تعتبر مشكلة تداول المخدرات على وسائل التواصل الاجتماعي إحدى القضايا التي ظل الباحثون والجهات التنظيمية يدقون ناقوس الخطر بشأنها منذ سنوات، ففي خطاب ألقاه في أبريل 2018، حذر سكوت جوتليب، مفوض إدارة الغذاء والدواء الأمريكية آنذاك، من أن شركات التكنولوجيا لا تفعل ما يكفي لاستئصال المبيعات غير القانونية للمواد الأفيونية، موجهًا أصابع الاتهام إلى منصتي إنستغرام وفيسبوك تحديدًا، ومع توالي التقارير الصحفية الأمريكية في العام ذاته عن الدور المزدهر لإنستغرام كسوق للمخدرات، ردت شركة فيسبوك المالكة للتطبيق بأنها لم تكن “متطورة بما يكفي” للتمييز بين المنشورات التي تبيع مخدرات غير مشروعة.
وبعد مرور 3 سنوات، وجد تحقيق مشروع الشفافية التقنية (TTP) أن إنستغرام لا يزال يسمح لتجار المخدرات بممارسة الأعمال التجارية على المنصة، في انتهاك للإرشادات التي تحظر “شراء أو بيع العقاقير غير الطبية أو الصيدلانية”، علاوة على ذلك، يسمح إنستغرام للمراهقين – من أكثر فئات المستخدمين ضعفًا – بالقفز إلى هذه السوق دون حواجز حماية.
7 حسابات وهمية للمراهقين لاختبار المنصة
تضمنت دراسة مشروع الشفافية التقنية إنشاء سبعة حسابات وهمية للمراهقين كالتالي: حساب لشخص يبلغ من العمر 13 عامًا، وحسابان لشخصين عمرهما 14 عامًا، واثنان آخران عمرهما 15 عامًا، وحسابان لشخصين عمرهما 17 عامًا. ولم تحتو الحسابات على صور أو معلومات للملف الشخصي ولم تنشر أي محتوى خاص بها. وقد استخدمت بعض الحسابات أسماء شخصيات خيالية من برامج تلفزيونية شهيرة، مثل ليزا سيمبسون من مسلسل الرسوم المتحركة التلفزيوني “The Simpsons”، ومايكل غاري سكوت وهو شخصية قصصية في مسلسل ذا أوفيس.
وعلى الرغم من حقيقة أن هذه الحسابات كانت لقاصرين، لم يفعل إنستغرام شيئًا لمنعهم من البحث عن المحتوى المرتبط بالمخدرات، بل إن الميزات التلقائية للمنصة تسرع عملية البحث، فعلى سبيل المثال، عندما بدأ حساب من الحسابات السبعة الخاصة بالدراسة في كتابة عبارة “buyxanax” في شريط بحث إنستغرام، بدأت المنصة في الملء التلقائي لنتائج شراء “زاناكس- Xanax” قبل أن ينتهي المستخدم من الكتابة.
وعندما نقر القاصر على أحد الحسابات المقترحة، حصل على الفور على خط مباشر إلى تاجر “زاناكس- Xanax”، وقد استغرقت العملية برمتها عدة ثوان وتضمنت نقرتين فقط. وتكرر هذا النمط مع “buyfentanyl” (تعد الحبوب المليئة بالفنتانيل عاملاً متزايدًا في الوفيات بالجرعات الزائدة من المخدرات للمراهقين والبالغين في أجزاء كثيرة من الولايات المتحدة).
وأظهرت الدراسة التناقض بين سهولة توجيه إنستغرام للمستخدمين المراهقين إلى المخدرات، مقارنة بالعملية الأكثر تعقيدًا لتسجيل الخروج من النظام الأساسي. فمن نفس نقطة البداية للمراهق الذي يشتري “زاناكس- Xanax” عبر إنستغرام، إذا أراد المستخدم تسجيل الخروج، فعليه أولاً النقر فوق رمز ملفه الشخصي في أسفل اليمين، ثم النقر فوق قائمة الهامبرغر (سمي بهذا الاسم لأنه يشبه تصويرا للهامبرغر) في الجزء العلوي الأيمن، ثم النقر فوق الإعدادات والتمرير إلى الأسفل، ثم النقر مرتين فوق “تسجيل الخروج”.
ويعني ذلك أن المستخدم بحاجة إلى خمس نقرات لتسجيل الخروج – على عكس النقرتين للبحث عن عقاقير مخدرة-، وهو ما يشير إلى أن أولويات إنستغرام هي الحفاظ على تفاعل المستخدمين على المنصة، وليس منع المستخدمين المراهقين من العثور على محتوى خطير مثل المخدرات.
ونوهت الدراسة إلى أن تجار المخدرات في بعض الأحيان كانوا يتواصلون بنشاط مع حسابات المراهقين محل الدراسة، إذ تلقى نفس المستخدم الذي تابع حساب “زاناكس- Xanax” الذي أوصى به إنستغرام سلسلة من المكالمات الهاتفية غير المرغوب فيها من مروج للمخدرات يتطلع إلى بيع مواد مخدرة. وفي حالة أخرى، بعد أن تابع مستخدم ضمن عينة الدراسة حسابًا لبيع المخدرات على إنستغرام، أرسل التاجر رسالة مباشرة بقائمة المواد المخدرة والأسعار وخيارات الشحن دون انتظار المشتري لبدء محادثة.
الهاشتاقات الترويجية للمخدرات.. وتقاعس المنصة عن إزالة المخالفات
وفقًا لدراسة مشروع الشفافية التقنية، يحظر إنستغرام بعض الهاشتاقات المتعلقة بالمخدرات مثل #mdma (يشير لعقار إكستاسي وهو نوع من أنواع المنشطات له تأثير نفسي مشتق من الأمفيتامين ويسمى بحبوب النشوة)، لكن المنصة تضخم هاشتاقات أخرى لنفس المواد المخدرة. فإذا بحث المستخدم عن مخدرات من خلال هاشتاق #mdma في شريط بحث إنستغرام فسيجد هاشتاقات بديلة بما في ذلك #mollymdma، وهو ما يقوض الحظر الذي فرضته المنصة على هاشتاق #mdma.
كما أشارت الدراسة أيضًا إلى أنه يمكن لخوارزميات إنستغرام توجيه الأطفال إلى أنواع مختلفة من المخدرات، فباستخدام فريق الدراسة لحساب وهمي لشخص يبلغ من العمر 15 عامًا، جرى البحث عن كيفية شراء “زاناكس- Xanax”، وتلى ذلك متابعة أحد الحسابات التي اقترحتها المنصة، ثم بدأ إنستغرام في اقتراح المزيد من الحسابات للمتابعة، بما في ذلك حساب يبيع عقار “أديرال –Adderall”، المنشط للجهاز العصبي المركزي وتوالت الاقتراحات بمتابعة حسابات جميعها تروج لعقاقير مخدرة.
في ذات السياق، أرسل الباحثون القائمون على الدراسة 50 منشورًا إلى إنستغرام يتضمن الإشارة إلى انتهاك سياسات المنصة ضد بيع المخدرات، فردت إنستغرام بأن 72% من المشاركات التي تم الإبلاغ عنها (أي 36 حالة) لم تنتهك الإرشادات، على الرغم من العلامات الواضحة على نشاط تداول المخدرات. وأفاد إنستغرام بحذف 12 منشورًا، فضلًا عن حذف حساب كامل انتهك سياسة المنصة، لكن فريق الدراسة قام بفحص هذا الحساب لاحقًا، ووجد أنه لا يزال نشطًا جنبًا إلى جنب مع المنشور المخالف.
ونوه مشروع الشفافية التقنية إلى أن إنستغرام اعتبر أن حسابًا لبيع “زاناكس- Xanax” أجرى مكالمات متعددة غير مرغوب فيها لمستخدم افتراضي -ضمن عينة الدراسة- لم ينتهك سياسة المنصة.
شبكة من مواقع الصيدليات تثير الشكوك في الترويج للمخدرات
كشفت الدراسة عن عدد من حسابات إنستغرام التي توجه المستخدمين إلى مواقع “صيدليات” مثيرة للشكوك، حيث تقوم مجموعة واحدة من حسابات إنستغرام التي تبيع أنواعًا مختلفة من العقاقير بتوجيه المستخدمين إلى موقع إنترنت يبيع الأدوية بما في ذلك الأفيون وأوكسيكودون والمنشطات والإكستاسي.
ووفقًا للمعلومات المتاحة عن هذا الموقع فقد تم إنشاؤه في مايو 2021، ومعلومات الاتصال الوحيدة على الموقع هي رقم على تطبيق واتساب الذي بدوره أيضًا جزء من مجموعة “Meta”، الشركة الأم لفيسبوك وإنستغرام.
كما كشفت الدراسة أيضًا عن شبكة أخرى من حسابات إنستغرام المتعلقة بالمخدرات – مع هاشتاقات مثل #oxycotton- وجهت المستخدمين إلى موقع ويب تم إنشاؤه في 31 أكتوبر 2021. ويتضمن قسم “الصفقات الشائعة” يقدم كل شيء من حبوب الإكستاسي إلى قوارير عقار الكيتامين المخدر.
واعتبرت الدراسة أن شبكات الترويج الصيدلية” تنتهك حظر مجموعة “Meta” ضد ما يسمى بـ”السلوك غير الأصيل المنسق”، حيث تنص سياسة الشركة في هذا الصدد بأنها “لا تسمح للأشخاص بتقديم أنفسهم بشكل كاذب”، أو استخدام حسابات مزيفة، أو “الانخراط في سلوكيات مصممة لتمكين انتهاكات أخرى بموجب معايير مجتمع المنصة”.
في المقابل، قالت مجموعة “Meta” إنها “اتخذت إجراءات” بشأن 2.7 مليون قطعة محتوى عن المخدرات على فيسبوك وإنستغرام خلال الربع الثالث من عام 2021، وأنها بنفسها تمكنت من تحديد 96.7% من هذا المحتوى.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الأرقام لا تأخذ في الحسبان المحتوى عن المخدرات الذي ربما لم تكتشفه أنظمة الذكاء الاصطناعي في فيسبوك أو لم يتم الإبلاغ عنه من قبل المستخدمين، ويحتمل أن يكون عددًا كبيرًا.
ومن جهة أخرى، لم يشتر مشروع الشفافية التقنية أي عقاقير مطروحة للبيع على إنستغرام، لكن تقارير وسائل الإعلام تشير إلى أن المراهقين يشترون بانتظام حبوب منع الحمل على وسائل التواصل الاجتماعي، وغالبًا ما تؤدي إلى نتائج مميتة. وذكر تقرير صدر عن شبكة إيه بي سي نيوز بأستراليا في أغسطس 2020 أن مروجي المخدرات يستخدمون إنستغرام بكثافة، ووصفه أحدهم بأنه “أفضل مكان للبيع”.
ثغرة في الخصوصية بالنسبة للمراهقين على إنستغرام
كشفت دراسة مشروع الشفافية التقنية عن مشكلة أخرى تتعلق بفشل إنستغرام في حماية خصوصية المراهقين بشكل كامل. ففي 27 يوليو الماضي، أعلنت المنصة أنها ستجعل حسابات المستخدمين دون سن 16 عامًا خاصة تلقائيًا، لكن الدراسة وجدت أن هناك ثغرة كبيرة. فعندما أنشأ القائمون على الدراسة حسابين على إنستغرام لشخصين يبلغان من العمر 15 عامًا- أحدهما من خلال تطبيق إنستغرام والآخر عبر موقع إنستغرام على الإنترنت-، اكتشفوا أنه تم بالفعل تعيين الحساب الذي تم إنشاؤه من خلال التطبيق على وضع “خاص” افتراضيًا ، بينما تم تعيين الحساب الذي تم إنشاؤه عبر موقع الويب على “عام” افتراضيًا – على عكس ما وعدت به الشركة.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن الخوارزميات الخاصة بموقع إنستغرام تحتاج إلى مراجعة داخلية من أجل التأكد من اتساقها مع المساعي التي تعلنها مجموعة “Meta” بشأن حماية المراهقين من المخاطر على المنصة، وكذلك ضمان تطبيق الإرشادات الخاصة باستخدام المنصة بكفاءة وفاعلية وتوفير بيئة آمنة وتفاعلية لأصغر شرائح المستخدمين على التطبيق.
5 دقائق