان.
جاء انعقاد تلك القمة بمبادرة من المملكة انطلاقًا من الدور القيادي الذي تضطلع به لمواجهة تلك التطورات الخطيرة على الساحة الإقليمية، ومن واقع رئاستها للجنة الاتصال الوزارية العربية الإسلامية التي انبثقت عن القمة العربية الإسلامية المشتركة الأولى، التي عُقدت بالرياض في 11 نوفمبر 2023 بناء على توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، حفظه الله، واستكمالاً للجهود المبذولة من صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، وبالتنسيق مع قادة الدول العربية والإسلامية.
- السياق المحيط بانعقاد القمة
انطلقت أعمال تلك القمة بعد أيام قليلة من الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي أجريت في 5 نوفمبر الحالي، وأسفرت عن فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتعهده بوقف الحرب على غزة وصنع السلام في منطقة الشرق الأوسط، حيث يسود الأوساط السياسية الإقليمية والعالمية ترقب لتنصيب ترامب في 20 يناير المقبل، والمقاربة المنتظرة التي سيتعامل بها مع الوضع في الشرق الأوسط الذي ازداد تعقيدًا عما كان عليه خلال ولايته الرئاسية الأولى (2016-2020)، فأمام الرئيس الأمريكي تحديات في مقدمتها التوصل إلى وقف إطلاق النار وتثبيته، والمسار المتعلق باليوم التالي في غزة بما يشمله من مسؤولية الحكم في القطاع وملف إعادة الإعمار، وبالتالي فإعلان موقف عربي إسلامي موحد حاليًا مسألة شديدة الأهمية للتأثير في خطط الإدارة الأمريكية المقبلة.
كما تواكب قمة الرياض تطورات على صعيد توسع نطاق العدوان الإسرائيلي على غزة إلى لبنان، حيث الضربات الإسرائيلية العنيفة على العاصمة بيروت وجنوب وشرق لبنان، إذ امتدت الاعتداءات الإسرائيلية لتشمل قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان “اليونيفيل”. بالإضافة إلى الهجوم الإسرائيلي الشرس على وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، بعدما أقر الكنيست الإسرائيلي قانونًا لقطع العلاقات مع “الأونروا” وتصنيفها كمنظمة إرهابية. وتجريد موظفيها من حصاناتهم القانونية.
وتأتي القمة أيضًا في ظل جمود المسار التفاوضي بشأن وقف العدوان على غزة، وتعثر المسار في حالة لبنان، إذا أعلنت قطر تعليق جهودها في الوساطة بين حركة حماس الفلسطينية وإسرائيل، مؤكدة أنها ستستأنف الجهود مع الشركاء (مصر والولايات المتحدة) عند توافر الجدية اللازمة لإنهاء الحرب الوحشية ومعاناة المدنيين المستمرة جراء الأوضاع الإنسانية الكارثية بالقطاع. كما فشلت الجهود الدبلوماسية والجولات المكثفة التي أجراها مسؤولون أمريكيون في تحقيق اختراق على صعيد وقف الحرب على الجبهة اللبنانية.
وجاءت قمة الرياض في إطار نشاط مكثف للدبلوماسية السعودية بشأن القضية الفلسطينية اكتسب زخمًا وتأييدًا دوليًا، منذ أعلن وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال اجتماعاتها السنوية في سبتمبر الماضي، إطلاق “التحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين”، في خطوة مهمة لإحياء إطار حل الدولتين المتعثر منذ أكثر من 3 عقود. وقد احتضنت الرياض قبل نحو 10 أيام أول اجتماعات هذا التحالف الذي يضم 149 دولة حول العالم تعترف بفلسطين.
- مضامين كلمة سمو ولي العهد أمام القمة
نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله -، رأس الأمير محمد بن سلمان – أيده الله -، وافتتح أعمال القمة العربية والإسلامية غير العادية بالرياض. وقد ألقى سموه في افتتاح أعمال القمة كلمة تضمنت ما يلي:
- تجديد الإدانة والرفض القاطع للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني.
- تأكيد أن استمرار إسرائيل في جرائمها بحق الأبرياء والإمعان في انتهاك قدسية المسجد الأقصى المبارك، والانتقاص من الدور المحوري للسلطة الوطنية الفلسطينية على كل الأراضي الفلسطينية من شأنه تقويض الجهود الهادفة لحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وإحلال السلام في المنطقة.
- شجب منع وكالة (الأونروا) من الأعمال الإغاثية في الأراضي الفلسطينية، وإعاقة عمل المنظمات الإنسانية من تقديم المساعدات الإغاثية.
- الإدانة العميقة للعمليات العسكرية الإسرائيلية التي استهدفت الأراضي اللبنانية، ورفض تهديد أمن لبنان واستقراره وانتهاك سلامته الإقليمية وتهجير مواطنيه.
- تأكيد الوقوف إلى جانب الأشقاء في فلسطين ولبنان لتجاوز التبعات الإنسانية الكارثية للعدوان الإسرائيلي.
- دعوة المجتمع الدولي للنهوض بمسؤولياته لحفظ الأمن والسلم الدوليين بالوقف الفوري للاعتداءات الإسرائيلية.
- مواصلة الجهود المشتركة لإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
- ضرورة المحافظة على سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها.
- إلزام إسرائيل باحترام سيادة إيران وعدم الاعتداء على أراضيها.
وعلى هذا النحو تضمنت كلمة سمو الأمير محمد بن سلمان، مجموعة متنوعة من الرسائل خاطبت كلاً من الدول العربية والإسلامية، والمجتمع الدولي، والشعبين الفلسطيني واللبناني، وحرص من خلالها على وضع توصيف دقيق للواقع، ورسم مسارات واضحة للتحرك الفاعل والمؤثر في المشهد الراهن.
ويمكن قراءة أبرز ما جاء في الكلمة على النحو التالي:
- تأكيد ارتكاب إسرائيل لإبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني، عبر استهدافها المدنيين العزل الأبرياء، وقد حرص سموه – حفظه الله- على الإشارة لحصيلة الضحايا التي بلغت أكثر من 150 ألفًا من الشهداء والمصابين والمفقودين معظمهم من النساء والأطفال.
- تحميل إسرائيل وسياساتها العسكرية المسؤولية عن عدم الاستقرار في المنطقة، عبر التشديد على رفض انتهاكها لأمن لبنان واعتدائها على سيادة إيران.
- وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته للجم العدوان ووقف المجازر التي ترتكبها إسرائيل، فكلمة سمو ولي العهد تؤسس لخطة عمل سياسية ودبلوماسية للمرحلة المقبلة.
- توجيه رسالة دعم للشعبين الفلسطيني واللبناني بالتأكيد على وقوف المملكة معهم لتجاوز التداعيات الكارثية للعدوان.
- التشديد على الدور المحوري للسلطة الوطنية الفلسطينية على كل الأراضي الفلسطينية، وهي إشارة مهمة بشأن مستقبل قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب والتي تعرف بسيناريو “اليوم التالي”.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن قمة الرياض خطوة مهمة لرسم مسارات واضحة لتحرك عربي وإسلامي منسق عبر تأكيد الالتزام بدعم السلطة الفلسطينية سياسياً ومالياً، وحشد كل الجهود لتسريع الاعتراف بدولة فلسطين، وملاحقة إسرائيل ومعاقبتها على جرائمها وتجميد عضويتها بالأمم المتحدة، فضلًا عن دعم الجيش اللبناني كضامن لاستقرار البلاد وتأكيدها على أهمية الإسراع بانتخاب رئيس للبنان.