حظي موضوع الأخلاقيات باهتمام واضح في التراث العلمي المتعلق بالعلاقات العامة، من أجل ممارسة مهنية جديرة باحترام المجتمع، ويرى الكثير من الأكاديميين بل ومن المهنيين أن نجاح العلاقات العامة يعتمد بدرجة كبيرة على تمتع أهل تلك الصناعة بالمصداقية لأداء أعمالهم بكفاءة وفاعلية.
وعلى الرغم من أهمية الأخلاقيات لمجال العلاقات العامة والتحديات الأخلاقية المرتبطة بالعولمة والثورة الصناعية الرابعة، فإن العروض التحليلية لدراسات وأدبيات المجال قليلة، وهناك حاجة لفهم الوضع الراهن للمعرفة العلمية في هذا التخصص وتحديد ما إذا كانت البحوث تعكس التطورات الرئيسية خلال القرن الحادي والعشرين.
وفي هذا الإطار، نشرت المجلة العلمية لبحوث العلاقات العامة والإعلان في عددها الصادر في يوليو/ ديسمبر 2023، دراسة بعنوان “الاتجاهات البحثية العربية والأجنبية في مجال أخلاقيات العلاقات العامة.. عرض تحليلي مقارن”، من إعداد الدكتورة أمل فوزي منتصر، الأستاذ المساعد بقسم العلاقات العامة والإعلان بكلية الإعلام جامعة القاهرة، نستعرضها على النحو التالي:
- عينة الدراسة
اعتمد حصر عينة الدراسة على معياري المصادر والإطار الزمني للتحليل، وتم استخدام قواعد البيانات كمصدر رئيسي لجمع وتحليل الدراسات وأهمها: Taylor and Francis Online، Science Direct، Sage Publications. كما تم انتقاء الدوريات المحكمة التي لها impact factor مرتفع وتضمنت ما يلي: Public Relations Review، Journal of public relations research،
Journal of Business Ethics، European Management Journal، Asian Journal of Business Ethics، Journal of Mass media Ethics ، Teaching Business Ethics.
ووقع الاختيار على البحوث عينة التحليل التي تحقق هدف الدراسة واستثناء تلك التي لا ترتبط بهدفها مباشرة؛ وبالنسبة للدراسات العربية فتمت مراجعة ما يلي: المجلة العلمية لبحوث العلاقات العامة والإعلان، الدراسات المنشورة بالمجلة المصرية لبحوث الإعلام، الدراسات المقدمة للمؤتمر العلمي الدولي بكلية الإعلام.
- نتائج الدراسة
ناقشت غالبية الدراسات أخلاقيات العلاقات العامة من منظورين رئيسيين: الأول يركز على الأخلاقيات كجزء من الممارسة المهنية للعلاقات العامة، والثاني يتناول الأخلاقيات من منظور أكاديمي. وركزت دراسات المنظور الأول على صنع المهنيين للقرار الأخلاقي أو إدارة الأخلاقيات في المنظمات واستندت لسياقات علمية وتنظيمية متنوعة.
أما دراسات المنظور الأكاديمي، فرسخت فكرة الأخلاقيات في مركز تطوير المجال الأكاديمي والمهنية. كما قدمت أساليب لدمج الأخلاقيات في التعليم والصناعة والتدريب.
ومن اللافت أن الدراسات التي ركزت على أخلاقيات العلاقات العامة الرقمية ناقشت تأثير المنصات على الممارسة المهنية والمهنيين والعلاقات مع مجموعات المصالح والتداعيات الأخلاقية التكنولوجية الحديثة مثل الأتمتة والتكنولوجيا الذكية.
وبرهنت النتائج على أن بيئة الاتصال الرقمي تتسبب في مزيد من التحديات الأخلاقية. ويتعين على المنظمات المهنية تكريس جهودها لتقديم تدريب أخلاقي مستمر للمهنيين في مختلف المستويات الإدارية. وأشارت النتائج إلى أن المهنيين في الولايات المتحدة وكندا وبعض الدول الأوروبية يعتمدون بالفعل على التدريب المهني والمواثيق كمصادر لمعالجة القضايا الأخلاقية المرتبطة ببيئة الاتصال الرقمية. وهو ما يؤكد أهمية تفعيل دور المنظمات المهنية في مختلف الدول لتقديم التدريب المهني الأخلاقي.
ولفتت النتائج أيضًا إلى أن الإشكالية الرئيسية المرتبطة بمواثيق السلوك المهني والأخلاقي تتمثل في عدم تطبيقها أو تنفيذها، فالمواثيق غير مفعلة في كثير من منظمات العلاقات العامة حول العالم ومن ثم كان لهذه المواثيق التأثير الأقل في تنظيم الممارسة المهنية للعلاقات العامة. ويلاحظ أن الدراسات التي تتناول الخصائص المعيارية لممارسة العلاقات العامة تميل إلى التركيز على مواثيق الأخلاقيات المهنية.
ومن ناحية أخرى، أشارت النتائج إلى أن تنمية الوعي الذاتي بالقيم المهنية الأخلاقية لدى المهنيين شرط أساسي للممارسة الأخلاقية للمهنة. ويتم ذلك من خلال تطوير اتجاه أخلاقي للممارسة المهنية مبني على الوعي الذاتي للممارس والوعي الجمعي وليس مبنيًا فقط على مبادئ أو قواعد أخلاقية مثالية.
وأظهرت النتائج إمكانية قيام قادة العلاقات العامة بدعم الاتصال الأخلاقي من خلال أداء دور المستشار ودعم مناخ ملائم للاتصال الأخلاقي، وتطوير نظم المساءلة والمحاسبة ونظم المكافأة والحوافز. وتساعد هذه الأنشطة في دعم الثقافة التنظيمية التي تنتج التزاما أخلاقيا يفوق الالتزام بالسلوك الذي يفرضه القانون.
وركزت غالبية الدراسات على أخلاقيات العلاقات العامة في دول معينة أو سياقات ثقافية محددة، فمن الملاحظ أن أغلب الباحثين المشاركين في إجراء الدراسات من أمريكا الشمالية، وبالتالي هناك حاجة لتشجيع الباحثين من الدول الأخرى لإجراء مزيد من الدراسات في المجال.
كما اعتمدت غالبية الدراسات على منهج المسح والمنهج الكيفي وتحديدًا أسلوب المقابلات المتعمقة لوصف اتجاهات ومدركات المهنيين نحو الممارسة المهنية الأخلاقية. واعتمدت الدراسات الوصفية لمواثيق السلوك المهني والأخلاقي على منهج تحليل المضمون.
وركزت بعض الدراسات على خدمة متخصصة حديثة نسبيًا في مجال العلاقات العامة والسوشيال ميديا وهي خدمة العملاء باستخدام السوشيال ميديا أو خدمة رعاية العملاء وهناك قدر محدود من الدراسات الأجنبية التي اكتشفت طبيعة هذه الخدمة من منظور أخلاقيات العلاقات العامة.
- توصيات الدراسة
أوصت الدراسة بالحاجة لإجراء مزيد من الدراسات لبحث القضايا الأخلاقية المرتبطة باستخدام الأتمتة المتقدمة والتكنولوجيا الذكية والمنصات الرقمية في مجال العلاقات العامة، وكذلك استخدام العلاقات العامة للبيانات هائلة الحجم ومدى مساهمة هذا الاستخدام في تزايد هيمنة ونفوذ المنظمات على مجموعات المصالح.
وبالنسبة لمجال أخلاقيات صناعة المؤثرين، فهناك حاجة لتطوير منظور أكثر تكاملًا يهتم بأخلاقيات اتصال المؤثرين في مجال العلاقات العامة والإعلان والصحافة. كما أن هناك حاجة لإجراء دراسات تبحث تدريس الأخلاقيات في المقررات الدراسية للعلاقات العامة وخصوصًا أخلاقيات الاستخدام المهني للمنصات الرقمية، والاستفادة من نتائج هذه الدراسات في دمج الأخلاقيات في المقررات الدراسية لبرامج العلاقات العامة.
كما أوصت بإجراء دراسات تطبيقية لاختبار كيفية أداء المهنيين واقعياً لدور المستشار الأخلاقي للمنظمة في ظل التحديات الأخلاقية المرتبطة بتطور العلاقات العامة الرقمية. كما دعت لضرورة إجراء دراسات تفسر استجابة الجمهور للأزمات الأخلاقية التي تمر بها المنظمات بما يساعد في التنبؤ باتجاهات وسلوك الجمهور أثناء الأزمات.
ودعت الدراسة إلى إجراء مزيد من البحوث التي تختبر فكريًا وتطبيقيًا مفهوم الأيديولوجية الأخلاقية للعلاقات العامة وخصوصًا مع تزايد التحديات المهنية والأخلاقية المصاحبة لاستخدام المنصات الرقمية والبيانات هائلة الحجم والذكاء الاصطناعي في ممارسة العلاقات العامة.
وختامًا، يمكن القول بأنه توجد حاجة ماسة لتطوير مدخل متكامل لأخلاقيات العلاقات العامة يدمج برامج التدريب الرسمي المخططة ومواثيق الأخلاقيات والمبادرات الأخلاقية الرسمية للمنظمات.