تقارير

اتجاهات رجال الأعمال السعوديين نحو معالجة الصحف الورقية لبرنامج التخصيص

تعمل المملكة العربية السعودية بشكل حيوي على تنفيذ مجموعة من الخطط والمبادرات والبرامج الوطنية المنبثقة من رؤية 2030، حيث تمثل هذه البرامج والخطط والمبادرات مرتكزًا مهمًّا من شأنه تحقيق مستهدفات هذه الرؤية الوطنية الطموحة التي تستهدف تنويع الاقتصاد، وخلق فرص أكبر للاستثمار. ويعتبر برنامج التخصيص واحدًا من أهم البرامج الوطنية المستهدفة من خلال رؤية المملكة العربية السعودية 2030، حيث عملت المملكة على تأسيس المركز الوطني للتخصيص في عام 2017، فيما عمل المركز طوال 3 سنوات على وضع آلية من شأنها تنفيذ برامج الخصخصة بما يحقق مستهدفات الرؤية، وصولاً إلى موافقة مجلس الشورى السعودي في مطلع عام 2021 على نظام التخصيص.

وفي ظل هذا التوجه الحيوي نحو تفعيل برنامج التخصيص في المملكة العربية السعودية، تبرز أدوار مهمة من المنتظر أن تقوم بها وسائل الإعلام نحو توعية المستثمرين ورجال الأعمال والشركات والصناديق الاستثمارية بالفرص الاستثمارية المتاحة، الأمر الذي من شأنه تعظيم فرص نجاح عمليات التخصيص، وتحقيق مستهدفات الخطط الوطنية الطموحة.

وفي هذا السياق، نشرت مجلة البحوث الإعلامية دراسة للدكتور شجاع بن سلطان البقمي رئيس قسم الصحافة والنشر الإلكتروني بكلية الإعلام والاتصال جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بعنوان  اتجاهات رجال الأعمال السعوديين نحو معالجة الصحف الورقية لبرنامج التخصيص.. دراسة مسحية على عينة من رجال الأعمال في منطقة الرياض”، سعى خلالها إلى معرفة الاتجاهات نحو معالجة الصحف السعودية لبرنامج التخصيص، وما إذا كانت هذه المعالجة مفيدة بالنسبة لهم، وقادرة على شرح برنامج التخصيص وتطوراته المتتالية، وما إذا كانت هذه المعالجة قادرة على تلبية حاجاتهم المعرفية والمعلوماتية التي يتوقعونها من الصحف السعودية الورقية خلال معالجتها لموضوعات برنامج التخصيص.

الإطار النظري للدراسة

اعتمدت الدراسة على نظرية الاعتماد على وسائل الإعلام باعتبارها إطارًا نظريًا ملائمًا، إذ يساعد على اختبار مدى اعتماد رجال الأعمال السعوديين -عينة الدراسة- على الصحف الورقية في الحصول على المعلومات حول برنامج التخصيص، وأهداف هذا الاعتماد المتمثلة في (الفهم والتوجيه)، ومن ثم اتجاهاتهم نحو معالجة الصحف لهذه القضية.

كما تختبر أيضًا التأثيرات الناتجة عن هذا الاعتماد سواء كانت (معرفية أو وجدانية أو سلوكية)، ومن ثم اتجاهاتهم نحو معالجة الصحف لهذه القضية.

وتحاول هذه النظرية اختبار العلاقة بين عرض وتناول ومعالجة الصحف الورقية السعودية لبرنامج التخصيص، ومتغير اتجاهات رجال الأعمال السعوديين عينة الدراسة نحو هذه المعالجة، وذلك للتعرف على: متى ولماذا وإلى أي حد يعتمد رجال الأعمال السعوديين على الصحف الورقية في الحصول على معلومات حول برنامج التخصيص؟ وما أهداف هذا الاعتماد؟ وما التأثيرات الناتجة عنه؟ وهل يتعلق هذا الاعتماد بمدى ثقتهم في الصحف الورقية؟ وتأثير ذلك على اتجاهاتهم نحو معالجة الصحف لهذه الموضوعات؟

مجتمع وعينة الدراسة

يتمثل مجتمع الدراسة في رجال الأعمال السعوديين المسجلين لدى الغرف التجارية والصناعية في المملكة، حيث يعتبر تسجيلهم اعترافًا رسميًّا بأنشطتهم التجارية والصناعية.

ونظرًا لارتفاع عدد الغرف التجارية والصناعية في المملكة واتساع رقعتها الجغرافية، فإن عينة الدراسة ارتكزت في رجال الأعمال السعوديين المسجلين في قوائم الغرفة التجارية والصناعية في مدينة الرياض، حيث تعتبر غرفة الرياض الأكبر بين مثيلاتها في الغرف التجارية والصناعية الأخرى.

وتم تطبيق الدراسة على عينة قوامها 141 مبحوثا، بعد استبعاد الاستمارات غير الصحيحة أثناء التطبيق.

وشكلت الفئة العمرية من (30-45 سنة) النسبة الأعلى وبلغت 53.2%، ثم الفئة (46-60 سنة) بنسبة 24.1% ، وأخيرًا أقل من 30 عامًا بنسبة 22.7%. أما من حيث النوع، فيمثل الذكور 79.4% من إجمالي العينة مقابل الإناث اللاتي بلغت نسبة تمثيلهن 20.6%.

وعلى صعيد المؤهل الدراسي، فإن الحاصلين على مؤهل جامعي نسبتهم 71.6% من إجمالي المبحوثين، ودون الجامعي 16.3%، أما بعد الجامعي فنسبتهم 12.1%.

وفيما يتعلق بالخبرة التجارية والصناعية، فإن رجال الأعمال ذوي الخبرة لأكثر من 15 عامًا  شكلوا (27.7%) من عينة الدراسة، يليهم من تتراوح خبرتهم ما بين 5 أعوام إلى أقل من 10 أعوام ونسبتهم (26.2%)، ثم من تتراوح خبرتهم بين 10 أعوام وأقل من 15 عامًا  (22.7%)، أما من هم أقل من 5 أعوام (23.4%).

أما بالنسبة للمجال الاستثماري، فجاء في المرتبة الأولى المستثمرون في مجالات تجارية بنسبة 52.5%، يليهم  المستثمرون في مجالات تجارية صناعية معًا بنسبة 17%، ثم المستثمرون في مجالات صناعية 14.9%، أما المستثمرون في مجالات أخرى (زراعية وصحية وتعليمية وغيرها) فبلغت نسبتهم 15.6%.

نتائج الدراسة

أظهرت الدراسة مجموعة من النتائج المهمة، التي ستسهم في الوصول إلى جملة من التوصيات، ويمكن تلخيص أبرز النتائج فيما يلي:

كشفت النتائج أن ما يقرب من نصف رجال الأعمال عينة الدراسة ( 47.5%) يعتمدون على الصحف الورقية للتعرف على الأخبار الاقتصادية بدرجة متوسطة، فيما يعتمد 41.1% عليها (بدرجة ضعيفة)، مقابل 11.3% من المبحوثين يعتمدون على الصحف الورقية (بدرجة كبيرة).

وأظهرت الدراسة تراجع معدلات اعتماد رجال الأعمال على الصحف الورقية للتعرف على موضوعات برنامج التخصيص، حيث يعتمد 58.2% من العينة على الصحف بدرجة ضعيفة، بينما يعتمد 27.7% منهم (بدرجة متوسطة) ، و14.2% (بدرجة كبيرة).

وقد رجحت الدراسة تراجع الاعتماد على حالة عدم الرضا التي يشعر بها رجال الأعمال عينة الدراسة نحو طرق معالجة الصحف الورقية لموضوعات برنامج التخصيص، خصوصًا وأنها جاءت في ظل متابعة ملحوظة إلى حد ما من قبل عينة الدراسة للصحف الورقية وما تنشره عن مختلف القضايا.

أما عن ترتيب المبحوثين لأكثر الصحف الورقية التي يعتمدون عليها في متابعة أخبار برنامج التخصيص، فجاءت صحيفتا (الرياض ، والاقتصادية) في مقدمة هذه الصحف بوزن 17% لكل منهما، ثم جاءت صحيفة الجزيرة بوزن 14%، تليها  صحيفتا (اليوم، والشرق الأوسط) بوزن 12%، ثم صحيفة عكاظ (11%) تليها الوطن (8%) ثم المدينة (5%) وأخيرًا صحيفة مكة (4%).

وأرجعت الدراسة هذه النتيجة إلى أن عينة الدراسة هم من رجال الأعمال في منطقة الرياض، حيث تصدر صحيفتا الرياض والجزيرة من ذات المنطقة، كما أن تقدم صحيفة الاقتصادية في درجة الاعتماد يرجع إلى كونها صحيفة متخصصة بالشأن الاقتصادي، وهو الأمر الذي يتوافق مع اهتمامات عينة الدراسة.

وقد أظهرت نتائج الدراسة أن معظم رجال الأعمال (78.8%) يثقون في المضامين الصحفية التي تتناول موضوعات برامج التخصيص في الصحف الورقية بدرجة متوسطة، مقابل (9.2%) يثقون بدرجة كبيرة و(12.1%) يثقون بدرجة ضعيفة.

وفيما يتعلق بأبرز العوامل المعززة لاعتماد رجال الأعمال على الصحف الورقية في التعرف على برنامج التخصيص، جاءت “عوامل تتعلق بالفرص الاستثمارية واقتناصها” في المرتبة الأولى بمتوسط حسابي يبلغ 2.86، ثم “عوامل تتعلق بمعرفة تطورات برنامج التخصيص ومستهدفاته” بمتوسط (2.82)، وفي المرتبة الثالثة “عوامل تتعلق بالبيئة التشريعية والتنظيمية الخاصة ببرامج التخصيص” بمتوسط (2.61)، وأخيرًا “”عوامل تتعلق بالاطلاع على التجارب المحلية والعالمية فيما يتعلق بالخصخصة” بمتوسط (2.12).

وبحسب الدراسة، يعكس تصدر العوامل المتعلقة بالفرص الاستثمارية واقتناصها” مدى حاجة رجال الأعمال إلى الاطلاع على هذه الموضوعات حينما تتناولها الصحف الورقية.

كما أظهرت الدراسة أن الحاجة إلى الحصول على معلومات أكثر حول برنامج التخصيص يعد أبرز دوافع رجال الأعمال في التعرض للصحف الورقية بمتوسط حسابي يبلغ 2.89، يلي ذلك التعرف على برنامج التخصيص وفوائده الاقتصادية بمتوسط (2.81)، ثم البحث عن معلومات إضافية عندما تطرح القضية في وسائل الإعلام والاتصال الأخرى في المرتبة الثالثة بمتوسط (2.61)، وأخيرًا “الملل من متابعة الموضوع في وسائل الإعلام والاتصال الأخرى” بمتوسط (1.79).

وبحسب الدراسة، تأتي “الفرص الاستثمارية” في المرتبة الأولى بين الموضوعات التي يتابعها رجال الأعمال في الصحف الورقية، يليها “البيئة الاستثمارية وتطوراتها”، ثم “أهداف برنامج التخصيص في المرتبة الثالثة، يليها “أثر عمليات الخصخصة على الاقتصاد الوطني”.

كما تمثل الشروحات حول برنامج التخصيص ومتابعة الفرص الاستثمارية أبرز الموضوعات التي يتابعها رجال الأعمال في الصحف الورقية.

وتشير نتائج الدراسة إلى أن  63.8% من المبحوثين يتجهون نحو تناول الصحف الورقية السعودية لبرنامج التخصيص (بصورة إيجابية)، مقابل 8.5% يتجهون (بصورة سلبية)، و27.7% (بصورة متوازنة).

وبالنسبة لأبرز السلبيات والمعوقات التي تقلل من أداء الصحف الورقية السعودية في معالجة برنامج التخصيص، فجاء على رأسها ندرة مواضيع التخصيص بمتوسط حسابي يبلغ 2.79، ثم عدم الحديث عن الفرص الاستثمارية الناشئة عن التخصيص بشكل مقنع بمتوسط (2.73)، وفي المرتبة الثالثة غياب العمق التحليلي والتفسيري لمواضيع التخصيص بمتوسط (2.63).

وتشير الدراسة إلى أن هذه المعوقات التي تقلل من أداء الصحف السعودية في معالجة برنامج التخصيص من وجهة نظر رجال الأعمال عينة الدراسة، أسهمت في ميل المبحوثين إلى تقليل اعتمادهم على الصحف الورقية فيما يخص هذا الموضوع.

توصيات الدراسة

عرضت الدراسة مجموعة من التوصيات للمساهمة في إثراء المكتبة العلمية، ومساعدة الصحف الورقية السعودية في تطوير أدائها المهني، بما يتناسب مع احتياجات رجال الأعمال وتطلعاتهم المعرفية والمعلوماتية نحو واحد من أهم برامج رؤية المملكة 2030، والذي يلامس بشكل مباشر مصالحهم وأعمالهم، ويمكن تلخيص أبرز التوصيات فيما يلي:

أولًا: أهمية أن تخصص الصحف السعودية الورقية صفحات محددة ومنتظمة يتم من خلالها تناول موضوعات برنامج التخصيص وفرصه الاستثمارية المنبثقة منه، أو إعطاء هذه الموضوعات مساحة أكبر في النشر.

ثانيًا: ضرورة أن تركز الصحف السعودية الورقية بشكل أكبر على مواضيع التخصيص، وتكثيف تناول الفرص الاستثمارية المنبثقة من برنامج التخصيص، مع تقديم شروحات أكثر حول هذا البرنامج ومستهدفاته.

ثالثًا: أهمية أن تعمل الصحف السعودية الورقية على استكتاب مجموعة من المتخصصين، بالإضافة إلى تكليف بعض القائمين بالاتصال بملف التخصيص، وذلك لدعم موضوعات برنامج التخصيص، وتحقيق تطلعات رجال الأعمال المعرفية والمعلوماتية نحو هذا البرنامج النوعي، والذي يلامس اهتمامهم ومصالحهم وأعمالهم.

رابعًا: ضرورة أن تعمد الصحف الورقية السعودية إلى استخدام الإنفوجرافيك بشكل أكبر مع الموضوعات التي تتناول برنامج التخصيص وفرصه الاستثمارية المنبثقة منه.

خامسًا: أهمية تدريب القائمين بالاتصال في كيفية معالجة موضوعات برنامج التخصيص، وذلك عبر التواصل مع المركز الوطني للتخصيص، بالإضافة إلى الاستعانة بمجموعة من المتخصصين في هذا الشأن.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن الصحافة تلعب دورًا مهمًا في شرح وتوضيح وتفسير الكثير من القرارات والتحولات الاقتصادية الكبرى، وتسهم في تعزيز الصورة الإيجابية لتلك الخطوات لدى الجمهور، فكلما كان الطرح الإعلامي قائمًا على لغة الأرقام والإحصاءات كان أكثر تأثيرًا وإقناعًا وهو ما يتجلى بوضوح في حالة برنامج التخصيص وإبراز الفرص الاستثمارية والمكاسب المنتظرة من ورائها. 

زر الذهاب إلى الأعلى