أحدثت مواقع التواصل الاجتماعي تطورًا كبيرًا ليس فقط في مجال ومسار الإعلام، وإنما في حياة الأفراد على المستوى الشخصي والاجتماعي والسياسي، إذ فتحت عالمًا افتراضيًا أمام المجتمعات والأفراد لإبداء الآراء في مختلف القضايا والموضوعات.
ومع تطور الثورة المعلوماتية والتكنولوجية، تنوعت وسائل التواصل الاجتماعي من مواقع وتطبيقات مختلفة مثل فيسبوك وإنستجرام وتويتر وغير ذلك، كما ظهرت تطبيقات للتواصل الاجتماعي على الهاتف الجوال والأجهزة الذكية الأخرى مثل الأجهزة اللوحية وأشهرها تطبيق “واتساب” و”سناب شات” وتليجرام، وسكايب، والتي تختلف فيما بينها في الاستخدام أو أسلوب نقل المعلومات.
ويتسم تطبيق “واتساب” بسهولة استخدامه عن وسائل التواصل الأخرى ويحظى باستخدامات واسعة في المملكة العربية السعودية، ويؤثر بدرجة كبيرة على الواقع الاجتماعي وبالتالي كان من الضروري تسليط الضوء عليه، وهو ما ركزت عليه دراسة للدكتور عامر بن سعيد الشهري، رئيس قسم الخدمة الاجتماعية بالكلية الجامعية بالليث منشورة في مجلة العلوم الاجتماعية بجامعة أم القرى، بعنوان “وسائل التواصل الاجتماعي وآثارها على التفاعل الاجتماعي بين أفراد المجتمع. دراسة ميدانية مطبقة على مجموعة من الشباب الجامعي”.
مشكلة الدراسة
تتمثل مشكلة الدراسة الرئيسة في معرفة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على التفاعل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، وتم تطبيق الدراسة على “واتساب” كنموذج لوسائل التواصل الاجتماعي الحديثة المنتشرة بالمملكة العربية السعودية.
وتم معالجة موضوع الدراسة في ضوء عدة نظريات من أبرزها نظرية التفاعلية الرمزية التي يتم استخدامها في تفسير الرموز والإشارات والصور التعبيرية التي يستخدمها الأفراد كبديل للغة الحوار في وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة مثل “واتساب”، حيث إن التفاعلات التي تتم داخل هذا التطبيق تستخدم الكثير من الرموز التعبيرية والأصوات، وبالتالي فإن تفسيرها يفيد في معرفة الواقع الاجتماعي في المجتمع.
كما اعتمدت الدراسة على نظرية الاستخدامات والإشباعات، ووفقًا لهذه النظرية فإن جمهور “واتساب” يقوم باختيار المواد التي يقرأها ويتبادلها مع أصدقائه وأقاربه وزملائه، وهو ما يحقق لهم الإشباع والمتعة من استخدام هذه الوسائل الاتصالية. وكذلك نظرية التأثير القوي لوسائل الاتصال، التي تفترض أن وسائل الاتصال الجماهيري تتمتع بنفوذ قوي ومباشر وفوري على الأفراد، وأن لديها القدرة على تغيير الاتجاهات والآراء والميول بما يتناسب مع سياسات صاحب الوسيلة أو مستخدمها.
وطبقت الدراسة على عينة عمدية قوامها 200 مفردة ممن يستخدمون “واتساب” من الذكور والإناث في مراحل المستوى الخامس والسادس والسابع والثامن بالكلية الجامعية بالليث من قسم الخدمات الاجتماعية بواقع 70% من الذكور و30% من الإناث.
نتائج الدراسة
توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج نستعرضها على النحو التالي:
أظهرت نتائج الدراسة أن حوالي نصف المبحوثين (48.5%) يستخدمون “واتساب” منذ أكثر من 5 سنوات، مقابل (27.5%) يستخدمونه من 3 إلى 5 سنوات، و(14%) يستخدمونه من سنة إلى سنتين، و(10%) من شهر إلى أقل من سنة.
وأوضحت الدراسة أن أكثر من نصف المبحوثين (63.5%) يستخدمون “واتساب” يوميًا لأقل من ساعة فقط مقابل 28% يستخدمونه من ساعة إلى 3 ساعات، و5% يستخدمونه من 4 إلى 6 ساعات، و3.5% يستخدمونه أكثر من 6 ساعات يوميًا.
كما أن جميع المبحوثين منضمون إلى مجموعات في “واتساب”، وتختلف هذه المجموعات بحسب غرض إنشائها فقد تكون مجموعة أصدقاء أو زملاء عمل أو مجموعة للعائلة وغير ذلك، وقد سجلت مجموعات الأصدقاء أعلى نسبة بين المبحوثين 91.5% ، يليها المجموعات الدينية بنسبة 90.5%، ثم العائلية بنسبة 74.5%، ثم الأسرية بنسبة 61.5%، فزملاء الدراسة بنسبة 58%، وأخيرًا التسويق والبيع بنسبة 49.5%.
وعدّد المبحوثون أسباب استخدام “واتساب”، فجاءت قلة التكلفة المادية لاستخدامه بنسبة 87.5%، وقدرته على نقل الصور ومقاطع الفيديو بنسبة 83%، وسهولة وسرعة استخدامه بنسبة 68%، وتجميع الأفراد في مجموعات بنسبة 49.5%، واستخدامه كوسيلة للبيع والشراء بنسبة 31%.
وفيما يتعلق بتأثير “واتساب” على العلاقات الأسرية، تظهر النتائج أن للتطبيق تأثيرًا على التفاعل الاجتماعي في محيط الأسرة، وذلك على عكس مما هو شائع من أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي تؤدي إلى ضعف وقطع الصلات بين أفراد الأسرة، وتؤدي إلى اغتراب وعزلة أفراد الأسرة عن بعضهم البعض، فقد وجد 66.5% من المبحوثين أن علاقاتهم مع أفراد أسرهم زادت وتوطدت بعد استخدام “واتساب”، كما ظهر من خلال التطبيق شكل جديد من أشكال العلاقات الاجتماعية وهو التفاعل الإلكتروني غير المباشر كبديل عن التفاعل المباشر أو تفاعل الوجه بالوجه، ورغم حداثة هذا الشكل من التفاعل فإنه استطاع أن يحدث تأثيرًا قويًا في العلاقات بين الأفراد، حيث يعرض الأفراد عن طريق “واتساب” الآراء ووجهات النظر بشكل أكثر تفصيلًا وأكثر جرأة متحاشيًا حرج العلاقة المباشرة، هذا بالإضافة إلى اللجوء إلى بعض الوسائل التكميلية في التعبير كإرسال صورة أو قصة تعبر في ثناياها عن وجهة نظر المرسل.
في المقابل، أكد 16% من المبحوثين أن استخدام التطبيق أدى إلى ضعف وقلة التفاعل الاجتماعي داخل الأسرة.
وبالنسبة لأهم الموضوعات التي يتم مناقشتها على “واتساب” في محيط الأسرة فكانت الأخبار المتعلقة بالأسرة وذلك بنسبة 55% وهو ما يدل على استخدام “واتساب” كوسيلة جديدة للنقاش والحوار الأسري.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت نتائج الدراسة أن التواصل الاجتماعي عن طريق “واتساب” له تأثير إيجابي في التفاعل الاجتماعي العائلي، فقد أكد 92% من المبحوثين أن الوقت الذي يتواصلون به عن طريق “واتساب” أكثر من الذي يتقابلون فيه وجهًا لوجه مع بعضهم البعض، ويرجع ذلك إلى سهولة استخدام “واتساب”، وتوفيره للوقت والتكلفة المادية للتواصل المباشر والتزاور بين أفراد العائلة، فضلًا عن انشغال الجميع بالحياة اليومية.
وحول تأثير “واتساب” على علاقات الأصدقاء، أظهرت النتائج أن التفاعل الاجتماعي مع الأصدقاء زاد وتعمق بعد استخدام “واتساب” وهو ما ذكره 72% من المبحوثين، مؤكدين أيضًا أن صلاتهم ببعض الأصدقاء كانت منقطعة تقريبًا قبل استخدام “واتساب” بسبب انشغالهم الدائم، ولكن استخدام التطبيق عزز من تقارب العلاقات والتفاعل الاجتماعي بينهم بسبب سهولة وسرعة استخدامه، وزيادة قدرتهم على معرفة أخبارهم بشكل متواصل، إضافة إلى تقديمهم التهاني والأمنيات في الأعياد والمناسبات المختلفة، في حين أكدت نسبة ضعيفة 16.5% من أفراد العينة ضعف علاقاتهم مع الأصدقاء بعد استخدام “واتساب”، حيث أكدوا أنهم كانوا يلتقون مع بعضهم من حين لآخر، ولكن بعد استخدام التطبيق انحصرت علاقاتهم على إرسال الرسائل فقط من خلال “واتساب”.
أما عن تأثير “واتساب” على علاقات الجيران، أكد 84% من المبحوثين أن علاقاتهم مع جيرانهم زادت وتعمقت بعد استخدامهم التطبيق خاصة أن معظم المبحوثين اشتركوا في مجموعة واحدة تضم الجيران في المسكن الواحد، وهو ما ييسر التواصل بينهم بشكل مستمر، وأتاح الفرصة لمناقشة الموضوعات الخاصة بالسكن وعقد اجتماعات دورية بينهم، في حين أكدت نسبة قليلة 11% من المبحوثين أن علاقاتهم ضعفت بعد استخدام “واتساب” وذلك لعدم اهتمامهم بالتواصل مع الجيران ورغبة كل فرد في الاستقلال والخصوصية.
وبالنسبة لأهم الموضوعات التي يتم تناولها في محادثات “واتساب”، فجاءت الموضوعات الدينية في المقدمة وذلك في جميع العلاقات العائلية وعلاقات الأصدقاء والجيران، فيما تمثل الاستثناء في العلاقات الأسرية التي جاءت أخبار الأسرة في مقدمة هذه الموضوعات التي يتم مناقشتها. وتعود صدارة الموضوعات الدينية في محادثات ورسائل “واتساب” إلى الطبيعة المتدينة للمجتمع السعودي، حيث إن المجتمع السعودي متدين بطبعه ويفضل الحديث في الشؤون الدينية بصفة دائمة.
توصيات الدراسة
قدمت الدراسة عددًا من التوصيات من أبرزها ما يلي:
– تنظيم دورات وورش عمل توعوية حيال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ونشر ثقافة استخدام تلك الوسائل من خلال زراعة قيم مجتمعية تجعل الفرد قادرًا على الاستخدام الأمثل لها.
– تطوير تطبيقات تعطي تنبيهًا حين يتم تعدي الوقت الأمثل لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
– القيام بدراسة مؤسسية أكبر على عينة ممثلة لكل فئات المجتمع السعودي للخروج بنتائج أشمل.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن تطبيق “واتساب” شأنه شأن باقي وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين ينطوي على إيجابيات وسلبيات، وهو ما يستلزم ضرورة تقييم ورصد أساليب واتجاهات استخدامه بشكل يُسهم في تعظيم الإيجابيات والحد من السلبيات، مع ضرورة تحجيم الاستخدام إلى معدلات لا تضر بالتفاعل الواقعي بين أفراد المجتمع وتجعلهم أسرى لنمط الاتصال عن بُعد.
5 دقائق