تطورت وسائل الإعلام وتعددت في السنوات الأخيرة، وبفضل التقدم العلمي والثورة التكنولوجية ظهر الإعلام الرقمي، وبات من الوسائل المهمة في تشكيل الرأي العام من خلال دوره الفعال في نشر الأخبار والمعلومات.
ففي العصر الرقمي الحديث الذي تنتشر فيه المعلومات في لمح البصر ومع تزايد إقبال أفراد المجتمع على التعامل مع وسائل الإعلام الرقمي، أضحت الأخيرة تلعب دورًا بارزًا في تشكيل آراء ومواقف وتوجهات المجتمع بشأن مختلف القضايا، ومنها تمكين المرأة ومشاركتها وإدماجها في مختلف مجالات الحياة، خاصة في السنوات الأخيرة مع اتخاذ المملكة العربية السعودية العديد من الخطوات الهادفة لتحسين أحوال المرأة والاهتمام بها وتنمية قدرتها المعرفية والمهارية عبر البرامج التعليمية والتدريبية والتثقيفية والتوعوية المتنوعة والهادفة إلى تمكين المرأة السعودية من القيام بأدوارها المنشودة داخل المجتمع.
وقد تبنت المملكة رؤية 2030 لتعطي اهتمامًا خاصًا بالمرأة باعتبارها عماد الأسرة، وعنصرًا مهمًا من عناصر قوة المملكة، ومن ثم وجهت الرؤية إلى الاستمرار في تنمية مواهبها واستثمار طاقاتها وتمكينها من الحصول على الفرص المناسبة لبناء مستقبلها، والإسهام في تنمية المجتمع، وشغلها المناصب القيادية في المؤسسات العامة والخاصة.
وتجدر الإشارة إلى أن المؤسسات الإعلامية عامة والإعلام الرقمي بوجه خاص يقع على عاتقه مسؤولية نشر هذه الرؤية، وإيصال رسالتها إلى كافة فئات المجتمع وبالطبع في مقدمة تلك الفئات المرأة لا سيما في ظل ما تتضمنه الرؤية من برامج ومبادرات خاصة بتمكين المرأة على كافة الأصعدة.
وفي هذا الإطار، نشرت مجلة جامعة أم القرى للعلوم الاجتماعية دراسة للدكتورة آمال سعد الدين حسين حلبي، الأستاذ المساعد بقسم الإعلام جامعة أم القرى بعنوان “دور الإعلام الرقمي في نشر رؤية المملكة 2030 وعلاقته بتمكين المرأة السعودية”، نستعرضها على النحو التالي:
مشكلة الدراسة
بالنظر إلى ما يتسم به الإعلام الرقمي من سهولة الاستخدام واستهوائه من قبل قطاعات كبيرة من المستخدمين لما يمتلكه من آليات تفاعلية، فإن نشر رؤية المملكة 2030 من خلال وسائل الإعلام الرقمي يمثل أرضًا خصبة للتعرف على تلك الرؤية بصفة عامة ومدى تمكينها للمرأة السعودية بصفة خاصة، وعلى هذا تتبلور مشكلة الدراسة في السؤال التالي: ما هو دور الإعلام الرقمي في نشر رؤية المملكة 2030 وعلاقته بتمكين المرأة السعودية؟
وقد تمثل مجتمع الدراسة في جميع النساء العاملات في قطاع الأعمال الحرة والقطاع الخاص والقطاع الحكومي في المجتمع السعودي، وقد بلغت عينة الدراسة 200 مفردة من المبحوثات، شكلت الفئة العمرية من (18-25 سنة) النسبة الأعلى بمقدار 30.5%، ثم فئة أكثر من 45 سنة بنسبة 29%، تليها الفئة (من 35-45 سنة) بنسبة 20.5%، ثم الفئة (من 26-34 سنة) بنسبة 20%.
وشكلت الحاصلات على البكالوريوس/ الليسانس ( 43.5%) من إجمالي عينة الدراسة، مقابل ( 31.5%) حاصلات على شهادة تعليم متوسط، أما الحاصلات على دراسات عليا فبلغت نسبتهن (25%).
كما بلغت نسبة من لا يعملن( 22.5%)، بينما جاءت نسبة من يعملن في القطاع الخاص ( 29%)، وأخيرًا من يعملن في القطاع الحكومي (48.5%).
نتائج الدراسة
توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج نستعرضها على النحو التالي:
بالنسبة لمدى متابعة المرأة السعودية للإعلام الرقمي، أظهرت الدراسة ارتفاع اهتمام المرأة السعودية بمتابعة وسائل الإعلام الرقمي، فجاءت نسبة من يتابعها بصفة دائمة (83%) وبصفة غير منتظمة أي أحيانًا (17%).
وأوضحت 52.5% من عينة الدراسة أنهن يتابعن وسائل الإعلام الرقمي أكثر من 3 ساعات يوميًا، بينما 20.5% يتابعنها من ساعتين إلى أقل من 3 ساعات، فيما بلغت نسبة من يتابعن وسائل الإعلام الرقمي لأقل من ساعة (14.5%)، أما من يتابعنها من ساعة إلى أقل من ساعتين فبلغت نسبتهن 12.5%.
وفيما يتعلق بأهم أشكال وسائل الإعلام الرقمي التي تتعرض لها المرأة السعودية عينة الدراسة يوميًا، جاء في المقدمة شبكات التواصل الاجتماعي بنسبة بلغت 100%، ثم المواقع الإلكترونية بنسبة 29%، تليها المواقع الإخبارية بنسبة 17%، ثم الصحف الإلكترونية بنسبة 12.5%، والمدونات بنسبة 5.5%، وأخيرًا المنتديات بنسبة 4%.
وأوضحت النتائج التفصيلية وجود فروق ذات دلالة إحصائية في استجابات المرأة السعودية لنسبة التعرض لوسائل الإعلام الإلكتروني وذلك تبعًا لاختلاف عملهن، إذ جاء تعرض المرأة التي لا تعمل للمنتديات بنسبة 11.1% وهي نسبة أعلى من باقي السيدات اللاتي يعملن في القطاع الخاص (3.1%) بينما لا تتعرض السيدات اللاتي تعملن في القطاع الحكومي للمنتديات إطلاقًا.
وحول أهم أسباب متابعة المرأة لوسائل الإعلام الرقمي، فقد تمثلت أهمها في أنها “تساعدني على إدراك وفهم القضايا المطروحة في المجتمع السعودي” بنسبة 71%، وفي المرتبة الثانية “أوسع انتشارًا من وسائل الإعلام الأخرى” بنسبة 58%، وفي المركز الثالث أنها “أكثر جاذبية في عرض مختلف الأحداث والقضايا في المجتمع السعودي” بنسبة 42%، وفي المرتبة الرابعة ظهر السببين التاليين “لشغل وقت الفراغ – تعودت على استخدامها” بنسبة 41.5%، في حين جاء في المركز الخامس “تقديم الأخبار مدعمة بالصور والفيديوهات بنسبة 33%، أما بالمركز السادس فجاء أنها “تناقش القضايا والآراء بحيادية وموضوعية وعمق” بنسبة 18%، ثم “تساعدني على ترتيب أولوياتي نحو الموضوعات والأحداث ذات الصلة بالشأن السعودي” بنسبة 6%، وفي المركز الثامن والأخير جاء سبب “إمكانية متابعتها في أي وقت” بنسبة ضئيلة جدًا بلغت 2%.
وفيما يتعلق بمدى معرفة المرأة السعودية عينة الدراسة برؤية المملكة 2030، أكدت 77% من العينة معرفتهن جيدًا لرؤية المملكة 2030، بينما قالت 23% إنهن يعرفن الرؤية إلى حد ما.
ومن وجهة نظر المرأة السعودية نجحت كل من مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية في تغطية رؤية المملكة بدرجة كبيرة، بينما نجحت المواقع الإخبارية والصحف الإلكترونية بدرجة متوسطة، أما المنتديات والمدونات فقد نجحت بدرجة ضعيفة.
وأظهرت نتائج الدراسة أن 80% من العينة يرى أن مستخدمي وسائل الإعلام الرقمي يهتمون بدرجة كبيرة بمتابعة قضايا تمكين المرأة في ضوء رؤية المملكة 2030، فيما جاءت نسبة من يرى أنهم يهتمون بدرجة متوسطة 20%.
أما عن درجة اهتمام رؤية المملكة بقضية تمكين المرأة من وجهة نظر المرأة السعودية، فإن نسبة 80.5% من المرأة السعودية العاملة في العديد من القطاعات الحكومية والقطاع الخاص وكذلك المرأة التي لا تعمل ترى أن رؤية المملكة 2030 تهتم بدرجة كبيرة بقضية تمكين المرأة، بينما اعتبر 15.5% من عينة الدراسة أنها تهتم بدرجة متوسطة بقضية تمكين المرأة، ورأت 4% فقط من العينة أن رؤية المملكة تهتم بدرجة ضعيفة بقضية تمكين المرأة.
وأظهرت نتائج الدراسة أيضًا أن 80% من المرأة السعودية العاملة وغير العاملة ترى أن رؤية المملكة 2030 مكنت المرأة السعودية من أخذ حقوقها، بينما 14% من عينة الدراسة ترى أنها مكنت المرأة السعودية من أخذ حقوقها إلى حد ما، أما نسبة 6% فقط فترى أن رؤية المملكة لم تمكن المرأة السعودية من أخذ حقوقها.
وبالنسبة لدور الإعلام الرقمي في نشر رؤية المملكة وعلاقته بالتمكين التعليمي للمرأة السعودية، عكست المتوسطات المرتفعة لدرجات عينة الدراسة موافقتهن على كل من “تعمل على تنمية مهارات التكنولوجيا ووسائط المعرفة للمرأة السعودية، وتنمي لدى المرأة مهارات التعلم الذاتي، وحصولها على حقها في التعليم، وتطلع المرأة على أهم مشكلاتها التعليمية وسبل حلها، وتسهل على المرأة الحصول على منح وبعثات خارجية، وزيادة مشاركة المرأة في النظام التعليمي، وتعمل على توجيه المرأة نحو التخصصات العلمية والمهنية، وتدعم حقوق المرأة التعليمية في المجتمع، وتوفر مكتبات لزيادة معرفة المرأة في الجوانب العلمية المختلفة”.
أما عن دور الإعلام الرقمي في نشر رؤية المملكة وعلاقته بالتمكين السياسي، رأت عينة الدراسة بمتوسطات مرتفعة أنها تتمثل في ما يلي: “تشجع المرأة على ممارسة العمل السياسي، المشاركة الإيجابية للمرأة في عملية اتخاذ القرار، زيادة التشريعات المحفزة لمشاركة المرأة، تدعم المرأة في المناصب الحكومية العليا، وتقوم بالمشاركة في الحياة السياسية كأي مواطن عادي، وتساند مشاركة المرأة في الحياة العامة”.
وفيما يتعلق بدور الإعلام الرقمي في نشر رؤية المملكة وعلاقته بالتمكين الاقتصادي، عكست المتوسطات المرتفعة لدرجات عينة الدراسة أنها تقوم بالآتي: توعية المرأة بحقوقها في العمل، وزيادة التوسع في مجالات العمل للمرأة لتحقيق استقلالها وحصولها على دخل كاف لتلبية احتياجاتها، وتعرف المرأة بأحكام استقلاليتها في الذمة المالية، تدريب المرأة في مختلف نواحي الأعمال مقارنة بالرجل، وتزيد من قدرة المرأة على إدارة المنزل، وتدرب المرأة على إدارة المشروعات الصغيرة، وتساعد على تحسين مستوى معيشة المرأة من خلال المشاريع الصغيرة.
بالنسبة لدور الإعلام الرقمي في نشر رؤية المملكة وعلاقته بالتمكين الاجتماعي، رأت عينة الدراسة بمتوسطات مرتفعة أنها تتمثل في القدرة على اتخاذ القرارات المتعلقة بحياتها، وتزيد من مستوى شعور المرأة بذاتها واحترامها لنفسها، وإحداث تغييرات في القيم والمعتقدات المرتبطة بصنع القرار في مؤسسات المجتمع، وتعطي المرأة حرية اختيار مهنتها وعملها، وتزيد من وعي المرأة بحقوقها الزوجية، ويساعدها في معرفة حقوقها وواجباتها، وتدعم مشاركة المرأة في اتخاذ وصنع القرارات داخل الأسرة، والمشاركة الإيجابية في تنمية مجتمعها، وتعطي المرأة الضوابط الاجتماعية للعمل خارج البيت، وتدعم قدرة المرأة الذاتية لزيادة فاعليتها في المجتمع.
التوصيات
قدمت الدراسة عددًا من التوصيات من أبرزها ما يلي:
- أهمية تمكين المرأة وفقًا لرؤية المملكة 2030، وتفعيل القوانين والتشريعات المتعلقة بها والتي تضمن حقوقها.
- رفع مستوى الوعي بالدور الإيجابي الذي تلعبه المرأة في المجتمع، وذلك من خلال برامج وسياسات من الحكومة تدعو إلى المساواة بين الجنسين.
- ضرورة جعل رؤية المملكة العربية السعودية 2030 بمثابة المرجعية والمظلة العامة التي تنطلق منها وتعمل في إطارها مختلف وسائل الإعلام.
- تعيين المزيد من النساء في مواقع اتخاذ القرار عبر كل قطاع ومنطقة.
- إجراء العديد من الدراسات للتعرف على دور وسائل الإعلام المختلفة في نشر رؤية المملكة 2030 باعتبارها هدفًا قوميًّا.
- ضرورة توظيف الإعلام الرقمي في توعية أفراد المجتمع السعودي برؤية المملكة 2030.
- إعطاء المرأة السعودية فرصًا أكبر للعمل في المؤسسات العامة والخاصة والساحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
- إعداد المزيد من الدراسات والبحوث التي تتناول بشكل أكثر عمقًا وتفصيلًا كل جانب من الجوانب التي تشتمل عليها رؤية المملكة 2030.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن وسائل الإعلام الرقمي تلعب دورًا هامًا على صعيد إيصال الرسائل التي تتضمنها رؤية المملكة 2030 بشأن المرأة وترجمة المنجزات المتحققة من خلال برامجها والتي ساعدت على تمكين المرأة السعودية في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، وتوظيف إمكانات المرأة واستغلال طاقاتها لتقوم بدورها في دعم مسيرة التحديث والتنمية التي تشهدها المملكة في شتى أنحائها، من أجل حاضر زاهر ومستقبل أكثر إشراقًا وتعزيزًا لمكانة المملكة الرائدة على الصعيدين الإقليمي والدولي.