استعراض دراسات

آليات الصورة الذهنية للعلاقات العامة ودورها في مواجهة الشائعات

أدى التطور في عالم الاتصال خلال العقدين الأخيرين إلى بروز العديد من الأخطار التي تهدد أمن واستقرار المجتمعات ومنها الشائعات؛ فهي بمثابة أسلحة فتاكة يتعدى خطرها الحروب المسلحة، فالبعض يستخدمها في شن حروب معنوية ونفسية تسبق الحروب العسكرية، كما أن أضرارها تتعدى النواحي الاقتصادية والاجتماعية لما لها من تأثير فعال على العواطف والأهداف المخاطبة.

وتزداد خطورة تأثير الشائعة عندما يصدقها ويتناقلها أفراد قد لا يعلمون مدى تأثيرها على مجتمعهم خاصة إذا كانوا غير قادرين على التمييز بينها وبين الصدق لحداثة سنهم أو قلة خبرتهم ونضجهم العقلي.

ومما لا شك فيه أن الشائعات تؤثر بشكل كبير على الصورة الذهنية للمؤسسات على اختلافها بل تؤثر على دول بأكملها، لذا تعبر أجهزة العلاقات العامة صاحبة دور كبير في التصدي لهذه المشكلة الكبيرة.

وفي هذا الإطار، نشرت مجلة بحوث الإعلام وعلوم الاتصال في عددها الصادر في أكتوبر 2023، دراسة بعنوان “آليات الصورة الذهنية للعلاقات العامة ودورها في مواجهة الشائعات” من إعداد الدكتورة أميرة محمد زعزع مدرس العلاقات العامة والإعلان بمعهد الجزيرة العالي للإعلام وعلوم الاتصال، والتي نستعرضها على النحو التالي:

  • دور العلاقات العامة في التصدي للشائعات

انطلقت الدراسة من تعريف الشائعة، فالبعض يرى أنها معلومة أو خبر شفهي أو كتابي غير مؤكد المصدر، وتظهر لتفسير موقف يكتنفه الغموض نتيجة لغياب الأخبار الدقيقة والموضوعية والشاملة، حيث يدور موضوع الشائعة حول شخص أو فكرة أو شيء ما، ويعتمد مدى انتشار الشائعة على أهمية موضوعها في حياة الناس ووجود وضع غامض يحتاج إلى تفسير.

وثمة وجهة نظر أخرى، ترى أن الشائعة تروج لخبر لا أساس له في الواقع، وتعتمد على التهويل والمبالغة والتشويه في سرد خبر له جانب ضئيل من الحقيقة أو إضافة معلومات كاذبة أو مشوهة لخبر فيه قدر ضئيل من الصحة أو قد يكون معظمه صحيحًا والتعبير عنه بأسلوب مغاير للواقع والحقيقة، وذلك بهدف التأثير النفسي على الرأي العام المحلي والإقليمي والعالمي، تحقيقًا لأهداف سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو عسكرية على نطاق دولة واحدة أو عدة دول أو النطاق العالمي بأكمله.

وتعد الشائعات كوسيلة للعلاقات العامة عملا أو سلسلة أعمال تثير ضجة شديدة في الوعي الاجتماعي من خلال وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، وأحداث الشائعات يمكن أن تكون مؤثرة جدًا في الوقت الراهن أو حتى المستقبل.

وتميل وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية اليوم لاستخدام الشائعات كمادة إعلامية، وهي ليست بالضرورة متصلة بأحداث واقعية أو بمواقف أو برامج الجهات المعنية وأحيانًا تكون الشائعات استجابة غير متوقعة لظاهرة يجري بحثها في المجتمع. وتعد الشائعات أداة مهمة للتأثير الفعال وعادة تدعو الشائعات إلى أهمية اتخاذ العلاقات العامة إجراءات سريعة.

  • نتائج الدراسة

خلصت الدراسة من خلال مسح للتراث العلمي إلى أن استقبال المعلومات بشكل سليم يؤثر على البنية المعرفية والثقافية للفرد، وقلة التعرض للمعلومات الصحيحة تؤثر بالسلب على معرفته بمجريات الأحداث ومن ثم تؤثر على الصورة الذهنية.

كما تستخدم أجهزة العلاقات العامة استراتيجية نفي الشائعة وتحددها دون مهاجمة مروج الشائعة، مما يؤثر بشكل مبالغ فيه في نفي الشائعة وإبطالها لدى الجمهور المستهدف دون القضاء على مصدرها.

وأوضحت النتائج أن نفي الشائعات يسهم في تكوين البنية المعرفية وإثرائها وتطويرها لدى الأفراد وذلك بإمدادهم بالمعلومات الصحيحة، والتي لا يكتسبها الفرد بخبرته الشخصية، فتتكون لديه بنية معرفية غنية بالمعلومات.

وأشارت الدراسة إلى أن المشاهد يركز أكثر على المعلومات البصرية ذات السياق المعلوماتي القليل، مما يزيد من فاعلية الأخبار على شبكات التواصل الاجتماعي لديه.

كما تؤكد النتائج أنه كلما تعرض الفرد للمعلومات بشكل كثيف وصحيح تتحسن الصورة الذهنية للمؤسسات لديه بشكل أفضل.

وأشارت الدراسة أيضًا إلى أن الفرد يتعرض يوميًا إلى سيل من المعلومات يأخذ منها جزءا صغيرا ويقوم بتخزينه في الذاكرة لفترة طويلة المدى، ويتحقق ذلك عند تعرضه لوسائل الإعلام، مما يتيح للفرد في حياته اليومية أن يتجنب الشائعات والمخاطر بالبيئة المحيطة.

  • توصيات الدراسة

قدمت الدراسة عددا من التوصيات في مقدمتها إنشاء مركز إعلامي وبحثي تابع لإدارة العلاقات العامة بكل مؤسسة حكومية للسيطرة على الشائعات، بحيث يعمل على تتبع مصادرها وتحليلها ونفيها على أسس علمية، ونشر ثقافة التعامل معها ومهاجمة مصدرها وإبلاغ الجهات القضائية لاتخاذ الإجراء اللازم بحقه.

كما تقترح الدراسة ضرورة تبسيط اللغة المتناولة للأحداث والأخبار الخاصة بالمؤسسة وذلك حتى يزداد تأثيرها على القارئ، شريطة عدم الانتقاص من قيمتها الإخبارية وألا يؤدي ذلك لاستخدام لغة ركيكة.

بالإضافة إلى التأكيد على أهمية تشديد الجهات المعنية على ملاحقة مروجي الشائعات وتقديمهم للمحاكمة، لأن تركهم قد يغري الآخرين بإطلاق شائعات جديدة تهدد أمن المجتمع واستقراره، فضلًا عن تطبيق أقصى عقوبة يقررها القانون على مروجي الشائعات سواء بقصد أو بدون قصد.

كما أوصت الدراسة بضرورة تدقيق وسائل الإعلام من صحة المعلومات التي تنشرها وذلك من الجهات الرسمية، وبذل مزيد من الجهود الإعلامية لتوعية الأفراد بشأن خطر تناقل الشائعات عبر وسائل الإعلام.

كما أكدت ضرورة عدم التسليم بصحة أي معلومة أو خبر إلا إذا كان من خلال القنوات الرسمية ومن مصدر معروف وثقة. ودعت  الدراسة إلى سرعة التعامل مع الشائعات بنفيها وإيضاح الحقيقة، مؤكدة أن ذلك أحد الحلول الفعالة لمعالجة تأثير الشائعات أو الحد من انتشارها.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن الشائعات أصبحت من أهم أدوات الحروب في العصر الراهن “حروب الجيل الرابع”، حيث يستغل مروجوها انتشار وسائل الإعلام الجديدة لا سيما منصات التواصل الاجتماعي وارتفاع معدلات استهلاك الجمهور لمحتوى تلك المنصات التي تفتقر على نحو كبير إلى التدقيق ومعايير التحقق المعمول بها في المؤسسات الإعلامية التقليدية.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى