استعراض دراسات

تحليل محتوى قناة وزارة الثقافة السعودية في منصة اليوتيوب

أتاحت وسائل الإعلام الرقمية والتكنولوجيا الحديثة فرصًا فريدة للمؤسسات الثقافية لعرض محتواها للجمهور وترسيخ القيم الثقافية والترويج للثقافات المحلية، ويعتبر موقع يوتيوب من أبرز منصات الإعلام الرقمي، ويعد نموذجًا متميزًا لكيفية استفادة هذه المؤسسات من التكنولوجيا الحديثة لتقديم محتواها بأسلوب تفاعلي وجذاب، كما يوفر اليوتيوب بسهولة الوصول إليه على نطاق عالمي، الفرصة للمؤسسات الثقافية لعرض محتوى متنوع يغطي الفنون والتراث والثقافة بطرق مبتكرة.

وتستخدم وزارة الثقافة السعودية منصة اليوتيوب بكفاءة لتعزيز الوعي الثقافي والتراثي لدى الجمهور، حيث تقوم من خلال قناتها الرسمية على اليوتيوب بتقديم محتوى متنوع يسلط الضوء على مختلف جوانب الثقافة والتراث السعودي، وتسعى من خلال ذلك إلى تأسيس قنوات تواصل مع الجماهير العالمية والمحلية على حد سواء.

وفي هذا الإطار، نشرت مجلة اتحاد الجامعات العربية لبحوث الإعلام وتكنولوجيا الاتصال في عددها الصادر في يونيو 2024، دراسة بعنوان “تحليل محتوى قناة وزارة الثقافة السعودية في منصة اليوتيوب (دراسة تحليلية سيميولوجية)” من إعداد الدكتور عيسى المستنير، أستاذ الصحافة والإعلام الرقمي المساعد قسم الإعلام والاتصال كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة الملك خالد، والتي نستعرضها على النحو التالي.

  • نتائج الدراسة

توصلت الدراسة إلى نتائج تعكس استراتيجيات وزارة الثقافة السعودية في استخدام منصة اليوتيوب لتعزيز الثقافة والتراث السعوديين فمن خلال تحليل المحتوى السيميولوجي لفيديوهات الوزارة، تم تحديد العديد من الأنماط والموضوعات التي تشكل جزءا من الرسائل الثقافية التي تنقلها الوزارة.

وقد أظهرت نتائج الدراسة أن الوزارة تستخدم بشكل مكثف اللغتين العربية والإنجليزية، وهذا الاختيار اللغوي يعكس استراتيجية مزدوجة، إذ يعتبر تعزيزًا للهوية الثقافية السعودية وفي الوقت نفسه يفتح قنوات اتصال مع جمهور أوسع عالميًا.

كما وجدت الدراسة جهودًا واضحة في تمثيل الجنسين بشكل متوازن والتركيز على التنوع اللغوي، مما يؤكد على أهمية الشمولية والتنوع في تعزيز الثقافة الإنسانية وتقديم صورة أكثر تكاملًا عن المجتمعات.

وأوضحت الدراسة أن استخدام الموسيقى والعناصر البصرية في الفيديوهات لعب دورًا حاسمًا في تعزيز الرسائل الثقافية والتراثية، وهو ما يظهر تأثير الصوت والصورة في تعزيز الانغماس العاطفي والثقافي للجمهور. كما تبين أن المواضيع الرئيسية التي تتناولها فيديوهات الوزارة تُسهم بشكل فعال في تمثيل وتعزيز الهوية الثقافية السعودية.

ووجدت الدراسة أيضًا أن الرموز الثقافية والموضوعات الرئيسية المستخدمة في الفيديوهات لا تقتصر فقط على تعزيز الهوية الثقافية، بل تعمل كذلك على إنشاء روابط قوية بين الماضي والحاضر وبذلك يتضح أن استخدام العناصر التراثية مثل الفنون الشعبية والحرف التقليدية يعمق الفهم والتقدير للتراث الوطني مما يعزز الشعور بالانتماء والفخر الوطني.

كما أظهرت نتائج الدراسة كيفية استخدام وزارة الثقافة السعودية استراتيجيات إعلامية متطورة للتأثير عبر الحدود، مستفيدة من الانتشار الواسع لمنصة اليوتيوب، وبالتالي تمكن هذه الاستراتيجية الوزارة من التواصل ليس فقط مع الجمهور المحلي بل أيضًا الدولي ، مما يعزز من مكانة السعودية كمركز ثقافي عالمي.

وخلصت نتائج الدراسة إلى أن الفيديوهات تعكس التنوع الثقافي واللغوي للمملكة، مما يعزز من فهم وتقدير الثقافات الفرعية ضمن النسيج الاجتماعي السعودي.

كما تمكنت الوزارة من تقديم التراث بطرق جذابة ومبتكرة، وبذلك يعزز الاستخدام الاستراتيجي للمؤثرات البصرية والسمعية من جاذبية المحتوى الثقافي ويُسهم في تعليم وتثقيف الجمهور بطريقة ممتعة وفعالة.

وكشفت الدراسة أن الجمهور يتفاعل بشكل إيجابي مع الفيديوهات، مما يدل على فاعلية الاستراتيجيات المستخدمة في الوصول والتأثير في الجمهور.

  • توصيات الدراسة

قدمت الدراسة مجموعة من التوصيات لتحسين استراتيجيات وزارة الثقافة السعودية في استخدام منصة اليوتيوب لتعزيز الوعي الثقافي والتراثي، وتوسيع نطاق تأثيرها على الجمهور المحلي والعالمي، وهي كالتالي:

  • تعزيز التعاون مع المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي: يمكن لوزارة الثقافة السعودية التعاون مع المؤثرين السعوديين البارزين على منصات مثل يوتيوب وإنستغرام لإنتاج محتوى ثقافي يصل إلى شريحة أوسع من الجمهور، خاصة الشباب.
  • إنشاء منصة رقمية متكاملة للثقافة السعودية: بالإضافة إلى اليوتيوب، يمكن للوزارة إنشاء منصة رقمية شاملة تجمع كل المحتوى الثقافي السعودي، بما في ذلك الفيديوهات، المقالات، الصور، والفعاليات، وسيسهل هذا الوصول للمحتوى ويعزز التفاعل.
  • تطوير تطبيقات الهواتف الذكية: إنشاء تطبيقات للهواتف الذكية تقدم تجارب ثقافية تفاعلية، مثل جولات افتراضية في المتاحف والمواقع التراثية، ألعاب تعليمية، ومسابقات ثقافية، مما سيجذب هذا الجمهور الأصغر سنًا.
  • تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية: في مجالات الإنتاج الإعلامي الرقمي والتصوير والتحرير، لتشجيعهم على إنتاج محتوى ثقافي إبداعي ونشره على منصات مثل اليوتيوب.
  • ترجمة المحتوى إلى لغات متعددة: بالإضافة إلى العربية والإنجليزية، يمكن ترجمة الفيديوهات والمحتوى الثقافي إلى لغات أخرى مثل الفرنسية والإسبانية والصينية، لتوسيع نطاق الوصول العالمي للثقافة السعودية.
  • إجراء بحوث الجمهور بانتظام: إجراء استطلاعات رأي واستبيانات منتظمة للجمهور لفهم تفضيلاتهم واهتماماتهم فيما يتعلق بالمحتوى الثقافي، واستخدام هذه الأفكار لتحسين وتخصيص المحتوى.
  • تعزيز التعاون بين القطاعات: تشجيع التعاون بين وزارة الثقافة والقطاعات الأخرى مثل التعليم والسياحة والتجارة، لدمج الثقافة في مختلف جوانب المجتمع وتعظيم تأثيرها.
  • تطوير برامج تفاعلية: إنشاء برامج وأنشطة تفاعلية عبر اليوتيوب يشجع الجمهور على المشاركة الفعالة، مثل مسابقات ثقافية، استطلاعات رأي، وجلسات حوارية مباشرة مع شخصيات ثقافية بارزة، مما يعزز الانخراط والتواصل مع الجمهور.
  • التركيز على قصص النجاح: تسليط الضوء على قصص نجاح الشخصيات والمبادرات الثقافية السعودية، محليًا وعالميًا، لإلهام الجمهور وتحفيزه على المشاركة في الأنشطة الثقافية والإبداعية.
  • إنشاء قنوات فرعية متخصصة: إنشاء قنوات فرعية على اليوتيوب متخصصة في مجالات ثقافية محددة مثل الأدب، الفنون البصرية، الموسيقى والتراث، لتقديم محتوى معمق ومركز يلبي اهتمامات الجماهير المختلفة.
  • تعزيز الشراكات مع المؤثرين: التعاون مع المؤثرين السعوديين على اليوتيوب لإنتاج وترويج المحتوى الثقافي والاستفادة من قاعدة متابعيهم الواسعة لنشر الوعي والاهتمام بالثقافة والتراث السعودي.
  • إنشاء سلسلة وثائقية: تطوير سلسلة وثائقية على اليوتيوب تستكشف جوانب مختلفة من الثقافة والتاريخ السعودي بأسلوب سردي جذاب يجمع بين التعليم والترفيه، لجذب اهتمام الجمهور وتعزيز فهمهم للهوية الثقافية.
  • تحسين تجربة المستخدم: الاستثمار في تحسين واجهة قناة اليوتيوب وتنظيم المحتوى بطريقة سهلة الاستخدام والتنقل، مع استخدام تقنيات تحسين محركات البحث (SEO) لزيادة الوصول والظهور في نتائج البحث.
  • تطوير استراتيجية تسويقية متكاملة: للترويج لقناة اليوتيوب ومحتواها عبر مختلف المنصات الرقمية والتقليدية لزيادة الوعي والوصول إلى جمهور أوسع.

كما أوصت الدراسة أيضًا بإجراء المزيد من البحوث والدراسات التي تثري الإعلام الرقمي وتشمل:

  • أفضل الممارسات في التواصل الثقافي الرقمي: دراسة مقارنة بين وزارة الثقافة السعودية والمؤسسات الإعلامية الأخرى.
  • فرص التعاون الدولي لوزارة الثقافة السعودية في مجال الإعلام الرقمي: بحث فرص تعزيز الهوية الثقافية السعودية على المستوى العالمي.
  • استخدام تقنيات الإعلام الرقمي لتعزيز المحتوى السعودي: استكشاف الأدوات والتقنيات التي يمكن لصناع المحتوى استخدامها لجعل محتواهم أكثر جاذبية وتفاعلية.
  • مستقبل صناعة المحتوى في السعودية: استكشاف الاتجاهات والتوقعات لصناعة المحتوى في المملكة وتقديم توصيات لصناع المحتوى بشأن كيفية الاستعداد للمستقبل.

وتأسيسًا على ما سبق، يتضح الدور الحيوي الذي تلعبه وزارة الثقافة السعودية في الحفاظ على الهوية الثقافية السعودية وتعزيزها في العصر الرقمي، وأهمية استخدام الرموز الثقافية في التواصل الثقافي الرقمي.

زر الذهاب إلى الأعلى