في نهاية عام 2020، بدا من الصعب تخيل عام أسوأ من ناحية التضليل على وسائل التواصل الاجتماعي، بالنظر إلى حدة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وصدمة جائحة فيروس كورونا المستجد، لكن عام 2021 شهد قفزات في معدل التضليل ترافقت مع أحداث كبرى بدءًا من اقتحام مبنى الكونجرس الأمريكي في 6 يناير من العام ذاته، واستمرارًا بكميات كبيرة من الأكاذيب والتشويه حول لقاحات كورونا.
ولفهم ما يمكن أن يحمله عام 2022، استطلع موقع “ذا كونفيرذيشن -The conversation” آراء ثلاثة باحثين عن تطور المعلومات المضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وهو ما نستعرضه على النحو التالي:
سيزداد التضليل سوءًا في غياب تنظيم منصات التواصل
ترى أنجانا سوسارلا، أستاذة نظم المعلومات بجامعة ولاية ميتشيغان أنه في حين أن المعلومات المضللة كانت موجودة دائمًا في وسائل الإعلام – مثل خدعة القمر العظيم عام 1835 التي ادعت اكتشاف حياة على القمر- أدى ظهور وسائل التواصل الاجتماعي إلى زيادة نطاق وانتشار ووصول المعلومات المضللة بشكل كبير، فقد تحولت تلك المنصات إلى مرافق معلومات عامة تتحكم في كيفية رؤية معظم الأشخاص للعالم، مما يجعل المعلومات المضللة تمثل مشكلة أساسية للمجتمع.
وتشير إلى أن هناك نوعين من التحديات الأساسية في معالجة المعلومات المضللة، الأول هو ندرة الآليات التنظيمية التي تعالجها، لذلك فإن تحقيق الشفافية ومنح المستخدمين وصولاً أكبر إلى بياناتهم والتحكم فيها قد يقطع شوطًا طويلًا في مواجهة تحديات المعلومات المضللة، ولكن هناك أيضًا حاجة لعمليات تدقيق مستقلة، بما في ذلك الأدوات التي تقيم خوارزميات الشبكات الاجتماعية.
ويمكن أن يحدد ذلك كيف تؤثر اختيارات منصات التواصل الاجتماعي في تنسيق موجز الأخبار، وتقديم المحتوى على كيفية رؤية الأشخاص للمعلومات.
أما عن التحدي الثاني فيتعلق بالتحيز العنصري والتمييز على أساس الجنس في الخوارزميات التي تستخدمها منصات وسائل التواصل الاجتماعي مما يؤدي إلى تفاقم مشكلة المعلومات المضللة.
وفي حين أن شركات وسائل التواصل الاجتماعي قد أدخلت آليات لتسليط الضوء على المصادر الموثوقة للمعلومات، فإن الحلول مثل تصنيف المنشورات على أنها معلومات مضللة لا تحل إشكالية التحيز العنصري والتمييز على أساس الجنس. بالإضافة إلى ذلك تبرز إشكالية تتعلق بكيفية تسليط الضوء على المصادر، فعلى سبيل المثال، المعلومات الصحية قد تساعد فقط المستخدمين الذين لديهم قدر أكبر من المعرفة الصحية وليس الأشخاص من ذوي الإلمام الصحي المنخفض.
كما تبرز مشكلة أخرى هي الحاجة إلى النظر بشكل منهجي إلى المكان الذي يجد فيه المستخدمون معلومات مضللة، وعلاوة على ذلك قد تكون المعلومات المضللة التي تستهدف الأقليات أسوأ بكثير من المعلومات المضللة التي تستهدف مجتمعات الأغلبية.
ورأت أستاذة نظم المعلومات بجامعة ولاية ميتشيغان أن الافتقار إلى عمليات تدقيق مستقلة، ونقص الشفافية في التحقق من المعلومات، والتحيز العنصري والتمييز على أساس الجنس في عمل الخوارزميات التي تستخدمها منصات وسائل التواصل الاجتماعي، يشير إلى أن الحاجة إلى اتخاذ إجراء تنظيمي في عام 2022 أمر ملح وفوري.
تزايد الانقسامات وحالة التشاؤم
تشير دام هيي كيم، أستاذ مساعد في الإعلام والاتصال بجامعة أريزونا إلى أن “الأخبار الزائفة- Fake news” ليست ظاهرة جديدة، إلا أن تكاليفها وصلت إلى مستوى آخر في السنوات الأخيرة، فقد أدت المعلومات المضللة المتعلقة بفيروس كورونا إلى مقتل عدد لا يُحصى من الأرواح في جميع أنحاء العالم. كما يمكن للمعلومات الكاذبة والمُضللة عن الانتخابات أن تهز أسس الديمقراطية بجعل المواطنين يفقدون الثقة في النظام السياسي.
ونوهت كيم إلى أن أبحاث أجرتها مع عدد من زملائها حول المعلومات المضللة أثناء الانتخابات نُشر بعضها وبعضها قيد التنفيذ، كشفت عن ثلاث نتائج رئيسية؛ أولها أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، المصممة في الأصل لربط الأفراد يمكن أن يسهل الانفصال الاجتماعي، إذ أصبحت مليئة بالمعلومات الخاطئة التي تقود المواطنين الذين يستهلكون الأخبار على تلك المنصات إلى أن يصبحوا متشائمين ليس فقط تجاه المؤسسات القائمة مثل السياسيين ووسائل الإعلام، ولكن أيضًا تجاه زملائهم الناخبين.
أما النتيجة الثانية فهي أن السياسيين ووسائل الإعلام والناخبين أصبحوا كبش فداء لأضرار “الأخبار الزائفة”، رغم أن قلة منهم في الواقع تنتج معلومات مضللة، إذ يتم إنتاج معظمها من قبل الكيانات الأجنبية التي تخلق “أخبارًا زائفة” لأغراض مالية أو أيديولوجية. ومع ذلك، فإن المواطنين الذين يستهلكون المعلومات الخاطئة على وسائل التواصل الاجتماعي يميلون إلى إلقاء اللوم على السياسيين ووسائل الإعلام والناخبين الآخرين.
وتتمثل النتيجة الثالثة في أن الأشخاص الذين يهتمون بأن يتم إعلامهم بشكل صحيح ليسوا محصنين ضد المعلومات المضللة، فالأفراد الذين يفضلون معالجة المعلومات وهيكلتها وفهمها بطريقة متماسكة وذات مغزى يصبحون أكثر تشاؤمًا من الناحية السياسية بعد تعرضهم “للأخبار الزائفة”، حيث يصاب هؤلاء المفكرون الناقدون بالإحباط بسبب الاضطرار إلى معالجة الكثير من المعلومات الخاطئة والمضللة، وهذا أمر مقلق لأن الديمقراطية تعتمد على مشاركة مواطنين ملتزمين وواعين.
وحول المشهد في عام 2022، رأت كيم أنه من المهم معالجة هذا التشاؤم، منوهة أنه كان هناك الكثير من الحديث عن تدخلات لمحو الأمية الإعلامية؛ كما أنه من المهم أيضًا إيجاد طرق لشرح “الأخبار المُضللة” على وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديدًا الجهة التي تنتج تلك الأخبار وسبب قيام بعض الكيانات والمجموعات بإنتاجها، ووقوع الأمريكيين في فخ تلك الأخبار.
وقد يساعد هذا في منع الأشخاص من أن يصبحوا أكثر تشاؤمًا من الناحية السياسية، بدلاً من إلقاء اللوم على بعضهما البعض في أضرار “الأخبار الزائفة” التي تنتجها كيانات أجنبية ومجموعات هامشية، فالأفراد بحاجة إلى إيجاد طريقة لاستعادة الثقة في بعضهم البعض، وسيساعد الحد من آثار المعلومات المضللة في تحقيق الهدف الأكبر المتمثل في التغلب على الانقسامات المجتمعية.
التضليل وجه آخر للدعاية السياسية
يرجح إيثان زوكرمان، الأستاذ المشارك في السياسة العامة والاتصالات والمعلومات بجامعة ماساتشوستس أمهيرست حدوث تحول فكري من التضليل إلى الدعاية في عام 2022، مشيرا إلى ما أوردته عالمة الاجتماع والباحثة الإعلامية فرانشيسكا تريبودي في كتابها “The Propagandist’s Playbook”، بأن معظم المعلومات الخاطئة ليست نتيجة لسوء فهم بريء، بل هي نتاج حملات محددة لدفع أجندة سياسية أو أيديولوجية.
ووفقًا لزوكرمان، بمجرد أن تفهم أن فيسبوك وغيره من منصات التواصل الاجتماعي الأخرى هي ساحات القتال التي تدور فيها الحملات السياسية المعاصرة، يمكنك التخلي عن فكرة أن كل ما تحتاجه هو حقائق لتصحيح سوء الفهم لدى الجمهور. إن ما يحدث هو مزيج أكثر تعقيدًا من الإقناع والانتماء القبلي.
ومع احتدام انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في العام الحالي 2022، من المتوقع أن تصل منصات مثل فيسبوك إلى نقطة الانهيار بشأن المعلومات المضللة؛ لأن بعض الأكاذيب أصبحت خطابًا سياسيًا أساسيًا للانتماء الحزبي.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن استمرار انتشار المعلومات المُضللة سيكون إحدى السمات الرئيسية للمشهد الرقمي عبر بوابة منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما وأن الحركات والجهات والأشخاص الناشطين في مجال نشر المعلومات الزائفة والأخبار الكاذبة يطورون بشكل مستمر من أساليب إدارة تلك الحملات، سواء عبر استخدام روبوتات أو المتصيدين مدفوعي الأجر.
ويتطلب هذا المشهد وتعقيداته مزيدًا من التعاون بين الجهات التنظيمية وشركات التكنولوجيا العملاقة المالكة لتلك المنصات، على أن يستند هذا التعاون على أطر تشريعية تحفظ حقوق مستخدمي مواقع التواصل، وتعزز من الشفافية لدى الشركات وتضمن مساءلتها عن أي تجاوزات.